لا أبالغ حين أقول أن تعطل مترو الأنفاق لدقائق معدودة، يتسبب في توقف سير الحياة فوق الأرض وتحتها، بل إنه يصيبها بالشلل، فهذا المرفق يقلّ أكثر من ثلاثة مليون مواطن مصري يومياً.
بعد موجة الغلاء الأخيرة، التي أصابت كافة السلع والخدمات في مصر، عقب قرار تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر 2016، ظلّ مترو الأنفاق الخدمة الوحيدة، التي لم تطلها الزيادة، لكن دوام الحال من المحال.
قررت وزارة النقل المصرية، الخميس الماضي، رفع سعر تذكرة المترو، وهي الزيادة الأولى بعد مرور عقد من الزمان، بنسبة 100%، لتصبح “جنيهان” بدلاً من جنيهاً واحداً، هل ستؤثر هذه الزيادة على المواطن المصري؟ وما مدى تأثيرها؟ وما تأثير ذلك أيضًا على الاقتصاد المصري؟ ولماذا لجأت الوزارة لمضاعفة سعر التذكرة؟ وهل الزيادة الخيار الوحيد أمامها؟ كلها أسئلة تدور في ذهن المواطن المصري، لنجيب عنها كل على حدة.
هل ستؤثر الزيادة على المواطن وما مدى تأثيرها؟
بالتأكيد ستفعل، لتوضيح ذلك، دعني أفترض أن هناك أسرة مكونة من خمسة أفراد أبوين وثلاثة أبناء، الأبوين يعملان، والأبناء يدرسون، أي أن جميع أفراد الأسرة يستقلون المترو، كانت الأسرة تستقطع من دخلها 220 جنيها مصروفات انتقال (ينفق الفرد 44 جنيهاً شهرياً بعد استبعاد ثمان أيام العطلات الرسمية، إجمالي ما تنفقه الأسرة 44*5= 220). لكن بعد الزيادة ستقتطع الأسرة 440 جنيهاً شهرياً من دخلها، فكيف إذا كان دخل تلك الأسرة بالكاد يكفيها لنهاية الشهر، ماذا تفعل حيال هذه الزيادة؟
تحقق الهيئة إيرادات من ثلاث مصادر (التذاكر والإعلانات، وإيجار المحلات)، فلماذا لا تطور خدمة الإعلانات؟
إما أن تتبع إجراءات تقشفية فبدلا من تناول وجبة اللحوم أربع مرات شهريا تكتفي بوجبتين، أو أن يستدين رب الأسرة للوفاء بالتزاماته، وربما على ذلك الخمسيني أو يبحث عن عمل إضافي وهو في ذاك العمر. وهذا إن وجد!
تأثير قرار الزيادة على الاقتصاد المصري
ستقلل هذه الأسرة من استهلاكها، وهذا سينعكس سلبا على النمو الاقتصادي لمصر، فقوام الناتج المحلي الإجمالي المصري الاستهلاك العائلي، يأتي هذا في وقت تأمل فيه السلطات المصرية تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5%. كما أن القرار يترتب عليه ارتفاع معدلات التضخم، التي تخطت الـ 33%، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
لماذا لجأت الحكومة لهذا القرار؟
أرجع وزير النقل المصري، أن القرار جاء بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل، وتضاعف أسعار قطع الغيار، وزيادة رواتب وأجور موظفي هيئة مترو الأنفاق بنسب تصل إلى 400% منذ عام 2001، بالإضافة إلى تضخم المديونية على الهيئة، التي بلغت نصف مليار جنيه.
بحسب الوزير، تحقق هيئة المترو إيرادات سنوية تبلغ 716 مليون جنيه، تشمل “التذاكر، والإعلانات، وتأجير المحال”، بينما تبلغ المصروفات السنوية 916 مليون جنيه، ممثلة في”تكلفة التشغيل والصيانة والرواتب”، محققةً خسائر سنوية بنحو 200 مليون.
يبدو أن قرار الوزارة غير مدروس، كغيره من القرارات التي تتخذها الحكومة المصرية الحالية، فأثره سلبي تجاه المواطن والاقتصاد على حد سواء
تبقى لغة الأرقام، هي السبيل لفهم الحقائق، ومن واقع أرقام موازنة الهيئة يتضح أنها تخسر فعلياً، لكن هل رفع أسعار التذاكر الحل الوحيد؟
تحقق الهيئة إيرادات من ثلاث مصادر (التذاكر والإعلانات، وإيجار المحلات)، لما لا تطور خدمة الإعلانات، من خلال التعاقد مع شركة متخصصة في ذلك الأمر، إذا كان ذلك يفوق قدراتها، فإن ثلاثة ملايين مواطن يومياً يشاهدون إعلان منتج ما يجذب العديد من الشركات.
ولما لا تزيد من أعداد المحلات المؤجرة، ولما أيضاً لا ترفع قيمتها الإيجارية، وفي المقابل، ما الضير في استقطاع نسبة ما من رواتب العاملين بالهيئة، وتفعًيل الرقابة على أصولها بحيث تقلل من أعطالها، ووفقا لوزير النقل المصري هناك 40% ما يعادل 1.2 مليون مواطن، من مستقلي المترو يدفعون نصف تذكرة ( ذوي الإعاقة و ورجال الشرطة والجيش)، هل يتضررون حال دفع تذكرة كاملة؟!، وحتى لو تضرروا، حينها ستكون الفئة المتضررة تمثل 40% من مستقلي المترو بدلا من 100% حالياً، وللعلم هذه الفئة تضاعف سعر عليهم أيضاً.
يبدو أن قرار الوزارة غير مدروس، كغيره من القرارات التي تتخذها الحكومة المصرية الحالية، فأثره سلبي تجاه المواطن والاقتصاد على حد سواء. فإلى متى يدفع المواطن فاتورة برنامج “الإصلاح الاقتصادي”؟