ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ 25 آذار/ مارس، مُنع تصدير مئات الآلاف من براميل النفط يوميا من التدفقات النفطية الحيوية بالنسبة لإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي- وهي تعد حاسمة لقطاع النفط ككل- إلى تركيا نظرا لأن الحكومة العراقية في بغداد تعتبرها غير قانونية. ونتيجة المأزق الحالي بين الجانبين ستحدد مستقبل قطاع النفط والغاز في العراق ومكانته الجيوسياسية لعقود قادمة. ووفقا لمصادر إخبارية محلية جديرة بالثقة، اتخذت هذه الخطوة في سياق المواجهة طويلة الأمد بين إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية. ووفقًا لمصادر رفيعة المستوى مرتبطة بالجانبين تحدث إليها موقع “أويل برايس” حصريًا الأسبوع الماضي، فقد لا يكون كل شيء كما يبدو.
تسلط المصادر العراقية المحلية الضوء على سلسلة من الاجتماعات التي عقدت مؤخرًا بين مسؤولين من شركة تسويق النفط الحكومية العراقية (سومو)، وحكومة إقليم كردستان، وشركة خطوط أنابيب النفط المملوكة للدولة في تركيا (بوتاس)، التي جرت فيها مناقشات تفصيلية.
وفيما يتعلق بالمسائل الفنية والتجارية المتعلقة باستئناف تصدير النفط من إقليم كردستان إلى تركيا، فإنه لسنوات عديدة، كان متوسط تدفقات النفط يتراوح بين 500 ألف إلى 600 ألف برميل يوميًا يمر عبر خط الأنابيب العراقي-التركي، مع وضع خطط لزيادة هذا الرقم إلى مليون برميل يوميًا. وعند فرض التعليق، كان يتدفق حوالي 400 ألف برميل يوميًا عبر خط الأنابيب، وقد شكلت جزءًا رئيسيًا من صفقة من جزأين تم الاتفاق عليها بين إقليم كردستان العراق وحكومة العراق في سنة 2014، كما تم تحليلها بعمق في كتابي الجديد عن النظام العالمي الجديد لسوق النفط.
بإيجاز، كان الاتفاق يقضي بأن يقوم إقليم كردستان العراق بتصدير ما يصل إلى 550 ألف برميل يوميا من النفط من حقول النفط في كردستان العراق وكركوك عبر شركة سومو التابعة للحكومة العراقية التي تتخذ من بغداد مقرا لها. وفي المقابل، سترسل بغداد إلى إقليم كردستان العراق كل شهر 17 في المئة من الميزانية الفيدرالية (بعد سداد النفقات السيادية) – حوالي 500 مليون دولار أمريكي في ذلك الوقت. ونادرا ما كان الاتفاق يسير كما ينبغي.
وقد استشهدت الحكومة العراقية في بغداد بإقليم كردستان العراق بشكل متكرر لبيع النفط بشكل مستقل عن شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، كما استشهد إقليم كردستان العراق مرارا وتكرارا بالحكومة العراقية في بغداد لعدم قيامها بصرف الأموال المطلوبة من الميزانية في الوقت المحدد أو بالمبالغ الصحيحة.
لم يتطرق الدستور العراقي بشكل قانوني إلى هذه القضية. ووفقا لإقليم كردستان العراق، فإن لديه السلطة بموجب المادتين 112 و115 من الدستور العراقي لإدارة النفط والغاز في إقليم كردستان المستخرج من الحقول التي لم تكن قيد الإنتاج في سنة 2005 – وهي السنة التي تم فيها اعتماد الدستور عن طريق الاستفتاء. ويؤكد إقليم كردستان العراق أيضًا أن المادة 115 تنص على أن “جميع الصلاحيات غير المنصوص عليها في الصلاحيات الحصرية للحكومة العراقية تنتمي إلى سلطات الأقاليم والمحافظات التي لم تنظم في إقليم”.
كانت نقطة التحول الرئيسية عندما سُمح لروسيا بعد ذلك بالسيطرة بشكل فعال على قطاع النفط في إقليم كردستان العراق من خلال صفقة ثلاثية المحاور
على هذا النحو، يفترض إقليم كردستان العراق أنه بما أن السلطات ذات الصلة غير منصوص عليها في الدستور، فإنه يتمتع بسلطة بيع واستلام الإيرادات من صادراته من النفط والغاز. ويسلط إقليم كردستان العراق الضوء على أن الدستور ينص على أنه في حالة نشوء نزاع، يجب إعطاء الأولوية لقانون الأقاليم والمحافظات.
ومع ذلك، فإن الحكومة العراقية في بغداد وشركة سومو العراقية تقولان إنه بموجب المادة 111 من الدستور، فإن النفط والغاز ملك لجميع أبناء الشعب العراقي في جميع المناطق والمحافظات. وبالتالي، فهي تعتقد أن جميع النفط والغاز الذي يوجد في جميع أنحاء العراق يجب أن يتم بيعه من خلال القنوات الرسمية للحكومة العراقية في بغداد.
بشكل دوري، بعد الاتفاق على صفقة مدفوعات الميزانية مقابل النفط، أظهرت الحكومة العراقية نهجًا غير مدروس في فرض وجهة نظرها بشأن الوضع الدستوري لمبيعات النفط المستقلة من قبل إقليم كردستان العراق، مع تهديد وزارة النفط العراقية، التي تمثلها شركة سومو، بمقاضاة أي مشتر يقتني النفط الخام الكردي من غير شركة سومو.
وفي الأشهر القليلة من سنة 2014 التي سبقت الاتفاق، صُدّر أكثر من 11 مليون برميل من الخام الكردي من خلال محطة خط الأنابيب العراقي التركي وسلمت إلى وجهات مثل “إسرائيل” والصين وكرواتيا، وذلك وفقًا لمصادر قانونية دولية قريبة من الاتفاق التي تحدث إليها موقع أويل برايس حصريًا في ذلك الوقت.
بعد ذلك بوقت قصير، استأنفت شركة سومو دعوى في محكمة المقاطعة الأمريكية للمنطقة الجنوبية من تكساس ضد شركة “يونايتد كالافيفاتا”، التي زُعم أنها كانت تحمل إحدى هذه الشحنات من النفط من كردستان. ومع ذلك، منذ سنة 2014 تقريبًا وحتى نهاية الربع الثالث من سنة 2017، غالبًا ما تجاهلت الحكومة العراقية حجم مبيعات النفط المستقلة لإقليم كردستان العراق.
مع ذلك، حدثت إحدى نقاط التحول الرئيسية الأربع التي شهدتها الساحة الجيوسياسية الأخيرة لبغداد، كما تم تحليلها بعمق في كتابي الجديد حول نظام سوق النفط العالمي الجديد، في أيلول/سبتمبر 2017، عندما فشلت الولايات المتحدة في دعم نتائج التصويت الساحق في كردستان العراق لصالح دولة كردية مستقلة. وقد أكدت واشنطن للأكراد ضمنيا أنه مقابل توفير القوات الميدانية (على شكل جيش البشمركة المخيف) في الحرب ضد تنظيم الدولة، سوف تضمن لهم الاستقلال.
بعد الانتخابات، لم تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء، وبدلاً من ذلك سمحت بقمع الاحتجاجات الكردية في الانتخابات التي تم تجاهلها من قبل القوات الإيرانية والقوات الحكومية العراقية التي ركزت على حقول النفط الكردية في الشمال.
وكانت نقطة التحول الرئيسية الثانية عندما سُمح لروسيا بعد ذلك بالسيطرة بشكل فعال على قطاع النفط في إقليم كردستان العراق من خلال صفقة ثلاثية المحاور، تم تحليلها بالكامل في الكتاب.
وجاءت نقطة التحول الثالثة مع انتهاء المهمة القتالية للولايات المتحدة في العراق في كانون الأول/ ديسمبر 2021، مما أزال أي عقبة أمام اقتراب بغداد من مجال النفوذ الروسي الصيني.
بعد هذه التطورات، شهدت سنة 2022 تحرك الحكومة العراقية بقوة وسرعة ضد أي تحركات مستقلة من إقليم كردستان العراق وحتى من شركات النفط الغربية التي تعمل هناك. دعت رسالة أرسلها حسن محمد حسن، نائب المدير العام لشركة نفط البصرة التي تديرها الدولة، في 2 حزيران/يونيو 2022، “جميع المقاولين الرئيسيين والمقاولين من الباطن” لشركات النفط الغربية العاملة في كردستان العراق إلى التعهد بعدم العمل هناك بعد الآن وإنهاء أي عقود حالية في غضون ثلاثة أشهر.
تبع ذلك إصدار المدير العام لشركة نفط البصرة، خالد عباس، تعليمات إلى “جميع المقاولين الرئيسيين” بإيقاف التعامل مع المقاولين من الباطن التاليين وعدم دعوتهم مطلقا إلى أي أعمال أو مشاريع مستقبلية في حقول نفط شركة نفط البصرة وفقاً لعقود الترخيص الموقعة مع شركاتكم”. وقد تم توضيح أي سوء فهم لما يعنيه كل هذا بعد إبرام الاتفاق السعودي الإيراني في العاشر من آذار/ مارس ــ التي تعد نقطة التحول الرئيسية الرابعة التي شهدها العراق.
بغداد تحتاج إلى المال أكثر من أي وقت مضى نظراً لمستوى الفساد المستشري في قطاعها النفطي
نقل موقع “أويل برايس” حصريا عن مصدر رفيع المستوى يعمل مع جهاز أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، التصريحات التالية لمسؤول رفيع المستوى من الكرملين: “من خلال إبقاء الغرب بعيدا عن صفقات الطاقة في العراق – والتقارب مع المحور السعودي الإيراني الجديد – ستصبح نهاية الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط الفصل الحاسم في انسحاب الغرب النهائي من المنطقة”.
مع ذلك، هناك سببان قد يجعلان بغداد تسمح بإعادة فتح خط الأنابيب العراقي-التركي قريبًا – وإن كان لفترة وجيزة – كما تشير التقارير الإخبارية المحلية، لاسيما أن تركيا صرحت قبل ما يزيد قليلاً عن أسبوع بأنه سيكون جاهزا من الناحية الفنية قريبًا للتشغيل.
يتمثل الأول في أن بغداد تحتاج إلى المال أكثر من أي وقت مضى نظراً لمستوى الفساد المستشري في قطاعها النفطي، وأن تركيا مدينة لها بما لا يقل عن 1.47 مليار دولار أمريكي كتعويض عن شراء النفط بشكل غير قانوني من إقليم كردستان العراق، وذلك وفقاً لحكم صادر عن غرفة التجارة الدولية في آذار/مارس.
تعتقد بغداد أن المبالغ أكبر وربما تكون قد سعت للحصول على مبلغ أكبر خلال أشهر المفاوضات التي تلت صدور الحكم. وسوف تتلقى بغداد المزيد من الأموال من حصولها على النفط الذي يسمح ببيعه من خلال مشروع خط أنابيب النفط العراقي- التركي من قبل إقليم كردستان العراق. ويتمثل السبب الثاني في أن استكمال إعادة كتابة القوانين الصارمة في الدستور المتعلقة ببيع النفط من العراق سيستغرق وقتا. وتعتبر هذه العملية قيد التنفيذ في الوقت الحالي، وكما صرح مصدر رفيع المستوى يعمل بشكل وثيق مع وزارة النفط العراقية لموقع أويل برايس حصريًا الأسبوع الماضي، فإنه “عندما يتم الانتهاء من القوانين الجديدة، لن يتمكن إقليم كردستان العراق من بيع قطرة من النفط من دون الحصول على ترخيص خاص من بغداد”.
المضدر: أويل برايس