العلم يرفرف
ليعلن الاستقلال التام
ترتقي الأمة
بسبب إيماننا
في جزرنا القمرية
دعنا نتحلى بالإخلاص
لحب جزرنا العظيمة
نحن القمريون من دم ٍ واحد
نحن القمريون من إيمانٍ واحد
كانت تلك الكلمات من النشيد الوطني لجمهورية جزر القمر الإسلامية، أو كما يعرف بالاتحاد القمري، لم نقم بترجمة كلمات النشيد، فهي مقتبسة من النسخة العربية له، فاللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية على الاتحاد القمري، فجزر القمر هي الأخرى ضمن تلك الدول العربية المهمشة على المستوى السياسي وكذلك على المستوى الاجتماعي، شأنها شأن الصومال، لا يعتبر أهلها أنفسهم عربًا، والشعور متبادل، فلا يصدق بعض العرب أن أهل الصومال أو أهل جزر القمر يشاركونه اللغة التي يتحدثها والعرق الذي ينحدر من أصوله.
من الناحية الجغرافية نجد أن جزر القمر هي الدولة الأكثر كثافة سكانية في القارة الإفريقية، وذلك لمساحتها الصغيرة التي تبلغ 1.862 كيلو متر مربع، يقطن فيها 798.000 نسمة من السكان، وهي من إحدى الدول التي لا تحتوى على أية حدود برية، فهي عبارة عن أربع جزر تقع كلها في المحيط الهندي بالقرب من الساحل الشرقي لإفريقيا، تعتبر الجزر أربعة تلك هي الجزر الرئيسية وتتبع الاتحاد القمري، إلا واحدة منهم مازلت في يد الاستعمار الفرنسي، وهي جزيرة “مايوت”، والتي يتم وصفها بالـ”محافظة الفرنسية” إلى يومنا هذا، بعد تصويت الجزيرة على الاحتفاظ بالهوية الفرنسية برفضها الاستقلال الذي صوتت من أجله الجزر الأخرى.
جزر القمر هي الدولة الأكثر كثافة سكانية في القارة الإفريقية، وذلك لمساحتها الصغيرة التي تبلغ 1.862 كيلو متر مربع، يقطن فيها 798.000 نسمة من السكان
جزر القمر الإسلامية
مشهد لـ “المسجد الكبير” في موروني عاصمة الجزيرة الكبرى تم تشييده بدعم من أمير الشارقة، الإمارات العربية المتحدة
على الرغم من صغر حجمها إلا أن جزر القمر هي من أكثر الدول التي تجد فيها فروقًا شاسعة بين الثقافات واللغات و الطبقات الاجتماعية كذلك، فنجد فيها ثلاث لغات رئيسية، العربية والفرنسية والقُمرية (نسبة لجزر القمر)، كما تحتوي على ثلاث طبقات اجتماعية، إحداها طبقة “النبلاء” وهم من تمتد جذورهم العائلية للمهاجرين العرب الذين تزوجوا من عائلات الأمراء والسلاطين في البلاد وقت الفتح الإسلامي للجزر.
كذلك نجد عندهم طبقة “الأشراف” الذي يمتد نسب أهلها إلى الرسول “محمد” عليه الصلاة و السلام، حيث يزعم بعض المؤرخون أن جزر القمر كانت من أولى البلاد الإفريقية التي انتشر فيها الإسلام، ويعيده البعض إلى زمن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، إلا أن المؤكد من المعلومات السابقة هو ارتباط جزر القمر بالإسلام عن طريق التجارة، حيث كانت مركزًا شديد الأهمية بالنسبة للتجار المسلمين.
نجد في جزر القمر ثلاث لغات رئيسية، العربية والفرنسية والقُمرية (نسبة لجزر القمر)، كما تحتوي على ثلاث طبقات اجتماعية هي النبلاء والأشراف و الصيادون
انتشر الإسلام في جزر القمر حتى يمكنك أن تجد فيها كثير من المذاهب الصوفية، منها الشاذلية والقادرية والرفاعية، كما انتشرت في الجزر المساجد والمدارس الإسلامية الخاصة بتعليم القرآن والفقه الإسلامي، حيث يحضرها الأطفال بعد بلوغهم سن الخامسة لتعلم أساسيات اللغة العربية و ليتم تحفيظهم القرآن.
ازدهرت تجارة المسلمين في جزر القمر خصوصًا بعد الحكم العُماني (نسبة إلى سلطنة عُمان) في دولة زنجيبار، وهي من الدول التي يتحدث أهلها بالعربية الفصحى ولا يعرف عنها العرب الكثير، ساعد ذلك من انتشار الثقافة العربية والإسلامية في الجزر الأربعة، واعتنق غالبية سكان الجزر الإسلام، إلا أن هيمنة تلك الثقافة لم تدم طويلًا، قبل أن يدخل في تاريخ جزر القمر الاستعمار الفرنسي.
تاريخ جزر القمر مع الاستعمار
العملة الرسمية الفرنك القُمري
كانت أول تجربة للاستعمار في تاريخ جزر القمر من أقرب البلاد الإفريقية إليها، وهي مدغشقر، فكان هدف الهجمات في البداية هو الحصول على الرقيق، ومن ثم تحول الأمر إلى استيطان واستيلاء على كثير من مواقع الجزر، كان ذلك في عام 1793 قبل أن تتجه أنظار الاستعمار الفرنسي لشن استعمار سياسي وجغرافي وكذلك ثقافي للجزر، فبدأ الحكم الاستعماري الفرنسي عام 1841، ليتم بعدها التنازل عن جزيرة مايوت للفرنسيين، والتي ظلت ملكية لهم، ليكون عام 1902 هو العام الذي تنازل فيها حكام الجزر الأربعة عن الحكم للاستعمار، وأصبحت جزر القمر كاملة مستعمرة فرنسية.
كانت الفترة ما بين الستينات والثمانينات من القرن الماضي فترة اضطرابات سياسية لم تشمل الوطن العربي فحسب، بل الشرق الأوسط بأكمله، ولكن بالنسبة لجزر القمر، كانت الاضطرابات على أشدها بالنسبة لمحاولة الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، والانقسام الثقافي ما بين السكان، فكانت الغالبية تمقط الاستعمار وتحاول التملص منه حتى تنال الاستقلالية، وكان البعض يتمنى الجنسية الفرنسية، ويحب استمرارية الفرنسيين على أرضهم.
جزر القمر ما بين الاستقلال والاستعمار والانقلابات العسكرية
شهدت جزر القمر أول انقلابًا عسكريًا مسلحًا، حيث قام المرتزق “بوب دينارد” بمساعدة سرية من “جاك فوكار” والحكومة الفرنسية بخلع الرئيس “أحمد عبد الله” من منصبه عن طريق انقلاب مسلح
صورة لـ “دينارد” أشهر المرتزقة ومدبري الانقلابات العسكرية في إفريقيا
تم استفتاء الشعب من الجزر الأربعة الرئيسية على الموافقة على رغبتهم في استمرار الحماية الفرنسية عليهم، فكانت إجابة ثلاث من الجزر بالتصويت في سبيل الاستقلال، أما ظلت جزيرة “مايوت” على موقفها من الرغبة في استمراريتها كمستعمرة فرنسية، أما عن باقي الجزر فقد أعلن “أحمد عبد الله” استقلال «دولة جزر القمر» في الخامس من سبتمبر من عام 1975 وأصبح أول رئيس لها.
لم تكن الفترة التي تبعت استقلال جزر القمر بالفترة المستقرة سياسيًا على الإطلاق، فشهدت جزر القمر أول انقلابًا عسكريًا مسلحًا، قام المرتزق “بوب دينارد” بمساعدة سرية من “جاك فوكار” والحكومة الفرنسية بخلع الرئيس “أحمد عبد الله” من منصبه عن طريق انقلاب مسلح واستبداله بعضو الجبهة الوطنية المتحدة في جزر القمر الأمير “سعيد محمد جعفر”. وبعد عدة أشهر، في يناير 1976 تم خلع جعفر لصالح وزير الدفاع علي صويلح، و لكن في الثالث عشر من مايو من عام 19788 عاد “بوب دينارد” للإطاحة بالرئيس “صويلح” وإعادة “عبد الله” بتأييد من الحكومة الفرنسية وحكومة جنوب إفريقيا، وخلال فترة حكم صويلح القصيرة شهد سبع محاولات انقلاب إضافية حتى تم طرده من منصبه وقتله في نهاية المطاف.
تم تغيير إسم جزر القمر في عهد “أحمد عبدالله” إلى “جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية”، ليستمر الأخير في الرئاسة حتى عام 1989، عاشت بعدها “جزر القمر” الكثير من محاولات الانقلابات الفاشلة من “بوب دينارد” كذلك قبل أن تنفيه السلطات في باريس إلى جنوب إفريقيا، لتشهد جزر القمر انتخابات رئاسية لأول مرة ويأتي الرئيس “تقي عبدالكريم” رئيسًا لهم بالانتخار في عام 1996.
تم تغيير إسم جزر القمر في عهد “أحمد عبدالله” إلى “جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية”
كانت الانتخابات الرئاسية تلك بمثابة نهاية لعصر الإسلام السياسي في جزر القمر، لا سيما بعد أن انتشرت في عهد “أحمد عبالله” الحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية وكذلك الوهابية، حيث كان أغلب أعضائها من طلاب الدراسات الإسلامية خارج جزر القمر سواء كانوا في مصر أو السعودية وكذلك إيران.
علاقة جزر القمر بإيران
أصبح هناك نظام سياسي جديد يتمثل في الحكم الذاتي لكل جزيرة بالإضافة إلى حكومة اتحادية للثلاث جزر، ذلك بعد تغيير اسم الدولة إلى “اتحاد جزر القمر”، حيث شهدت أول انتقال سلمي للسلطة وبداية لمسار الديموقراطية بفوز الرئيس “أحمد عبد الله محمد سامبي” في عام 2006 بالرئاسة، وهو رجل دين سني ويكنى بآية الله حيث كان أحد الطلاب الدارسين للدراسات الإسلامية في إيران.
في خضم غياب الاستثمارات العربية على جزر القمر، تتوطد علاقات الدولة مع إيران، حيث لوحظ زيادة النفوذ الإيراني اقتصاديًا وسياسيًا داخل جزر القمر، إلا أن من خلال لقاء على قناة الجزيرة مع الرئيس “إكليل ظنين” جاوب الأخير على أن علاقة بلاده مع إيران لا يوصفها شيء آخر غير “العلاقات الدبلوماسية العادية”، وهو يرغب بالترويج لبلاده خصوصًا للبلاد العربية لجلب مزيدًا من الاستثمارارت ومزيدًا من توطيد العلاقات التي تتشارك مع الوطن العربي في الكثير منذ قدم التاريخ.
علم جزر القمر، نجد في وسط المثلث، هلال أبيض، فتحته عكس جهة السارية، ويضم أربعة نجوم خماسية، مرتبة ترتيباً رأسياً في خطٍ بين طرفَي الهلال. والشُرُط الأفقية والنجوم الأربع ترمز إلى الجزر الأربعة الرئيسية، التي تتألف من الجمهورية. أمّا الهلال والنجوم واللون الأخضر، فهي رموز تقليدية للإسلام.
ما لا يعرفه السائح العربي عن جزر القمر
رحلة الجزيرة الوثائقية بين الجزر في دولة جزر القمر
جزر القمر من أكثر البلاد الإفريقية الزراعية، حيث يعتمد ثلثي اقتصادها على الزراعة، ولهذا فهي من أكثر البلاد التي تحتوى على المناظر الطبيعية الخلابة، ذلك لاحتوائها على الجبال، والتربة الخصبة، ولإطلالها كاملة على المحيط الهندي، كما أنها تعرف بجزر العطور، وذلك لأنها أكثر البلاد الإفريقية تصنيعًا للعطور الأصلية وتصديرًا لها كذلك،كما أنها ستجذب الكثير من علماء الجيولوجيا، كونها تحتوى على براكين كان آخر انفجار لها في عام 2006، أما لمحبي الحيوانات فهي مركزًا لحيوان الليمور “نوعًا من أنواع القرود” وكذلك بيتًا للخفافيش!
لا يأتي لجزر القمر الكثير من السائحين، ولكن إذا سنحت لك الفرصة التحدث مع أحد سكان جزر القمر، لا تتفاجأ أن يحدثك بلسان عربي سليم، و لا تندهش من رغبته الشديدة في الترويج لبلده أمامك، فتعد أكثر أحلام “القمريين” أن يبدأ العالم العربي في التعرف عليهم والسفر إليهم للسياحة وينبذون التهميش قليلًا وتكون جزر القمر ضمن خططهم الاقتصادية المقبلة.