بعد تدخل القوات الروسية في أوكرانيا على إثر الثورة التي اندلعت هناك عام 2014 وضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس/آذار من ذلك العام ودعمها للانفصاليين، بدأت العقوبات الاقتصادية تنهال عليها من العديد من دول العالم كأوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان. رد موسكو على تلك العقوبات كان بعقوبات مضادة، ومن جهة أخرى، محاولات روسية للتدخل في السياسات الأوروبية من خلال الأحزاب اليمينية المعجبة بروسيا وسياستها. وبعد مرور 3 سنوات على تلك العقوبات لم يظهر التأثير المطلوب منها في كبح جماح روسيا في أوكرانيا، بل على العكس أثرت بالاقتصاد الأوروبي أكثر من الاقتصاد الروسي، كما تمكن الكرملين من تعزيز وجوده أكثر في الاتحاد الأوروبي ويهدد الآن بتدخله في الانتخابات في عدة دول أوروبية على غرار ما حدث في الانتخابات الأمريكية.
روسيا في مواجهة العقوبات
أثرت العقوبات الغربية والأمريكية على الاقتصاد الروسي ابتداءًا، حيث طالت العقوبات 3 قطاعات حيوية هي القطاع المالي والطاقة والصناعة العسكرية وقطاع الشحن، وحظرت العقوبات الأمريكية تصدير سلع ومعدات تقنية محددة إلى قطاع الطاقة الروسي، وتوسعت العقوبات لتشمل 3 بنوك كبرى في روسيا، وشركة لتصنيع السفن الحربية، وتعليق منح وقروض لتشجيع الصادرات إلى روسيا وتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية فيها.
طالت العقوبات الأوروبية والأمريكية ضد روسيا 3 قطاعات حيوية هي القطاع المالي والطاقة والصناعة العسكرية
كما فرضت أوروبا وأمريكا حظر تصدير التقنية ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني في مجالات محددة، وحظر تصدير الأسلحة إلى موسكو، فضلا عن منع الأفراد والبنوك في الاتحاد الأوروبي من شراء بعض السندات والأسهم التي تصدرها البنوك المملوكة لحكومة موسكو، وفي ديسمبر/كانون الأول 2014 أقر الكونغرس الأمريكي قانون “دعم الحرية في أوكرانيا” والذي يفرض عقوبات جديدة على شركات الأسلحة الروسية والمستثمرين في مشروعات النفط التي تعتمد على تكنولوجيا متطورة.
أما الرد الروسي على تلك العقوبات جاء في أغسطس/آب 2014 بحظر موسكو استيراد قائمة من الأغذية من الدول التي فرضت عقوبات على موسكو، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا والنروبج، ومن المنتجات المحظورة: الفواكه والخضراوت واللحوم والأسماك والحليب والألبان.
إلا أنه وبعد مضي نحو ثلاث سنوات على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، يرى العديد من المسؤولين أن العقوبات لم تحقق أهدافها السياسية، أما من الناحية الاقتصادية، يرى وزير الخارجية المجري أنه “ألحقنا الضرر بأنفسنا أكثر من روسيا عندما قررنا توجيه ضربة لموسكو، وكأننا أطلقنا النار على ساقنا”. وبات الاتجاه الغالب في العام الحالي كما يرى مراقبون أن العقوبات تتجه إلى انفراج قريب، وترى ثلث الشركات الألمانية العاملة في روسيا أن “العقوبات الغربية المفروضة ضد موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية ستخفف في العام الحالي 2017”.
العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا لم تحقق أهدافها السياسية
بينما استبعد سياسيون رفع العقوبات عن موسكو في المستقبل القريب، ومن المقرر أن تزور ميركل روسيا في الثاني من مايو/أيار المقبل، علمًا أنها الزيارة الأولى من نوعها منذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية لها في العام 2014، ويرى خبراء أن هذه الزيارة تدلل على رغبة أقوى بلد في الاتحاد الأوروبي في التواصل مع الكرملين، ومن المرجح أن تركز المحادثات على أوكرانيا والعقوبات الأوروبية والعلاقات التجارية، ومن جهة أخرى، فإن لدى ألمانيا قلق من أن روسيا تحاول التدخل في الانتخابات البرلمانية المقرر أن تجري في سبتمبر/أيلول.
أوروبا المتضرر الأكبر من العقوبات
أكد خبراء اقتصاديون إن الاتحاد الأوروبي هو الطرف الأكثر تضررًا جراء العقوبات التي فرضها ضد موسكو، وذلك لإن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأول لروسيا، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن حجم استيراد المواد الغذائية ارتفع في روسيا خلال الفترة ما بين 2000 و2013 سبع مرات، من 7 مليارات إلى 43 مليار دولار سنويًا. وبسبب العقوبات تكبد مجمل الاقتصاد الأوروبي خسائر تقدر بنحو 220 مليار دولار في عام واحد، ويذكر أن إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بلغ نحو 270 مليار يورو في عام 2012، وهو أعلى بكثير من مستوى التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وروسيا، وتعد الأدوية والسيارات والهواتف النقالة والطائرات من أهم الصادرات الأوروبية إلى روسيا فيما يعد النفط والغاز والفحم من أهم الواردات من روسيا.
ثلث الشركات الألمانية العاملة في روسيا أن العقوبات الغربية المفروضة ضد موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية ستخفف في العام الحالي 2017.
وكان الاتحاد الأوروبي مدد العقوبات الاقتصادية على روسيا إلى 31 يوليو/تموز 2017 بحسب قرار رسمي اعتمدته دول الاتحاد بالإجماع في منتصف ديسمبر/كانون الأول العام الماضي.
وفي الوقت الذي تعد أغلب الدول الأوروبية متأثرة بتلك العقوبات، هناك دول تأثرت أكثر من دول أخرى، مثل فنلندا، فالاقتصاد الفنلندي مرتبط بشكل كبير بالسوق الروسية، إذ تشكل حصة روسيا نحو 14% من حجم التبادل التجاري الكلي لفنلندا. وبعد الإعلان عن إجراءات الحظر الروسية، أعلنت شركة “فاليو” الفنلندية إيقاف خطوط إنتاجها المخصصة لتلبية المتطلبات الروسية من منتجات الألبان، إذ تشكل منتجات فاليو 40% من صادرات فنلندا الغذائية إلى روسيا. وفي ليتوانيا قد يؤدي الحظر، ويؤكد خبراء إلى تخفيض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.5% وهو حجم الصادرات الليتوانية لروسيا.
تسببت العقوبات أيضًا لإلحاق ضرر كبير بقطاع الزراعة الفرنسي، حيث أضرت بمصالح المزارعين الفرنسيين، كما صرح ميشيل سابين، وزير المالية والاقتصاد الفرنسي، والمشرف على الجلسة العامة للدورة الثانية والعشرين للمجلس الروسي- الفرنسي التجاري والاقتصادي والمالي والصناعي “سيفيك”، علمًا أن الاجتماعات انقطعت في الثلاث سنوات الماضية. وقال الوزير الفرنسي: “نريد تذليل هذه الصعوبات. عندما توجد مشكلات بحاجة لحل يجب ألا نغمض أعيننا. نحتاج للعمل من أجل عودة العلاقات إلى المستوى الطبيعي. ونأمل أن تكون هناك إرادة سياسية لاتخاذ خطوات في هذا الاتجاه”، والجدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين فرنسا وروسيا يبلغ نحو 15 مليار دولار.
لدى ألمانيا قلق من أن روسيا تحاول التدخل في الانتخابات البرلمانية المقرر أن تجري في سبتمبر/أيلول.
في العام 2010 بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من روسيا 113 مليار يورو، وتعد ألمانيا البلد الأولى من حيث الصادرات إلى روسيا بنسبة 31% تليها إيطاليا 9% ومن ثم تأتي فرنسا وهولندا بنسبة 7% لكل منهما، وتصدرت ألمانيا قائمة المستوردين من روسيا بنسبة 19% تليها هولندا بنسبة 14% وبولندا بنسبة 9%.
وجراء العقوبات تكبدت النمسا خسائر كبيرة، أدت لخسارة 7000 وظيفة هناك علاوة على انخفاض النشاط الاقتصادي بقيمة 550 مليون يورو في 2015 بحسب دراسة أجراها المعهد النمساوي للبحوث الاقتصادية، وجاء في الدراسة أن عدد الوظائف المفقودة على مستوى الاتحاد الأوروبي بلغ نحو 400 ألف وظيفة، وتسبب في انخفاض النشاط الاقتصادي بما يساوي قرابة 17.6 مليار يورو أو ما يعادل 18.6 مليار دولار.
إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بلغ نحو 270 مليار يورو في عام 2012
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فالعقوبات لم تؤثر كثيرًا عليها بالشكل الذي تأثرت فيه دول الاتحاد الأوروبي، ففي العام 2013 بلغت قيمة صادرات المواد الغذائية الأميركية لروسيا 1.2 مليار دولار، ويمثل هذا الرقم أقل من 1٪ من إجمالي المنتجات الزراعية المصدرة من الولايات المتحدة، ولا يتجاوز التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتحدة 30 مليار دولار، ويعد هذا الرقم ضئيل بالمقارنة مع حجم التبادل الروسي مع الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الأميركي لا يكاد يُذكر، ولا يختلف الوضع كثيرًا في حالة كل من أستراليا وبريطانيا.
تأثير العقوبات على روسيا
صحيح أن العقوبات أثرت بشكل أكبر على الاتحاد الأوروبي منها على روسيا، ولكن لا يجب نسيان أن العقوبات بحد ذاتها بعثت برسالة قوية إلى بوتين وحلفائه من المؤسسات ورجال الأعمال الذين يتمتعون بنفوذ قوي في عالم المال والأعمال. وأقل ذلك التأثير أن البنوك وشركات الطاقة المدرجة على قائمة العقوبات واجهت صعوبة في الدخول لأسواق المال الأوروبية والأمريكية.
لندن تعد مدينة جاذبة للأموال رجال الأعمال الروس حيث يمتلك الكثير منهم عقارات باهظة الثمن فيها، لذا فإن العقوبات المفروضة على عدد من الأفراد النافذين والقريبين من الكرملين وتجميد أصولهم المالية أثر عليهم. أما من حيث العلاقات التجارية، فالضرر العائد على أوروبا جراء حظر المواد الغذائية عائد أيضًا على روسيا واقتصادها، فبعد سنوات من الانتعاش بفضل إيرادات النفط الروسي، واجه الاقتصاد طوال السنوات الثلاث الماضية مشاكل أبرزها الركود إذ نما إجمالي الناتج المحلي بنسبة -2.2% في الربع الأول من عام 2015، مقارنة بالربع الأول من عام 2014، مع تحسن بسيط في العام 2016.
تراجع الناتج الإجمالي المحلي الروسي في العام 2015 بمقدار 3.7% ما حذى بصندوق النقد الدولي بتصنيفه كعاشر أسوأ اقتصاد في العالم لعام 2015.
كما ساعدت العقوبات على زرع حالة من التوتر في المناخ الاستثماري في روسيا، أدت على أثرها تقلص الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفرار رؤوس الأموال الأجنبية، قدرت بنحو 75 مليار دولار في العام 2014، كما أن تلك العقوبات جاءت في ظرف سيء بالنسبة للموازنة الروسية التي تعتمد في على إيرادات النفط بشكل كبير حيث أدى انخفاض أسعار النفط ابتداءًا من منتصف العام 2014 إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في روسيا بالفعل، وتراجع الناتج الإجمالي المحلي في العام 2015 بمقدار 3.7% ما حذى بصندوق النقد الدولي بتصنيفه كعاشر أسوأ اقتصاد في العالم لعام 2015.
إذن، شكل انفخاض أسعار النفط من جهة، والعقوبات الأوروبية والأمريكية من جهة أخرى لعمل ضغط مزدوج على العملة الروسية (الروبل) أدى إلى انخفاض في قيمته بشكل كبير، حيث هبط إلى مستوى قياسي في تاريخه ملامسًا 80 روبل مقابل الدولار تقريبًا في شباط/فبراير 2016، أما الآن فيقف عند نحو 57 روبل مقابل الدولار. كما أدى ذلك التأثير المزدوج لتصرف الحكومة من موارد التمويل الاحتياطية كاحتياطي العملات الأجنبية لدعم العملة والمؤسسات المتضررة بسبب العقوبات، وهو ما أدى إلى هبوطه بشكل كبير هو الآخر.
فالصندوق الاحتياطي العام للدولة تقلص إلى 32 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2015 وفقا لوزارة المالية الروسية، بعدما كان يبلغ 91.7 مليار دولار في نفس الشهر من عام 2014، قبل بدء هبوط أسعار النفط، ما يُشكل انخفاصا بنسبة 65%. قيدت هذه التطورات حرية حركة البنك المركزي الروسي، الذي توقف بصورة مفاجئة عن الدفاع عن قيمة الروبل الروسي ورفع معدلات الفائدة في ديسمبر/كانون الأول من 2014.
هبط الروبل الروسي إلى مستوى قياسي في تاريخه ملامسًا 80 روبل مقابل الدولار في شباط/فبراير 2016
وأدى حظر استيراد المواد الغذائية الذي فرضته الحكومة على الاتحاد الأوروبي إلى تأثيرات سلبية على أسعار الكثير من المنتجات الغذائية، مما أسهم في زيادة معدل التضخم، مع إضافة تأثير انخفاض قيمة الروبل الذي أدى لارتفاع تكلفة المواد المستوردة بالروبل. ومن هذه الزاوية يمكن القول أن العقوبات الغربية فعلت فعلها بالاقتصاد الروسي، حيث سجل معدل التضخم 12.9% في العام 2015.
وبالتالي يمكن تلخيص قيمة العقوبات الغربية بالمجمل بأنها تمكنت من إجراء منسق يعبر عن وحدة الاتحاد الأوروبي ضد الحكومة الروسية بسلوب أحدث ضررًا اقتصاديًا مع افتراض أن الدول الأوروبية تقبلت أنها تضررت أكثر من روسيا نفسها، وهو ما يعبر عن عزم وتصميم الدول الأوروبية على مواجهة الخطر الروسي المتمثل على حدودها. ويبقى انخفاض أسعار النفط العامل الغير المباشر المسيطر والمتحكم في أزمة الاقتصاد الروسي وفقًا لآراء كبار المحللين.
روسيا تدعم أحزاب اليمين المتطرف
عمليًا أوروبا لا تمر بأفضل أوقاتها، إذ باتت أصوات أحزاب اليمن المتطرف ترتفع على غير العادة، وتدعو لمصالحة روسيا وتغيير خط السياسات الرسمية الأوروبية المنتهجة ضد روسيا بفرض العقوبات عليها والضغط على الرئيس الروسي بوتين اقتصاديًا وسياسيًا للخروج من أوكرانيا.
وفي الوقت الذي قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توساك، أن روسيا أحد أعظم 3 أخطار تواجه وحدة أوروبا، تدافع أحزاب اليمين المتطرف في السويد والدنمارك وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وهولندا عن روسيا ورئيسها بوتين الذي تعتبره حامي القيم المسيحية، والتي تدّعي (تلك الأحزاب) الدفاع عنها وتحمل رؤية متطرفة عن المهاجرين المسلمين في أوروبا، كما تدعو لإزالة العقوبات المفروضة على روسيا، وتظن أنه مع انتخاب ترامب أصبح الطريق لها ممهدًا للتصريح بسياستها الداعمة لروسيا بشكل علني.
نقطة منع المهاجرين من دخول البلاد استغلتها روسيا جيدًا، لنشر بروبوغاندا في إعلامها والإعلام الأوروبي، إذ حذرت الأوروبيون بشأن المهاجرين وتمكنت من التأثير على أحزاب اليمين ببث التأثيرات السلبية على أوروبا وافتقاد الاتحاد الأوروبي القدرة على التصرف بسبب موضوع المهاجرين، ويرى خبراء أن أحزاب اليمين “ابتلعت الطعم الروسي” وترى أن على أوروبا أن تفعل ما تقوم به روسيا في هذا المجال بعدم استقبال أي مهاجرين.
أشار تقرير حمل عنوان “أحصنة طروادة الكرملين” لمركز أتلانتيك الأمريكي في واشنطن، إلى تفاصيل تربط بين الكرملين وأحزاب المعارضة في أوروبا، وأن هدف الكرملين من هذا هو إنهاء وتفكيك الاتحاد الأوروبي وتقويض القيم الليبرالية والانفتاح وحرية التعبير، التي تعتبرها روسيا بأكملها خطرًا على قبضة السلطة في البلاد.
بروبوغاندا روسيا الإعلامية في أوروبا تزامنت مع انتخابات في العديد من الدول الأوروبية، حيث لم تتردد زعيمة الجبهة الوطنية والمرشحة للرئاسة الفرنسية “ماريان لوبان” بالقول أنه “إذا أصبحتُ رئيسة سيكون هناك تعاون مع روسيا” وهو ما يراه الكثير من السياسيين بأنه خطر محدق قادم من روسيا نفسها إذا اعتلت هكذا شخصيات السلطة في دول أوروبية. والأمر نفسه في إيطاليا حيث يرى زعيمها ماتيو سالفيني بأنه “علينا رفع العقوبات عن موسكو والاعتراف بأن القرم روسية” وفي بريطانيا أُعجب الزعيم السابق لحزب “استقلال بريطانيا” اليميني نايجل فراج، بببوتين وتدخله في سوريا، ويرى ضرورة التعاون معه لمحاربة التطرف الإسلامي.
هدف الكرملين من التقرب مع أحزاب اليمين في أوروبا هو إنهاء وتفكيك الاتحاد الأوروبي وتقويض القيم الليبرالية والانفتاح وحرية التعبير، التي تعتبرها روسيا بأكملها خطرًا على قبضة السلطة في البلاد
على كل حال، هناك ما يمكن تسميته “صحوة أمنية” في الدول الأوروبية التي تشهد انتخابات ضد أي حرب إلكترونية قد تشنها روسيا على غرار ما حصل في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية خلال القرصنة، ابتداءًا من ألمانيا وفرنسا والسويد والدنمارك. ويعتقد مراقبون أن ألمانيا معنية بهذا الشيء أكثر من غيرها، فألمانيا كانت في مقدمة الدول التي فرضت عقوبات على موسكو، خصوصًا بعد الأزمة الأوكرانية، أما الهدف الروسي فهو إضعاف فرص نجاح ميركل في الفوز بولاية رابعة أو تقييدها بتقدم اليمين الموالي لموسكو كما حصل في الانتخابات البرلمانية في هولندا والتي شهدت تقدم اليمين.
العقوبات لم تضبط عمليات غسيل أموال روسية
في تحقيق صحفي منشور على صحيفة الغارديان البريطانية أظهر حركة غسيل الأموال الروسية في أوروبا وكيف تتم ومن هي المصارف المتورطة فيها، المحققون في أوروبا الشرقية تعقبوا عمليات مصرفية لكثير من البنوك والشركات يبلغ حجمها 80 مليار دولار، رصدت فيها كيف يتم تهريب أو غسل الأموال من روسيا إلى دول البلطيق ليتم تحويلها بعد ذلك إلى دول أوروبا وأمريكا.
وبحسب ما جاء في التقرير نقلا عن دراسة “لدويتشه بنك” أنه ما يقرب من 138 مليار جنيه استرليني تدفقت إلى بريطانيا في السنوات الماضية، جاء معظمها من روسيا حيث يعد غسيل الأموال هناك أحد أكثر الأعمال المزدهرة، فالمعروف أن الاقتصاد الروسي يعاني بشكل كبير من الفساد المالي وأن الأموال يتم إخراجها من البلد من خلال طرق ملتوية بالتعاون مع شركات وهمية وإجراء عمليات مصرفية معقدة لتضليل الهيئات الحكومية التي تراقب عمليات غسيل الأموال.
علمًا أن الأشخاص المسؤولين عن تلك العمليات هم قريبون من الكرملين بشكل أو بآخر. ورصد التقرير عمليات غسيل الأموال التي تورطت بها البنوك الإنجليزية في بريطانيا مثل HSBC, Lloyds, NatWest, Royal bank of scotland إذ سمحت هذه البنوك بمرور أكثر من 738 مليون دولار عبر أفرعها. لذا فإن هذه العمليات تعد اختراق روسي كبير من قبل روسيا المفروض عليها عقوبات اقتصادية وسياسية على الاتحاد الأوروبي صاحب تلك العقوبات.
وفي النهاية فإنه في حال لم تتمكن الدول الأوروبية من كبح جماح عمليات غسيل الأموال الروسية طوال السنوات الماضية، والتي كما يقول تقرير الغارديان أنها تمت على مرأى ومسمع من الكرملين، على الرغم من العقوبات الاقتصادية الكثيرة المفروضة على روسيا، ومع تأكيد العديد من السياسيين أن أيًا من العقوبات السياسية أو الاقتصادية لم تجدي نفعًا مع روسيا في كبح جماحها في أوكرانيا، فإن الخطر الروسي يتزايد على أوروبا وبالأخص مع تنامي أذرع روسيا من الأحزاب اليمينية هناك، ووقوف ترامب مع روسيا وتباين موقفه من حماية الاتحاد الأوروبي كما كان سائدًا في الماضي من أي عدوان عليها، وهو ما ينبئ بمستقبل غير مبشر لأوروبا.