فيلم “عين النساء”، أو “La Source des Femmes”، هو فيلم فرنسي مغربي من إخراج المخرج الفرنسي الروماني “رادو ميهايلينو” يصور صراع المرأة الريفية في إحدى قرى المغرب نحو الشعور بالوجود والبقاء، فهي تشعر بأنها ليست ذات قيمة في المجتمع على الإطلاق.
يبدأ الفيلم بمجموعة من النسوة يسلكن طريقًا وعرًا في نهايته عين ماء، يملئن منها دلاءهن, ثم يعدن من نفس الطريق الوعرة مرة أخرى. وأثناء رحلة العودة تنزلق قدم إحداهم وتسقط أرضًا وتفقد جنينها.
كانت هذه هي شرارة الثورة التي قادتها “ليلى” الفتاة المتعلمة القادمة من خارج القرية، والمتزوجة من المُعلم “سامي”، وقامت بدور “ليلى” النجمة الشابة الفرنسية من أصل جزائري “ليلى بختي”، وقام بدور زوجها النجم الفلسطيني “صالح بكري”.
“ليلى” تصرخ في باقي نساء القرية بأن جلب الماء يجب أن يكون من شأن الرجل لا المرأة وأن التقاليد التي استمرت لعقود لا مبرر لها الآن، فالرجال لا يعملون بسبب الجفاف، ولا يحاربون العدو خارج البلاد. تتساءل النسوة كيف سيدفعن الرجال لجلب الماء بأنفسهم, لتجيب “ليلى” سريعًا بالإضراب عن ممارسة الحب، هذا هو السلاح الوحيد المتوفر في يد نساء القرية.
تستنكر معظم النساء من هذا الحل، ويجدن أن بقاء التقاليد كما هي أسلم لكل من في القرية، إلا أن بعض النساء بقيادة “ليلى” يستمررن في إضرابهن، وتلاقي “ليلى” التشجيع من زوجها “سامي”، ويعزز موقفها بالأدلة الدينية التي ستحتج بها أمام إمام القرية.
صرح المخرج أن أمر الإضراب ليس أمرًا خيالًا، بل أنه حدث بالفعل عام 2001 تقريبًا في قرية صغيرة بتركيا، وحدث مرة أخرى قبل انتخابات عام 2005 في ليبيريا، عندما تم انتخاب “إيلين جونسون سيرليف” كأول امرأة رئيسة لدولة في إفريقيا، فقبل هذه الانتخابات –وقبل هذا الإضراب- لم يكن مسموحًا للنساء بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية، إلا أن نساء ليبيريا أصررن على موقفهن وقمن باقتناص حقهن في الترشح من خلال هذ الإضراب.
عاش “ميهايلينو” لمدة شهر في إحدى القرى المغربية، ورأى بعينيه مدى تردي وضع المرأة بالقرية، فهي الملزمة بجلب الماء من العيون البعيدة، وهي أيضًا الملزمة بالعمل في المنزل، وأعمال النسيج، وإحضار الحطب من الحقل يوميًا، ويمضي الرجال وقتهم في لعب الورق والثرثرة على المقاهي، وبالرغم من ذلك تعامل المرأة على أنها من مرتبة ثانية أقل من الرجل، بل ويتم تجاهلها في جميع القرارات المصيرية كأنها غير موجودة أصلًا.
يتطور الأمر بالسلب ردًا على إضراب النساء، وهو الأمر الذي عل المخرج يصرح بأن النهاية السعيدة للفيلم ربما لن تتوفر في الواقع، فغالبا يرد الرجال بالعنف، ودليل على ذلك “محمد” أخو “سامي” الأكبر والذي يقوم بضرب زوجته والتعامل معها بعنف ردًا على إضرابها.
وهناك الردع الديني الذي قام به إمام القرية، عندما نبه النسوة بأن مصيرهن للنار، وأنه لا توجد مساواة بين الرجل والمرأة في الدين، لترد عليه “ليلى” بما علمها إياه “سامي” سابقًا، أن الله لا يفرق بين الرجل والمرأة إلا بالتقوى، وأنه لم يأمر بالعنف، ولم يأمر الرجل بتجاهل واجباته والمطالبة بحقوقه.
صرحت النجمة الفرنسية الشابة “ليلى بخيتي” أن أول ما دفعها لقبول الدور الرئيسي هو فكرة الفيلم، وأنه حرب ينتصر بها الحب والكرامة، كما أشاد المخرج بأداءها: “أبهرتني بموهبتها وعمقها الإنساني وإرادتها وقوة شخصيتها، إنها ممثلة كبيرة.”
لم تكن مسيرتها الفنية قد تجاوزت الستة أعوام عندما اختارها “ميهايلينو” لتقوم بدور البطولة، إلا أنه اقتنع بها واختارها بعد أن شاهد عدد من أعمالها.
كما ساهمت “ليلى” في كتابة الدور مع “ميهايلينو” فبعد أن انتهى من إعداد السيناريو عرضه عليها ليستشيرها فاقترحت عليه قراءة كتاب عن المرأة في القرآن لتعزيز الدور الديني.
عانى فريق العمل كثيرًا قبل وأثناء تصوير الفيلم، فقد كثفوا جهودهم ليتعايشوا مع أجواء القرية التي لم يدخلوها من قبل، بالإضافة إلى أن معظم الممثلين فرنسيين من أصل جزائري، فقدوا اللغة العربية منذ سنوات، ومن يتحدثها منهم لا يتقن اللكنة المغربية الدارجة –لكنة أهل الريف- لذا كان لكل ممثل مدرب خاص به واستمرت التدريبات على اللكنة ثلاثة شهور، إلا أن الذي مر بتعقديات أكثر خلال التدريب كان “صالح بكري” الفنان الفلسطيني، فاللكنة الفلسطينة قريبة للفصحى، والمغربية بعيدة عنها جدًا، بل وقريبة للفرنسية، فقد كان يتحدث مع باقي فريق العمل باللغة الإنجليزية، فكلا الطرفين لما يفهما بعضهما باللكنات المتباينة. وبالرغم من ذلك فقد تفوق “صالح” على نفسه فلا يمكن للمشاهد أن يصدق بأن هذا الممثل ليس مغربي، ولم يتحدث الدارجة المغربية من قبل.
النموذج الذكوري في الفيلم كان متنوع؛ فهناك “سامي” المُعلم الذي يدفع أهل لقرية لألا يخرجوا بناتهم في المدرسة، ويشجع زوجته على موقفها لتحسين وضع المرأة، كما أنه يتغاضي عن علاقتها السابقة برجل آخر.
ربما يبدو نموذج كهذا غير متوفر في القرى العربية، وربما هي رسالة من المخرج، أنه يود أن يرى نموذج كهذا في القرى والوطن العربي.
وهناك زميله “كريم” الذي حصل على قدر كبير من التعليم، إلا أن شخصيته ضعيفة؛ فلم يستطيع أن يقف في وجه قرار أبيه بأن يترك الدراسة، ولم يختار زوجته، ويتعبر نفسه ضعيفًا لأنه لا يستطيع أن يضرب زوجته كباقي رجال القرية، وهناك سائر الرجال، الذي يرتاحون لأمر التقاليد البالية حيث أنها لا تضر بهم شيئًا ولا تكبدهم عناء العمل.
أما النموذج النسوي فقد قدم أكثر من شكل للمرأة؛ فهناك الحماة العربية، التي تصعب حياة زوجة ابنها وتعتبرها سرقته وأبعدته عنها، والتي قامت بدورها الفنانة الفلسطينية العالمية “هيام عباس”.
وهناك ابنتها “لبنى” والتي لعبت دورها “حفصية حرزي”, وهي الفتاة الصغيرة المتمردة على تقاليد الزواج في قريتهم، والتي تتخذ من قصة أخيها “سامي” وزوجته “ليلى” مثلًا أعلى تحلم بأن تحققه في حياتها، وتهرب في النهاية من قريتهم للبحث عن الحب.
وهناك النموذج الثالث وهو الأقوى والأكثر وضوحًا، وهي المرأة الكبيرة في السن “أم نسيم” -والتي لعبت دورها الفنانة الجزائرية “بيونة”- وهي المرأة التي فقدت طعم السعادة عندما تزوجت في الرابعة عشر من عمرها وأصبحت مسؤلة عن طفيلن لزوجها في نفس عمرها تقريبًا.
أما باقي نساء القرية فقد انقسمن بين مؤيد ومعارض لوضعهن المتردي.
تميزت الموسيقى التصويرية بالفيلم أنها تدل على روح القرية، كما أدمجت بها الأشعار الفلكلورية المتداولة في القرى المغربية.
وقام بتأليف الموسيقى الملحن “أرماند أمار”.
حقق الفيلم إيرادات مرتفعة في دور السينما المغربية، وعرض أيضًا في فرنسا، ولقى ترحابًا كبيرًا من الفرنسيين أصحاب الأصل العربي. كما منع من العرض في بعض الدول كاليمن والمملكة السعودية.
شارك الفيلم في احتفالات “كان” عام 2011، وترشح لجائزة أفضل إخراج، كما نال جائزتين في مهرجان الأمازون كأفضل فيلم، وأفضل تصوير سينمائي، يوجه المخرج، والفيلم رسالة لكل النساء العالم أن عليهن المحاربة للنهاية، ولكن لا يضمن لهن الإنتصار، فالأمر في الواقع أكثر تعقيدًا من فيلم.