“حكومة يمينية يسارية وسطية إسلامية شيوعية اشتراكية ليبرالية شعبية طبيبة نفسية موحدة من طنجة لگويرة”.. بهذه الكلمات علًق أحد مواطني المغرب عبر منصات التواصل الاجتماعي، على تشكيل الائتلاف المشارك في الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الحكومة المكلف، سعد الدين العثماني، والذي أعلن عنه أمس السبت.
نجاح العثماني الذي لم يمر على تكليفه سوى تسعة أيام فقط خلفًا للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في التوصل لتشكيل توافقي للحكومة بعد تعثر ما يقرب من خمسة أشهر كاملة، شهدت فيها المملكة موجات من المد والجذر بين الأحزاب الإسلامية والليبرالية والاشتراكية، بات حديث الشارع المغربي، مابين متفائل ومترقب ومعترض، فما الذي حدث؟
خمسة أشهر من التعثر
البداية كانت عند عبد الإله بنكيران، والذي تم تكليفه بتشكيل الحكومة عقب فوز حزبه “العدالة والتنمية” بالانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي حصل فيها على 125 مقعدا من أصل 395، حيث أصر على استبعاد أي حزب يساري من التشكيل الحكومي قاصدًا الاتحاد الاشتراكي.
وطيلة خمسة أشهر مضت دخلت مشاورات تشكيل الحكومة غرفة الإنعاش لاسيما بعدما توسعت رقعة المعارضة لتشبث بنكيران بموقفه، حيث أصر حزبا التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، وهما من الأحزاب المشاركة في الحكومة المنتهية ولايتها على ضرورة مشاركة الاتحاد الاشتراكي في التشكيل الحكومي الجديد، وهو ما رفضه بنكيران بصورة قاطعة.
بنكيران برًر أكثر من مرة رفضه مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة “بالدفاع عن كرامة الشعب والمجتمع المغربي”
بنكيران كان يرى أن بإمكان الأحزاب الأربعة التي كانت تشكل الحكومة السابقة تشكيل الحكومة المقبلة، في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، وهي العدالة والتنمية (125 مقعدا في مجلس النواب)، والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا)، والتقدم والاشتراكية (12مقعدا)، وبإمكان الأربعة تغطية العدد المطلوب للتشكيل (198 مقعدا).
وقد برر أكثر من مرة رفضه مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة “بالدفاع عن كرامة الشعب والمجتمع المغربي”، مؤكدًا أن “الشعب اختار العدالة والتنمية لكي يكون منه رئيس الحكومة”، ومن ثم “لا يمكن قبول أي تصرف يخل بهذا الدور الذي كلفني به الشعب وجلالة الملك محمد السادس”.
واستمر السجال بين رئيس الحكومة المكلف وبقية الأحزاب الأخرى الداعمة لمشاركة الحزب اليساري، إلى أن تدخل الملك محمد السادس لإنهاء هذه الأزمة التي رأى البعض فيها تهديدًا لاستقرار المملكة وإساءة لصورتها في الخارج، وذلك بعدما أستقر في يقينه أن بنكيران لن يتزحزح عن موقفه.. فماذا فعل؟
5 أشهر من تعثر مفاوضات تشكيل الحكومة المغربية
العثماني بديلا لبنكيران
وفي السابع عشر من مارس الجاري، أستيقظ المغاربة على خبر تكليف الملك لسعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بتشكيل الحكومة، في مفاجأة أثارت الجدل داخل الحزب الحاكم، لكنها قوبلت بأريحية وترحيب من قبل الأحزاب الأخرى.
هذا الاختيار الذي فسره البعض بالانقلاب على بنكيران وتوجهاته أثار القلق لدى البعض حول العلاقة بين الملك والتيار الإسلامي، إلا أن جهود البعض في تفسير اختيار العثماني وهو ابن حزب العدالة والتنمية وأحد أبرز قادتها لخلافة بنكيرن هدأ من روع الكثيرين، إلا أنه ظل مصدر قلق للبعض.
استهل العثماني صاحب الشخصية التوافقية الهادئة كما يلقب بين الأوساط السياسية بالمغرب، تكليف الملك بالتأكيد على ضرورة مشاركة الجميع في الحوار، ملفتًا إلى أن سياسته في تشكيل الحكومة ستعتمد على ثقافة التعاون والتوافق مع باقي الأطراف السياسية والمجتمعية”، وأن الوطن لن يرتقي ويسمو إلا بالتعاون وبالشراكة، وبالفعل وبعدة 9 أيام فقط من توليه المنصب ينجح رئيس الحكومة المكلف في اختيار الائتلاف المقترح لتشكيل للحكومة المقبلة
الائتلاف المقترح لتشكيل الحكومة الجديدة يضم الاتحاد الاشتراكي، بجانب حزب العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الدستوري، الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية
رفض انضمام “الاشتراكي” ليس السبب الوحيد
سرعة استجابة الأحزاب لمشاورات العثماني مقارنة بما كانت عليه مع بنكيران طيلة 180 يومًا تشير إلى أحد أمرين: الأول: ضغوط ممارسة من الملك على تلك الأحزاب للاستجابة الفورية لمشاورات تشكيل الحكومة الجديدة مع رئيس الحكومة المكلف، الثاني: تعمد تلك الأحزاب عرقلة المشاورات مع بنكيران في محاولة لإسقاطه والسعي لتغييره وهو ما ترجم بشكل عملي من خلال سرعة التفاعل مع العثماني..وفي الحالتين رائحة المؤامرة تفرض نفسها بقوة.
شخصية بنيكران القوية التي نجح طيلة السنوات الماضية في ترسيخها على أرض الواقع من خلال العمل على تقوية حزبه الإسلامي وما تبعها من شعبية كبيرة، تزداد يومًا بعد يوم، لم تلق قبولا لدى المخزن “الدولة العميقة” بما فيها الملك والقوى السياسية الأخرى، ومن ثم التقت رغبة الأحزاب المعرقلة للتشكيل الحكومي مع ميول الملك نحو التخلص من بنكيران ليتم الإطاحة به تحت زعم دفع عملية التسوية السياسية للأمام والإسراع في تشكيل الحكومة، وهو ما كان بالفعل.
وفي غضون أسبوع أو يزيد قليلا ينجح رئيس الحكومة الجديد المكلف بالتوصل إلى تشكيل توافقي لقى استحسان جميع القوى والأحزاب السياسية الأخرى في مفاجأة أثارت العديد من التساؤلات ورفعت من منسوب ترجيح تعرض بنكيران لمؤامرة.. فما هي ملامح الائتلاف الذي نجح العثماني في التوصل إليه لتشكيل الحكومة المقبلة؟
سرعة استجابة الأحزاب لمشاورات العثماني مقارنة بما كانت عليه مع بنكيران طيلة 180 يومًا تشير إلى مؤامرة كانت تحاك ضد الأخير
6 أحزاب بينها الاتحاد الاشتراكي
في الوقت الذي انشغل فيه الشارع السياسي المغربي بكيفية عبور العثماني – الذي أكد التزامه بالثوابت الوطنية لحزب العدالة والتنمية- مأزق مشاركة الأحزاب اليسارية في الحكومة الجديدة، وهو السبب الرئيسي الذي عرقل تشكيل الحكومة طيلة الأشهر الخمسة الماضية، وبات التشكيل الجديد الرقم الأبرز في بورصة التخمينات والتوقعات السياسية.
وبالأمس فوجئ الجميع بإعلان رئيس الحكومة المكلف عن تشكيل ائتلاف يضم ستة أحزاب وذلك للمشاركة في الحكومة الجديدة، ليسدل الستار على 150 يومًا من التعثر والسجال، لكن يبدوا أن هناك مفاجأة ربما تكون صادمة للبعض.. ما هي؟
الائتلاف المقترح لتشكيل الحكومة الجديدة يضم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بجانب حزب العدالة والتنمية، وأحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، وقد برر العثماني هذا الاختيار بقوله إن: التسريع في تشكيل الحكومة أملته الإرادة الحازمة لتجاوز العقبات التي حالت دون تشكيلها خلال الشهور الماضية.
العثماني تعهد في تصريحات صحفية له بالعمل مع القادة السياسيين زعماء الأحزاب الست المختارة بشأن المشاورات المتعلقة بهيكلة الحكومة الجديدة وتوزيع الحقائب الوزارية على أعضائها قبيل العرض على محمد السادس لاعتمادها رسميًا.
وبالرغم من التركيبة المتباينة للائتلاف الذي وقع الاختيار عليه، إلا أن رئيس الحكومة المكلف أكد عزمه على أن تكون العناصر المختارة منسجمة فيما بينها، مستجيبة لتطلعات الشعب المغربي وآماله وطموحاته، فهل حققت هذه التركيبة آمال حزب العدالة والتنمية؟
انقسام حزبي
حالة من التوجس والريبة انتابت بعض عناصر حزب العدالة والتنمية عقب تكليف العثماني بتشكيل الحكومة، لكنها ارتقت إلى حد القلق عقب الإعلان عن ائتلاف التشكيل الجديد للحكومة المقبلة، والذي جاء مناقضًا تمامًا لنهج بنكيران، وهو ما يشي بوجود حالة من الانقسام داخل الحزب.
المحلل المغربي عبد الرحيم أسليمي في مقال له عكس هذا الانقسام الحزبي من خلال ثلاث صورة، الأولى: ظهر فيها العثماني أمام الإعلام محاطا بثلاث قيادات من الحزب، كل قيادة تمثل تيارا مختلفًا، تيار العثماني وتيار بنكيران وتيار التوحيد والإصلاح، ما يشير إلى حالة من الصراع والتنافس بين التيارات الثلاثة.
الثانية: مراقبة حركة التوحيد والإصلاح التابعة للعدالة والتنمية لمضمون التكليف الدستوري ومساراته المحتملة، أما الصورة الثالثة: تولي مصطفى الخلفي منصب الناطق الرسمي باسم “رئاسة الحكومة المكلفة”، فالأمر يتعلق بإحداث منصب بدون أساس قانوني والخطير أنه منصب حزبي يُفرض على رئيس حكومة مكلف دستوريا في محاولة لتطويقه، حسب رأي أسليمي.
صورة العثماني أمام الإعلام محاطا بثلاث قيادات من الحزب، عكست حالة الصراع والتنافس بين تيارات سياسية مختلفة
وفي المقابل هناك من يرى أن ما فعله العثماني كان مجبرًا عليه، ومن ثم فلا يمكنه التمسك بما تمسك به خلفه بنكيران، والتصميم على رفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي في التشكيل الحكومي المقبل، وإلا سيلاقي نفس المصير، وهو ما يهدد مستقبل الحزب سياسيًا.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى واقعية اختيارات العثماني، خاصة بعد أن استقر في يقين بعض قادة الحزب أن إصرار الحزب اليساري على المشاركة في الحكومة ليس من باب المناورة السياسية، بل هو ترجمة واضحة لأجندات بعض الدوائر والقوى التي تتحكم في الخارطة السياسية المغربية، ومن ثم فإن الصدام معها ربما يكلف الحزب خسائر لا يمكن تعويضها مستقبلا، وهو ما جاء على لسان أحد قيادات الحزب بأن السياسة لابد وأن يكون بها تنازلات.
لحسن الداودي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قال في تصريحات له إن حزبه يتبنى مبدأ تغيير الأحكام بتغيير الأمكنة والأزمنة، ملفتًا أنه بعد تغير الظروف، وبروز مستجدات بالمشهد السياسي، كان لابد أن يتأقلم الحزب مع هذه المستجدات.
يبدوا أن التبريرات التي ساقها الفريقان حول التشكيل الجديد للحكومة ليست هي كل شيء، فهناك العديد من الأمور التي لم يطلع عليها أحد، فالطريقة التي سُلب بها حق بنكيران في تشكيل الحكومة، ورد فعله حيالها، وتلميحاته السياسية الضمنية، تشير إلى أسرار ربما لم يحن الوقت للاضطلاع عليها.. فماذا قال ؟ وماذ لم يقل؟
محمد السادس يكلف العثماني بتشكيل الحكومة بدلا من بنكيران
ما لم يقله بنكيران
“دبرنا المرحلة في إطار منهجيتنا بصدق الخطاب والوضوح والصراحة، لكن هذا لا يعني أنني قلت لكم كل شيء، أو أنني سأقول لكم كل شيء، هناك ربما أشياء سآخذها معي إلى قبري ولا أستطيع أن أقولها إطلاقا”.. كانت هذه الكلمات ملخص ما قاله بنكيران خلال كلمته في مؤتمر اختيار وزراء حزب العدالة في الحكومة الجديدة، صباح أمس السبت بمقر الحزب بالرباط
بنكيران تابع: “ولكن قلت لكم ما كنت أتصور أنه يجب أن أقوله، واتخذنا قرارات بشكل جماعي، وأعيد شكركم لأنكم وقفتم معي وساندتموني إلى النهاية حسب تقدير كان خاصا بي”، وأختتم بقوله: لنا خصوم حاولوا أن يتغلبوا علينا لأنهم كانوا يضنون أن نتائج 2015 ستتراجع بنا، وحاولوا التدارك في 2016 ولم يتمكنوا، وفي النهاية النصر من عند الله، بعد ذلك جاء التعيين الملكي ودبرنا المرحلة في إطار منهجينا بصدق الخطاب والوضوح والصراحة”.
بنكيران: هناك ربما أشياء سآخذها معي إلى قبري ولا أستطيع أن أقولها إطلاقا
كلمات بنكيران تعكس العديد من المؤشرات لعل أبرزها ممارسة بعض الضغوط عليه إما بالتنحي عن تشكيل الحكومة أو بقبول مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي، كذلك تصديه للمحاولات التي تستهدف حزبه عبر بعض الخصوم الساعين إلى تقويض الحزب من شخصيته الإسلامية.
إلا أنه وفي الوقت نفسه حرص على عدم الإفشاء عن هذه الأسرار حفاظًا على تماسك حزبه أولا، ثم على استقرار المجتمع المغربي بصورة عامة، وهو ما دفعه لاختيار الرحيل عن الحياة السياسية، عبر بعض التلميحات كما جاء على لسانه: “أنا لن أكمل معكم اللقاء وسأذهب ولا يجب أن تلتفتوا لذهابي، أنا لازلت معكم ومساندا للعثماني وسأبقى أمينا عاما حتى المؤتمر وسأقوم بعملي”، معتبرا ذلك بأنه “تحضير لفراق لابد منه” وفق تعبيره.
التباين في المواقف حيال الحكومة المشكلة لاشك وأنه سيلقي بظلاله على الشارع السياسي المغربي، خاصة فيما يتعلق بنظرته للحزب ذو الميول الإسلامية والفائز في الانتخابات الأخيرة.. فهل تتأثر شعبية العدالة والتنمية بهذا التشكيل الحكومي الجديد؟
مصطفى يحياوي: العثماني لن يستطيع أن يكسب أي شعبية كما فعل بنكيران، وربما يتسبب في إضعاف شعبية العدالة والتنمية خلال الولاية المقبلة
تراجع شعبية العدالة والتنمية
” بنكيران خُذل والعثماني سيتسبب في إضعاف شعبية البيجيدي” بهذه العبارة علق المحلل السياسي المغربي مصطفى يحياوي على الائتلاف المشكل للحكومة الجديدة، مشيرًا أن بنكيران طيلة رئاسته للحكومة كان يعمل من أجل تقوية حزبه وزيادة شعبيته وهو ما نجح فيه بالفعل.
يحياوي في تصريحات له أكد أن العثماني لن يستطيع أن يكسب أي شعبية كما فعل بنكيران خلال توليه رئاسة الحكومة السنوات الماضية، ملفتًا أنه ربما يتسبب في إضعاف شعبية العدالة والتنمية خلال الولاية المقبلة، وأن الحزب لن يكون بعد 2021 بنفس الزخم الشعبي الذي كان عليه في 2015 و2016، وذلك بسبب عدة مواقف ستساهم بلا شك في تراجع شعبيته منها، ضبابية موقفه من الاعتقالات التي طالت شبابه على خلفية مقتل السفير الروسي، كذلك تخييبه ظن مناضليه بسبب عدم محافظته على الحد الأدنى من ماء وجه بنكيران، وذلك عبر قبوله دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة.
حالة من الزخم شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن الائتلاف الحكومي المرتقب، حيث دشًن نشطاء هاشتاج تحت عنوان #صلح_الحديبية استنكروا من خلاله التبريرات التي ساقها رئيس الحكومة المكلف، سعدالدين العثماني، وأنصاره المؤيدين له، لضم الاتحاد الاشتراكي في الحكومة الجديدة.
فتحت عنوان” خطة الحكومة وأهدافها” غرد أحد النشطاء مستنكرًا هذا الكم الهائل من الأحزاب المشكلة للحكومة
خطة الحكومة و أهدافها ???#صلح_الحديبية pic.twitter.com/8fh97uZQjv
— ♓️ Aksel – ⴰⴽⵙⴻⵍ ♓ (@Aksel86) March 26, 2017
بينما عبر البعض عن دعمه وتأييده لبنكيران
وآخر استنكر التباين في التوجهات السياسية للأحزاب المختارة لتشكيل الحكومة
حكومة يمينية يسارية وسطية إسلامية شيوعية إشتراكية ليبرالية شعبية طبيبة نفسية موحدة من طنجة لگويرة ???#صلح_الحديبية pic.twitter.com/tZJYVB5tGX
— The Alchemist (@maghra_bi) March 26, 2017