ليست المرّة الأولى التي يطلّ فيها مسؤول بارز في دولة الإمارات العربية المتحدة، مستفزا مشاعر شعوب عربية بتصريحات إعلامية، هذه المرة طال الأمر الجزائر، البلد التي يُطلق عليها “بلد المليون شهيد”، وفي غمرة احتفال الشعب الجزائري بعيد النصر الموافق لـ 19 من كل مارس، قال حاكم إمارة الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، إن الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول منح الجزائر استقلالها إرضاءً لجمال عبد الناصر حتى يكسب ودّ العرب، وهو ما اعتبره البعض تشكيكًا في نضال الجزائريين، وهو ما لقى استنكارا كبيرا منهم، وصل حدّ تصنيف هذه التصريحات ضمن خانة التنكر لتضحيات الجزائريين الذين حصلوا على استقلالهم بقوة السلاح والتضحيات وليس بقرار شخص.
“ديغول” يمنح الجزائر الاستقلال لكسب ود “عبد الناصر”
وفق هذه التصريحات، التي نشرها الموقع الرسمي للشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة وتناقلتها وسائل الاعلام، قال القاسمي إن الرئيس الأسبق لفرنسا شارل ديغول (1890/ 1970) قرر منح الاستقلال للجزائر في العام 1962 من أجل إرضاء الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر (1918/ 1970).
وورد في النص المنشور المنسوب لذات المسؤول الإماراتي: “سُئِلَ شارل ديغول الرئيس الأسبق لفرنسا، لماذا كلما أردت اتخاذ قرار هام وعقدت له اجتماعا مع كافة الوزراء، تحرص دائماً على أن يجلس بجوارك وزير الثقافة مورو، بينما كل الوزراء متواجدون؟ فأجاب ديغول: لأن وزير الثقافة يذكرني بإنسانيتي”
وتابع: “سأل ديغول وزير ثقافته كيف أستطيع أن أكسب ود العرب الذين تُمَجِد فيهم؟ فأجابه: بأن ترضي الزعيم العربي جمال عبد الناصر، رحمة الله عليه، فإذا كسبت الزعيم العربي جمال عبد الناصر فإنك ستكسب العالم العربي بأكمله… فسأله ديغول: كيف يمكنني أن أكسب الزعيم العربي جمال عبد الناصر؟ فأجابه: عليك أن تعطي الجزائر استقلالها.” وواصل حاكم الشارقة سرده للقصة: “قال ديغول قاصداً الجزائر: الآن عرفتهم، وعمل على استقلال الجزائر”.
وشارل ديغول هو الرئيس الأول للجمهورية الفرنسية الخامسة، حيث تسلم منصبه في 21 ديسمبر/كانون الأول 1958، وأعيد انتخابه بالاقتراع الشعبي المباشر في 19 ديسمبر 1965″.
غضب جزائري
تصريحات صادمة أزعجت الجزائريين خاصة والعرب عامة، ونتج عنها موجة غضب كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الاعلام بكامل أصنافها، فالجزائر قدّمت أكثر من مليون شهيد إلى جانب مئات الآلاف من المهجرين والمفقودين لنيل استقلالها من فرنسا التي احتلّت أرضها لأكثر من 132 سنة.
في أول ردّ من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم على هذه التصريحات، قال الأمين العام للحزب جمال ولد عباس “الاستقلال تم بفضل تضحيات ملايين الجزائريين الذين قطّعت رؤوسهم.. لا ديغول ولا الإمارات منحوه لنا.” وأضاف ولد عباس، ساخرا من تصريحات سلطان بن محمد القاسمي: “قال الإمارات.. قال”.
https://twitter.com/fleurbonoise1/status/843905231490633730?s=04
بدورها، نددت جمعية وفاء لحماية وتخليد مآثر الثورة على لسان رئيسها حمايرية عبد الرحمن بهذه التصريحات وطالبت باعتذار رسمي عن “هذا التشويه التاريخي للأحداث”. وقال حمايرية إن ” هذه التصريحات في غير محلها” ودعا حاكم الشارقة لتحمل المسؤولية وتقديم الاعتذار عما ألحقته بالشعب الجزائري كله من خلال الطعن في مسيرة طويلة للتحرر من نير الاستعمار.”
وسائل الاعلام على الخط
ردّا على هذه التصريحات، كتبت موقع جريدة الخبر، “يبدو أن سلطان بن محمد القاسمي نسي أو تناسى تضحيات الشعب الجزائري منذ دخول الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830 وقوافل الشهداء الذين قدموا ارواحهم في سبيل الحرية، حيث لخص المسؤول الاماراتي استقلال الجزائر في علاقات شخصية بين ديغول وعبد الناصر. “
وكتبت صحيفة “الشروق”، تعقيبا على هذه التصريحات، ” أحدث تصريح حاكم الشارقة الكثير من ردود الفعل الغاضبة بين الجزائريين، خصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصنفوه ضمن خانة التنكر للثورة الجزائرية ولتضحيات الجزائريين الذين استدروا استقلالهم بقوة السلاح والتضحيات وليس بقرار شخص.“
من جهته وجه الإعلامي الجزائري، والمذيع بقناة “الشروق”، محمد الفاتح خوخي، انتقادات لاذعة لحاكم إمارة الشارقة، ودعا “خوخي” خلال تقديمه برنامج “الشروق مورنينغ”، إلى تقديم مجموعة من الكتب لحاكم الشارقة ليعرف تاريخ الجزائر، بحيث يتم تسليمها للسفير الإماراتي في الجزائر لإيصالها إليه.
نشطاء يندّدون
أحدث تصريح حاكم الشارقة الكثير من ردود الفعل الغاضبة بين الجزائريين، إذ دشّن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) هاشتاج #اخبرهم_كيف_استقلت_الجزاير” و”#عار_عليك_يا_حاكم_الشارقة”، وظهر في آلاف التغريدات التي ندد معظمها بتصريحات القاسمي. وافتخر عدد من المغردين في تغريداتهم بالثورة الجزائرية، معتبرين أن تصريحات القاسمي مسيئة لبلادهم. كما استخدم بعض المغردين من الخليج هذين الهاشتاجين لإظهار تضامنهم مع الشعب الجزائري ورفضهم لهذه التصريحات.وكتب الناشط يوسف سراط تدوينة جاء فيها ” شهداؤنا الابرار احياء عند ربهم يرزقون صنعوا الامجاد ورفعوا راس امة لا الاه الا الله ولم يرفعها ديقول”، ونشر معها صور وفيديوهات لثوار جزائريين.
من جهتها كتبت ناشطة مغربية تدعى هاجر قدسي، ” بلدي الشقيق -الجزائر- بلد المليون ونصف شهيد؛ يشهد تاريخها الحافل بمقاومات بطولية أنه خَلَّد المجد لها ولكل العرب.. ويبدو أن من تطاول عليها يلزمه درس في التاريخ ليعرف أن من همّش تاريخا كهذا إنما ألحق الخزي والجهل باسمه -فقط لاغير.”
وكتب الناشط يوسف سراط تدوينة جاء فيها ” شهداؤنا الابرار احياء عند ربهم يرزقون صنعوا الامجاد ورفعوا راس امة لا الاه الا الله ولم يرفعها ديقول”، ونشر معها صور وفيديوهات لثوار جزائريين.
بدوره دافع خطيب جامع الشيخ زايد الكبير في مدينة أبو ظبي الإماراتية وسيم يوسف عن الشعب الجزائري، معتبرا أنه أكثر شعب قدم تضحية من أجل بلده،وقال يوسف في تغريدة على تويتر، ” لن تجد في العالم العربي دولة قدمت الشهداء وقامت بالتضحيات من أجل إرجاع سيادتهم و وطنهم أكثر من دولة #الجزائر.”
لن تجد في العالم العربي دولة قدمت الشهداء وقامت بالتضحيات من أجل إرجاع سيادتهم و وطنهم أكثر من دولة #الجزائر ..
— وسيم يوسف (@waseem_yousef) March 20, 2017
وحتى لا تنجم عن هذه التصريحات أزمة بين شعبي الجزائر والإمارات الشقيقين كتب الإعلامي الجزائري أنور مالك تدوينة على موقع الرسمي على تويتر جاء فيها “ثورة #الجزائر عظيمة عبر التاريخ ولن يقلل من شأنها طاعن فيها سواء كان من الغرب أو العرب ولن يزيد في قيمتها مدافع عنها بأجندة خبيثة أو سوء أدب.”
ثورة #الجزائر عظيمة عبر التاريخ ولن يقلل من شأنها طاعن فيها سواء كان من الغرب أو العرب ولن يزيد في قيمتها مدافع عنها بأجندة خبيثة أو سوء أدب
— أنور مالك (@anwarmalek) March 21, 2017
ويجرّم الدستور الجزائري المساس بالثورة التحريرية “المقدسة”، وجل مبادئ الدستور في هذا البلد مستوحاة من الثورة التي فجرتها ما تعرف بـ “مجموعة الـ 22″، التي اجتمع أعضاؤها (توفي جلهم) بأعالي العاصمة الجزائر، لإعطاء صفارة إطلاق أول رصاصة ضد المستعمر الفرنسي.
واستعمرت فرنسا الجزائر بين عامي 1830 و1962 وخرجت بعد ثورة شعبية مسلحة دامت بين عامي 1954 و1962 وخلفت حسب مؤرخين مليون ونصف المليون ضحية إلى جانب مئات الآلاف من المهجرين والمفقودين.