قبل عام تقريبًا، وصل لعائلة الشهيد والقيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة “حماس”، مازن فقهاء، -المتواجدة في مدينة طوباس شمال الضفة الغربية المحتلة- رسالة تهديد واضحة وصريحة من الجيش الإسرائيلي باستهداف نجلهم “مازن” وقتله إن” لم يترك طريق المقاومة”.
رسالة التهديد باغتيال “مازن” وأن يد الاحتلال ستطوله بأي مكان، تسلمها والده بعد اقتحام قوات الاحتلال لمنزلهم بالضفة، ورغم أن الشهيد القسامي خرج من السجون “الإسرائيلية” بصفقة “وفاء الأحرار” الأولى بعد الحكم عليه بتسع مؤبدات وأبعد لغزة، إلا أن يد الغدر لاحقته وقامت باغتياله بأربع رصاصات في رأسه، بواسطة كاتم صوت.
عملية اغتيال الشهيد مازن والتي تشير كل المعطيات إلى أن الاحتلال يقف خلفها، تفتح باب التساؤلات واسعاً، حول دلالات توقيت العملية وفحوى رسالة الاحتلال منها، وهل فتحت “إسرائيل” ملف الاغتيالات للقيادات الفلسطينية في الداخل والخارج، وكيف سيكون رد المقاومة؟!
أكد والد الشهيد أن الاحتلال هدد نجله لمرات عديدة بسبب نشاطه العسكري في قطاع غزة
كيف تمت عملية الاغتيال؟
وعلى طريقة العصابات، “عدة رصاصات من مسدس كاتم للصوت، الانسحاب الفوري من المكان، اغتيال مقاوم كبير”، دلائل كلها تشير إلى أن المنفذين محترفين وليسوا هواة، وأنهم عملاء للاحتلال الإسرائيلي. ففي ليلة الجمعة، تم اغتيال الأسير المحرر من حماس والمبعد إلى غزة مازن فقهاء بمنطقة تل الهوى وسط مدينة غزة، حيث قال الناطق باسم الشرطة أيمن البطنيجي، إنه تم العثور على جثة الأسير المحرر “مازن فقهاء” بوجود 4 رصاصات في رأسه بمنطقة تل الهوى بغزة. وأوضح البطنيجي أن مجهولين أطلقوا الرصاصات صوب فقهاء من سلاح كاتم صوت على مدخل عمارة سكنية في تل الهوا جنوب غزة.
“أبو مازن”، والد الشهيد “مازن فقهاء”، أكد أن الاحتلال هدد نجله لمرات عديدة بسبب نشاطه العسكري في قطاع غزة، وقال أن “جيش الاحتلال أرسل رسائل تهديد قبل عام، وأكثر من مرة للشهيد، وكانوا يقولون لنا: “انصحوه يترك نشاطه في غزة” مضيفاً “أن قوات الاحتلال قالت لنا بأن الجيش الإسرائيلي يده طويلة وستطال مازن”.
كما أوضح أنه عند نقل رسالة الاحتلال للشهيد مازن رد قائلاً: “احكوا لهم إذا أنتم رجال تعالوا على غزة”، وحمّلت العائلة الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف خلف جريمة اغتيال الشهيد مازن.
ومازن فقهاء (38 عاماً)، هو أسير محرر من الضفة الغربية المحتلة، أُبعد إلى قطاع غزة بعد إطلاق سراحه بصفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، والتي خرج بموجبها 1047 أسيرًا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وتتهم سلطات الاحتلال فقهاء وهو من مدينة طوباس شمال الضفة الغربية، بقيادة “كتائب القسام” الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الضفة، وإعطائهم الأوامر لاختطاف وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين في حزيران/ يونيو 2014 بالخليل.
ويتناسب الأسلوب والحرفية العالية في اغتيال فقهاء مع أساليب عمل الموساد الإسرائيلية حيث يتم القضاء على الضحية والتأكد من موته قبل مغادرة ساحة الجريمة وهو ما حصل بعمليات تصفيات كثيرة جرت على مدار السنوات الماضية، ومن بينها اغتيال القيادي محمود المبحوح بفندق بدبي في يناير 2010.
توعدت “كتائب الشهيد عز الدين القسام” الذراع العسكري لحركة “حماس”، الاحتلال بدفع ثمن باهض جراء اغتيال القائد في الكتائب مازن فقهاء
غضب فلسطيني وتهديد بالرد
عملية اغتيال الشهيد فقهاء التي جائت بعد أشهر من تصفية القائد بكتائب القسام محمد الزواري، أثارت ردود فعل فلسطينية غاضبة، فحملت الفصائل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن اغتياله، فيما طالبت فصائل أخرى المقاومة بالرد بكل قوة على الجريمة البشعة، وملاحقة العملاء والمتواطئين في تنفذ عملية الاغتيال.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية قال “إن المستفيد الوحيد من عملية اغتيال الشهيد مازن فقهاء هو الاحتلال”. فيما علق الناطق باسم “حماس”، حسام بدران، بالقول إنه “لا أحد له مصلحة باغتيال المحرر مازن فقهاء سوى الاحتلال وهذه أساليبه الجبانة”.
من جهته، قال عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” عزت الرشق، إن “عملية اغتيال جبانة ينفذها عملاء الاحتلال للأسير المحرر الأخ القائد الشهيد مازن فقهاء، بمسدس كاتم صوت قرب منزله في غزة” مضيفاً “وإننا إذ ننعي البطل ونزفه إلى جنان الخلد، فإننا نؤكد أن دماءه لن تذهب هدرًا، وأن الاحتلال سيدفع ثمن جرائمه”.
كانت صحيفة “معاريف” العبرية، قد نشرت العام الماضي ملحقًا حول قائمة الاغتيالات التي تنوي دولة الاحتلال تنفيذها في قطاع غزة وظهر الشهيد الفقهاء من بين الأسماء في القائمة
إلى ذلك، توعدت “كتائب الشهيد عز الدين القسام” الذراع العسكري لحركة “حماس”، الاحتلال بدفع ثمن باهض جراء اغتيال القائد في الكتائب مازن فقهاء، وقالت في بيان لها نشر في وقت متأخر ليلة أمس: “نقول بشكل واضح وجلي بأن الجريمة من تدبير وتنفيذ العدو، وهو من يتحمل تبعات ومسؤولية الجريمة”. وأضافت الكتائب “هذه المعادلة التي يريد أن يثبتها العدو على أبطال المقاومة في غزة (الاغتيال الهادئ) سنكسرها وسنجعل العدو يندم على اليوم الذي فكر فيه بالبدء بهذه المعادلة”. وأقسمت الكتائب “أمام الله ثم أمام أمتنا وشعبنا بأن العدو سيدفع ثمن هذه الجريمة بما يكافئ حجم اغتيال شهيدنا القائد أبي محمد، وإن من يلعب بالنار سيحرق بها”.
في ذات السياق، قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان إن “اغتيال الاحتلال للمقاوم القسامي مازن الفقهاء يجب أن يقابل بضرب من حديد لعملاء الاحتلال، ومزيدا من أخذ الحيطة والحذر وتوفير الإمكانات لحماية محررينا في الداخل والخارج”. وأضاف عدنان: “دعوتي لفصائل المقاومة لاعتبار اغتيال المجاهد مازن الفقهاء خرقًا للتهدئة يستوجب ردًا من المقاومة تردع الاحتلال وأدواته”.
آخر ما كتبه فقهاء على الفيسبوك
مركز الإنسان للديمقراطية والحقوق، أدان أيضًا عملية الاغتيال التي تعرض لها فقهاء، واعتبرها عملية اغتيال وقتل بشكل متعمد وخارج إطار القانون. وطالب المركز الجهات الأمنية المعنية بمعاقبة الجناة، والعمل الجاد على توفير الحماية الداخلية لجميع الأفراد والمواطنين، وتطبيق القانون، والسعي الجاد لتوحيد الجهود ووحدة الصف الفلسطيني.
إلى ذلك، علقت لجان المقاومة الشعبية، بأن “اغتيال الأسير المحرر مازن فقهاء جريمة يتحمل الاحتلال وعملاؤه كافة تبعاتها”. فيما قالت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تصريح لها، “إن عملية الاغتيال الجبانة يجب أن تقابل برد قاسي من فصائل المقاومة على الاحتلال و أعوانه، ولا يجب أن تمر هذه الجريمة مرور الكرام، وردع عملاء الاحتلال بالحديد والنار”.
اعتبر عيد مصلح، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن توقيت عملية الاغتيال ليست بعيدة عن نوايا الاحتلال، مشيرًا أن الاحتلال اختيار وقت استبدال القيادة داخل حماس
من جانبه، قال نادي الأسير الفلسطيني في بيان له: “إن المستفيد الوحيد من عملية اغتيال المحرر والمبعد إلى قطاع غزة مازن فقهاء؛ هو الاحتلال الذي واصل ويواصل ملاحقة مناضلي الحركة الوطنية الأسيرة، والمحررين منهم”، معتبرًا أن هذه العملية تتزامن مع تصاعد تحريض الاحتلال ضد الأسرى المحررين، ومطالبة بعض الدول بإعادة اعتقالهم.
وأدان نادي الأسير عملية الاغتيال، ودعا إلى ضرورة التحقيق الجاد في ملابسات هذه الجريمة، والسعي لتوفير الحماية للأسرى وللمحررين منهم، مشددًا على أن ذلك مسؤولية وطنية ودولية.
توقيت العملية وتداعياتها.. هل فتحت باب حرب جديدة؟
وكانت صحيفة “معاريف” العبرية، قد نشرت العام الماضي ملحقا حول قائمة الاغتيالات التي تنوي دولة الاحتلال تنفيذها في قطاع غزة وظهر الشهيد الفقهاء من بين الأسماء التي تتهمها “إسرائيل” بقيادة العمل العسكري في الضفة الغربية والإشراف عليه من قطاع غزة.
وهنا اعتبر عيد مصلح، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن توقيت عملية الاغتيال ليست بعيدة عن نوايا الاحتلال، مشيراً أن الاحتلال اختيار وقت استبدال القيادة داخل حماس.
وقال مصلح إن: “عملية الاغتيال تعبر عن جهوزية الكيان الإسرائيلي في الدخول في حرب مع غزة، إلا إذا كانت هناك أطراف خارجية وفلسطينية تريد توريط حماس في حرب جديدة”، مؤكداً أن الاحتلال كان يحرض باستمرار على الشهيد فقهاء، آخرها كان قبل أسابيع، ونوه أنه وضع تحت “المنظار” لكن كان يتم البحث عن آلية تنفيذ وتوقيت مناسب.
ورأى أن المناورة الأخيرة للاحتلال في الجنوب لم تكن بعيدة عن الحدث بل كانت في قلبه، والرسالة من المناورة كانت واضحة أن الكيان الصهيوني جاهز للحرب.
برز فقهاء كأحد أبرز قادة الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ومن ثم التحق بالذراع العسكري لحركة “حماس” كتائب القسام خلال انتفاضة الأقصى
استدرك مصلح أنه يجب عدم استبعاد نظرية المؤامرة، لأنه ربما توجد أطراف تريد توريط حماس في حرب جديدة، مشيرًا أن ما في عملية الاغتيال هي الجرأة التي تمت بها عملية الاغتيال داخل غزة.
في حين قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفي الصواف، في تعقيبه على عملية الاغتيال، إن “المعركة فتحت أبوابها على مصرعيها”. وأضاف الصواف: “مازن فقهاء يغتال على أيدي الموساد الصهيوني، عملية لا تختلف عن عملية اغتيال محمد الزواري بالطريقة والأسلوب، وهذا يحتاج إلى إمعان العقل والمنطق واستخدام نفس الأسلوب والطريقة لتصفية الحسابات مع الموساد، واعتقد أن القسام لديه ما سيقوله لأن المعركة على ما يبدو فتحت أبوابها على مصرعية ولكن ستكون بطريقة مختلفة عما كان في السابق، التحدي كبير وعلينا أن نرده بعمل كبير”.
من هو الشهيد مازن فقهاء؟
الشهيد فقهاء من مواليد مدينة طوباس شمال الضفة الغربية المحتلة بتاريخ 24 أغسطس 1979، حصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة النجاح الوطنية 2001، وهو أحد محرري صفقة “وفاء الأحرار”، وجرى إبعاده إلى غزة بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال التي كان يقضى فيها حكمًا بالسجن 9 مؤبدات.
برز فقهاء كأحد أبرز قادة الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ومن ثم التحق بالذراع العسكري لحركة “حماس” كتائب القسام خلال انتفاضة الأقصى، ويتهمه الاحتلال بالمسؤولية عن عملية صفد التي خلفت 9 قتلى إسرائيليين وعشرات الإصابات خلال انتفاضة الأقصى، وجاءت ردًا على استشهاد القائد صلاح شحادة.
كما شارك فقها في عدد من العمليات في الأغوار ووادي المالح، وأبرزها عملية استشهادية عند مفترق جات قرب مستوطنة “جيلو” جنوب القدس المحتلة أدت لمقتل 19 إسرائيليًا.
وتعرض الشهيد خلال اعتقاله في سجون الاحتلال إلى تحقيق قاس، وحكم عليه بالسجن (9 مؤبدات و50 سنة)، وأفرج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار (شاليط) عام 2011، حيث نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية في عام 2013 تقريرًا قالت فيه، إن ” فقهاء إضافة إلى زميل له يعملان تحت إمرة الشيخ صالح العاروري، القيادي البارز في حركة حماس والمبعد إلى الخارج”.
وأضافت الصحيفة، أن “فقهاء يقود الدائرة القيادية المصغرة لكتائب القسام في الضفة الغربية عن بعد، ويقوم بتنظيم الخلايا العسكرية وبناء قيادة كتائب القسام في الضفة”. وربطت الصحافة العبرية اسم فقهاء بعملية خطف المستوطنين الثلاث في مدينة الخليل عام 2014، ونشرت اسمه وصورته على قائمة الاغتيالات لدى قوات الاحتلال، منذ ذلك الحين.