ترجمة حفصة جودة
يبدو أن طموح مصر بأن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز ومصدرًا للغاز الطبيعي المسال في خطر بعد أن توقفت الشحنات إلى أوروبا في شهر يونيو/حزيران، وما زاد الوضع سوءًا انقطاع التيار بشكل متكرر خلال فصل الصيف داخل البلاد بسبب نقص الغاز اللازم لإمداد محطات الطاقة.
يأتي ذلك كله في الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة ديون شديدة، ما يعني أنها الآن في أمس الحاجة للعملة الأجنبية التي كانت ستجنيها من تصدير الغاز الطبيعي المسال، هذا الموقف يطرح تساؤلًا: هل توقف الصادرات مجرد عقبة أمام طموحات مصر، أم أن هناك مشكلات أكثر هيكلية؟
تزايد الطلب المحلي
تمتلك مصر محطتي تسييل الغاز الوحيدتين في شرق المتوسط، ما يعني أن دول مثل قبرص و”إسرائيل” – اللتين تمتلكان حقولًا كبيرة لكنهما لا تحتاجان كل هذا الغاز للاستهلاك المحلي – ستحتاج إلى تلك المحطتين لتحويل الغاز إلى غاز مسال لشحنه إلى أوروبا.
اكتُشف أكبر حقل غاز طبيعي في مصر “حقل ظهر” في البحر المتوسط عام 2015 وبدأ إنتاجه عام 2017، هذا الحقل عزز من طموحات مصر حيث كانت تنتج ما يكفيها من الطلب المحلي وكذلك للتصدير.
يُنتج حقل ظهر نحو 40% من إجمالي إنتاج مصر للغاز الطبيعي، الذي يُقدر بـ850 مليار متر مكعب من الغاز تقريبًا، بما يعادل نحو 14 عامًا من استهلاك مصر المحلي وفقًا لأرقام عام 2022.
نتيجة حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة في أوروبا، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بشكل كبير، ما شكل فرصة كبيرة لمصر، فقد بلغت صادرات الغاز الطبيعي ذروتها لتصل إلى 8.9 مليار متر مكعب في 2022 لتخلق عائدات وصلت إلى 8.4 مليار دولار، مقارنة بـ3.5 مليار دولار للعام الذي يسبقه.
من الطبيعي أن يزداد الطلب على الكهرباء في مصر كل عام نتيجة النمو السكاني وربط المزيد من المنازل بشبكة الكهرباء
ومع ذلك، ففي شهر فبراير/شباط أعلن وزير الطاقة في مصر، طارق الملا، أن مصر تتوقع انخفاض عائدات تصدير الغاز بنسبة 50% نتيجة الانخفاض العالمي في أسعار الغاز، وفي شهر أبريل/نيسان ارتفع العجز التجاري لمصر بنسبة 24% بسبب تراجع قيمة صادرات الغاز.
في شهر يونيو/حزيران، لم تصدر مصر أي غاز طبيعي مسال على الإطلاق، فالغاز المتاح فشل في تلبية الاحتياجات المحلية للكهرباء في فصل الصيف، حتى إنه تسبب في جدولة انقطاع التيار في كل محافظات مصر خلال أشهر الصيف.
قال الملا إن شحنات الغاز الطبيعي المسال ستُستأنف في شهر أكتوبر/تشرين الأول عندما ينخفض الطلب على الكهرباء مع بداية فصل الخريف.
وفيما يتعلق بالطلب المحلي، قال كريم الجندي – باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط – إن زيادة الطلب نتيجة الصناعات المستهلكة للطاقة بشكل كبير التي قررت الحكومة دعمها في وقت سابق.
بينما قال أحد محللي السوق – الذي فضل إخفاء اسمه – إن مصر توقفت عن استيراد الديزل وزيت الوقود، لذا فهي تحتاج إلى مزيد من الغاز لإمداد محطاتها، وصف المحلل هذا القرر بأنه “تقدير خاطئ” لأن الحكومة تراجعت عن القرار في يوليو/تموز وبدأت استيراد المزيد من الديزل وزيت الوقود مرة أخرى.
أشارت الحكومة بنفسها إلى ارتفاع الطلب على الكهرباء بشكل أكبر من المتوقع هذا الصيف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة عن المعتاد، ما تسبب في زيادة الطلب على الغاز، وبغض النظر عن ذلك فمن الطبيعي أن يزداد الطلب على الكهرباء في مصر كل عام نتيجة النمو السكاني وربط المزيد من المنازل بشبكة الكهرباء.
الاعتماد على الواردات
من ناحية الإمدادات فالصورة أكثر وضوحًا: انخفض إنتاج الغاز المحلي في مصر جزئيًا بسبب انخفاض إنتاج حقل ظهر، فقد انخفض إجمالي إنتاج الغاز لأقل معدل له منذ 3 سنوات في الربع الثاني لعام 2023 وفقًا لتحليل منصة “MEES” للغاز والنفط.
إن إنتاج الغاز يواجه بالفعل تراجعًا، لذا تحتاج شركات النفط إلى العمل باستمرار في حقولها وإضافة اكتشافات جديدة
أشارت بعض التقارير إلى وجود مشكلات تقنية مثل تسرب المياه إلى احتياطي الغاز تحت البحر، ما تسبب في ذلك الانخفاض، لكن الحكومة أنكرت وجود أي مشكلات.
تشير المصادر الصناعية إلى أن نضوب الآبار الطبيعية في حقل ظهر وقلة الاستثمارات للحفاظ على الإنتاج وقلة الاكتشافات الجديدة من أسباب تراجع إنتاج الغاز.
يقول بيتر ستيفنسون المحلل في منصة “MEES”: “إنتاج الغاز يواجه بالفعل تراجعًا، لذا تحتاج شركات النفط إلى العمل باستمرار في حقولها وإضافة اكتشافات جديدة”.
في أغسطس/آب، وفقًا لبيان من الرئاسة المصرية، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمديرين التنفيذيين لشركتي النفط والغاز العالميتين “BP” و”Eni” اللتين أعلنتا خططًا استثماريةً في مصر تُقدر بمليار دولار، هذه الاستثمارات ستمتد لعدة سنوات ومن المتوقع أن تعزز إنتاج الغاز أو تحافظ على الأقل على الإنتاج المحلي.
هوامش ضئيلة للغاية
تراجع إنتاج حقل ظهر ليس أمرًا جديدًا، فإنتاجه يتراجع بالفعل منذ عامين، لكن وفقًا لستيفنسون فإن مصر كانت قادرة على مواصلة تصدير الغاز الطبيعي المسال بسبب واردات الغاز الإسرائيلية، لكن في صيف 2022 كان الفائض ضئيلًا للغاية.
“كانت الإشارات واضحة منذ العام الماضي، لكن السلطات لم تتوقع المزيد من التراجع في إنتاج حقل ظهر هذا العام”.
إن مشاركة مصر في مخطط الغاز سيساعد في أزمة الاستهلاك المحلي في الصيف ويوفر الاستقرار ويقلل التوترات في المنطقة ويسمح بتصدير الغاز إلى أوروبا
ترتبط شبكة الغاز الإسرائيلية بخط أنابيب لمصر، ما يجعله مناسبًا للنقل، ففي 2022 صدرّت “إسرائيل” 5.81 مليار متر مكعب من الغاز لمصر وهو معدل مرتفع، كما وقعت مصر و”إسرائيل” والاتحاد الأوروبي اتفاقية تاريخية في يونيو/حزيران العام الماضي لتعزيز صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي وفي أغسطس/آب وافقت “إسرائيل” على زيادة صادرات الغاز لمصر.
مع ذلك، فالتعامل مع هذه الزيادة من تدفق الغاز الإسرائيلي يتطلب تطوير البنية التحتية، التي من التوقع أن تنتهي عام 2025 أو 2026.
أما الجارة الأخرى الغنية بالنفط فهي قبرص، بالنسبة لمصر فإعادة تصدير الغاز القبرصي يتطلب بناء خط أنابيب من حقول الغاز في قبرص إلى مصر.
يخطط اتحاد شركات النفط الدولية للاستثمار في ذلك الخط، لكن قبرص تفضل امتلاك محطة نهائية عائمة للغاز الطبيعي المسال، ما يعني أنها قد تتجاوز مصر.
تفضل الحكومة الأمريكية وجود خط أنابيب في مصر على المحطة العائمة، فقد قال مصدر أمريكي لوكالة رويترز في سبتمبر/أيلول إن مشاركة مصر في مخطط الغاز سيساعد في أزمة الاستهلاك المحلي في الصيف ويوفر الاستقرار ويقلل التوترات في المنطقة ويسمح بتصدير الغاز إلى أوروبا.
على كل حال، فهذا الخط سيستغرق عدة سنوات لإنهائه، لكن وفقًا للجندي فهذا لا يعني أن تتخلى مصر عن طموحاتها في أن تصبح مركزًا للغاز الطبيعي.
ويضيف “مركز الغاز الطبيعي يتعلق بمنطقة شرق المتوسط وليس الغاز المصري فقط، لذا فاستمرار تدفق الغاز القبرصي والإسرائيلي إلى محطات الغاز الطبيعي المسال في مصر يعني أن طموحات مصر ما زالت قابلة للتحقق”.
لكن ستيفنسون أشار إلى أن أي زيادة في الغاز القبرصي أو الإسرائيلي لن تبدأ قبل عدة سنوات، ويتوقع ستيفنسون أن تصبح مصر قادرة على تصدير بعض الغاز الطبيعي المسال في أشهر الشتاء، ثم تواجه بعض النقص في فترة الصيف أيضًا، الذي قد يتسبب في انقطاع التيار حتى تتمكن من اكتشاف المزيد من الحقول أو استيراد المزيد من الغاز الإقليمي.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية