ترجمة وتحرير: نون بوست
يضطر موظفو الخدمة المدنية المصريون والمستفيدون من برنامج الحكومة الرائد للتحويلات النقدية المعني بالفقراء إلى تقديم التماسات تأييد للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي للبقاء في منصبه حتى سنة 2030، بينما تستعد البلاد لخوض انتخابات رئاسية.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات الشهر الماضي مواعيد الانتخابات المقررة في الفترة من 10 إلى 12 /كانون الأول/ديسمبر، على أن تجري الترشيحات للانتخابات في الفترة من 5 إلى 14 تشرين الأول/ أكتوبر.
ووفقًا للوائح الهيئة، لكي يتم قبول المرشح كمرشح رئاسي، يجب أن يحظى المرشح بتأييد ما لا يقل عن 20 عضوًا في مجلس النواب، أو أن يحظى بدعم ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق التصويت فيما لا يقل عن 15 محافظة، بحد أدنى 1000 من كل محافظة.
وبينما يمكن للسيسي بسهولة الحصول على تأييد البرلمان، الذي يهيمن عليه أنصاره من حزب مستقبل وطن، شرعت الوكالات الحكومية في حملة على مستوى البلاد لجمع التوقيعات للرئيس الحالي الذي أكّد يوم الإثنين أنه سيرشح نفسه لولاية ثالثة.
لكن هذه التوقيعات كانت مصحوبة بممارسات الترهيب والرشوة على الرغم من ادعاء وسائل الإعلام الحكومية أن طلبات ترشيح السيسي طوعية وفقًا لشهادات جرى مشاركتها مع موقع ميدل إيست آي.
وقال ستة أفراد مختلفين لموقع “ميدل إيست آي” إنهم إما تعرضوا للتهديد أو الرشوة أو أُجبروا على الذهاب إلى مكاتب السجل العقاري لتقديم التماسات ترشيحهم للسيسي.
ويُعتبر برنامج تكافل وكرامة هو برنامج دعم مالي رائد لحكومة السيسي؛ حيث يحظى بتمويل من اليونيسف والبنك الدولي، ويستفيد منه 22 مليون شخص، 75 بالمائة منهم نساء من الفئات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر ضعفًا في البلاد.
وقالت أم أمنية، البالغة من العمر 51 سنة، عاملة نظافة في إحدى رياض الأطفال، لموقع “ميدل إيست آي”، إن معاشها التقاعدي من برنامج تكافل وكرامة لشهر أيلول/ سبتمبر ظل رهينة حتى قدمت التماس ترشيح لدعم السيسي. وتجدر الإشارة إلى أنها تعيش في أحد أحياء القاهرة الفقيرة، الذي يعرف بعين شمس.
وقالت إنها وعشرات آخرين اضطروا للاجتماع في مكاتب حزب مستقبل وطن، وأوضحت قائلة: “لقد طُلب منا أن نجتمع في مبنى حزب مستقبل الوطن ونقوم بالتسجيل. ثم تم نقلنا في الحافلات وأخذنا إلى أقرب مكاتب التسجيل العقاري للتصويت لصالح السيسي”؛ مضيفة: “لقد كان علينا عرض وتصوير ملف التأييد الخاص بنا من أجل الحصول على معاش تكافل وكرامة الخاص بنا لشهر أيلول/سبتمبر”.
وسلطت مقاطع الفيديو والتغطية الإعلامية الحكومية الضوء على مشاهد عشرات الأشخاص الذين يصلون إلى مكاتب التسجيل لدعم السيسي، ومعظمهم أفراد يبلغون من العمر 50 سنة وينتمون إلى أكثر من خلفيات ومناطق فقيرة في جميع أنحاء البلاد.
وتعرضت تهاني، وهي بائعة متجولة أرملة تبلغ من العمر 54 سنة في عزبة النخل بالقاهرة، لسيناريو مماثل؛ حيث كانت تحصل على 550 جنيهًا مصريًا (18 دولارًا أمريكيًا) شهريًا كجزء من برنامج تكافل وكرامة، واتصل بها موظفها الاجتماعي ليُبلغها عن مشكلة تتعلق ببطاقة الخصم الخاصة بها، والتي تستخدمها لتلقي المعاش التقاعدي، وأخبرها أن عليها التوقيع على العريضة لتحلّ المشكلة.
وقالت تهاني: “مكثنا في الشمس لمدة ثلاث ساعات لانتظار دورنا. كنا معظمنا مطلقات وأرامل ومرضى يعانون من مرض السرطان أو الفشل الكلوي”.
وأرفت قائلة: “إذا لم أحصل على مبلغ بقيمة 550 جنيهًا مصريًا، فلن أتمكن من إطعام أطفالي أو شراء دواء السكري”.
وفي إحدى خطاباته خلال مؤتمر برعاية الدولة نُظِّم في العاصمة الإدارية الجديدة، وصف السيسي يوم السبت خصومه بأنهم “كاذبون ومخربون وأشرار”، حيث شكك المنتقدون في المليارات التي أنفقت على مشاريع البنية التحتية التي نفذها بينما يكافح الكثير من المصريين لسد احتياجاتهم.
وفي ذلك الخطاب، صرح السيسي: “إياكم أيها المصريون أن تقولوا إنكم تفضلون الأكل على البناء والتقدم”. وأضاف: “إذا كان ثمن تقدم الأمة وازدهارها هو الجوع والعطش، فلن نأكل ولا نشرب”.
وقال أبو عماد، سباك متقاعد يعيش بالأقصر تقدّم بطلب للحصول على معاش تكافل، إن موظفي الدولة طلبوا منه تقديم عريضة تأييد كشرط أساسي لاستكمال الطلب.
وفي السياق ذاته، صرح لـ “موقع ميدل إيست آي” خلال اتصال هاتفي: “لقد كنت أحاول التقدم بطلب للحصول على معاش تقاعدي منذ ثمانية أشهر، لكن موظفي وزارة التضامن الاجتماعي أخبرونا أن الطلبات لن تفتح في الوقت الحالي، وقد نحصل على معاش تقاعدي بعد الانتخابات”.
موظفو الخدمة المدنية معرضون للتهديد
وفي الوقت نفسه، يُجبر موظفو الخدمة المدنية أيضًا على تقديم التماساتهم للسيسي.
ففي شأن ذي صلة، أوضح عاطف البالغ من العمر 49 سنة، موظف مسجل بوزارة الزراعة، إن رؤساءه أجبروا جميع العاملين في مكتبه على تقسيم أنفسهم إلى أربع ورديات حتى يتمكنوا جميعًا من الذهاب والتوقيع على التماسات التأييد لصالح السيسي.
وأضاف أن “رئيسه، وهو عضو في حزب مستقبل وطن الحاكم، هددنا جميعًا بالذهاب وإلا أنه سيتم استجوابنا من قبل أمن الدولة الذي له مكاتب في المبنى”، وذاك في إشارة إلى أكبر حزب سياسي في البرلمان والداعم الأساسي للسيسي.
وأوضح عاطف قائلًا: “أنا لا أحب الرئيس لأنه جعلني وعائلتي فقراء. أخبرت مديري أنني سأؤيد شخصًا آخر، وهددني رئيسي في العمل بالسجن وتهمة الإرهاب”.
وواجهت منى الصياد، الموظفة بوزارة التربية والتعليم بالإسكندرية، الموقف ذاته، فلقد تعرضت للترهيب من قبل رؤسائها لتقديم طلب التماس الترشيح؛ وإلا فسيتم رفض إجازتها الطبية.
وتجدر الإشارة إلى أن منى الصياد من أنصار أحمد طنطاوي النائب السابق والرئيس السابق لحزب الكرامة الناصري، والذي كان أول من أعلن نيته الترشح للرئاسة في آيار/مايو الماضي.
وأضافت: “سأنتخبه في الانتخابات عندما يكون لدي المزيد من الحرية، حتى لو اضطررت إلى تزوير إجازة مرضية”.
ويُعد الطنطاوي هو الشخصية المعارضة الأكثر بروزًا التي تأمل في الوقوف ضد السيسي، مع تزايد شعبيته بين الشباب وغيرهم ممن تضرروا من الأزمة الاقتصادية الخانقة في مصر.
وتعهد طنطاوي بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وزيادة شبكات الأمان الاجتماعي، وتهيئة مناخ سياسي واجتماعي صحي يشمل جميع المصريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية.
وندد يوم الإثنين بتصريحات السيسي التي تفيد أنه على المصريين أن يتضوروا جوعا من أجل تقدم الأمة.
وكتب مخاطبًا السيسي مباشرة: “لقد مات المصريون جوعًا أثناء حكمك بسبب إدارتك. ولم يروا أيا من مظاهر التنمية التي وعدوا بها”.
واتهم طنطاوي السيسي بنشر الأكاذيب وتكديس “العمارات الشاهقة والمدن والقصور المبنية في الصحاري، حتى لو كان ذلك على حساب الإنسان العادي وحقه في العيش الكريم والتعليم”.
وأضاف أن “الحكومة جردت المواطنين من الحماية الاجتماعية، مما ترك ثلثي المصريين يعيشون تحت مستوى خط الفقر وحوله، في حين تدهورت أوضاع معظم الثلث المتبقي من السكان بشكل خطير”.
وتواصل موقع “ميدل إيست آي” مع الهيئة الوطنية للانتخابات للسؤال عما إذا كانت قد تلقت تقارير عن انتهاكات ورشوة. وبدلًا من ذلك، أحال أحد المسؤولين موقع ميدل إيست آي إلى “الهيئة العامة للاستعلامات”، التي رفضت التعليق.
وقال أحد أعضاء حزب مستقبل الوطن في منطقة أبو قير بالإسكندرية لموقع “ميدل إيست آي” إن “المتقاعدين وكبار السن يحتاجون إلى التوجيه والمساعدة عندما يتعلق الأمر بالإجراءات المعقدة، وهذا ما كان يتكفل الحزب بالقيام به”.
وأكد عضو الحزب، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن مزاعم الرشوة كاذبة ونشرها أنصار مرشحي المعارضة.
أزمة اقتصادية
وستجرى الانتخابات الرئاسية في الوقت الذي تعاني فيه مصر، التي يقطنها أكثر من 109 ملايين نسمة، من أزمة اقتصادية حادة أدت إلى خسارة الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار، مما أدى إلى تضخم قياسي ونقص في العملات الأجنبية.
ووفقًا للأرقام الرسمية، وصل معدل التضخم السنوي وفي آب/أغسطس، في مصر إلى ما يصل إلى 40 بالمائة، مما أدى إلى تدهور وضعية المزيد من المصريين تحت خط الفقر أو قربه.
وتعود الأزمة المالية إلى عدة من الأسباب، بما في ذلك وباء كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، ولكن أشارت شخصيات معارضة ومحللون اقتصاديون بأصابع الاتهام إلى قبضة الجيش المتزايدة على الاقتصاد بعد انقلاب السيسي سنة 2013 الذي أطاح بحكومة الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وفاز السيسي بفترة ولاية ثانية في انتخابات 2018 بانتصار ساحق، حيث حصل على 97 بالمائة من الأصوات، ضد مرشح واحد، كان هو نفسه من مؤيدي السيسي، بعد أن تم اعتقال جميع المرشحين الجادين للمعارضة أو انسحابهم، بعد تعرضهم للترهيب.
ومهدت التعديلات الدستورية لسنة 2019 الطريق أمام الجنرال السابق بالجيش البالغ من العمر 68 سنة للترشح لفترتين إضافيتين، فضلا عن تمديد مدة الفترات الرئاسية من أربع سنوات إلى ست سنوات.
المصدر: ميدل إيست آي