ما حظوظ الوساطة الجزائرية في حل أزمة النيجر؟

أعلنت الجزائر مباشرتها مبادرة وساطة بين الأطراف المتخاصمة في النيجر، بعد أن قبلت السلطات في نيامي بمقترح جارتها الشمالية لحلّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد، منذ الانقلاب على الرئيس محمد بازوم في يوليو/ تموز الماضي، وذلك بهدف تجنُّب التدخل العسكري الأجنبي الذي لوّحت به فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”.

لا يعدّ تفادي التدخل العسكري الأجنبي في نيامي تحديًا للسلطة في النيجر فقط، إنما أيضًا في الجزائر، بالنظر إلى انعكاسات ذلك عليها سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية وحتى الإنسانية، لما سيسبّبه ذلك من تدفق كبير للمهاجرين غير النظاميين نحوها، فما حظوظ الوساطة الجزائرية في النجاح لحل أزمة النيجر؟

موافقة مبدئية

أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية يوم الاثنين في بيان، أن الحكومة الجزائرية تلقّت عبر وزارة خارجية النيجر مراسلة رسمية تفيد بقبول الوساطة الجزائرية، الرامية إلى بلورة حل سياسي للأزمة القائمة في هذا البلد الشقيق، وذلك في إطار المبادرة التي تقدم بها الرئيس عبد المجيد تبون.

اعتبرت الخارجية أن “هذا القبول بالمبادرة الجزائرية يعزز خيار الحل السياسي للأزمة في النيجر، ويفتح المجال أمام توفير الشروط الضرورية التي من شأنها أن تسهّل إنهاء هذه الأزمة بالطرق السلمية، بما يحفظ مصلحة النيجر والمنطقة برمّتها”.

في هذا الإطار، كلّف الرئيس تبون وزير الخارجية أحمد عطاف بالتوجه إلى نيامي “في أقرب وقت ممكن، بهدف الشروع في مناقشات تحضيرية مع كافة الأطراف المعنية حول سبل تفعيل المبادرة الجزائرية”.

يعدّ هذا القبول انتصارًا جديدًا للدبلوماسية الجزائرية، التي رفضت منذ البداية أي حل عسكري للأزمة في جارتها الجنوبية، رغم الحماس الذي أبدته في البداية مجموعة “إيكواس” وفرنسا لخيار التدخل الأجنبي في النيجر.

قوبلت المبادرة الجزائرية بالقبول بالنظر إلى علاقاتها الجيدة مع كل الأطراف في البلاد، سواء جناح الرئيس المنقلب عليه محمد بازوم، أو المجلس العسكري الجديد

وأعلن الرئيس تبون في أغسطس/ آب الماضي أن الجزائر مستعدة للعب دور الوساطة لحل الأزمة في النيجر، حيث تعتمد في ذلك على ماضيها الدبلوماسي الناجح في حل الأزمات، في مقدمتها الأزمة في مالي، وحل الأزمة الإثيوبية الإريترية، وأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران، وغيرها من المعضلات الدولية التي كانت لاعبًا أساسيًّا في حلها.

ترتكز المبادرة الجزائرية على 6 محاور، مثلما أعلن وزير الخارجية أحمد عطاف نهاية أغسطس/ آب الماضي، عقب جولة قادته إلى النيجر ودول في مجموعة “إيكواس”، وتتمثل هذه المحاور في تعزيز مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية، وتحديد فترة زمنية مدتها 6 أشهر لبلورة وتحقيق حل سياسي يضمن العودة إلى النظام الدستوري والديمقراطي في النيجر، عبر معاودة العمل السياسي في إطار دولة الحق والقانون.

تشترط المبادرة الجزائرية ضرورة مشاركة وموافقة جميع الأطراف في النيجر دون إقصاء لأي جهة مهما كانت، إضافة إلى إشراف سلطة مدنية تتولاها شخصية توافقية تحظى بقبول كل أطياف الطبقة السياسية في النيجر على فترة الأشهر الستة.

قوبلت المبادرة الجزائرية بالقبول بالنظر إلى علاقاتها الجيدة مع كل الأطراف في البلاد، سواء جناح الرئيس المنقلب عليه محمد بازوم، أو المجلس العسكري الجديد الذي هو في حاجة لدعم إقليمي محايد يرفض التدخل الأجنبي، وبالخصوص بعد الضغوط الممارسة عليه من قبل “إيكواس” التي تقودها نيجيريا، البلد الحدودي من الجنوب.

اتصالات واسعة

جاءت موافقة النيجر عقب تحرك دبلوماسي مكثّف أجرته الجزائر على كل الأصعدة، والتأكيد على رفض أي حل عسكري للأزمة في نيامي، فقد أكّد الرئيس تبون بمقابلة تلفزيونية في أغسطس/ آب الماضي أن بلاده تؤكد “رفضها التام والقطعي للتدخل العسكري” في النيجر، مبيّنًا أن “أي تدخل عسكري لا ينجرّ عنه إلا المشاكل“، مذكّرًا في هذا الشأن بما جرى في ليبيا وسوريا، حيث لا تزال “المشاكل مطروحة والأمور متشعّبة”.

يعتقد تبون أن أي تدخل عسكري يمكن أن يؤدي إلى “إشعال منطقة الساحل الأفريقي” بكاملها، لذلك لا تمانع بلاده لعب دور الوساطة لحل أزمة النيجر سلميًّا، للمساهمة في العودة إلى الوضع الدستوري.

شكّل هذا الموضوع أحد محاور تدخل تبون خلال أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى أنها كانت في صلب المحادثات التي جمعته بمختلف المسؤولين الدوليين على هامش هذه الأشغال، وهو الانشغال ذاته الذي اهتم به وزير الخارجية أحمد عطاف، الذي أجرى عدة لقاءات مع نظرائه الأفارقة والأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية.

قبل ذلك، قام عطاف بجولة إلى دول في “إيكواس” ممثلة في نيجيريا وغانا وبنين، فيما زار الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقرمان، النيجر ضمن مساعي الجزائر للوساطة.

لعل أهم تحدٍّ كان لعطاف مع دول “إيكواس” هو موقف نيجيريا، باعتبارها البلد الذي يرأس المجموعة حاليًّا، والأكثر تأثيرًا سياسيًّا واقتصاديًّا، والأكثر قدرة لتمويل التدخل العسكري في النيجر لو تمَّ، لذلك كانت أبوجا أولى محطات عطاف في جولته التي قام بها في أغسطس/ آب الماضي.

وبحث عطاف في أبوجا مع نظيره يوسف مايتما توجار “الأزمة في النيجر وتطوراتها وآفاق تعزيز الجهود الرامية إلى بلورة حل سلمي لها، بالشكل الذي يضمن العودة إلى النظام الدستوري في البلاد، ويجنّبها مخاطر التدخل العسكري التي لا يمكن التنبؤ بها”.

وجاء في بيان للخارجية الجزائرية وقتها أن الوزيرَين اتفقا على “مواصلة وتعزيز التنسيق بين البلدَين في قادم الأيام، بغية استغلال كافة الفرص المتاحة لتفعيل الحل السياسي، وعدم تفويت أي منها لضمان استعادة الأمن والاستقرار في النيجر بطريقة مستدامة”.

استندت الجزائر في حصول مبادرتها على الدعم الدولي والقبول من النيجر على التأييد الأمريكي لهذه الوساطة، بالنظر إلى كثافة اللقاءات التي جمعت بين مسؤولي البلدَين، أبرزها الزيارة التي قام بها عطاف إلى واشنطن، حيث اتفق الجانبان على السعي لتفضيل حلول سلمية للأزمة في النيجر، بما يجنّب المنطقة مخاطر الخيار العسكري.

استطاعت الجزائر أيضًا امتصاص الحماس الفرنسي للتدخل العسكري في النيجر، والذي ظهر من خلال عودة الاجتماعات الدبلوماسية بين الطرفَين، حيث شكّلت أزمة النيجر محور اللقاء الذي جمع عطاف بنظيرته كاترين كولونا، على هامش مشاركته في أشغال الشق الوزاري للدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم “التطرق في هذا اللقاء بصفة خاصة إلى تدهور الأوضاع في منطقة الساحل، وإلى الجهود التي تبذلها الجزائر لبلورة وتفعيل حلول سلمية للأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، ومنها النيجر”.

وفي 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، زار المبعوث الفرنسي الخاص المكلف بالساحل، كريستوف بيجو، الجزائر، وأجرى لقاءات مع مسؤولين في الخارجية الجزائرية حول آخر التطورات في نيامي.

ويظهر قبول باريس بالمبادرة الجزائرية من خلال قبولها بمطالب المجلس العسكري الحاكم في نيامي، الذي طالب بمغادرة القوات العسكرية الفرنسية الموجودة بالنيجر، إضافة إلى استجابة لمطلب مغادرة السفير الفرنسي البلاد، وهو ما كانت ترفضه باريس سابقًا.

صعوبات محتملة

لا يعدّ قبول النيجر بالوساطة الجزائرية حلًّا للأزمة التي تعصف بالبلاد، بالنظر إلى أن بنود المبادرة الجزائرية لا تلقى جميعها قبول المجلس العسكري الحاكم في البلاد، إذ تقترح المبادرة الجزائرية فترة انتقالية لا تزيد عن 6 أشهر، بينما تطالب سلطة الأمر الواقع بمدة تصل إلى 3 سنوات.

رغم هذا الخلاف، فإن هذه المدة ستكون محور مباحثات خلال الزيارات والاتصالات التي سيقوم بها وزير الخارجية أحمد عطاف إلى النيجر في الأيام القليلة القادمة.

تكمن الصعوبة أيضًا في مدى إمكانية الوصول إلى توافق بين عناصر المجلس العسكري الحاكم والحكومة السابقة، وفي مقدمتها الرئيس محمد بازوم الذي يطالب المجتمع الدولي بضرورة عودته للسلطة، وتوفير الحماية اللازمة له، ما يعني أن المساعي الجزائرية ستتركز على إمكانية قبول بازوم بتقديم استقالته، بما أن السلطة العسكرية الحاكمة ترفض عودته للحكم، كون الاستقالة تعطي الصبغة الدستورية للحكومة الجديدة، وذلك مع ضمان حقوق بازوم السياسية والمدنية، والتي قد يكون منها إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

يضاف إلى هذه الجوانب مدى قبول القوى الدولية الفاعلة في منطقة الساحل بالوساطة الجزائرية، وعدم التشويش عليها مثلما يحدث في مالي، لأن الدعم الدولي سيعطي أريحية أكثر للدبلوماسية الجزائرية خلال المفاوضات مع مختلف الأطراف في النيجر، وبالتالي إمكانية منحها الشرعية الأممية عند نهايتها.

من المؤكد أن الجزائر لها باع طويل في حل الأزمات الدولية منها الوضع في مالي، والخلاف الإثيوبي الإريتري وملف الرهائن الأمريكيين في إيرين وغيرها، إلا أن هذا لا يعني أن معالجة الأزمة في النيجر ستكون بمنتهى السهولة، لأن طبيعة القضايا الدولية لا تشبه أي أزمة أخرى، لذلك ستكون هذه الوساطة امتحانًا جديدًا للخارجية الجزائرية الساعية اليوم لاستعادة مجدها الدبلوماسي السابق.