يستعد قيس سعيد لتنظيم الانتخابات المحلية في نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، لاستكمال بناء نظامه القاعدي، وذلك بعد أن نظم هو وأنصاره في وقت سابق انتخابات نيابية كانت الأسوأ في تاريخ تونس منذ الاستقلال سنة 1956.
بالتزامن مع ذلك، دعت تنسيقية “القوى الديمقراطية والتقدمية” المعارضة في تونس إلى مقاطعة هذه الانتخابات، مؤكدة أن المقاطعة ستكون من أجل “تعبيد الطريق نحو إقامة نظام ديمقراطي واجتماعي”، يحقق فيه التونسيون مطالبهم وطموحاتهم المشروعة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية.
مرسوم رئاسي
خلال الأيام الماضية، أصدر الرئيس قيس سعيد، أمرًا بدعوة المواطنين، لانتخاب أعضاء المجالس البلدية، بالجريدة الرسمية التونسية “الرائد الرسمي”، وجاء في الفصل الأول من الأمر عدد 588، “يُدعى الناخبون الأحد 24 ديسمبر/كانون الأول 2023 لانتخاب أعضاء المجالس المحلية”.
أتى بالفصل الثاني “ينشر هذا الأمر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية”، دون تفاصيل أخرى، وقبل ذلك قال سعيد إنه ستكون هناك دورة ثانية سيتم الإعلان عنها إثر الإعلان عن نتائج الأولى مباشرة، أي أن هذه الانتخابات ستكون على دورتين عكس الانتخابات المحلية لسنة 2018 التي كانت على دورة واحدة وفازت فيها حركة النهضة بأغلبية المقاعد.
من المرتقب فتح باب الترشح لعضوية المجالس المحلية في 23 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإغلاقه يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني، وفق رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، ويدور هذا الاستحقاق في “2155 مركزًا انتخابيًا موزعًا في أنحاء البلاد كافة”.
بحسب بوعسكر “سيتم الإعلان عن قائمة المرشحين في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وتقبل طلبات الانسحاب من المشاركة في الانتخابات حتى 16 من الشهر نفسه”، على أن تنطلق الحملة الانتخابية يوم 3 ديسمبر/كانون الأول، قبل 21 يومًا من تاريخ الاقتراع، ليكون الصمت الانتخابي في 23 من الشهر نفسه، ويمتد إلى توقيت إغلاق الاقتراع.
ووفق رئيس هيئة الانتخابات، “سيكون الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات المحلية في 27 ديسمبر/كانون الأول، أما الإعلان النهائي بعد النظر في الطعون المقدمة فسيكون في 27 يناير/كانون الثاني 2024″، وسيكون على المرشح لانتخابات المجالس المحلية الحصول على 50 تزكية دون تعريف بالإمضاء (التوقيع)، شرط أن يثبت إقامته في دائرة (منطقة) ترشحه، ويعفى من هذا الشرط ذوو الإعاقة.
وحُدّد العدد الإجمالي للمجالس المحلية بـ279 مجلسًا، على أن يكون إجمالي أعضاء هذه المجالس 2434 عضوًا، وأعلنت هيئة الانتخابات أن العدد الإجمالي لمراكز الاقتراع سيكون 4695 مركزًا، تضمّ جميعها 11445 مكتب اقتراع، مشيرة إلى أن عدد أعضاء مراكز ومكاتب الاقتراع سيكون 46224.
ويبلغ عدد الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي 9 ملايين و64 ألفًا و758 ناخبًا، منهم 6 ملايين و748 ألفًا و628 ناخبًا سجلوا إراديًا (74.4%)، ومليونان و316 ألفًا و130 ناخبًا تم تسجيلهم آليًا (25.6%)، وحسب الجنس، يتوزع الناخبون إلى 4 ملايين و623 ألفًا و742 من الإناث (51%)، و4 ملايين و441 ألفًا و16 من الذكور (49%).
مؤسسات “النظام القاعدي”
يعتبر إجراء الانتخابات المحلية وتنصيب المجالس الجهوية ومن بعدها مجالس الأقاليم، المرحلة الأخيرة في تركيز مؤسسات “الجمهورية الثالثة” التي بدأ سعيد في تشكيلها منذ انقلابه على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية في منتصف سنة 2021، وفق أنصاره.
ستؤدي الانتخابات المحلية القادمة إلى تشكيل المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وهو ما نص عليه الدستور الذي كتبه قيس سعيد بنفسه، وسيضم المجلس 77 عضوًا، وسيمثّل الغرفة النيابية الثانية إلى جانب البرلمان الحالي المنتخب تحت سلطة سعيد، الذي بدأ أعماله في مارس/آذار الماضي منقوصًا من 8 نواب لم يتم سد مناصبهم الشاغرة حتى اليوم.
ووفق المرسوم المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، تعتبر كل عمادة (أصغر قسم إداري) دائرة انتخابية، تنتخب ممثلًا واحدًا عنها، ويتم انتخاب المجلس الجهوي للمحافظة عبر القرعة بين أعضاء المجلس المحلي.
أما مجلس الإقليم فيتم الترشح له من الأعضاء المنتخبين في المجالس الجهوية البالغ عددها 24 مجلسًا حسب عدد المحافظات، وكل مجلس جهوي ينتخب ممثلًا واحدًا له بمجلس الإقليم، كما ينتخب كل مجلس جهوي 3 أعضاء لتمثيل جهتهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان)، وينتخب أعضاء مجلس كل إقليم نائبًا واحدًا لتمثيلهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
#الإخشيدي #قيس_سعيد قسم #تونس إلى أقاليم… حسيت أنو #الخضراء في مساحة #ألمانيا الإتحادية وإلا بلاد #العم_سام…نستناو في #الكتاب_الأخضر يا شياح الكالاتوس. #شعبوية
— Ibrahim Hammami (@barhoum19) September 23, 2023
بعيدًا عن مصطلح “الجمهورية الثالثة” الذي يصرّ أنصار سعيد على ترديده، نرى أنه باستكمال وضع هذه المؤسسات سينتهي سعيد من بسط نظام بنائه القاعدي الذي دعا إليه منذ سنوات، عبر سلطة تشريعية بغرفتين، وقد كرس دستوره هذا البناء القاعدي، عبر التنصيص على آلية سحب الوكالة عن النواب، التي تعد من فلسفة النظام القاعدي.
ومنذ بداية ظهوره على التونسيين عقب الإطاحة بنظام بن علي سنة 2011، قدم سعيد رؤيته لنظام الحكم وركز على “طرح مغاير لممارسة العملية الديمقراطية، وفق فكر سياسي جديد”، بحسب تعبيره، وينبني هذا الطرح على مبدأي الديمقراطية المباشرة والبناء القاعدي، أو ما يسميه “البناء الديمقراطي القاعدي”.
وخلال حملته الانتخابية أو “حملته التفسيرية” وفق ما يسميها، قال سعيد، إنه لا يطرح “برنامجًا انتخابيًا تقليديًا، وإنما رؤية مغايرة للحكم والتنمية، تمكّن التونسيين من التعبير عن إرادتهم على المستوى المحلي والجهوي، وصولًا إلى المستوى المركزي”.
تقسيم البلاد إلى 5 أقاليم
حتى يستكمل نظامه القاعدي، قرر سعيد تقسيم تونس إداريًا إلى 5 أقاليم جغرافية، ويقول أنصاره إن الغاية من هذا التقسيم أن يكون لكل إقليم استقلاليته الاقتصادية الخاصة، وأن يشتمل على قطب صناعي وجامعي وصحي خاص به، إضافة إلى واجهة بحرية.
يتكون كل إقليم من الأقاليم الخمس من 4 أو 6 ولايات من ولايات تونس الـ24، فيضم الإقليم الأول محافظات: بنزرت وباجة وجندوبة والكاف، أما الثاني فيضم: تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنوبة ونابل.
أثبت سعيد حرصه الشديد على فرض نظام حكمه على التونسيين، دون أن يراعي الأزمات التي أثقلت كاهل الشعب
فيما يضم الإقليم الثالث محافظات: سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية، ويضم الإقليم الرابع محافظات: توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة، أما الإقليم الخامس والأخير فيضم: تطاوين وقابس وقبلي ومدنين.
وفق أمر سعيّد يجتمع مجلس الإقليم، بالتداول بين الولايات المكونة للإقليم، وتنعقد الاجتماعات في مقر الولاية، ويتغير مقر الاجتماع كل ستة أشهر بالنسبة إلى كل إقليم وفق الترتيب المنصوص عليه بالفصل الأول من هذا الأمر.
ينصّ الأمر الرئاسي المنظم لهذا التقسيم، على أن تضع الولايات المكونة للإقليم على ذمة مجالس الأقاليم كل الوسائل البشرية والمادية اللازمة بما يضمن حسن أدائها لمهامها، ويقول بعض التونسيين إن هذا التقسيم يعود إلى زمن الاستعمار الفرنسي حيث كانت فرنسا تقسم البلاد التونسية إلى 5 أقاليم كما أقرها سعيد.
تخبط سعيد
يقول الرئيس قيس سعيد إن الهدف من وراء هذه الانتخابات وهذا التقسيم “تحقيق العدل والتوازن المنشود بين مختلف جهات البلاد”، إلا أن الواقع عكس ذلك، إذ أثبت الرئيس التونسي بهذه القرارات عزمه مواصلة الاستخفاف بمشاكل التونسيين وأزمات البلاد العديدة.
أثبتت هذه القرارات تخبط سعيد، فإلى الآن لا يوجد نظام داخلي للمجالس المحلية، أي أن التونسي مدعو لانتخاب مجلس لا يعرف ما دوره وكيف سيجتمع وكيف سيعمل، فحتى المترشحين لا يعرفون مهامهم وصلاحياتهم.
ما يفعله المنقلب أضحوكة في تاريخ تونس والتجارب السياسية..
مولدي القسومي: لا نعرفو شكون باش يترشح لا كيفاش ننتخبو مجلس الأقاليم متع قيس سعيد.. هذه مهزلة
مولدي القسومي
باحث في علم الاجتماع#تونس#انقلاب_تونس#قيس_سعيد pic.twitter.com/j4ElPjQZEV— Politiket (@PolitiketAr) September 29, 2023
فضلًا عن ذلك، بين الرئيس التونسي حرصه الشديد على فرض نظام حكمه على التونسيين، دون أن يراعي الأزمات التي أثقلت كاهل الشعب، وتهدد بانهيار البلاد في وقت قريب، إن لم يتم التعامل معها ومحاولة وضع حد لها.
من الملاحظ أيضًا أن قرارات سعيد الأخيرة من شأنها أن تزيد في تقسيم البلاد، في وقت كان المفروض فيه أن تبحث السلطة عن آليات لتوحيد التونسيين، ذلك أن التنصيص على هذه الأقاليم الخمس له أن يفكك وحدة الدولة ويمس استقرار المؤسسات وديمومتها.
يأمل سعيد من خلال إضعاف السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية، في توطيد أركان حكمه وإحكام سيطرته على كل المؤسسات في البلاد وذلك بعد أن سيطر على القضاء في وقت سابق، وهو ما سيكون له انعكاس خطير على مستقبل الدولة التونسية.