هل تغير الخطاب المصري تجاه حفتر قليلًا؟

مازالت الصور ومقاطع الفيديو التي نشرت منذ أيام وتظهر قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر في منطقة قنفودة غرب بنغازي، تنبش في قبور المنطقة بعد السيطرة عليها، وتمثل بالجثث المدفونة فيها، تلقي بظلالها على الوضع العام للبلاد، إذ كشف رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق محمود حجازي في تصريحات لإحدى الفضائيات المصرية الخاصة، أن “دولا غربية كثيرة، منها بريطانيا، تواصلت مع مصر فور تسريب الصور ومقاطع الفيديو إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأبدى مسؤولو هذه الدول غضبهم الشديد من تفاخر قيادة الجيش الليبي وقنواته الفضائية بما حصل من تنكيل وحرق وتعد على النساء”.
العواصم الأوروبية تتصل بالقاهرة عوضًا عن حفتر
اتصال العواصم الغربية بمصر وإن كان ظاهره تعبيرًا عن غضبهم من فعل حفتر وقواته، فإنه يبطن معرفة بالماسكين بزمام الأمور في منطقة الشرق الليبي والمتحكمين الرئيسيين في قوات حفتر، فأوروبا تعلم يقينا أن مصر أحد الفاعليين البارزين في الساحة السياسية والعسكرية الليبية وأن حفتر بيد القاهرة يأتمر بإمرتها الآن.
عدم التبرؤ من الفاعلين سيجعل حفتر في موقف ضعف وسيسيئ لقواته داخليا
مصر بدورها فهمت مغزى الاتصالات الغربية وبدأت في الضغط على حفتر، فقد كشف الفريق حجازي في ذات التصريحات عن طلب الجيش المصري من حفتر، الاعتذار والتبرؤ من عمليات نبش القبور التي تورطت فيها ميليشياته، فعدم التبرؤ من الفاعلين سيجعل حفتر في موقف ضعف وسيسيئ لقواته داخليا، وسيقلل من وزنه في الحوار الليبي، كما سيظهر أن الجيش مشابه للتنظيمات الإرهابية التي يسوق بأنه يحاربها، حسب المسؤول العسكري المصري.
قوات حقتر تنبش القبور وتنكّل بالجثث
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش“، قد قالت الأربعاء، إن قوات الجنرال الليبي “خليفة حفتر” المدعومة من مصر والإمارات، ربما ارتكبت جرائم حرب. وأفادت المنظمة الحقوقية الدولية، في بيان، أن «قوات حفتر ربما ارتكبت جرائم حرب تشمل قتل وضرب المدنيين والإعدام الميداني والتمثيل بجثث مقاتلي المعارضة بمدينة بنغازي شرقي ليبيا في 18 مارس/ آذار 2017 والأيام القريبة من هذا التاريخ”.
وفي وقت سابق أشارت تقارير إعلامية، إلى وجود عسكريين مصريين في ليبيا، دعمًا لحفتر في عملياته العسكرية، من دون المشاركة الميدانية، ولكن يتعلق عملهم بالتخطيط للعمليات، كما قدّمت القاهرة معدات عسكرية متطورة لحفتر وقواته، حتى أن مراقبين أكدوا أنه لولا دعم مصر له لما تمكنت قواته من الصمود حتى الآن.
تغيير الخطاب المصري تجاه ليبيا
أظهر خطاب الحجازي تغيير الخطاب المصري تجاه ليبيا في الفترة الأخيرة، على الأقل سياسيًا ورسميًا بحكم طبيعة الدور الجديد الذي تريد أن تلعبه القاهرة، الذي تحاول القاهرة من خلاله الظهور بمظهر الوسيط الذي يحافظ على مسافة واحدة بين الجميع، ويرمي بكل ثقله لإنجاح المبادرة السياسية بعد فشل محاولة التسوية العسكرية، ولكن لا يمكن قياس إدراك القاهرة بعد ثلاث سنوات من معارك حفتر الفاشلة في الشرق الليبي، ومدى إيمان النظام المصري أن استمرار الدعم العسكري لحفتر، سيكون سببا في تأجيج حرب أهلية لوجود قوات مناوئة له في الغرب الليبي توازيه وتفوقه أحيانًا في المعارك العسكرية، خصوصًا قوات البنيان المرصوص التي هزمت وطردت تنظيم داعش من مدينة سرت الساحلية.
اتهامات للقوات الجوية المصرية بتنفيذ ضربات جوية في ليبيا
في هذا السياق، كشفت تقارير إعلامية عن طلب مصري من الإمارات التشديد على حفتر، بضرورة تهدئة الأجواء، وعدم الإقدام في الفترة المقبلة، على أية خطوة من شأنها التصعيد وتأجيج صراع جديد في المنطقة، خصوصًا بعد تهديدات من قوات الأخير باقتحام طرابلس. وكشفت مصادر أن حفتر أبدى اعتراضًا على الجهود المصرية الرامية لتنظيم لقاء مشترك بينه وبين السراج، في مصر، بوساطة روسية، متمسكًا بحسم الصراع عسكريًا
تعاني ليبيا من الفوضى وانتشار السلاح ويتهددها خطر التقسيم.
وفي وقت سابق قالت تقارير إن مصر تراجعت خلال الأيام الأخيرة، عن موافقتها السماح لقوات حفتر بأن يكون له مكتب بالقاهرة، تقدم من خلاله المؤتمرات الصحافية اليومية حول التطورات الميدانية في ليبيا. وتظهر هذه التطورات المتعاقبة تغيرًا طفيفًا ملموسًا في الموقف المصري تجاه ليبيا، وهو ما من شأنه الاتجاه قليلًا ناحية العملية السياسية في هذا البلد الذي يعاني من الفوضى وانتشار السلاح ويتهدده خطر التقسيم.