بعد أكثر من خمسة أشهر من المشاورات الحكومية المرهقة التي وصلت حد التجميد وتغيير رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران بشخصية أخرى من نفس الحزب، يسعى حزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات المغربية الأخيرة إلى التسريع في تشكيل الحكومة المرتقبة لقيادة المرحلة المقبلة في تاريخ المملكة المغربية.
عزم على نجاح المهمة
يستعدّ سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية المعين لبدأ الجولة الثانية من مشاورات تشكيل الحكومة بعد انتهائه من الجولة الأولى، التي كانت في غالبها بروتوكولية، على أمل أن يتجاوز إخفاقات سلفه عبد الإله بنكبران وعدم تمكّنه من جمع الحد الأدنى من الأصوات اللازمة وعددها 198 ليحصل على الثقة لحكومته في البرلمان.
بعد هذه الجولة الأولى، بدا سعد الدين العثماني، متفائلا بخصوص تشكيل الحكومة المقبلة
في جولته الأولى، التقى العثماني في مقر حزب العدالة والتنمية (125 مقعدا في البرلمان) سبعة زعماء حزبين، حزب واحد منها فقط أعلن على بقائه في المعارضة وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي جاء ثانيا في انتخابات أكتوبر الماضي بحصوله على 102 مقعد من أصل 395 مقعدا هي إجمالي مقاعد البرلمان. وكان الملك قد استقبل العثماني يوم الجمعة الماضي وكلفه بتشكيل الحكومة، وذلك بعد يوم واحد فقط من إعفائه رئيس الحكومة المكلف السابق الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، بعد إخفاقه في تشكيل الحكومة لمدة فاقت خمسة أشهر.
بعد هذه الجولة الأولى، بدا سعد الدين العثماني، متفائلا بخصوص تشكيل الحكومة المقبلة، مؤكدا قرب إغلاق هذا القوس من التباينات، حيث قال “إن شاء الله أعتقد أن الحكومة ستتشكل بسرعة، فالمغرب لن يسمح ببقائه في قاعة انتظار لتشكيل الحكومة، وسنمضي قدما لخدمة وطننا”، واصفا الجولة الأولى من المشاورات التي جرت أول أمس الثلاثاء بـ “الإيجابية والبناءة”، حسب بيان صادر عن الأمانة العامة للحزب.
العثماني متفائل بنجاح مهمته
رغم أنه يصعب التكهّن بما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام القليلة القادمة، فإن بعض المؤشرات توحي بقرب انفراج أزمة التشكيلة الحكومية فمهمة العثماني تبدو أسهل ولو قليلا من مهمة بنكيران الذي أصبح معادلة صعبة في المشهد السياسي المغربي ولا يريد “المخزن” وأحزابه أن يزيد نجمه، فالعثماني لم يعد يواجه صعوبات كبيرة ولا توترا مع الأحزاب السياسية التي عبّر أغلب زعمائها عن رغبتهم في تيسير مهمة رئيس الحكومة المكلف.
“الاشتراكي” وحيدا
أبرز ما شدّ الانتباه في الجولة الأولى للمشاورات الحكومية التي قادها العثماني إلى جانب ثلاث قيادات من العدالة والتنمية، مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، بداية تفكّك التحالف الرباعي المشكل من أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الحركة الشعبية، الذي كان السبب الأساسي في فشل بنكيران في تشكيل حكومته.
فعقب انتهاء لقائه مع العثماني، خرج إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي جاء حزبه في المرتبة السادسة في انتخابات أكتوبر 2016 بحصوله على 20 مقعدا، مصرّحا بأن حزبه لن يقبل أن يتحدث أي أحد باسمه أو ينوب عنه في مشاورات تشكيل الحكومة، مؤكدا الانخراط الكامل للحزب لدعم رئيس الحكومة المعين من أجل إنجاح حكومته.
لشكر يلمح إلى انتهاء تحالفه مع أخنوش
بتصريحه هذا، فكّ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ارتباطه مع التحالف الحزبي الذي كان قائما أثناء المشاورات التي قادها بنكيران، وسهّل مهمة العثماني في تشكيل حكومته دون اشتراطات أو عراقيل من طرف عزيز اخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان يشترط دخول جميع مكونات التحالف للحكومة.
وكان تشبث عزيز أخنوش بمشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة بنكيران قد تسبب في فشل المشاورات، التي انتهت بإعفاء عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من رئاسة الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب بديلاً له من طرف الملك محمد السادس يوم الجمعة الماضي.
أخنوش أكّد أن التجمع الوطني للأحرار يريد حكومة قوية ومنسجمة
بدوره تحاشى عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا) الإعلان عن مواصلة تشبثه بمشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة. وعقب لقائه بالعثماني رفقة حليفة محمد ساجد، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري (19 مقعدا)، اكتفى بالقول، إن “حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري يؤيدون العثماني ومستعدين للمشاركة في حكومته والتعاون معه”.
ورفض أخنوش الإجابة عن أسئلة الصحافيين التي انصبت عن موقفه من مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة العثماني، مؤكدا أن التجمع الوطني للأحرار يريد حكومة قوية ومنسجمة، كما أعلن عن ذلك حزب العدالة والتنمية.
تصريحات زعيمي الاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار، من شأنها أن تسهّل مهمة العثماني الذي من المنظر أن يقدّم عرضا في المفاوضات لكل من الأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية (27 مقعدا) والتقدم والاشتراكية (12 مقعدا)، ويستثني الاتحاد الاشتراكي، الذي كلف رفض دخوله للحكومة بنكيران منصبه، وبذلك يكون الاتحاد الاشتراكي هو أكبر الخاسرين.
المخزن يمنح ثقته للعثماني
المتأمل لسير نشاط مفاوضات تشكيل الحكومة التي قادها بنكيران لخمسة أشهر، يرى أن أحزاب المخزن على رأسها حزب عزيز أخنوش “التجمع الوطني للأحرار”، عملت على عرقلة بنكيران لإفشاله في مهمته التي كلّفه بها العاهل المغربي محمد السادس في العاشر من أكتوبر الماضي، بعد حصول حزبه على أغلبية مقاعد البرلمان.
وضعية العثماني تختلف، فهو أقل شعبية من بنكيران وإن كان قد شغل مناصب وزارية وحزبية مهمة
لكونه بات يمثّل رقما صعبا في المعادلة السياسية المغربية لنجاحه في تسيير الحكومة منذ سنة 2011 وتحقيقه نتائج مهمة، وتمتّعه بشعبية واسعة لدى عامة سكّان المملكة، بسبب خطابه السياسي وقوّته التي يستمدّها من شعبيته بين الناس، عمل “المخزن” على إفشاله ووضع “البلوكاج” أمامه ومحاولة تحجيمه، حتى لا يتمدد أكثر داخل السياسية المغربية.
في النهاية وضعية العثماني تختلف، فهو أقل شعبية من بنكيران وإن كان قد شغل مناصب وزارية وحزبية مهمة، كما أنّه لا يتمتّع بالقدرة الكاملة في التأثير في الناس، لذلك لا يخشاه الملك ولا يشكّل أي إزعاج له.
وفي انتظار ما ستؤول إليه المشاورات وبعدها المفاوضات الحكومية يبقى الشارع المغربي يعاني من هذا الصراع الدائر بين أحزاب المخزن وأحزاب الشعب