في ضوء التصريحات التي أطلقها العديد من القيادات السياسية والعسكرية الإيرانية أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي تقع تحت سيطرتهم نتيجة لسيطرة الحوثيين عليها، وإجراء مناورات عسكرية قرب الحدود السعودية، أطلقت دول الخليج -عدى عمان- وبقيادة المملكة العربية السعودية في 26 مارس 2015 عاصفة الحزم في اليمن.
ووضعت “العاصفة” إعادة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، واستسلام الحوثيين وتسليم الأسلحة التي نهبوها من الجيش اليمني وتدمير الصواريخ البالستية، أهدافًا رئيسية لهذه العاصفة، واعتقدت أن الحرب لن تصل إلى ثلاثة أشهر كحد أقصى لتنفيذ تلك الأهداف مستغلة الحالة التدميرية الممنهجة للجيش اليمني منذ أواخر العام 2013.
لكن بعد عامين من انطلاقها لا يزال الحوثيون هم من يتحكمون بمصير البلد المنكوب، بينما تقول المملكة العربية السعودية أنها أصبحت تسيطر على ما نسبته 85% من اليمن، و15 % تحت سيطرة الحوثيين، لكننا في هذا الموضوع سنحاول قراءة بمنظور آخر عن ماذا حققه التحالف خلال العامين الماضيين، وما هو السبيل لفك التحالف الحوثي وصالح.
سياسيًا
وعلى المستوى النظري، شكلت “عاصفة الحزم” التي تقودها المملكة العربية السعودية في حربها في اليمن تغيرًا نوعيًا في إستراتيجية دول الخليج، لجهة التحول من سياسة احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة إلى سياسة الحسم والمواجهة، متجاوزة بذلك مرحلة الانكفاء السياسي والإستراتيجي إلى محاولة إنشاء منظومة إقليمية تفرض إيقاعها على مجريات الأمور وسياق الأحداث المتلاحقة.
إن لم تعلن الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي باتت تتحكم بالقرار العربي في ظل تراجع الدور المصري ودول عدة في المنطقة، موقفها صراحة من القضية الفلسطينية فلا قيمة لتلك العاصفة التي أقيم تحالف عربي لها
إذ إن السرعة التي التأم بها تحالف من عشر دول يعتبر سابقة سياسية وعسكرية نوعية في هذه المنطقة؛ فقد أرسل رسالة واضحة إلى أطراف عديدة إقليميًّا وعالميًّا، خاصة أولئك الذي يشكِّكون في الوحدة والتضامن العربي، وقد حملت الرسالة مغزى آخر هو أن العالم العربي راغب وقادر على التحكم في مصيره، وحماية مصالحه، ومنع انهيار أو احتلال دولة عربية أخرى. كما وضعت عملية عاصفة الحزم حدًّا للعديد من هذه التكهنات، وطرحت رؤية جديدة للوحدة، ومهَّدت الطريق أمام الجامعة العربية لتأسيس قوة عربية مشتركة لردع أي تهديد وجودي يمكن أن يواجه المنطقة.
لكن ذلك لن يصل مفهومه إلى المواطن العربي العادي أو تتضح رؤية جدية العرب في وحدتهم، ما لم تعلن صراحة موقفها من فلسطين المحتلة التي يمارس فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي أبشع جرائمه بحق أبناء الأرض، واستعدادها لصناعة “عقاقير عربية خالصة ضد نشاط سرطان الاحتلال في جسد الأمة المتهالك”.
وإن لم تعلن الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي باتت تتحكم بالقرار العربي في ظل تراجع الدور المصري ودول عدة في المنطقة، موقفها صراحة من القضية الفلسطينية فلا قيمة لتلك العاصفة التي أقيم تحالف عربي لها، إن لم نقل دولي بحق بلد فقير تم تدمير بنيته التحتية وحصار أبنائه الذي بات البعض منهم يموت من الجوع بعد عامين من الحرب والتدمير، شاركت فيها المملكة العربية السعودية وإيران ودول غربية، في تدمير بلد عربي ليس له ذنب سوى أن جيرانه خذلوه وخلوا سبيله عندما كان في أشد الحاجة إليهم.
عسكريًا
بعد 25 يومًا من إعلان عاصفة الحزم، وتحديدًا في 21 أبريل 2015 أعلنت قيادة العملية عن توقفها وبدء عملية إعادة الأمل، بعد أن أعلنت وزارة الدفاع السعودية “إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديداً لأمن السعودية والدول المجاورة”، وبعد أن تم تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية والقوة الجوية التي كانت بحوزة ميليشيا الحوثيين والقوات الموالية لصالح.
أعلن عسيري عبر مؤتمر صحفي أنه تم القضاء على 90% من القوة الموالية للحوثيين ومليشاتهم المسلحة، لكن بعد انتهاء “عاصفة الحزم” أطلق الحوثيون نحو المملكة العربية السعودية وحدها 38 صاروخًا وفقًا لحديث أحمد عسيري نفسه، وهو ما يعني فشل العاصفة في تحقيق هذا البند
يفترض أن إعلان مثل هذا، هو أن تكون بنك الأهداف جميعها قد تم استهدافها وتحقيق كل أهداف العاصفة التي قامت من أجلها، وهو إعادة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي إلى صنعاء، وإعلان الحوثيين الاستسلام الكامل، وتدمير الأسلحة البالستية التي تهدد أمن السعودية والدول المجاورة لها، وفقًا لرؤية قيادة التحالف، وهو ما لم يتحقق إلا في إعلان أحمد عسيري عبر مؤتمر صحفي أنه تم القضاء على 90% من القوة الموالية للحوثيين ومليشاتهم المسلحة، لكن بعد انتهاء “عاصفة الحزم” أطلق الحوثيون نحو المملكة العربية السعودية وحدها 38 صاروخًا وفقًا لحديث أحمد عسيري نفسه، وهو ما يعني فشل العاصفة في تحقيق هذا البند.
ومنذ بداية “العاصفة” حتى ساعة كتابة هذا، نفذ التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، أكثر من 145 ألف غارة جوية على اليمن، وهو ما يشير إلى أن الأهداف السعودية التي أعلنت عن تدميرها كان مجرد للاستهلاك الإعلامي، أو ربما لمواجهة الضغوط الدولية حينها.
تحدث أحمد عسيري في آخر مقابلة صحفية له أن التحالف الذي تقوده بلاده يسيطر على أكثر من 85 % من الأراضي اليمنية، وأن الحوثيون وحلفائهم بات وجودهم في اليمن مسألة وقت.
من خلال حصر تلك المحافظات، يتضح أن أكثر من 50% ما زالت بقبضة الحوثيين، وهي تلك المناطق نفسها التي سيطر عليها الحوثيين إعلان السعودية تشكيل تحالف عربي لطرد الحوثيين منها وتمكين الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي
من المعروف أن محافظات الجمهورية اليمنية 22 محافظة، يتكدس غالبية السكان في كل من محافظات إب وتعز والحديدة وصنعاء وعمران على التوالي، وإجمال المحافظات إما تعيش حربًا شرسة بين فصائل مختلفة، أو بين القوات الموالية لعبده ربه منصور هادي من جهة، والقوات الموالية للحوثيين وعلي عبدالله صالح من جهة أخرى، وهو من السهل تحديد المناطق التي يسيطر عليها كل طرف.
فالمحافظات التي تحت سيطرة الحوثيين وصالح اثني عشرة محافظة، هي عمران، الحديدة، المحويت، أمانة العاصمة، ذمار، حجة، إب، ريمة، صعدة، صنعاء، لحج، تعز ( أجزاء منها تحت سيطرة جماعات جهادية والمخا تدور فيها معارك شرسة بين قوات التحالف والقوات الموالية لصالح)
أما المحافظات التي يسيطر عليها التحالف والقوات الموالية لهادي هي مأرب (لم تحسم بشكل كامل الحرب فيها)، عدن، أبين، الضالع، حضرموت (غالبيتها تحت سيطرة القاعدة) المهرة، سقطرى شبوة.
أما محافظتي البيضاء( حرب بين الحوثيين والقاعدة) والجوف (قوات موالية لهادي والحوثيين) ما زالت الحرب فيها كر وفر، دون أن يتم الحسم فيها بشكل كامل، وفي مأرب تسيطر القوات الموالية لعبده ربه منصور هادي على معظمها..
إذًا، من خلال حصر تلك المحافظات، يتضح أن أكثر من 50% ما زالت بقبضة الحوثيين، وهي تلك المناطق نفسها التي سيطر عليها الحوثيين إعلان السعودية تشكيل تحالف عربي لطرد الحوثيين منها وتمكين الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي.
لماذا صمد الحوثيين؟
منذ انطلاق أول عملية لعاصفة الحزم، عملت المملكة العربية السعودية على ضرب أهداف غير موفقة كانت كفيلة بأن يتعاطف المجتمع اليمني مع الحوثيين، فضًلا عن الهالة الإعلامية الداخلية أو ما تسمى (التعبئة الحربية) استطاع من خلالها الحوثيين أن يقنع الغالبية أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تقاتل مع المملكة العربية السعودية، وأن أدبيات الحوثيين هي مقاتلة الأجانب ( أمريكا وإسرائيل)، ويتخذون اللقاءات والتصريحات المتبادلة بين القيادات الأمريكية والسعودية أدلة لإثبات “صدق حديثهم”، وهو ما ساهم ذلك على توسعهم في مناطق قبلية عدة ترفض التواجد الأجنبي.
التحالف الحوثي وصالح، مكّن الحوثيين من الصمود وربما يطول ذلك بفضل خبرة صالح، وتغلغله في القبائل اليمنية التي تدين له بالولاء المطلق
اخطأت قيادات عاصفة الحزم بعدم تشخيص مستقبل التحالف القائم الذي تشكل فيما بعد بين الحوثيين والرئيس اليمني السابق، وعمدت على الهجوم المباشر عليه منذ طلعات طيرانها الحربي الأول، وتكثيف الهجوم الإعلامي عليه، ويبدو أنه وجد نفسه بين صديق الأمس عدو اليوم (السعودية) وعدو الأمس صديق اليوم (الحوثيين)، وعمد التحالف مع المتواجدين على الأرض خوفًا من مأزق كان ينظر إليه بعين الرجل المجرب للسياسة ولحكم دام أكثر من 33 عامًا، شبهه بالرقص على رؤوس الثعابين.
التحالف الحوثي وصالح، مكّن الحوثيين من الصمود وربما يطول ذلك بفضل خبرة صالح، وتغلغله في القبائل اليمنية التي تدين له بالولاء المطلق، غير أن بإمكان صالح أن يغير موقفه بعد عامين من الحرب إذا ما تواصل معه التحالف نتيجة لما عاناه خلال العامين من قبل الحوثيين، ومحاولاتهم العديدة ضده، حتى أنهم رفضوا تنفيذ بنود اتفاقهم الموقع معه في أواخر يوليو 2016.
خسائر اليمن
أصبح الشعب اليمني بعد عامين من الحرب، وبعد سنة و11 شهر من إعادة الأمل بدون أمل ولا مرتبات، ويعش بدون كهرباء أو دواء، وغالبيته مهدد بالموت جوعًا، وأكثر من 3 ملايين طفل مهدد بالموت لعدم توفر الغذاء له.
إن استمرار الحرب لن تصل باليمن إلى حلول ولن يكون هناك طرفًا منتصرًا وآخر حاسرًا
وقد تسببت الحرب في خسائر فادحة في الأرواح، وصلت إلى أكثر من 50 ألف قتيل وجريح، وتدمير البنية التحتية، وخسائر اقتصادية تجاوزت 110 مليارات دولار، فضلاً عن الأثر المجتمعي، والتسبب في معاناة إنسانية كبيرة ومتفاقمة.
إن استمرار الحرب لن تصل باليمن إلى حلول ولن يكون هناك طرفًا منتصرًا وآخر حاسرًا، فبعد عامين من القتل والتدمير ونزيف الدم أصبح الوضع الإنساني كارثي بما تعنيه الكلمة من معنى، فضلًا عن أن الكراهية وتدمير النسيج الاجتماعي قد طالت مختلف فئات الشعب وفي جميع المحافظات، وهذا أكبر ما خسرته اليمن في هذه الحرب، كون ذلك له تبعات لن تنته بها السنوات القليلة القادمة.
إننا نقف عند نقطة حرجة في التاريخ، نحن نواجه أكبر أزمة إنسانية هذا العام في اليمن منذ إنشاء الأمم المتحدة
إضافة إلى ذلك، فإن أكثر من 18 مليون شخص في اليمن في حاجة الآن إلى المساعدة، وأن هناك أكثر من سبعة ملايين شخص يعانون من الجوع ولا يعرفون من أين يحصلون على وجبة طعامهم القادمة، طبقا لتصريحات منسق الإغاثة العاجلة في الأمم المتحدة ستيفن.
وأوضح أوبراين أن المنظمة الدولية تحتاج إلى 2.1 مليار دولار هذا العام لمساعدة 12 مليون شخص وإنقاذ حياتهم وحمايتهم في اليمن، مؤكدا أنه لم يتم جمع سوى 6 في المائة فقط من هذا التمويل حتى الآن.
وقال: إننا نقف عند نقطة حرجة في التاريخ، نحن نواجه أكبر أزمة إنسانية هذا العام في اليمن منذ إنشاء الأمم المتحدة، وخارجها هناك أكثر من 20 مليون شخص في أربعة بلدان يواجهون خطر المجاعة، وبدون الجهود العالمية الجماعية والمنسقة، الناس سوف يموتون جوعا، وكثيرون يموتون من المرض، وفقًا لما نقله موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
الخلاصة
بعد عامين من الحرب، نستطيع القول وفقًا للواقع أن عاصفة الحزم فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، لكنها حقيقة حيدت الحوثيين من بطشهم في اليمن، وممارساتهم السياسية الصبيانية، ومع ذلك قللت من حظوظ التواجد الإيراني في اليمن بتلك الخطط التي كان يخطط لها من طهران.
وتستطيع المملكة العربية السعودية الحفاظ على ذلك من خلال دفع الأطراف المتخاصمة في اليمن إلى طاولة الحوار، وممارسة عليهم ضغوط بتقديم تنازلات سياسية وعسكرية، والقبول بواقع جديد، وبحكم وجوه جديدة، يكون الصندوق الانتخابي هو الفيصل الوحيد، للخروج بنصر سياسي بعيدًا عن العسكري الغير ممكن في الحالة اليمنية.