عندما انطلقت ثورة الحرية في سوريا في مارس 2011 ظهرت أبواق الممانعة والمقاومة وتصدرت وسائل الإعلام لتقول أنها حركات تمرد وستنتهي خلال شهر أو شهرين ، حينها السوريين لم يلقوا لتلك النداءات آذان صاغية لها لأنهم حملوا ورودهم البيضاء بأيادي مكفهَّرة مطالبين بحقوقهم المدنية كأي شعب يحلم بالديمقراطية ويحترم حقوق الإنسان تحت سقف الحرية غيرآبهين لسقف زمني يلبي تلك المطالب
اليوم وبعد مرور ست سنوات مازالت هواجس النظام تعتقد أن الحرب انتهت ولا وجود لما يسمى ثورة شعب وهذا ليس بغريب على نظام يُطلق تلك الكلمات منذ ست سنوات عبر هالاته الإعلامية التي مازالت تمارس لغة الإنكار وتزوير الحقائق ورفض الواقع الحالي، فترى قنواته شُغلها الشاغر فصل المتابع عن الواقع فتعرض له ذكريات المسرح السوري وبرامج عن الطبخ و صوراً لسوريا تعود لماقبل عام 2011 وكأن الذي يحدث في سوريا يحدث في كوكب آخر
دخلت الثورة السورية عبر سنينها الست عدة مراحل حاول فيها النظام جاهداً مع حلفائه أن يفكك تلك الثورة ويزرع التفرقة بين روادها ويحولها من ثورة شعب ضد أجهزته المستبدة إلى حرب ضد الإرهاب
دخلت الثورة السورية عبر سنينها الست عدة مراحل حاول فيها النظام جاهداً مع حلفائه أن يفكك تلك الثورة ويزرع التفرقة بين روادها ويحولها من ثورة شعب ضد أجهزته المستبدة إلى حرب ضد الإرهاب، مستفيداً من إرث أبيه الذي أسس تركيبة عجيبة غريبة لمكونات مجتمع على أساس عرقي مذهبي لاستثمار هذا التأسيس متى يشاء وفي الوقت الذي يريد فمن المعروف لكل مطلع على تاريخ البعث أن حافظ الأسد وعبر أجهزته البعثية امتلك قرار الأقليات واشترى ولاء العشائر واستغل ضِعاف النفوس من المكون الأكبر في سوريا السنة واستعملهم كأحجار شطرنج يتخلص منهم عندما ينجزون مهمامهم على أكمل وجه.
بيدا أننا هنا لسنا بصدد الحديث عن أسباب انطلاقة الثورة فالعالم أجمع أصبح يعلم ماهية هذا النظام القائم على أساس باطل وقد يكون السؤال الأصح عن أسباب تأخر انطلاقة الثورة؟
أسباب تأخر الثورة
تأخرت انطلاقة الثورة لأسباب عديدة أهمها أن النظام عمل على تخدير العقول السورية وحجبهم عن أي عمل سياسي على مدار أربعة عقود ونيف ، فنحن الجيل الصاعد تربيَّنا على المقولة القائلة من آباءنا – لا تتكلموا بالسياسية فالجدارن لها آذان – وقليلُ منا من سأل أباه لماذا يا أبي؟ وقد يكون الجواب لأن طابع الخوف طغى على كل المفاهيم السائدة آنذاك إلا أن هذه المقولة كانت تُخبأ ورائها أسراراً وحكايا كانت كفيلة أن تلخص سبب تأخر الثورة وحجبها عن السوريين أنفسهم.
على سبيل الإطلاع لا أكثر فإن الباحث عن خبايا وتاريخ العصابة الأسدية يجد بإيجاز سريع أن الأسباب يمكن تفنيدها لسببين رئيسين:
الأول خارجي متعلق بطبيعة العلاقات السورية الإسرائيلية المستمرة من وإلى الأب حافظ وصولاً إلى الوريث بشار والذي قرر أن يُكمل مسيرة أبيه باستمرار تلك القنوات السرية محاولاً فيما بعد قبول الاعتراف بدولة اسرائيل.
جاء في وصية عبد الكريم الجندي رئيس الأمن القومي السوري عندما نُشرت وصيته والتي وجه فيها اتهاماً مباشراً لحافظ الأسد على العمالة والخيانة خصوصاُ بمسرحية استلام وتسليم الجولان
وللعلم لم تنكشف حقيقة الاتصالات السرية إلا من خلال قائد الجيش السوري آنذلك اللواء الزعيم حسني الزعيم الذي أفصح لأول مرة قبل نهاية 1948 عن السر لصهره نذير فنصة، عقب هذه السر فضحية كبرى ما جاء في وصية عبد الكريم الجندي رئيس الأمن القومي السوري عندما نُشرت وصيته والتي وجه فيها اتهاماً مباشراً لحافظ الأسد على العمالة والخيانة خصوصاُ بمسرحية استلام وتسليم الجولان.
عندما استلم الابن بشار سُدة الرئاسة استمر على نهج أبيه في استمرار الاتصالات عبر وسطاء ورجال أعمال وكل هذه الأمور كانت تجري على قدم وساق بالتوازي مع تغذية شعبه بجرعات المقاومة وأن اسرائيل هي العدو الأول، هذه الكذبة الكبرى التي لم تعد تجدي أكلها مع أول رصاصة أطلقها الأسد على أبناء شعبه.
إجرام حافظ الأسد بحق أهالي حماه وإدلب من اتباع سياسية التدمير والإبادة الجماعية هذه الممارسات لاشك أنها أفرزت وكرست سياسية الخوف عند جميع مكونات الشعب السوري
فيما يبقى السبب الآخر داخلي وماجرى في حقبة الثمانينيات من إجرام حافظ الأسد بحق أهالي حماه وإدلب من اتباع سياسية التدمير والإبادة الجماعية هذه الممارسات لاشك أنها أفرزت وكرست سياسية الخوف عند جميع مكونات الشعب السوري فاستحكم آل الاسد قبضتهم على كل مفاصل الدولة ووضعوا يدهم على كل ثروات البلد وعززوا تأمين الوطن عبر شبكة من الأجهزة الأمنية المخابراتية ممتدة من أقصى جنوب سوريا إلى شمالها، شبكة أخطبوطية جميعها تخضع للعائلة الحاكمة وظيفتها الأساسية وضع الشعب السوري تحت الرقابة الدائمة وإسكات أي صوت سوري معترض حتى على حاوية القمامة المنزلقة على قارعة الطريق
كل هذه الأسباب وغيرها كانت جُزءً لا يتجزأ من أسبابٍ أُخر أخرت انطلاقة ثورة 2011 التي غيرت مجرى التاريخ
ثورة الحرية 18/3 مارس 2011
لا شك إن المتتبع لمراحل الثورة السورية مع تقصي الحقائق ومجريات تسلسل الأحداث يُدرك تماماً كيف تحولت الثورة بفعل خبث النظام إلى ثورة مسلحة، فبعد سبعة أشهر من حراك سلمي دخلت الثورة مرحلةً ثانية بفرض السلاح على الأرض، وماكان للشعب السوري أن يحمل السلاح لولا استخدام النظام له لقتل المتظاهرين عمداً وبأوامر من بشار الأسد شخصياً فلا أحد يُصدق أن الأسد لم يكن على دراية بما يجري في ساحات دمشق وحلب وإدلب ودرعا وحمص وحماه بل هو من أعطى الأوامر لكل الأفرع والأجهزة الأمنية باتباع سياسية القمع والقتل والاعتقالات.
وفيما بعد تم تنظيم وضبط كل عمليات القتل مع دخول إيران واستلامها لزمام الأمور في الميداني السوري عبر زج آلاف المليشيات المتعطشة للثأر والدماء من أهل السنة، ولو نظرنا للخارطة السورية نرى أنا مناطق النزاع تركزت في مناطق السنة وهي ذاتها المناطق التي تم تدميرها بشكل ممنهج كحلب وحمص القديمة في حين ظلت مناطق النظام في الساحل السوري محمية بقرارت دولية وخطوط حمر غير مسموح المساس بها
بعد انتشار فوضى السلاح بدأ النظام يُكثف من اتصالاته ليضمن تفعيل محور الشر لوأد الثورة وأصبح التنسيق بشكل علني مع إيران وحزب الله اللبناني وموسكو الحليف القديم الجديد لآل الأسد
كانت نتيجة التنسيق دخول الجماعات الجهادية كالنصرة وتنظيم الدولة في العراق والشام القادم من العراق إلى سوريا عبر أذرع إيران فتلونت حينها الرايات في منتصف 2014 داخل سوريا وتعسكرت الفصائل وضجت الساحة بتلوين واختلاف بالفكر والسلاح بين مؤيد لتلك الجماعات ورافض لها فكانت النتيجية المراد لها من قبل النظام.
انقسام الساحة لثلاث معسكرات الأول معتدل والثاني إسلامي معتدل والثالث إسلامي متطرف يرتدي عباءة الإسلام وأعلن أنه جاء لتحقيق الدولة الإسلامية في سوريا والعراق فاحتل نصف مساحة سوريا والعراق بأقل من شهر ومن دون أي مضايقات له، بل ساهمت الدول الكبرى لتوفير الظروف الموضوعية له لبسط نفوذه على مناطق البترول الغنية بالثروات واليوم مانراه بعد العام السادس للثورة يتم تقليص الدور الوظيفي للتنظيم لإعادة احتلال هذه الثروات في شرق وشمال سوريا من قبل روسيا وأمريكا وإيران.
ست سنوات من عمر الثورة ومازالت مستمرة
ست سنوات من عمر الثورة السورية والنظام عمل جاهداً على تقطيع أوصال الثوار وزرع الخلاف والتفرقة بينهم وسط سفح الدماء من أبناء شعبه وتدمير ممنهج للمدن والقرى والأرياف غير آبهاً بحضارة الشرق ولا بتاريخ السوريين، فقط ما يعنيه أن يبقى جاثماً على صدور السوريين بسبب إصابته بفوبيا السلطة، مع ذلك الثورة بقيت مستمرة ومعظم المناطق هي خارجة عن سيطرته.
بعد أن زرع النظام التفرقة بين الفصائل بفعل حلفاؤه أدى ذلك إلى اقتتال مناطقي فكان هذا بمثابة الخنجر المسموم داخل أحشاء الثورة السورية المستمر إلى يومنا هذا ومع ذلك معظم الفصائل استطاعت أن تتجاوز هذه الفتن وتحاول إزالة الذرائع والشبهات عنها بعدما نجح النظام أن يفرض على المجتمع الدولي أن ما يجري في سوريا هو حرب ضد الإرهاب.
حقيقةً النظام لعب بورقتين أساسيتين استطاع خلالهما الصمود حتى اللحظة أولها اللعب على ورقة الأقليات والتسويق لنفسه أنه راعي لها والأخرى دوره في صناعة الإرهاب عن طريق إيران لإيصال رسالة للمجتمع الدولي مفادها إما أنا أو الإرهاب
حقيقةً النظام لعب بورقتين أساسيتين استطاع خلالهما الصمود حتى اللحظة أولها اللعب على ورقة الأقليات والتسويق لنفسه أنه راعي لها والأخرى دوره في صناعة الإرهاب عن طريق إيران لإيصال رسالة للمجتمع الدولي مفادها إما أنا أو الإرهاب فاستطاع في العام 2016 أن يجني ثمار تلك السياسات الخبيثة مع حلفائه مستفيداً من إطالة عمر الصراع بعدما كسب تأييد الرأي العام له.
فبدأ بقضم المساحات الجغرافية السورية عبر التهجير القسري والمصالحات المذلة ليضع شعبه أمام خيارين إما الاستسلام والتهجير أو القتل بجميع أنواع الأسلحة فكان عام 2016 هو الأكثر مآساة على الشعب السوري خصوصاُ بعد تهجير اهالي داريا وقدسيا والتل والعمضيمة وحلب ليصل الأمر مع بداية 2017 إلى حي الوعر بحمص.
الثورة السورية عامها السابع ومازالت مستمرة
مع دخول الثورة عامها السابع اتضحت صورة الجغرافية أكثر مع تعدد الأطراف الفاعلة فيها من تركيا وإيران وروسيا وامريكا والجميع مارس حرب بالوكالة لوضع مناطق نفوذ داخل سوريا وبناء قواعد عسكرية من الشمال إلى الجنوب، وبات موضوع التقسيم المناطقي أقرب للواقع ومع ذلك الثورة مازالت مستمرة للتأكيد على مطالب الشعب السوري المتمثلة بمراعات مصالح تلك الدول بما لا يتعارض مع مصالح الثورة المتمثلة بإسقاط زمرة النظام وإعادة هكيلة الأجهزة الامنية وتحقيق دولة مدنية ديمقراطية تحقق العيش النبيل لشعب مازال يقدم من دمه للوصول إلى هدفه المنشود.
جميع المؤتمرات التي خُصصت للحل في سوريا أفشلت وفُشلت لأنها كانت عبارة عن شرعنة لمخططات الدول داخل سوريا إضافة إلى عدم وجود جسم سياسي وعسكري يمثل تطلعات السوريين
واليوم غدونا نعيش على مُفترق طرق بين تهديد عرش النظام داخل العاصمة دمشق وبين نضوج مصالح تلك الدول، والجميع بات ينتظر ماهو شكل سوريا الجديدة إن بقيت لديها معالم.
ويتضح بالمدى المنظور وبعد وجود كل الدول الكبرى داخل سوريا أن أي حل بعد هذا المشهد لن يكون لصالح الشعب السوري بل على حسابه وحتى إن سقط النظام كشخص أصبحت سوريا محتلة من قبل حلف رباعي لها وستكون مهمة الجيل القادم أن يخوض حروب تحرير جديدة من أجل هدف الاستقلال .