ترجمة وتحرير: نون بوست
ربما يكون الإسرائيليون منشغلين حاليًا بالمعركة المريرة الدائرة حول الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل التي اقترحتها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولكن هناك جهدًا راديكاليًّا آخر يحظى بقدر أقل من الاهتمام. إذ لا يسعى أعضاء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى أقل من الضم الفعلي للضفة الغربية، وإذا نجحوا في تحقيق مرادهم، فقد يكون لذلك تأثير عميق على الطبيعة الديمقراطية لـ “إسرائيل” وعلى استقرار الشرق الأوسط.
عندما ضم نتنياهو حزبين قوميين متطرفين – “الحزب الصهيوني الديني” و”حزب البيت اليهودي” – إلى ائتلافه الحاكم، يكون بذلك قد سلم السيطرة على حكومته إلى اثنين من الأيديولوجيين: إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريش، وهو وزير المالية ولكن تم منحه أيضًا دورًا خاصًا في وزارة الدفاع. بالنسبة لهم، فإن الحد من استقلال القضاء الإسرائيلي هو مجرد طريقة واحدة، وإن كانت مهمة، لتسهيل أجندتهم الحقيقية: “إنشاء دولة يهودية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال استيطان جزء كبير من الضفة الغربية والقضاء على أي تطلعات وطنية للفلسطينيين”، وعلى حد تعبير سموتريتش، “تشجيع” الفلسطينيين على الانتقال إلى دول عربية أخرى، بما في ذلك الأردن المجاور.
وقد يسارع معظم العقلاء إلى رفض هذه الفكرة باعتبارها مجرد وهم، فهناك 3.5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، و40 بالمئة من الأراضي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية؛ حيث إن تدمير السلطة الفلسطينية وإجبار الفلسطينيين في الضفة الغربية على مغادرة منازلهم من شأنه أن يسبب غضبًا دوليًّا هائلًا وأزمة عميقة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، كما أن دمج الفلسطينيين في الدولة اليهودية من شأنه أن يجعل اليهود أقلية تحكم أغلبية يعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية، ويوفر بذلك فرصة لمنتقدي “إسرائيل” الذين يشجبونها باعتبارها “دولة فصل عنصري”.
لكن سموتريتش، زعيم “الحزب الصهيوني الديني”، يعمل بسرعة على تحويل هذا الخيال المبهم إلى حقيقة، فلقد منح نتنياهو سموتريش لقبًا خاصًا (وزير في وزارة الدفاع) في عهد وزير دفاعه الحالي، يوآف غالانت، بالإضافة إلى العديد من الصلاحيات اللازمة لبدء الضم الفعلي للأراضي في الضفة الغربية. ويرتدي سموتريتش قبعته الأخرى، كوزير للمالية، ويمتلك الوسائل اللازمة لتمويل طموحاته وفي الوقت نفسه منع تدفق الأموال إلى السلطة الفلسطينية.
ولحسن الحظ، هناك طريقة لوقف هذه الخطة الخطيرة؛ حيث يجب على الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، اللذين يجريان الآن محادثات حول التطبيع الكامل المحتمل للعلاقات بين “إسرائيل” والسعودية، أن يشترطا في أي اتفاق، استبعاد طموحات سموتريش في الضفة الغربية جانبًا. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الإصرار على أنه مقابل إقامة علاقات رسمية مع السعودية، يجب على “إسرائيل” نقل نسبة كبيرة من الأراضي المتبقية التي تسيطر عليها “إسرائيل” في الضفة الغربية (المعروفة باسم المنطقة ج) إلى السلطة الفلسطينية وتجميد كل من: التوسع والمستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية. ومن شأن مثل هذه الالتزامات الرسمية أن تحبط بشكل فعال الدفع المتطرف للضم، ولكن إذا توسطت الولايات المتحدة في صفقة بين “إسرائيل” والسعودية تفشل في إيقاف سموتريش، فإنها ستوفر عن غير قصد الضوء الأخضر لتحقيق خطة متطرفة.
المشروع الصهيوني: من النهر إلى البحر
سموتريش هو من نسل حركة الاستيطان التي طالما حلمت بضم الضفة الغربية، فلقد ولد في سنة 1980 في هاسبين، وهي مستوطنة دينية في مرتفعات الجولان، ونشأ في مستوطنة بيت إيل المتشددة في الضفة الغربية، وتلقى تعليمه في مدرسة ميركاز هراف الدينية التي أنتجت “غوش إيمونيم”، الجماعة الدينية القومية المتطرفة التي كانت أول من أسست الاستيطان في الضفة الغربية بعد احتلال “إسرائيل“ للأراضي الفلسطينية في سنة 1967. وبرز سموتريش إلى الساحة في 2005 خلال الاحتجاجات ضد إجلاء المستوطنين من قطاع غزة بموجب خطة فك الارتباط التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، واعتقلت السلطات سموتريش للاشتباه في أنه كان يخطط لتفجير طريق أيالون السريع، وهو شريان المرور الرئيسي في إسرائيل، وتم سجنه لعدة أسابيع ولكن لم توجه إليه أي تهمة.
سموتريش هو شخص له مواقف عنصرية واضحة تجاه الفلسطينيين؛ لكنه أيضًا لاعب سياسي بارع. ففي سنة 2015 دخل الكنيست عن الحزب الصهيوني الديني، وفي سنة 2019 عينه نتنياهو وزيرًا للمواصلات، وقام ببناء الطرق والبنية التحتية لمستوطني الضفة الغربية، واكتسب سمعة كونه وزيرًا فعالاً.
في سنة 2017، عندما كان عضوًا في الكنيست، نشر سموتريش مقالًا طويلًا بعنوان “خطة إسرائيل الحاسمة” في مجلة “هاشيلواتش” اليمينية، والذي تضمن قراءة تقشعر لها الأبدان؛ لأن سموتريش في الواقع كان واضحًا تمامًا في الدعوة إلى انتزاع الهوية الفلسطينية، .
وكان اقتراحه يتصور استيلاء “إسرائيل” على كامل الضفة الغربية من خلال مزيج من التوسع الاستيطاني السريع وضم الأراضي الفلسطينية، وعلى حد قوله: “لتوضيح أن طموحنا الوطني بإقامة دولة يهودية من النهر إلى البحر هو حقيقة واقعة”. وكتب أن الغرض من مثل هذه التحركات هو “غرس فهم في وعي العرب والعالم بأن دولة عربية لن تقوم أبدًا في هذه الأرض”.
ويضيف: “هؤلاء الفلسطينيون الذين يختارون بعد ذلك التخلي عن تطلعاتهم الوطنية سيكونون موضع ترحيب للعيش كأفراد في حضن الدولة اليهودية. وسيكون لهم الحكم الذاتي وحق التصويت في الانتخابات المحلية. ولكن بدلاً من المساواة في الحقوق، فإنهم سيتمتعون بحقوق متباينة طالما ظل ولائهم الفردي للدولة اليهودية موضع شك. وقد يحصلون في نهاية المطاف على الجنسية الإسرائيلية وحقوق التصويت الكاملة، ولكن فقط إذا أعلنوا أولاً يمين الولاء وأثبتوا ذلك من خلال الخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي”.
ويعترف سموتريش نفسه بأن هذه العملية سوف توجه “ضربة للديمقراطية”، ولكن هذا هو الثمن الذي هو على أتم استعداد لدفعه.
لكنْ، ماذا لو لم يقبل الفلسطينيون بمكانة ثانوية في هذا النظام وظلوا متمسكين بحلم فلسطين المستقلة؟ بالنسبة لسموتريش الجواب واضح ومباشر: سيتعين عليهم المغادرة، وسوف “تشجع” “إسرائيل” هذا “الانتقال المنظم” إلى الدول العربية المجاورة؛ حيث إن هدف سموتريش واضح: تهجير الشعب الفلسطيني على نطاق واسع، وهو ما قد يرقى إلى جريمة حرب.
ومن شأن هذه “الهجرة المشجَّعة” أن تشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا للأمن القومي للأردن المجاور، فعلى الرغم من أن المملكة الهاشمية استضافت لسنوات مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من حروب المنطقة، بما في ذلك العديد من الفلسطينيين، إلا أنها لم تقبل قط فكرة أن “إسرائيل” يجب أن تحل التحدي الديموغرافي من خلال ضم فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن. ومن المرجح أن تكون مقاومة عمّان شرسة، مما سيعرض معاهدة السلام التي وقعتها “إسرائيل” والأردن سنة 1994 للخطر.
وإذا تجرأ الفلسطينيون أنفسهم على مقاومة مصيرهم بالسلاح؛ يوضح سموتريتش أنهم سيصنفون كإرهابيين ويقتلون على يد الجيش الإسرائيلي، ولكن أولئك الذين لم يحملوا السلاح ولكنهم غير مستعدين للهجرة أو يقسموا الولاء للدولة اليهودية لن يتعرضوا للأذى، وفقًا للخطة، لكنهم سيتخلون عن أي أمل في الحصول على حقوق متساوية. وهو يدَّعي هنا دون توضيح أن الوضع الجديد لن يكون شبيهًا بالفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لكن خطته تدعو صراحة إلى الهيمنة والقمع المنهجي لمجموعة على أخرى، وهما اثنان من المصطلحات الثلاثة المؤهلة الواردة في التعريف القانوني للأمم المتحدة للفصل العنصري.
علاوة على ذلك؛ فإن خطة سموتريتش مصممة بشكل واضح للقضاء على الهوية الفلسطينية نفسها من خلال سحق أي أمل في إقامة دولة فلسطينية وإجبار الفلسطينيين على العيش تحت الحكم الإسرائيلي مع حقوق مختلفة. واعتمادًا على كيفية تنفيذها، يمكن أن تقترب خطته من الوفاء بشروط المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية لسنة 1948: “تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة الوطنية بقصد تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا. خلاصة القول أن “خطة سموتريتش الحاسمة” هي وثيقة خطيرة للغاية، خاصة الآن بعد أن تولى العديد من الصلاحيات اللازمة لإنجازها.
تحويل خيال مظلم إلى حقيقة
لم يضع سموتريش الكثير من الوقت في وضع خطته موضع التنفيذ، فبدأ ولايته في وزارة الدفاع بتكليف الوزارات المعنية بالاستعداد لإضافة 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية، وهو ما سيضاعف عدد السكان اليهود هناك. ومنذ ذلك الحين؛ أعلنت حكومة نتنياهو عن تصاريح لبناء أكثر من 13 ألف وحدة استيطانية؛ أي عدد من الوحدات في 6 أشهر أكثر مما تم التصريح به من قبل في سنة تقويمية واحدة. وسيتم بناء 80 بالمئة من هذه الوحدات في مستوطنات تقع في عمق الضفة الغربية، وهي خطوة مصممة خصيصًا لإحباط إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًّا.
وبالمثل، في شهر شباط/فبراير الماضي، أعطى مجلس الوزراء الأمني، الذي يتعامل مع القضايا المتعلقة بالضفة الغربية، وضعًا قانونيًا رسميًا لـ9 بؤر استيطانية في الضفة الغربية تم إنشاؤها دون تصريح من الحكومة، والعديد منها على أراضٍ مملوكة للفلسطينيين، مما مهد الطريق لاحتمال حدوث إضفاء الشرعية على حوالي 80 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية تم إنشاؤها على مدى سنوات عديدة، وهي غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي (على النقيض من المستوطنات الرسمية، والتي على الرغم من أنها غير قانونية بموجب القانون الدولي يتم تخطيطها وترخيصها من قبل “إسرائيل”، فإن البؤر الاستيطانية غير القانونية هي مستوطنات صغيرة تم إنشاؤها دون أي تخطيط أو إذن رسمي من قبل مجموعات من شباب المستوطنين، وغالبًا ما تكون على أراضٍ فلسطينية مملوكة للقطاع الخاص)، وهي أيضًا موجودة في عمق الضفة الغربية. وفي آب/أغسطس، كشفت حكومة نتنياهو عن خطط لتوسيع أول بؤرتين استيطانيتين تمت الموافقة عليهما بأثر رجعي بشكل كبير، وتحويلهما إلى مستوطنات كاملة.
ولدعم طموحات سموتريش في الضفة الغربية بأكملها؛ كرر الكنيست في آذار/مارس الماضي قانون فك الارتباط لسنة 2005 الذي جعل الاستيطان في شمال الضفة الغربية غير قانوني وسمح للمستوطنين بالعودة إلى مستوطنتين تم التخلي عنهما هناك. وقد انتهكت كلتا الخطوتين بشكل مباشر الالتزامات المكتوبة التي قطعتها حكومة شارون على نفسها لإدارة الرئيس الأمريكي جورج والكر بوش في سنة 2004.
وفي تموز/يوليو؛ أطلع سموتريتش لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست على خططه لهدم المباني الفلسطينية التي تعتبر “تهديدات للأمن القومي” في 40 بالمئة من الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، بما يتعارض مع اتفاقيات أوسلو. ومن باب حسن التدبير؛ أعلن سموتريش أيضًا أن “إسرائيل” ستتعامل مع بعض إجراءات السلطة الفلسطينية، بما في ذلك بناء البنية التحتية الأساسية في أجزاء معينة من الضفة الغربية، باعتبارها “نشاطًا سياسيًا معاديًا”، وهو تصنيف يسمح لوزير المالية بمصادرة الأموال من السلطة الفلسطينية. ويأتي هذا على الرغم من القرار الأخير الذي اتخذته حكومة نتنياهو لمنع انهيار السلطة الفلسطينية.
وأوضح سموتريتش أيضًا ما كان يدور في ذهنه حقًا عندما كتب عن “تشجيع” الفلسطينيين على المغادرة. ففي شهر آذار/مارس، بعد أن قام المستوطنون المرتبطون بحزبه السياسي بأعمال هياج في بلدة حوارة الفلسطينية بالضفة الغربية، أعلن سموتريش أنه يجب “محو” البلدة.
ويكمل سموتريش هذه الخطوات بجهد منهجي لفرض سيطرة مدنية على الإسرائيليين الذين يقيمون في الضفة الغربية، وهو جهد مصمم لبدء عملية الضم بحكم القانون. حتى الآن، مارست المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية السيطرة الوحيدة على هذه المنطقة، بما في ذلك حياة المستوطنين، مع الحفاظ عمليًا على التمييز القانوني بين “إسرائيل” ومستوطناتها في الضفة الغربية. لكن سموتريتش أخضع الحاكم العسكري للضفة الغربية لنفسه وعين نائبًا مدنيًا مسؤولًا عن المستوطنين الإسرائيليين. وفي وقت سابق من هذا العام، قام أيضًا بتأسيس هيئة تسمى إدارة المستوطنات داخل وزارة الدفاع تهدف إلى إيجاد طرق لتوسيع السيطرة المدنية على الضفة الغربية.
وتفسر هذه الأجندة إصرار سموتريتش على الحد من صلاحيات المحكمة العليا في “إسرائيل”؛ حيث منعت المحكمة في الماضي إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية المبنية على أراض فلسطينية مملوكة للقطاع الخاص. ومن دون تدخل المحكمة العليا، يستطيع سموتريتش أن يجسد رؤيته بسهولة أكبر لـ “إسرائيل” التي تمتد من النهر إلى البحر دون عوائق.
الرياض هل تنقذ الوضع؟
ولا يبدو أن نتنياهو ولا بايدن مستعدان أو قادران على إبطاء هذه الجهود الحثيثة الرامية إلى ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون؛ حيث يزعم نتنياهو أنه يضع يديه على عجلة القيادة، ولكن كما هي الحال بالنسبة لأجندة الإصلاح القضائي، فقد سلم السيطرة لشركائه المتطرفين. ولكنه لا يواجه أي رد فعل شعبي عنيف، لأن الإسرائيليين أداروا ظهورهم منذ فترة طويلة لما يحدث في الضفة الغربية.
وقد شهد بايدن بنفسه المعركة العقيمة التي خاضتها إدارة أوباما مع نتنياهو بشأن النشاط الاستيطاني عندما فشل التجميد المؤقت الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس للتوسع الاستيطاني في سنة 2009 في خلق مفاوضات إسرائيلية فلسطينية، وهو غير مهتم بتكرار هذا الأمر. وبالتالي، فإن وزارة الخارجية لا تقدم سوى القليل من التعبير عن خيبة الأمل العميقة فيما يتعلق بالإجراءات الإسرائيلية، حتى عندما تلغي الاتفاقيات الأمريكية الإسرائيلية الرسمية.
لكن لدى بايدن الآن فرصة لعكس هذه العملية ووضع حد لطموحات سموتريش الانتقامية؛ يجري الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي مفاوضات مع نتنياهو من أجل التطبيع الكامل للعلاقات بين “إسرائيل” والسعودية، ويمكنهم أن يربطوا الصفقة بتغيير الحكومة الإسرائيلية لمسارها في الضفة الغربية، أولاً عن طريق إنهاء التوسع الاستيطاني وإضفاء الشرعية على المستوطنات غير القانونية. وينبغي لهم أيضًا أن يطالبوا “إسرائيل” بتسليم الأراضي التي تسيطر عليها بالكامل الآن والتي تبلغ 60 بالمئة من الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية، التي تسيطر اسميًا على الـ40 بالمئة الأخرى. وهذا النقل منصوص عليه بموجب اتفاقيات أوسلو لسنة 1993 التي تعهدت حكومة نتنياهو مؤخرًا باحترامها. إذا تم نقل نسبة كبيرة من (المنطقة ج) إلى السيطرة الفلسطينية، فيمكن للمدن والبلدات الفلسطينية أن تنمو دون التأثير على المستوطنات الإسرائيلية.
لقد أثبت نتنياهو في الماضي براعته في إطلاق مثل هذه الوعود ومن ثم مراقبة خرقها؛ لذا فإن النقل الملموس للأراضي يجب أن يكون مقدمًا كجزء من اتفاق السلام الإسرائيلي السعودي، وهذا من شأنه أن يقدم دليلًا ملموسًا على التزام “إسرائيل” بإبقاء الطريق مفتوحًا نحو حل الدولتين. ومن شأنه أن يمنح السعودية إنجازًا فوريًا نيابة عن الفلسطينيين من شأنه أن يساعد الرياض على تبرير اتفاق السلام مع “إسرائيل” بشكل أفضل في العالمين العربي والإسلامي. وقد تساعد مثل هذه الصفقة في نهاية المطاف على إعادة بعث المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المحتضرة. بالنسبة لنتنياهو، فإن السلام مع السعودية سيكون إنجازًا كبيرًا في وقت يحاصره فيه المحتجون ويلاحقه المدّعون العامون.
الأمر الأكثر أهمية هو أن التوصل إلى صفقة شاملة تتضمن عنصرًا إقليميًّا فلسطينيًّا كبيرًا من شأنه أن يمنع سموتريش من تنفيذ خطته، بل وربما يتسبب في انهيار الائتلاف الحاكم. وليس من المستغرب أن يحاول سموتريش بالفعل استباق الفكرة من خلال الإعلان عن أن الاتفاق مع السعودية لا يشمل منطقة “يهودا والسامرة” في الضفة الغربية، ولتوضيح فكرته، أعلن قائلًا: “لن نقدم أي تنازلات للفلسطينيين، إنه خيال”.
لماذا سيخاطر نتنياهو بانهيار حكومته من أجل التوصل إلى اتفاق مع السعودية؟ حتى الآن، يبدو أنه يعتقد أنه قادر على تجنب مثل هذا الاختيار من خلال التقليل من التنازلات التي يقدمها للفلسطينيين. ولكن إذا أصر بايدن ومحمد بن سلمان على هذه اللفتات الإقليمية في الضفة الغربية، فسيضطر نتنياهو إلى الاختيار بين إرثه كصانع سلام مع العالمين العربي والإسلامي ومستقبل تنجرف فيه “إسرائيل” إلى صراع داخلي متزايد وصراع دولي من قبل حزبه القومي المتطرف، والشركاء الدينيين المتطرفين.
وعلى العكس من ذلك، إذا رضخ بايدن ومحمد بن سلمان ولم ينجحا في انتزاع مثل هذه الالتزامات من نتنياهو، فسوف ينظر سموتريش إلى هذا الإغفال باعتباره ضوءًا أخضر لتسريع تنفيذ خطته. وستجعل الفوضى والعنف الذي سيتبع ذلك في الضفة الغربية اتفاق السلام الإسرائيلي السعودي غير مستدام، تمامًا كما تم بالفعل إعاقة اجتماعات متابعة اتفاقيات إبراهيم، التي تم التوصل إليها بين “إسرائيل” والعديد من الدول العربية في سنة 2020، بسبب العنف في الضفة الغربية والقدس.
ويعتزم بايدن ومحمد بن سلمان استخدام اتفاق السلام مع “إسرائيل” لانتزاع التزامات كبيرة وملموسة من بعضهما البعض: معاهدة دفاع أمريكية سعودية، وتقليص المشاركة السعودية مع الصين، والتطبيع الكامل مع “إسرائيل”. ويجب على نتنياهو أيضًا أن يدفع ثمنًا مناسبًا. فإذا اختار التطبيع مع السعودية – وتقديم التنازلات اللازمة عندما يتعلق الأمر بالنشاط الإسرائيلي في الضفة الغربية – بدلًا من صفقته غير المشروعة مع سموتريش، فإن المنطقة بأكملها ستستفيد حتى لو خسر المتطرفون الإسرائيليون. لكن إذا اختار نتنياهو سموتريتش على السلام فإن “إسرائيل” ستكون الخاسر الأكبر.
المصدر: فورين أفيرز