من يتوقع أن يصل الإرهاب إلى عقر دار الديمقراطية “مجلس العموم البريطاني”؟ البرلمان الأقدم في العالم، بريطانيا التي تمتلك أفضل جهاز أمني واستخباراتي علي الاطلاق، الذي أحبط 12 مخططا إرهابياً منذ عام 2013، بحسب “أليكس يانغر” مدير وكالة الاستخبارات البريطانية (إم آي 6)، البلد الذي كان بمنأى عن الأحداث الإرهابية التي اجتاحت أوروبا العام الماضي.
هل حادث أمس لرمز الديمقراطية في العالم له أهداف بعينها؟ هل هو رسالة لرئيسة الوزراء البريطانية للعدول من الخروج من الاتحاد الأوروبي؟ ربما ومن يعرف!
تسعى بريطانيا حثيثا للخروج من الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن، حيث أكدت “تيريزا ماي” رئيسة الوزراء البريطانية، أنها ستقوم الأسبوع المقبل بتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، التي تسمح لدولة ما بالخروج من الاتحاد الأوروبي، بحلول نهاية مارس الجاري.
بدورها قالت الحكومة هناك، أنها ستوجه خطابات رسمية للدول الأعضاء الباقية في الاتحاد الأوروبي، وعددها 27 دولة، لإخطارها برغبة المملكة المتحدة في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأن الخطاب يتضمن مطالبة “ماي” بقية الأعضاء في الاتحاد ببدء مفاوضات الانفصال بأسرع وقت ممكن.
بحسب “بي بي سي”، فإن توني بلير أكد أن “مهمته” هي إقناع البريطانيين أن “ينتفضوا” ويغيروا رأيهم حول بريكست، التي أشار إلى أن التصويت عليه تم “دون معرفة ببنود الانسحاب من الاتحاد الأوروبي”
من المفترض أن يبدأ الطرفان المفاوضات حول الانفصال، خلال أسابيع وإذا انتهت المفاوضات دون تعطيل، فستنتهي بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2019. وقال المتحدث الحكومة البريطانية، إن السفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي “تيم بارو” أبلغ رئيس المجلس الأوروبي “دونالد توسك” إن لندن ستفعل المادة 50 رسميا الأربعاء 29 مارس الجاري.
يأتي ذلك بعد مضي عشرة أيام، من تمرير البرلمان البريطاني بمجلسيه العموم واللوردات، مشروع قانون يسمح لرئيسة الوزراء ببدء عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومر القانون من البرلمان البريطاني دون أن يتم إدخال أي تعديل عليه، وبحسب ما اقترحته حكومة ماي. وذلك بعد نحو 9 أشهر من الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي صوت البريطانيون لصالحه بفارق ضئيل، إذ بلغت نسبة المؤيدين 51.9% في المصوتين.
كانت ماي قد أكدت أن البرلمان البريطاني بمجلسيه سيصوت على اتفاقية الانفصال بعد التوصل إليها، مؤكدة أن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي حتى لو رفض البرلمان الاتفاق، الذي توصل إليه الطرفان.
“بلير” يحث البريطانيين للانتفاض ضد “البريكست”
في وقت سابق، من شهر فبراير الماضي، هاجم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، تونى بلير، خطة رئيسة الوزراء الحالية “تيريزا ماى” للخروج من الاتحاد الأوروبي، داعيًا الملايين من البريطانيين الرافضين للانسحاب من الاتحاد للتحرك ضد القرار الذى تم الاستفتاء عليه العام الماضي، بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية.
قال “بلير” – في كلمة أمام جمهور بوسط العاصمة لندن – إن بريكست أو قرار الانسحاب من الكتلة الأوروبية ليس “حتمي”، مضيفًا: “إن السمة التي لا تقبل الجدل بالسياسة اليوم هي نزوعها للتمرد”.
بحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، فإن بلير أكد أن “مهمته” هي إقناع البريطانيين أن “ينتفضوا” ويغيروا رأيهم حول بريكست، التي أشار إلى أن التصويت عليه تم “دون معرفة ببنود الانسحاب من الاتحاد الأوروبي”.
حذرت وثيقة مسربة كتبها أعضاء في البرلمان الأوروبي في لجنة التوظيف لمساعدة مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا حول “الخروج”، من أن المملكة المتحدة ليس لديها سجلات المتواجدين على أرضها
أضاف بلير: “سيقولون أن إرادة الشعب لا يمكن أن تتغير، بل يمكنها.. سيقولون أن الانسحاب لا مفر منه، الأمر ليس كذلك”. كما أكد بلير أن هذا الوقت هو وقت “الانتفاض للدفاع عن ما نعتقد به لنفوز بهدوء وصبر وقوة الحجة، ولكن دون خوف، وبقناعة أن ما نقوم به هو المصلحة الحقيقية لبريطانيا”.
وقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق إن التحدي الآن هو فضح تكلفة ما آل إليه قرار الخروج، وإظهار كيف استند القرار على معرفة منقوصة، وتعريف البريطانيين بطريقة مبسطة الضرر الحقيقي من وراء الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى حشد الدعم لإيجاد طريقة لوقف “الاندفاع الحالي إلى حافة الهاوية”.
ملايين الأوروبيين ببريطانيا سيعلقون قانونياً بعد الخروج
كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية، فبراير الماضي، أن الاتحاد الأوروبي يخشى أن ملايين الأوروبيين الذين يعيشون في المملكة المتحدة حاليًا، سيصبحون عالقين قانونيًا بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، نظرًا لضعف نظام الهجرة البريطاني، وذلك وفقًا لوثيقة حصلت عليها الصحيفة.
أضافت أن عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي والدبلوماسيين، يخشون حدوث فوضى بعد خروج المملكة المتحدة، إذ أن وزارة الداخلية البريطانية ليس لديها معلومات كافية أو أنظمة يمكنها الاعتماد عليها لاختيار من يبقى ومن يغادر، بعد أن يحرم “البريكست” المواطنين الأوروبيين من دخول بريطانيا بحرية.
وأوضحت “الجارديان” أنه من المتوقع أن تتفق المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي عند تفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة، وبموجبها تبدأ إجراءات الخروج رسميًا، على موعد نهائي بعده لن يكون للأجانب الذين استقروا في البلاد الحق التلقائي فى البقاء.
حذرت وثيقة مسربة كتبها أعضاء في البرلمان الأوروبي في لجنة التوظيف لمساعدة مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا حول “الخروج”، من أن المملكة المتحدة ليس لديها سجلات المتواجدين على أرضها، ما يعني صعوبة تحديد أياً من مواطني الدول الأوروبية الـ27 مقيم قانونيًا فى المملكة المتحدة قبل أن يبدأ الخروج.
بريطانيا ليست بخير
لا يجب استبعاد ربط الحادث الارهابي بالبرلمان البريطاني، بتمرير الأخير مشروع قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي دون إدخال أي تعديلات، أي دون الالتفات لمستقبل الأوروبيين المقيمين بالمملكة
انقسم الشعب البريطاني، عقب استفتاء يوليو 2016، حيث وافق 51.9% على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ورفض 48.1%، وكلا الطرفين يرى أنه علي صواب، وحتى يتم الكشف عن ملابسات حادث اليوم، ومعرفة أسبابه، أهي بسبب موافقة البرلمان علي مشروع قانون “البريكست” أم لا، لنسترجع موقف مؤيدين الخروج تجاه الرافضين.
عقب الاستفتاء، لقيت النائبة العمالية “جو كوكس” مصرعها، في قضية أثارت جدلاً واسعاً داخل بريطانيا وخارجها، قضية اغتيال النائبة البريطانية جو كوكس جدلا داخل بريطانيا وخارجها، وتذهب التحليلات إلى أن موقف النائبة من “البريكسيت” هو الدافع الرئيسي لمقتلها.
تعرف “كوكس” بموقفها الرافض لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث ذكرت في مقال لها كتبته على موقع “يورك شاير بوست”، أن القلق مشروع من مسألة المهاجرين فيما يخص مميزات التعليم والصحة والمنافسة معهم في العمل، لكن معظم الناس يدركون أن هناك جوانب إيجابية لهذا الأمر، منها توفير العمالة الماهرة التي تحتاجها بريطانيا للنهوض باقتصادها، ووجود الأطباء والممرضات المتميزين للمساعدة في الخدمات الصحية.
تعتبر كوكس، أن أكثر من نصف جميع المهاجرين الوافدين إلى بريطانيا يأتون من خارج الاتحاد الأوروبي، ونتيجة الاستفتاء بشأن بقاء بريطانيا في الاتحاد أو لا، لن يغير ذلك إلى الأفضل، معتبرة أن القول بغير هذا “وهم زائف”.
وكشفت منظمة “ساذرن بوفرتي لو سنتر” للدفاع عن الحقوق المدنية، أن قاتل النائبة، الذي تم القبض عليه من أنصار جماعة “النازيين الجدد” التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها. وأفادت المنظمة أن القاتل هتف أمامها قبل طعنها “بريطانيا أولا”، مشيرة إلى أن القاتل لديه “تاريخ طويل مع التيار القومي الأبيض”.
أخيراً، لا يجب استبعاد ربط الحادث الارهابي بالبرلمان البريطاني، بتمرير الأخير مشروع قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي دون إدخال أي تعديلات، أي دون الالتفات لمستقبل الأوروبيين المقيمين بالمملكة، التي من الرغم من عدم وجود عدداً محدداً بهم، لكن يظلون رقماً لا يستهان به، حيث أن نسبة الرافضين للخروج بلغت 48.1%.