قال تقرير نشرته الإيكونوميست في عددها الصادر أمس السبت أن الجنرالات الذين خلعوا الإخوان المسلمين من السلطة، أكثر حرصا على التمسك بالسلطة في مصر من تركها للمدنيين.
وقال التقرير المعنون: “رجال طموحين في الزي العسكري“
في البداية يقول التقرير أن السيسي قد يفكر في الترشح للرئاسة، ويعرض لتصريحات المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الذي صرح بأنه “لا شيء يمنع السيسي من الترشح للرئاسة كأي مواطن رسمي إذا قرر الترشح والاستقالة من منصبه في القوات المسلحة”
الإعلام المصري بحسب التقرير بدأ في مقارنة السيسي بالزعيم جمال عبدالناصر، الذي أطاح بآخر الملوك الذين حكموا مصر في انقلاب عام ١٩٥.
وفي تحليل لخطاب السيسي يقول التقرير أنه يبدو أكثر “تقوى” من سلفه طنطاوي، حيث يخلط في خطابه بين القومية والإسلام. وفي كثير من الأحيان يسعى السيسي لإدراج آيات قرآنية في حواراته. السيسي الذي عمل ملحقا عسكريا بالعربية السعودية، ترتدي واحدة من بناته النقاب، في حين ترتدي الأخرى حجاب الرأس.
السيسي كان يرأس المخابرات الحربية حين دافع علنا عن قيام بعض أفراد الجيش “اختبارات كشوف العذرية” على فتيات ثوريات في ميدان التحرير في ٢٠١٢
أثناء دراسته في كلية الحرب الامريكية قال السيسي أنه يطمح لأن تكون مصر بشكل تدريجي أكثر تعددية سياسية، وأن يظل الجيش “فوق السياسة” في مصر. وحتى وقت قريب، اعتقد المراقبون أن الجيش في مصر لا يمتلك الرغبة في الوصول إلى السلطة، وفي المقابل “يسعى الجيش للحفاظ على امتيازاته الاقتصادية” بحسب تقرير نشر العام الماضي ضمن تقارير مجموعة الأزمات الدولية
ورغم ذلك، أظهر جنرالات الجيش شهية للسلطة، فقد حاول بعضهم حث المشير طنطاوي للترشح في انتخابات الرئاسة، في حين مال الجيش في الانتخابات الرئاسية لدعم قائد سلاح الجو السابق أحمد شفيق في مواجهة مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي.
عقب الانتخابات بفترة وجيزة، ظهر أن السيسي قد يكون في تحالف من نوع ما مع الأخوان المسلمين، فتم تعيينه وزيرا للدفاع في أغسطس عقب أقل من شهرين من تولي مرسي الرئاسة، وطهر الجيش من عشرات الضباط الذين ارتبطوا عن قرب بسلفه طنطاوي. كما حذر السيسي عندها الجيش من التدخل في السياسة قائلا أن تلك التدخلات قد تؤدي بمصر إلى مصير الصومال أو أفغانستان.
وعرض التقرير شهادة أحد المجندين المصريين الذي أكد أن السيسي شدد على المعاملة الكريمة للجنود، كما أصبحت وزارة الدفاع في عهده أكثر جدية في التعامل مع الشكاوى التي ترد من المجندين ضد الضباط.
“وكما استحوذ الإخوان المسلمين على المزيد من السلطات، في الوقت الذي خسروا فيه شعبيتهم، تعارضت طموحات الجنرالات وتعهداتهم بالبقاء بعيدين عن السياسة. فعقب انقلاب الشهر الماضي، عين السيسي نفسه نائبا أول لرئيس الوزراء بالإضافة لمنصبه كوزير للدفاع، لكنه لم يفعل شيئا للعودة للتعددية الديمقراطية، بل واعتقل العشرات من قادة الإخوان وقتلت قوات الأمن المئات من أنصارهم خلال شهر من الاحتجاجات”.
يتصور التقرير أن الجنرالات في مصر يستلهمون النموذج الباكستاني حيث يحكم الجيش الدولة في وجود غطاء من القادة المدنيين، وكلما شعر بعض المدنيين بالغرور، أعاد الجيش عقارب الساعة السياسية إلى البداية.
لكن الجيش في مصر غير قادر على التعامل مثل نظيره الباكستاني. في ٢٠٠٨ قالت برقية من السفارة الأمريكية من ضمن البرقيات التي سربت على موقع ويكيليكس مستشهدة بعسكريين سابقين ومحللين “أن الجيش المصري لم يعد قادرا على القتال”
الجيش يعامل المؤسسات المدنية بازدراء كما جاء في التقرير، فيهدي الجيش للشعب الطرق، وفي عهد عبالناصر أظهرت الجداريات الجنود يسيرون جنبا إلى جنب مع الفلاحين والعمال والمعلمين والمثقفين، اليوم تظهر ملصقات مماثلة جندي الجيش يحمل طفلا صغيرا في المهد، في إشارة للشعب المصري.
الجيش المصري آكبر من مجرد قوة قتالية بحسب التقرير، في الواقع يبدو أن الكفاءة القتالية هي الأقل نموا من بين القطاعات التي يهتم بها الجيش. فالجيش أصبح يشارك عن طريق كبار ضباطه المتقاعدين في الادارات المدنية،
وجاء في التقرير أن الشركات المملوكة للجيش الآن في مصر تسيطر على قطاعات كبيرة من الاقتصاد المصري تتراوح من التصنيع الحربي للسلع الاستهلاكية، فالجيش يهيمن على سوق المياة، زيت الزيتون، الأسمنت، البناء، الفنادق، والبنزين. كما أن تقديرات حجم معاملات الجيش الاقتصادية تتراوح بين ٨٪ و ٤٠٪ بحسب التقرير.
ويقول التقرير أن الجيش يعتمد على دعم المدنيين الذين هم على استعداد للحكم في صيغة تمكن للعسكر. ويقول التقرير أنه بعد الإطاحة بالإخوان يبدو من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان أشخاص ذوي ثقل سياسي مثل البرادعي وزياد بهاء الدين هم مجرد دمى أم فاعلين لهم نفوذ حقيقي. في حين أن بعضهم قد عبر عن بعض القلق بالفعل فقد قال زياد بهاء الدين في تصريح له “أننا لن ننسخ السياسات القمعية والاقصائية من ألد أعدائنا” في إشارة للدعوات من إقصاء الإخوان المسلمين والإسلاميين من على الساحة.
حتى الان يبدو الجيش هو الأكثر المؤسسات قبولا بين المصريين، ففي استقصاء تم في مايو، نال الجيش ٩٤٪ في استطلاعات الرأي في مقابل ٣٠٪ لمؤسسة الرئاسة. لكن “المصريون يعانون من ذاكرة قصيرة الأمد”، فقد هتف المصريون للجيش عقب ثورة ٢٥ يناير، ثم اعتبروا تعرية “الفتاة ذات حمالات الصدر الزرقاء” في ديسمبر ٢٠١١ نقطة تحول في النظرة للجيش المصري حيث اعتبروه ضد تطلعات الثورة في مصر، وبعد الانقلاب الاخير ينادي المصريون بحياة الجيش بغض النظر عن الانتهاكات الماضية. على كل حال يبدو أن الجيش أكثر اعتمادا على الدعم الشعبي أكثر من أي وقت مضى.
الجيش قد يفقد هذا الدعم الشعبي اذا لم يستطع إصلاح الاقتصاد، فالاخوان كذلك كانوا يمتلكون الرصيد الشعبي الكبير عندما وصلوا إلى السلطة، والشعب الآن ينتظر من الجيش توفير فرص العمل والخدمات التي يبدو أنها لن تتحقق أبدا. بإمكان الجيش أن يقوم ببعض الإصلاحات، والتي قطعا ستقلل من امتيازات الجيش وقد يهدد امبراطوريته الاقتصادية، وهذا من الممكن أن يدعمه شعبيا وهو ما يريده السيسي، لكن العديد من الضباط في الجيش المصري من غير المرجح أن يقبلوا بذلك.
التقرير يتساءل: هل تعود مصر تحت الحكم العسكري؟