بدأت المشاعر المعادية لفرنسا تكتسب المزيد من الزخم وتنتشر في عدة دول إفريقية في الفترة الأخيرة، خاصة بعد الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وما أعقبها من خطاب رسمي معاد للوجود الفرنسي في تلك المنطقة.
لم يقتصر الأمر على منطقة الساحل فقط، فقد انتقل هذه المشاعر أيضًا إلى دول شمال إفريقيا التي كانت إلى وقت قريب تعتبر من أبرز دعائم السياسة الفرنسية في القارة السمراء، كما وصل الأمر أيضًا إلى غرب القارة.
كان لذلك عواقب كبيرة في بعض الأحيان على الشركات الفرنسية العاملة في إفريقيا، إذ أقدم عدد منها على تصفية أعماله في ظل التغييرات المناهضة لبلادهم، وتزايد الضغوطات الدولية على دول القارة الإفريقية وفرض عقوبات اقتصادية على بعضها.
نفوذ لا مثيل له
في بداية ستينيات القرن الماضي، استقلت أغلب الدول الإفريقية وخرجت فرنسا رسميًا من القارة، إلا أن باريس تمكنت من الحفاظ على نفوذها الاقتصادي والتجاري هناك من خلال توقيع اتفاقيات التعاون وإنشاء الفرنك الإفريقي، وتعهدها بتقديم المساعدة للأنظمة الحليفة لها، خوفًا من انجذاب الدول الإفريقية إلى المعسكرين السوفييتي والأمريكي.
خرجت فرنسا بعد تنامي مطالب الاستقلال لتبقى بشكل آخر محافظة على مصالحها هناك، فقد فتحت الأبواب أمام شركاتها واستحوذت على أبرز ثروات القارة الإفريقية، خاصة في الشمال ومنطقة الساحل والصحراء وفي غرب القارة أيضًا.
وإلى الآن تظل فرنسا المورد الرئيسي للقارة ككل، رغم أنها لا تعتبر الشريك الأول للقارة ولا المستثمر الأول لها، حتى صادرات إفريقيا الجزء الأكبر منها يذهب لدول أخرى بعيدًا عن فرنسا، وهو ما يخدم مصالح باريس.
وفقًا للجمارك الفرنسية، بلغت صادرات فرنسا إلى دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا لعام 2022، نحو 3.7 مليار يورو، فيما تبلغ صادرات باريس إلى دول الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا 1.6 مليار يورو، وصادراتها إلى شمال إفريقيا فتبلغ 17.3 مليار يورو، أما صادرات فرنسا لدول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فبلغت 10.8 مليار يورو.
ما يعني أن غالبية المصالح الاقتصادية لفرنسا في إفريقيا تقع في المقام الأول في منطقة المغرب العربي، ثم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي الأخير منطقة غرب إفريقيا أو ما يعرف بمنطقة الفرنك.
دعمت فرنسا بشكل أساسي شركات الاستيراد والتصدير، والشركات التي تدير المنتجات الأولية (الزراعة والتعدين والنفط) والبنوك، وركزت على قطاعات معينة على رأسها قطاع الطاقة وفي مجالات مرتبطة بأوضاع شبه احتكارية تنتج عن المعرفة بالمجال أو زيادة المخاطرة.
سمحت العلاقات التجارية المتبادلة مع الدول الإفريقية لفرنسا بتوليد فائض تجاري مريح، ساعدها في تجاوز العديد من أزماتها الاقتصادية
في المجمل، تمتلك فرنسا حاليًّا نحو 731 شركة تابعة للشركات الفرنسية في جنوب إفريقيا و400 شركة فرنسية في الجزائر و200 شركة أو شركة تابعة في مالي، و80 شركة في الغابون و70 في بوركينا فاسو و30 في النيجر، ونحو 10 في جمهورية إفريقيا الوسطى، أما المغرب فيوجد به ما يزيد على 950 فرعًا للمنشآت الفرنسية، وتوجد في تونس 1413 منشأة فرنسية توظّف أكثر من 140 ألف شخص.
من أبرز الشركات الفرنسية في إفريقيا، توتال التي تعمل في أكثر من 40 دولة إفريقية، وهي الموزع الرائد للهيدروكربونات، ولديها 7 مصاف وتوجد في أكثر من 10 دول في مجال التنقيب، وتعتبر نيجيريا (11.7%) وأنغولا (7.6%) من أكبر موردي النفط الخام لفرنسا في العالم، فيما تحصل على نحو 10% من الغاز من الجزائر ونسبة أقل من نيجيريا.
نهاية عصر “فرنسا الافريقية”.
وما لم يقله ماكرون ان فرنسا منذ 15 سنة بدأت في الانهيار الاقتصادي بعد أن تم بيع أكبر الشركات الفرنسية في الحديد والالمنيوم والغاز ووووو…..وعدم مراجعة سياستها اتجاه إفريقيا الجديدة.
إنما اليوم هو ذكرى للحداد فقط. pic.twitter.com/9pMFZzLG98
— Zinaddine Sbaiالسباعي زين الدين (@Zinabidine2013) March 4, 2023
تأتي المنتجات الزراعية والصناعية والأغذية الزراعية خاصة من ساحل العاج، وأيضًا المطاط وهو من “المواد الإستراتيجية”، أي الموارد الجيولوجية الرئيسية اللازمة لتطوير القدرة التنافسية للشركات، أما بالنسبة للموارد اللازمة لتصنيع التقنيات الجديدة للاقتصاد الرقمي، فتأتي من رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا وجنوب إفريقيا.
حتى نهاية التسعينيات، فتحت المساعدات المقيدة عقودًا أمام الشركات الفرنسية، لا سيما في مجال البناء والأشغال العامة ومجال المياه والكهرباء، كما تعمل الشركات الفرنسية في الخدمات أيضًا، أي أنها منتشرة في أغلب المجالات ذات المردودية المالية العالية، وهذه العلاقات التجارية سمحت لفرنسا بتوليد فائض تجاري مريح، ساعدها في تجاوز العديد من أزماتها الاقتصادية.
تستفيد هذه الشركات من المزايا المرتبطة بالعملة الموحدة في دول منطقة الفرنك، وآليات التعاون النقدي والدعم المباشر من الدولة الفرنسية، ودعم الشركة الفرنسية لتأمين التجارة الخارجية (كوفاس)، وهي شركة عامة تضمن مخاطر المصدرين الفرنسيين والشبكات الفرنسية، فضلًا عن الامتيازات التي تمنحها لها الأنظمة الحليفة لباريس.
اهتمام ماكرون بإفريقيا
عقب انتخابه رئيسًا لفرنسا لولاية ثانية في أبريل/نيسان 2022، وتغلبه على منافسته من اليمين المتطرف مارين لوبان، حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على دعم نفوذ بلاده في القارة الإفريقية وتعزيز حضور الشركات الفرنسية هناك.
في هذا السياق قام ماكرون بزيارات مكثفة بلغت 18 زيارة لدول القارة الإفريقية منذ توليه الرئاسة سنة 2017، ولم يسبق لرئيس فرنسي أن قام بها في فترة ولايته، فيما يؤشر إلى اهتمام استثنائي موجّه للقارة الإفريقية.
كما قام بالعديد من المبادرات، من أبرزها خفض الوجود العسكري في القارة والاعتراف – دون الاعتذار – بجرائم بلاده في حق مستعمراتها السابقة وفتح جزء من أرشيف الاستعمار وإعادة بعض الجماجم للجزائر، ودعوته لتأسيس “نموذج شراكة جديد” مع إفريقيا، وهو ميثاق ينوي توسيعه ليشمل أوروبا.
الخط الاحمر ترسمه فرنسا لي امريكا
وهذه بعض الاسباب :
وتستحوذ #باريس على أهم الأصول الاقتصادية الكبرى الموجودة في معظم مستعمراتها السابقة في إفريقيا وتتحكم الشركات الفرنسية أيضا في جميع الخدمات الرئيسية مثل المياه والكهرباء والهاتف والنقل والموانئ والبنوك الكبيرة#فرنسا#ليبيا pic.twitter.com/TMoIwNArOu
— 🇱🇾🍎 farrah abdualakafie (@Saintfarrahx) July 7, 2020
بدأ ماكرون هذه المساعي وفي حوزته بعض نقاط القوة، منها هجرة الأفارقة إلى بلاده، إذ تعتبر فرنسا الوجهة الأولى في العالم لاستقبال المهاجرين الأفارقة، وتستقبل سنويا 20% منهم، ويتجاوز عدد الأفارقة في فرنسا 10 ملايين شخص نصفهم من المغرب، ويشكلون نحو 15%من مجموع سكان البلاد.
يراهن ماكرون على النخب والكفاءات الإفريقية التي توظفها بلاده، حتى تكون جسورًا مع بلدانهم الأصلية، وكثيرًا ما نرى وزراء ومسؤولين كبار في العديد من الدول الإفريقية درسوا في الجامعات الفرنسية ويحملون الجنسية الفرنسية ويكون ولاؤهم الأول لباريس.
من النقاط الأخرى التي تراهن عليها باريس، اللغة الفرنسية المنتشرة بقوة في إفريقيا، إذ تشكل الدول الفرنكفونية – الناطقة جزئيًا أو كليًا باللغة الفرنسية – نحو نصف دول قارة إفريقيا ويقطنها ما يقارب ثلث سكان القارة.
تحولات وانقلابات متتالية
بالتوازي مع ذلك، عرفت القارة السمراء تحولات كثيرة لم تكن كبرى مراكز الدراسات الإستراتيجية تتوقعها، ففي الشمال انقلب الرئيس التونسي قيس سعيد صيف 2021 على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية وبسط سيطرته على مقاليد الحكم.
عطّل سعيد دستور الثورة وصاغ مكانه دستورًا جديدًا يؤسس لنظام قاعدي، وأطاح بالبرلمان وجاء بآخر مكانه، وعرقل عمل رجال الأعمال وفرض ضرائب جديدة على المواطنين والشركات ومنع أغلب الأحزاب والمنظمات من النشاط.
أما في الجزائر، فقد أوصلت انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019 أحد رجال الجنرال توفيق للسلطة وهو الرئيس عبد المجيد تبون، الذي اختار منذ وصوله قصر المرادية بناء تحالفات جديدة والتوجه شرقًا نحو الصين وروسيا.
وأظهر تبون منذ وصوله للسلطة عداءً كبيرًا لفرنسا ومصالحها في البلاد، رغبة منه في التقرب أكثر من الشعب الجزائري الذي يكنّ عداءً تاريخيًا للمستعمر الذي احتل بلاده 130 سنة، خاصة في ظل ضعف حصيلة إنجازاته.
أما في المغرب، ولئن بقي الملك نفسه على كرسي الحكم إلا أن العديد من التحولات الخارجية طالت المملكة أيضًا، إذ قُطعت العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الجزائر، وفي المقابل تصالحت مع حليفتها القديمة إسبانيا وفتحت أبوابها أمام تحالفات أخرى.
ويعتبر اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء الغربية أبرز تغير حصل في الفترة الأخيرة، إذ أعقب تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية وفتح كثير من الدول قنصليات لها في مدن الصحراء، ما دعم الموقف المغربي من الأزمة.
حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يلعب دورًا حيويًا في إعادة بناء العلاقات الثقافية، والبحث عن فرص جديدة للاستثمار
في مالي، أطاحت مجموعة من القادة العسكريين بزعامة أسيمي غويتا برئيس البلاد إبراهيم أبو بكر كيتا في أغسطس/آب 2020، وجاء الانقلاب عقب احتجاجات مناهضة للحكومة بسبب تردي الأوضاع الأمنية ومخالفات مزعومة بشأن الانتخابات التشريعية، وتهميش الجيش.
تنازل المجلس العسكري عن السلطة لحكومة مؤقتة بقيادة مدنية مكلفة بالإشراف على فترة انتقالية مدتها 18 شهرًا تمهيدًا لانتخابات ديمقراطية تجرى في فبراير/شباط 2022، لكنهم قادوا بعد ذلك انقلابًا ثانيًا في مايو/أيار 2021 ضد الرئيس المؤقت الجنرال المتقاعد “باه نداو”، ورتبوا صوعد غويتا إلى سدة الحكم.
وفي مايو/أيار من نفس السنة، استولى الجيش التشادي على السلطة بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي متأثرًا بجروح أصيب بها في أثناء وجوده بساحة المعارك ضد متمردين شمال البلاد، وأعلن حينها عن تشكيل مجلس عسكري بقيادة نجل الرئيس – الذي حكم تشاد طيلة 30 عامًا – الجنرال محمد إدريس ديبي إيتنو (المعروف أيضًا بالجنرال محمد كاكا).
التحولات وصلت غينيا أيضًا، ففي سبتمبر/أيلول 2021، أطاح قائد القوات الخاصة الكولونيل مامادو دومبيا بالرئيس ألفا كوندي، وأصبح دومبيا رئيسًا مؤقتًا وتعهد بإجراء انتخابات ديمقراطية في غضون 3 أعوام.
بدورها شهدت بوركينا فاسو انقلابين في عام واحد، ففي يناير/كانون الثاني 2022، أطاح الجيش برئيس البلاد روك كابوري، وتم تنصيب الليفتنانت-كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا رئيسًا لبوركينا فاسو، لكن في سبتمبر/أيلول حصل انقلاب ثان، واستولى قائد المجلس العسكري الحاليّ الكابتن إبراهيم تراوري على السلطة.
ضربة موجعة للمؤسسات الفرنسية في إفريقيا، وقع وزير الداخلية التشادي قراراً يقضي بطرد مدير شركة ساتوم الفرنسية ( أمادو جاي ) من الأراضي التشادية خلال مدة أقصاها ٤٨ ساعة.
وتعليق عمل مشاريع الشركة في تشاد، هذه الشركة من أكثر الشركات فساداً وسرقة وتقاعساً في تنفيذ المشاريع الوطنية. pic.twitter.com/qDptSBockG
— سعيد أبكر أحمد (@seid22Abkar) September 22, 2023
شهدت النيجر بدورها انقلابًا على الرئيس محمد بازوم في يوليو/تموز الماضي، حين احتجز أفراد من الحرس الرئاسي محمد بازوم في القصر الرئاسي بنيامي، وظهروا على شاشة التليفزيون الرسمي وقالوا إنهم استولوا على السلطة لإنهاء “الوضع الأمني المتدهور وسوء الحوكمة”.
على الفور تم تشكيل مجلس عسكري لإدارة الحكم، وبعدها بأيام أعلن المجلس قائد قوات الحرس الرئاسي عبد الرحمن تشياني رئيسًا جديدًا للبلاد، رغم العقوبات الغربية والإفريقية التي فُرضت على البلاد وتهديد مجموعة “إيكواس” بالتدخل العسكري.
آخر التحولات والانقلابات في القارة الإفريقية، حصلت في الغابون، ففي 30 أغسطس/آب الماضي، أعلنت مجموعة من كبار ضباط الجيش في البلاد الاستيلاء على السلطة وإلغاء نتائج الانتخابات بعد دقائق من إعلان فوز الرئيس علي بونغو بفترة رئاسة ثالثة، وتم تعيين قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما “رئيسًا للمرحلة الانتقالية”.
تراجع الهيمنة
حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يلعب دورًا حيويًا في إعادة بناء العلاقات الثقافية، والبحث عن فرص جديدة للاستثمار، وزيادة النفوذ الاقتصادي الفرنسي في إفريقيا، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، متأثرة بالتغيرات التي تحدثنا عنها.
خسرت فرنسا مكانتها كمورد عالمي رائد للقارة الإفريقية لصالح الصين وألمانيا وإيطاليا، كما تراجعت للمرتبة الثانية في ترتيب المستثمرين الأجانب في القارة، حيث واصلت الاستثمارات الفرنسية في إفريقيا اتجاهها التنازلي الذي بدأ عام 2015، ولا تمثل الآن إلا 2.5% من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في الخارج أي 31.9 مليار دولار أمريكي.
تمثل القارة الإفريقية الآن 5.3% فقط من التجارة الخارجية الفرنسية، إذ فقدت الشركات الفرنسية مكانتها في القارة، واضطرت العديد من الشركات للرحيل عن إفريقيا في ظل توسع نشاط الشركات الأمريكية والبريطانية، فضلًا عن الصينية والتركية وبدرجة أقل الروسية وبعض الشركات الخليجية.
من أبرز الشركات الفرنسية التي انسحبت من إفريقيا، نجد “مجموعة بولوريه” متعددة الجنسيات ذات النشاطات المتنوعة التي باعت نهاية السنة الماضية أنشطتها اللوجستية في إفريقيا إلى المجموعة الإيطالية السويسرية المالكة للسفن “إم إس سي” في عملية حصلت فيها على أكثر من 5 مليارات يورو.
وتملك “بولوريه أفريكا لوجستيكس” بنية تحتية في عدد من البلدان الإفريقية بما في ذلك شبكة من 22 امتيازًا للموانئ والسكك الحديدية و66 ميناءً جافًا وما يقرب من 250 وكالة، فضلًا عن مستودعات ومحاور طرق وسكك حديدية.
كما قلصت المجموعات المصرفية الفرنسية أيضًا وجودها في إفريقيا نتيجة عدم اليقين بشأن الوضع العام في القارة ووجود منافسين محليين وأجانب، ومن المرتقب أن يبيع بنك “سوسيتيه جنرال” – وهو ثالث بنك من حيث الأصول في فرنسا – 4 من فروعه في الكونغو وغينيا الاستوائية وموريتانيا وتشاد إلى مجموعتين مصرفيتين إفريقيتين هما: فيستا وكوريس، ويمكن لسوسيتيه جنرال أيضًا أن يغادر تونس حيث يوجد عبر الاتحاد الدولي للبنوك، الذي يمتلك 52.34% من رأسماله.
وذهب بنكا “بي إن بي باريبا” و “غروب بي بي سي إي” إلى أبعد من ذلك، فقد باعا جميع بنوكهما الإفريقية تقريبًا، وتوجهت هذه البنوك إلى إعادة التركيز على أسواقها المحلية والأوروبية، على سبيل المثال، التي تمارس فيها العديد من المهن.
وأضافت التحولات الأخيرة في إفريقيا حالة من عدم الاستقرار إلى مناخ الأعمال المعقد بالفعل، من خلال العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول التي أدت إلى تعقيد الوصول إلى العملات وتبادل السلع، أو تعليق الرحلات الجوية، ما يجعل السفر أكثر صعوبة.
ما حجم خسائر فرنسا وايطاليا في الغابون؟
تركز الاستثمارات الفرنسية في الغابون بشكل أساسي على قطاع النفط والغاز، حيث تعد الغابون واحدة من أكبر منتجي النفط في إفريقيا.
تمتلك الشركات الفرنسية حصصًا كبيرة في العديد من حقول النفط والغاز في الغابون#اقتصاديات_دجله pic.twitter.com/YRFm1JrlY8
— 🕊Dr. Dijlah🕊 (@Dddddddwerrr) August 30, 2023
لم تكن التغيرات السياسية الوحيدة التي دفعت الشركات الفرنسية للانسحاب من القارة، إذ انسحبت عدة مجموعات اقتصادية من إفريقيا في السنوات الأخيرة لأسباب تتعلق بالقيود التنظيمية أو “التحرش الضريبي”، مثل شركة الاتصالات “أورانج”، التي غادرت النيجر في عام 2019.
حتى الشركات الكبرى التي حافظت على وجودها في القارة على غرار شركة أورانو الفرنسية العملاقة لليورانيوم (أريفا سابقًا) في النيجر، لا تستبعد الرحيل، فهي الآن في مرحلة الانتظار لما سيؤول إليه الوضع في هذا البلد بعد الانقلاب الأخير.
كما أوقفت شركة “إراميت” الفرنسية للتعدين عملياتها في الغابون عقب الانقلاب مباشرة نهاية أغسطس/آب الماضي، ورغم عودة عملياتها بعد وقت قصير فإنها ما زالت تراقب الوضع إلى الآن، وتملك الشركة “كوميلوغ”، وهي وحدة للتنقيب عن المنغنيز، حيث تُصنف الغابون ثالث أكبر منتج له في العالم، بمتوسط إنتاج تجاوز 7 ملايين طن خلال العام الماضي، كما تملك “إراميت” شركة “سيتراغ” المختصة في النقل بالسكك الحديدية.
سبق أن أعلنت شركة توتال الفرنسية أيضًا أنها “مجهزة لضمان سلامة موظفيها وعملياتها” في النيجر، أي أنها مستعدة لمغادرة البلاد في أي وقت، وتتولى الشركة بشكل خاص توزيع المنتجات البترولية في البلاد من خلال 45 محطة.
يستمر النفوذ الفرنسي في إفريقيا في التراجع، سواء من الناحية العسكرية أم الاقتصادية، لصالح منافسين جدد كانوا يتحينون اللحظة المناسبة للنزول بثقلهم، وهو ما أثقل كاهل الاقتصاد الفرنسي الذي كان يعول كثيرًا على إفريقيا، ما انعكس سلبًا على معيشة الفرنسيين.