تعمل الجزائر على تنويع مواردها المالية للخروج من أزمتها الاقتصادية الراهنة، نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية في السنوات الأخيرة، حتى أنّها التجأت إلى التداين الخارجي بعد سنوات من غلق هذا الباب.
الاقتراض الخارجي
في ختام زيارة سنوية لصندوق النقد الدولي للجزائر استمرت أسبوعين، قال رئيس بعثة الصندوق إلى الجزائر جان فرانسوا دوفان إنه يجدر بالحكومة الجزائرية دراسة خيار الاقتراض الخارجي وتعديل نظام الدعم، للتكيف مع تراجع إيرادات النفط والغاز. واقترح أيضا “تيسيرا إستراتيجيا” للقواعد الحاكمة للاستثمار الأجنبي.
وفي نوفمبر الماضي، عادت الجزائر إلى الاقتراض الخارجي، بعد 11 سنة من قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقف الاستدانة من الخارج، من أجل تمويل مشاريعها في ظل عجز خزينتها العامة، وأوقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سنة 2005 الاستدانة من الخارج، وقرر الدفع المسبق للديون الخارجية بعد الزيادة المالية التي شهدتها البلاد جراء ارتفاع أسعار النفط. وتراجعت بذلك ديون الجزائر إلى نحو 4 مليارات دولار أمريكي في العام 2016 بعدما كانت في حدود 30 مليار دولار في 1999.
الجزائر ستضطر إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي ما يعادل 5 مليارات دولار سنوياً ابتداء من السنة المقبلة
وحملت الأشهر الأخيرة إشارات من الحكومة بإمكانية عودتها إلى الاستدانة الخارجية من جديد، بسبب تراجع دخل النفط إلى نحو الثلثين بين 2014 و2015، وتفاقم العجز في الميزانية إلى جانب تراجع احتياطي الجزائر من العملة الصعبة، حيث أعلن مدير ديوان الرئيس الجزائري والأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (ثاني قوة سياسية في الجزائر)، أحمد أويحيى، في نوفمبر 2016، أن الجزائر ستضطر إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي ما يعادل 5 مليارات دولار سنوياً ابتداء من السنة المقبلة، وذلك إذا تواصل انهيار سعر برميل النفط.
وتعتمد الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، على عائدات النفط والغاز بنسبة كبيرة في موازنتها، كما أن المحروقات تمثل نسبة 96% من صادراتها. وانخفضت عائدات الجزائر من النفط والغاز سنة 2016 إلى حدود 27.5 مليار دولار بعد أن كانت 35.7 مليار دولار في 2015، وستين مليار دولار في 2014، بحسب التقديرات الأولية للحكومة.
سندات محلية
إلى جانب الاقتراض من الأسواق العالمية تتجه الجزائر هذه السنة لجمع تمويلات عن طريق طرح سندات محلية بدون فوائد، وهو نموذج تطمح الحكومة إلى أن يجذب مشاركة أكبر من الشعب الجزائري لمساعدتها في تعويض انخفاض عائدات النفط والغاز.
وكانت الحكومة قد أطلقت أول سند محلي في أبريل 2016 لكنها واجهت انتقادات شديدة من جانب أئمة وأكاديميين وحتى من وزير الشؤون الدينية الذي قال إنه لم تتم استشارته بشأن إصدار السند، وجمعت الجزائر ما يعادل 5.8 مليارات دولار تقريبا من بيع تلك السندات في العام الماضي.
تراجع عائدات النفط الجزائري نتيجة انهيار أسعاره في السوق العالمية
وسجّلت موارد “صندوق ضبط الإيرادات” المخصص لتغطية عجز الموازنة الجزائرية تراجعا بنحو 59.5% بنهاية عام 2016 مقارنة بعام 2015، حيث بلغت موارد الصندوق 7.6 مليارات دولار في ديسمبر 2016 مقارنة ب 18.8 مليار دولار في 2015. وأنشأت الجزائر “صندوق ضبط الإيرادات” لادخار عائدات النفط منذ 17 عاما، ويضم الإيرادات المحسوبة من الفارق بين سعر النفط المرجعي البالغ 37 دولارا للبرميل وسعر بيع النفط في السوق.
تخفيض الانفاق وتوجيه الدعم
نصح رئيس بعثة الصندوق إلى الجزائر جان فرانسوا دوفان، الجزائر بألا تخفض الإنفاق بشكل مفاجئ حتى لا يحدث تباطؤ شديد في وتيرة النمو الاقتصادي. وقد قررت الجزائر خفض الإنفاق بنسبة 14% هذا العام بعد خفض بنسبة 9% في عام 2016 في إطار سياسة ترشيد للتكيف مع تراجع أسعار النفط، في إطار إجراءات التقشّف التي اعتمدتها البلاد مؤخرا.
نصح دوفان الحكومة الجزائرية بإحلال الدعم المباشر لفئات المواطنين الأشد احتياجا محل الدعم الحالي للمحروقات والكهرباء بشكل تدريجي وتحرير القطاع الخاص
وتضمن قانون المالية الجزائري لسنة 2017، رفع قيمة الضرائب وخفض كتلة رواتب الموظفين، مع توقع بتراجع نفقات الدولة في المجال الاقتصادي بـ 32%، وترغب الحكومة الجزائرية في زيادة ترشيد النفقات وتسقيفها مع رفع الإيرادات، باحتساب سعر مرجعي لبرميل النفط في حدود 50 دولارًا للعام القادم.
بالإضافة إلى ذلك، نصح دوفان الحكومة الجزائرية بإحلال الدعم المباشر لفئات المواطنين الأشد احتياجا محل الدعم الحالي للمحروقات والكهرباء بشكل تدريجي وتحرير القطاع الخاص، وكانت الجزائر تدعم شتى الأسعار من الغذاء إلى الدواء والطاقة لكنها وافقت في 2016 على زيادات في أسعار الديزل والبنزين والغاز والكهرباء، وشهدت أسعار البنزين والديزل مزيدا من الارتفاع هذا العام.
تراجع المقدرة الشرائية للمواطن الجزائري
وفي يونيو 2016، أعلن رئيس الوزراء الجزائري أن البلاد ستنهج نموذجا اقتصاديا جديدا يمتد من إلى غاية سنة 2019، وسيعتمد على شراكات أجنبية استراتيجية، وفق قاعدة “رابح رابح”. وهذا النموذج سيتوج بأن تتحول الجزائر في نهاية سنة 2019 إلى بلد ناشئ تقلصت نسبة اعتماد على عائدات تصدير المحروقات. وسجل الميزان التجاري الجزائري، عجزاً إجمالياً خلال 2016 بلغ 18 مليار دولار أمريكي، حسب أرقام رسمية للسلطات، بزيادة 3 مليارات دولار عن العام الذي سبقه.
خيارات أخرى
إلى جانب ما دعا إليه مبعوث صندوق النقد الدولي، يطالب خبراء جزائريون، بضرورة تنويع الاقتصاد الوطني وفك الارتباط بالمحروقات من نسبة 97 بالمائة حاليا في جانب الصادرات و57 بالمائة في جانب الجباية و38 بالمائة في جانب الناتج الداخلي الخام إلى نسبة أقل تكون مناسبة لأهداف تنويع الاقتصاد لصالح الصناعة والفلاحة والاقتصاد المبني على المعرفة والخدمات عالية المحتوى التكنولوجي والطاقات المتجددة.
بالإضافة إلى تحسين القدرة الشرائية للعائلات من خلال التحكم في أسعار المواد واسعة الاستهلاك، وإطلاق نظام وطني للحوكمة الاقتصادية من شأنه متابعة الاستثمار ووصف الحلول الذكية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، إلى جانب تجميد المشاريع التي لا تحظى بالأولوية، والتي ليس لها أثر اقتصادي واجتماعي، ومراجعة المنظومة المصرفية وتسيير ونشاط الموانئ ودعم الاستثمار الأجنبي.
الجزائر أصبحت اليوم ضحية أزمة اقتصادية تهز الدول المتقدمة مرفوقة بتراجع أسعار النفط وتذبذب سوقها الدولية
وقال الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في رسالة له بمناسبة الذكرى الـ 61 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين الشهر الماضي “إن بلاده أصبحت اليوم ضحية أزمة اقتصادية تهز الدول المتقدمة مرفوقة بتراجع أسعار النفط وتذبذب سوقها الدولية، رغم مبادرات الجزائر التي سمحت مؤخراً بتحسن جد طفيف لسعر المحروقات”.