أثار الموقف العُماني الأخير المعارض للاتحاد الخليجي، الكثير من الغضب في الأوساط الخليجية، والدهشة في الوقت نفسه، واتسم بالحدّة غير المعتادة من الدبلوماسية العُمانية المعروفة بهدوئها؛ حيث أعلن يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في الحكومة العُمانية، في منتدى الأمن الخليجي الذي عقد في العاصمة البحرينية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنَّ “عُمان لن تكون جزءًا من الاتحاد الخليجي في حال قيامه”، ولوح بانسحاب السلطنة من مجلس التعاون الخليجي فيما إذا أصرت دول الخليج العربية على المضي قدمًا في مشروع الوحدة الذي تدعمه السعودية بشدة.
ولمحاولة فهم الموقف العُماني يجب فهم العلاقات الإيرانية العُمانية لمعرفة أثرها في المواقف العُمانية الأخيرة.
ترتبط سلطنة عُمان وإيران بعلاقة قديمة تاريخيًا لم تكن دائمًا ودودة، إلا أنها شكّلت أمرًا واقعًا تفرضه الجغرافيا والمصالح المشتركة بين قوتين بحريتين كبيرتين تسيطران على مدخل الخليج العربي. وتبلورت هذه العلاقة في شكل تعاون سياسي واضح بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم في العام 1970؛ حيث أمدت إيران، وبريطانيا، السلطان قابوس بالدعم العسكري لمواجهة الثورة في ظفار، في حين كانت بعض الدول العربية تدعم الثوار رسميًا وتدربهم.
وعند قيام الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، حافظت عُمان على علاقاتها بإيران رغم العداء المتنامي ضد طهران في المنطقة وعلى الصعيد العالمي على حد سواء. وحتى بعد قيام الحرب العراقية الإيرانية، لم تنقطع العلاقات الإيرانية مع مسقط.
وفضلا عن إبقاء خط الاتصال مفتوحا مع طهران، لعبت عُمان دور الوسيط في مرات عديدة بينها وبين الدول العربية، وبينها وبين القوى الغربية كبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية؛ ففي الحرب العراقية-الإيرانية، احتضنت مسقط محادثات سرية بين الطرفين المتنازعين لوقف إطلاق النار، ورفضت الدعوة لمقاطعة إيران وعزلها دبلوماسيًا واقتصاديًا فى العام 1987، وكذلك رفضت السماح للعراق باستخدام أراضيها في الهجوم على جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وبعد انتهاء تلك الحرب توسطت عُمان لإعادة العلاقات بين إيران والسعودية وإيران والمملكة المتحدة.
إلا أن حرب الخليج الثانية (1990-1991) تسببت في توتر العلاقات بين مسقط وطهران بعد قيام الأخيرة بالتعرض لناقلات النفط التي تعبر مضيق هرمز، وكذلك نشرها للصواريخ المضادة للسفن بالقرب منه؛ مما حدا بعُمان إلى تكثيف تواجدها العسكري في مسندم، المطلة على مضيق هرمز، والتي تبعد مسافة لا تتجاوز الستين كيلومترًا عن الحدود الإيرانية. لكن الطرفين تجاوزا التوتر الطارئ، وعادت العلاقات إلى طابعها التعاوني.
فوافقت عُمان على تمثيل المصالح الإيرانية في بعض الدول الغربية التي لا تمتلك إيران فيها أي تمثيل دبلوماسي، كبريطانيا وكندا. وعلى امتداد الخلاف النووي بين إيران والغرب، ظلت عُمان تؤكد على ضرورة الحل السلمي والحوار المباشر. وفي حوار عام 2012، أكد السلطان قابوس بن سعيد أنَّ “على إيران والولايات المتحدة الأميركية أن يجلسا معًا ويتحدثا”
ولا تقتصر العلاقات العُمانية-الإيرانية على الجانب السياسي وإنما تمتد إلى جوانب أخرى من خلال اللجان المشتركة بين البلدين؛ فعلى الصعيد العسكري، وقّع الطرفان في سبتمبر/أيلول 2013 مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون العسكري فيما بينهما، بالإضافة إلى المناورات البحرية المشتركة في مضيق هرمز. وفي الجانب الاقتصادي تسعى عُمان لاستيراد الغاز من إيران عبر بناء أنبوب بحري بين البلدين، ويناقش الطرفان تطوير حقول غاز مشتركة في عرض البحر.
هذه العلاقة المتينة التي تربط بين الطرفين العُماني والإيراني لا تعني أن عُمان ساذجة أو غير مدركة للتهديد الاستراتيجي الذي يمكن أن تمثله دولة بحجم إيران وإمكانياتها بالنسبة لأمن المنطقة، إلا أنها تدرك أن التعامل مع هذا التهديد المحتمل لا يكون باستعداء إيران والتعامل معها كخصم أزلي، أو بالتعاطي معها بلا عقلانية تفترض سهولة إلغائها وإقصائها من أي تفاهم إقليمي.
و في مقتضيات الأمن القومي العُماني ما يكفي ليفسر العلاقة العُمانية-الإيرانية؛ فسواحل إيران لا تبعد إلا مرمى حجر عن السواحل العُمانية، والدولتان تتحكمان معًا في واحد من أهم المعابر المائية في العالم، اقتصاديًا وأمنيًا؛ حيث يمر من مضيق هرمز ما يزيد على 40% من النفط الخام في العالم.
وباعتبار أن اعتبارات الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية هي المحدد الرئيسي الذي يملي سياسات السلطنة الخارجية، فإن أي صدام إقليمي، سيشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقرار عُمان وأمنها الداخلي. ومن جهة أخرى، فإن إيران لم تشكّل خطرًا على استقرار عُمان الداخلي ولم تحاول تقويض وحدتها الوطنية بأي شكل من الأشكال، وامتازت علاقتها بعُمان بدرجة من الندية تناسب المزاج العُماني ونزعته التاريخية نحو الاستقلال. وهذا ما لم تنجح في إدراكه، فهمًا وممارسة، بعض الدول الخليجية.
فالعلاقات العُمانية مع بعض دول الخليج متوترة للغاية لا سيما مع الإمارات التي أعلنت عُمان عن اكتشاف خلية تجسس تعمل لصالحها! بالإضافة إلى محاولة السعودية فرض نفوذها على دول خليجية أخرى وعُمان من بينها.
من بحث منشور بمركز الجزيرة للدراسات