ترجمة وتحرير نون بوست والمقال الأصلي كتابة مشتركة بين ياسين يلمز وجيهان تورغوت
أعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا حظر حمل الأجهزة الإلكترونية على متن الطائرات القادمة إلى أراضيها من كل من مصر والأردن والمغرب وقطر والسعودية والإمارات وتركيا. وقد أوعزت كلا الدولتين هذا القرار إلى أسباب تتعلق بالأساس بمسائل أمنية فضلا عن قضية الإرهاب. وعلى الرغم من أنه قد تم تبرير هذه القرارات على أنها ترتبط باستراتيجية سياسية أمنية، إلا أن الأسباب الحقيقة التي تقف خلفها هذه تتعلق بمسائل تجارية بحتة.
يأتي ذلك بالتزامن مع انتشار العديد من الأخبار التي أوردت بأن أعمال إنشاء مطار إسطنبول الثالث قد أوشكت على الانتهاء. ومن المتوقع أن يغير هذا المطار المعادلة الحالية في قطاع الطيران العالمي. ونتيجة لذلك، يُنتظر أن تحذو دول أخرى حذو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في قرارات المنع تلك.
تقدمت شركات الطيران الأمريكية بشكوى إلى إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، مفادها أن شركاتهم قد تعرضت لخسارة كبيرة، مما دفع إدارة ترامب لإقرار حظر الأجهزة الالكتروني
في الواقع، قامت شركات الطيران الغربية بممارسة جملة من الضغوط على حكوماتها وتوظيف السياسة كأداة للتهجم على الخطوط التركية، وذلك بسبب عجزها عن منافسة الخطوط الجوية التركية بصفة تجارية. وفي الأثناء، سارع صناع القرار في كل من بريطانيا والولايات المتحدة بفرض قرار حظر الأجهزة الإلكترونية على متن طائراتها القادمة من العديد من الدول وعلى رأسها تركيا.
بمجرد الانتهاء من إنشائه، سيحتل مطار إسطنبول الثالث المرتبة الأولى كأكبر مطار في العالم. فضلا عن ذلك، سيصبح خياراً لا غنى عنه كنقطة ترانزيت لرحلات الطيران التي تستمر 10 ساعات أو أكثر. وفي الأثناء، ومن خلال هذا المطار، سيتمكن المسافرون الأوروبيون من الوصول إلى بيوتهم قبل 3 ساعات مقارنةً بالرحلات الحالية. وبالتالي، ستتحول إسطنبول إلى مركز مهم في أوروبا. ومما لا شك فيه أن المسافرين سيرجحون السفر عبر الخطوط التركية في حال تم تخفيض أسعار التذاكر على متنها.
ووفقا لهذه المعطيات، ستتحول الخطوط التركية إلى منافس رئيسي لخطوط الطيران الأمريكية والأوروبية. في الواقع، تقدمت شركات الطيران الأمريكية بشكوى إلى إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، مفادها أن شركاتهم قد تعرضت لخسارة كبيرة، مما دفع إدارة ترامب لإقرار حظر الأجهزة الالكتروني. ومن المؤكد أن هذا القرار سيؤثر بشكل كبير على خطوط الطيران التركية.
تمكنت الخطوط الجوية التركية من نقل حوالي 2 مليون و53 ألف و34 مسافراً إلى بريطانيا والولايات المتحدة عبر نقاط ترانزيت خلال العامين الماضيين
من جهة أخرى، أثبتت الاحصائيات أن أسباب الحظر تجارية وليست سياسية، إذ أن الخطوط التركية تضم رحلات إلى 44 مطاراً من أصل 50 مطاراً عالمياً كبيراً. كما أن نسبة المسافرين في جميع أنحاء العالم الذين يسافرون من خلالها تصل إلى 78 بالمئة. علاوة على ذلك، تحقق الرحلات الخارجية حوالي 90% من مجمل دخل الخطوط التركية، بالإضافة إلى أن عدد المسافرين عبر نقاط الترانزيت على متنها قد وصل إلى حوالي 20 مليون مسافر خلال العام المنصرم.
في الحقيقة، نجحت الخطوط التركية بالإضافة إلى الخطوط القطرية والإماراتية، في ترك بصمتها على مستوى عالمي، إذ أنه وبحسب إحصائيات دليل الخطوط الجوية العالمي، تصنف هذه الخطوط ضمن لائحة أفضل 20 خط طيران عالمي، التي تقوم بأطول رحلات بين المدن الأمريكية داخل الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، تمكنت الخطوط الجوية التركية من تعويض خسائرها على مستوى الرحلات الخارجية المباشرة، من خلال القيام برحلات ترانزيت إلى حوالي 296 مطاراً في 120 دولة.
وفيما يتعلق بإحصائيات العام المنصرم، حققت الخطوط الجوية التركية أرقاما قياسية، حيث سافر على متنها حوالي 912.728 مسافر باتجاه بريطانيا عبر النقل الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 984.206 مسافرا باتجاه الولايات المتحدة. أما بالنسبة لإحصائيات الشهور الأولى من العام الحالي، فقد سافر على متن الخطوط الجوية التركية حوالي 130.000 مسافراً باتجاه بريطانيا ما يربو عن 156.100 باتجاه الولايات المتحدة.
قد يدفع هذا القرار بالعديد من رجال الأعمال، الذين عادة ما يفضلون العمل على متن الطائرة باستخدام الأجهزة الإلكترونية، إلى السفر عبر خطوط الطيران الأمريكية
فضلا عن ذلك، تمكنت الخطوط الجوية التركية من نقل حوالي 2 مليون و53 ألف و34 مسافراً إلى بريطانيا والولايات المتحدة عبر نقاط ترانزيت خلال العامين الماضيين. في المقابل، ستصبح الرحلات المباشرة على متن الخطوط التركية بمثابة معاناة كبيرة بالنسبة للمسافرين، في ظل قرار حظر حمل الأجهزة الإلكترونية. على العموم، يهدف هذا الحظر إلى إلحاق الضرر بإسطنبول كنقطة ترانزيت رئيسة لرحلات الطيران، والتأثير على جميع شركات الطيران التي شملها الحظر، علما وأن هذا القرار سيشكل صورة جديدة من صور الإسلاموفوبيا.
وفي شأن ذي صلة، أكدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن قرار حظر الأجهزة الإلكترونية ليس له علاقة بالأمن وإنما يرجع لأسباب اقتصادية، نظرا لأن الشركات الطيران الأمريكية، وعلى مدى زمن طويل، قد دأبت على انتقاد شركات الطيران الإماراتية والقطرية بحجة حصولها على دعم قومي كبير. والجدير بالذكر أن شركات الطيران الإماراتية والقطرية كانت قلقة من أن يقوم ترامب بإصدار قرارات انتقامية، ولعل أكبر مخاوف هذه الشركات قد تحقق في أعقاب قرار الحظر.
وفي الأثناء، قد يدفع هذا القرار بالعديد من رجال الأعمال، الذين عادة ما يفضلون العمل على متن الطائرة باستخدام الأجهزة الإلكترونية، إلى السفر عبر خطوط الطيران الأمريكية. من جانب آخر، من المرجح أن تتخذ الدول الأوروبية الأخرى قرارات مماثلة تحول دون إستخدام المسافرين الأوروبيين للخطوط الجوية التركية، علما وأن الألمان قد أعربوا سابقاً عن رفضهم لخطة إنشاء مطار إسطنبول الجديد، نظرا لأن مطار فرانكفورت سيخسر بسببه مكانته كنقطة مركزية للسفر في أوروبا.
وتجدر الإشارة إلى أن المستشارة الألمانية ميركل قد تطرقت إلى ذلك في خضم زيارتها الأخيرة للولايات المتحدة. ولعل توقيت قرار الحظر الذي جاء بعد زيارة ميركل مباشرة لواشنطن، يجعل هذه الاحتمالات الاقتصادية منطقية أكثر. من جهة أخرى، نشر التلفزيون الهولندي تقريرا، في تلك الفترة، أوردت من خلاله أن “نمو وارتقاء مطارات اسطنبول والخليج يشكل تهديداً للدول الأوروبية”.
من جهته، قام وزير النقل التركي بإرسال مذكرة للولايات المتحدة تتعلق بقرار الحظر، علما وأنه يعتزم إرسال مذكرة مماثلة لبريطانيا. ومن المثير للاهتمام أن الخطوط الإماراتية والقطرية لا توجد في قائمة الحظر البريطانية. وفي السياق ذاته، أفاد رئيس جمعية مستثمري السياحة، أنه “يُمكن فحص أجهزة الحاسوب المحمول بكل سهولة للتأكد من أنها آمنة، إلا أن هذا القرار يهدف لخلق فكرة “دولة غير آمنة” لدى السياح. هذا القرار موجه ضد تركيا وضد الدول العربية. وفي هذه الحالة، قد نرى تراجعا في عدد السياح الأوروبيين. ولكن نتوقع أن يرتفع عداد السياح الروس والأوكرانيين بنسبة 25 بالمئة”.
أقر رئيس مؤسسة التراث التركي في واشنطن، علي تشينار، أنه “في حال كان السبب الحقيقي وراء قرار الحظر هو الأمن، فإن عدم وجود الدول الأوروبية ضمن قائمة الحظر مثير للريبة
وفي السياق ذاته، أوضح المختص في مجال الدفاع والأمن، يوسف الأربادة، أن “ترامب يهدف بقراراته تلك إلى الإطاحة بخطوط الطيران التركية والعربية المنافسة، حيث تشير معطيات مؤسسة هوملاند الأمنية الأمريكية أنه لم يتم تنفيذ أي هجوم إرهابي من تلك الدول التي شملها الحظر في الفترة الممتدة بين 1945-2015 داخل الولايات المتحدة”. وأضاف الأربادة، أن “هذا القرار سيؤدي إلى ارتفاع عدد الحقائب المسروقة، إذ أن الولايات المتحدة تعد أكثر دولة في العالم يتم فيها سرقة حقائب المسافرين. الرئيس ترامب سارع إلى تطبيق مثل هذا القرار ولكنه لم يقدم أي ضمانات للمسافرين بأن حقائبهم في أمان ولن تسرق”.
من جهة أخرى، قال رئيس رابطة رجال الأعمال والصناعيين الأتراك في الولايات المتحدة، إن “قرار الحظر موجه ضد نمو وارتقاء الخطوط الجوية التركية. هذا قرار غير عادل، بل ويثير الشكوك حول أسبابه الأمنية. هذا القرار هو بمثابة حركة موجهة ضد مدينة إسطنبول التي تعتبر مركز عالمي مهم في قطاع الطيران، كما يهدف إلى وضع العراقيل أمام النمو التجاري والاقتصادي التركي. سيؤثر هذا القرار بشكل سلبي على الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة الحرة في قطاع الطيران”.
من جهته، أقر رئيس مؤسسة التراث التركي في واشنطن، علي تشينار، أنه “في حال كان السبب الحقيقي وراء قرار الحظر هو الأمن، فإن عدم وجود الدول الأوروبية ضمن قائمة الحظر مثير للريبة. هذا القرار سيترتب عنه خسائر كبيرة في أعداد المسافرين، خاصة في هذه الفترة التي من المتوقع أن تصبح خلالها إسطنبول مركزا مهما لنقل المسافرين . مؤخرا، أصبحت شركات الطيران الأمريكية ذات تأثير بليغ داخل الكونغرس الأمريكي، حيث مارسوا العديد من الضغوط على إدارة ترامب فيما يتعلق بالتهديد الذي تمثله الخطوط الجوية التركية وخطوط الطيران الشرق على عائداتهم”.
من المتوقع أن يغير المطار الثالث في اسطنبول خريطة الطيران العالمية فور الانتهاء منه، فبفضله ستصبح إسطنبول وقطاع طيرانها في القمة
في واقع الأمر، تباينت وتعددت ردود الأفعال بشأن قرار الحظر الأمريكي، إذ أن بعض المسافرين، ومن بينهم مواطنون أمريكيون، قد انتابتهم حالة من القلق بخصوص سلامة أجهزتهم الإلكترونية التي سيضطرون إلى وضعها ضمن أمتعتهم. وفي هذا الصدد، صرح أحد المواطنين الأمريكيين، أن “أجهزة الحاسوب المحمولة أصبحت مهمة جداً في وقتنا الحالي، فنحن نخفي معلوماتنا الشخصية داخلها. حقيقة، منع دخول هذه الأجهزة إلى الطائرة هو قرار خاطئ”.
وأردف المصدر ذاته، “لدي رحلة من اسطنبول إلى نيويورك ستستمر حوالي 11 ساعة متواصلة، كيف لي أن أكون على متن تلك الطائرة دون جهازي الشخصي؟ تركيا هي دولة آمنة ويجب على ترامب أن يتراجع عن قراره”.
من المتوقع أن يغير المطار الثالث في اسطنبول خريطة الطيران العالمية فور الانتهاء منه، فبفضله ستصبح إسطنبول وقطاع طيرانها في القمة، الأمر الذي سيؤثر بشكل إيجابي على القطاع السياحي وقطاع نقل البضائع الجوي. ومن هذا المنطلق، يسعى قرار الحظر إلى عرقلة نمو خطوط الطيران التركية، التي من المتوقع أن يرتفع عدد مسافريها في نقاط الترانزيت إلى حوالي 40 مليون مسافر خلال السنة الواحدة. وفي الأثناء، مما لا شك فيه أن الجهات المختصة ستقوم بتطوير حلول عملية وذلك حتى تتمكن من مواجهة قرار الحظر.
المصرد: يني شفق