تتخوّف العديد من الجهات في السعودية من خطورة تملك غير السعوديين للعقار واستثماره في داخل حدود الحرمين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، إذ ترى تلك الجهات ومن بينها أعضاء من مجلس الشورى السعودي، أن تملك غير السعوديين في المنطقتين له جوانب سياسية سلبية على البلاد يجب التنبه لها وعدم الوقوع في أخطاء دول أخرى فتحت الباب لمستثمرين أجانب للتملك في مدن لها صفة دينية، في إشارة إلى ما حصل في فلسطين وشراء اليهود لأراضي في حرم القدس الشريف. فبعض الدول لها أجندة سياسية تقوم بتنفيذها من خلال أفراد على أساس أن لهم مصالح تجارية فيما يصبح بمقدورهم بعد فترة التحكم بقرارات التنمية، فيما يكمن الحل بنظرهم بسد الباب على تلك الدول وأولئك الأفراد، فهو صيانة وحماية للقرار السعودي السيادي في هذه الأماكن.
الاستثمار في مكة والمدينة
التوجهات الأخيرة التي انتهجتها السعودية ضمن خطة التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030 بجذب الاستثمارات الأجنبية وخصخصة العديد من الشركات في قطاعات مختلفة داخل البلاد، وطرح جزء من أهم وأكبر شركة نفطية (أرامكو) للاكتتاب العام، للتخلص من عصر النفط وإدمان ميزانية البلاد عليه، بعد المشاكل المالية والاقتصادية التي عانت منها السعودية جراء هبوط أسعار النفط بعد منتصف العام 2014.
عادة يطرق المستثمر الأجنبي (عربي أم أجنبي) كل أبواب القطاعات وكل الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودي العاملة في جميع المناطق ويُفتح له الباب، إلا بابًا واحدًا توصده أمامه القوانين والتشريعات التي تحرمه من الدخول إلى أهم معلم استثماري في البلاد وفي العالم العربي والأجنبي، وهي الاستثمار في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة. حيث حرصت الأنظمة ألا يدخل المستثمر الأجنبي للاستثمار في 3 شركات مدرجة في سوق الأسهم السعودي تمثل نحو 3.3% من إجمالي القيمة السوقية لسوق الأسهم السعودي إجمالًا. والشركات هي جبل عمر للتطوير، وشركة مكة للإنشاء والتعمير اللتان تعملات في مكة، وشركة طيبة القابضة في المدينة، والمتخصصة في مجال التطوير العقاري.
شددت لائحة الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم السعودي على منع الأجانب من أي عمليات شراء أو استحواذ على حصص في الشركات التي تعمل في الأماكن المقدسة، مكة والمدينة
إذ شددت لائحة الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم السعودي على منع الأجانب من أي عمليات شراء أو استحواذ على حصص في الشركات التي تعمل في الأماكن المقدسة، مكة والمدينة، حيث تبلغ القيمة السوقية للشركات الثلاث نحو 71 مليار ريال سعودي – حسب دراسة منشورة في عام 2015.
نظام الاستثمار الأجنبي المعمول به، يمنع دخول الأجانب هذا القطاع في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما أن الأنظمة الأساسية لتلك الشركات تمنع تملّك غير المسلمين بها، ويعني هذا حرمان الأجانب من الاستثمار في الشركات “جبل عمر” و”مكة” و”طيبة”، كونها تعمل في الأماكن المقدسة. وفيما يخص الاستئجار للمسلم غير السعودي، فقد نصت المادة (5) من نظام تملك غير السعوديين للعقار، أنه “يجوز لغير السعودي من المسلمين استئجار العقار داخل حدود مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ لمدة لا تزيد على سنتين قابلة للتجديد لمدة أو مدد مماثلة”.
ومن القواعد التي اقترحتها هيئة سوق المال السعودية في 2014 في لائحة الاستثمار الأجنبي المباشر في سوق الأسهم السعودية، ألا تزيد ملكية مستثمر أجنبي منفردًا عن 5% من أسهم أي شركة مُدرجة في السوق، وألا تزيد ملكية المؤسسات الأجنبية مجتمعة عن 20% من أسهم أي شركة في السوق، وكذلك ألا يزيد ملكية الأجانب مجتمعين (مباشر وغير مباشر – مقيمين وغير مقيمين) عن 49% في أي شركة مدرجة في البورصة السعودية، وقيّدت اللائحة الاستثمار الأجنبي بالقيود النظامية الأخرى الخاصة بتملك الأجانب في الشركات المساهمة، والقيود المنصوص عليها في الأنظمة الأساسية للشركات المدرجة، أو أي تعليمات تصدرها الجهات الإشرافية والرقابية وتخضع لها الشركات.
يجب ألا تزيد ملكية أي مستثمر أجنبي منفردًا عن 5% من أسهم أي شركة مُدرجة في السوق
كما أن تعميم هيئة سوق المال شمل جميع الأشخاص المرخص لهم بعدم قبول اشتراك الأجانب في أي صندوق عقاري يستثمر جزء أو كامل أصوله في عقار داخل حدود مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة. وتنص المادة 5 من نظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره على أنه “لا يجوز لغير السعودي بأي طريق غير الميراث اكتساب حق الملكية أو حق الارتفاق أو الانتفاع على عقار واقع داخل حدود مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويستثنى من ذلك اكتساب حق الملكية إذا اقترن بها وقف العقار المملوك طبقاً للقواعد الشرعية على جهة معينة سعودية وبشرط أن ينص في الوقف على أن يكون للمجلس الأعلى للأوقاف حق النظارة على الموقوف”.
سوق الأسهم السعودي
ولكن ما يحصل أنه يتم التحايل على تلك القواعد والأنظمة ويدخل أجانب للاستثمار في سوق العقار في مكة والمدينة عبر غطاء “التستر التجاري”، إذ يعمد بعض الأجانب لاستغلال العوائد العالية والمضمونة في الاستثمارات العقارية داخل حدود مكة والمدينة، فيخالفون أنظمة وقوانين تملك الأجانب للعقارات بالتحايل عليها، والدخول تحت غطاء وكلاء سعوديين للتستر على الشخصية الحقيقية الأجنبية صاحبة الاستثمار.
شددت هيئة سوق المال على عدم قبول اشتراك الأجانب في أي صندوق عقاري يستثمر جزءًا أو كامل أصوله في عقار داخل حدود مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة
وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الفساد الموجود في الهيئات الناظمة لعمل التجارة والاستثمار والتي تعجز عن ضبط هكذا تجاوزات، ومن جهة أخرى غياب الوعي عند بعض السعوديين حول خطورة تملك الأجانب لعقارات في الاماكن المقدسة، علمًا أنه لا يوجد هناك توجه رسمي من قبل الدولة لتغيير الأنظمة الاستثمارية المعمول بها في مكة والمدينة، بل تتجه نحو تصعيد القوانين للكشف عن أولئك المتسترين ومعاقبتهم.
حيث أقرت منظومة التجارة والاستثمار الأسبوع الماضي 6 إجراءات لمكافحة تلك التجاوزات ضمن مبادرة البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري التي تندرج ضمن برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية البلاد 2030 وهو ما يدلل على أن تلك التجاوزات تعد فردية وليست منظمة.
جاذبية الاستثمار في الأماكن المقدسة
لا يختلف اثنان أن الاستثمار في مكة والمدينة يعد من الاستثمارات الرابحة والقليلة المخاطر إن لم تكن معدومة، وهو ما يعطيها ميزة عن باقي الاستثمارات في السعودية خصوصًا، وفي بلدان أخرى عمومًا. وبالأخص في الاستثمارات العقارية. إذ تستقبل المدينتين في موسم الحج ما يقرب من 3 مليون شخص، وحسب دراسات سعودية منشورة سابقًا، فإن الإنفاق العام لجميع الحجاج يتجاوز 3.24 مليار دولار وأن الإنفاق المالي للحجاج يقدر بنحو 700 مليون ريال أو ما يعادل 189.2 مليون دولار يوميًا في أسواق مكة خلال فترة 18 يومًا هي إجمالي المدة التي يقضيها الحجاج في الأماكن المقدسة.
سيصل عدد المعتمرين والحجاج سنويًا ابتداءًا من العام 2041 إلى سبعين مليون حاج ومعتمر سنويًا
ويعد قطاع الإسكان في مقدمة القطاعات الاقتصادية المستفيدة في موسم الحج بمعدل نحو 40% ومن ثم قطاعات الهدايات والتذكارات بنسبة 14% والمواد الغذائية بنسبة 10%.
يذهب العديد من الخبراء لاعتبار السياحة الدينية بديلًا عن إيرادات النفط، وخصوصًا في ظل التزايد المستمر في أعداد المسلمين حول العالم والذي من المتوقع أن يصل في عام 2030 إلى أكثر من ملياري مسلم، ويُتوقع أن يصل عدد المعتمرين والحجاج سنويًا ابتداءًا من العام 2041 إلى 70 مليون حاج ومعتمر سنويًا، إذا سمحت الحكومة السعودية بمنح التأشيرة لكل من يرغب بالحج والعمرة.
منظر من الأعلى للمسجد النبوي في المدينة المنورة
أما من الناحية الاستثمارية المحضة، والتي يسعى المستثمر فيها للاستثمار في إحدى الشركات الثلاث العاملة في مكة والمدينة، فنشاط تلك الشركات ينمو باستمرار، ويحقق أرباح مجزية فالمشاريع التطويرية هناك لا تتوقف، فاستثمارات شركة “جبل عمر” تكمن في مجال امتلاك منطقة جبل عمر، المجاورة للحرم، من الناحية الغربية، وتطويرها إلى قطع واستثمارها وتأجيرها لصالح الشركة، والقيام بجميع الأعمال اللازمة للإنشاء والصيانة وإدارة وتأثيث الفنادق والمرافق التجارية وسكن الموظفين واستيراد وتصدير معدات وأثاث الفنادق وتشغيل معاهد التدريب المتخصصة بالفنادق.
الإنفاق العام لجميع الحجاج يتجاوز 3.24 مليار دولار
أما شركة “مكة للإنشاء والتعمير”، فتعمل على تعمير الأماكن المجاورة للمسجد الحرام، وامتلاك العقارات المجاورة للمسجد الحرام، وتطويرها وإدارتها واستثمارها وشراؤها وتأجيرها، والقيام بكافة الأعمال الهندسية اللازمة للإنشاء والتعمير والصيانة وأعمال الهدم والمسح الخاصة بها. وتُعد شركة “مكة” المساهم الأكبر في رأسمال شركة “جبل عمر” للتطوير بنسبة 10.1%، وهي شركة مساهمة سعودية تأسست في العالم 1989 حسب نظام الشركات، برأسمال يبلغ مليار و355 مليون ريال، ثم تمت زيادته إلى مليار و648 مليون ريال.
وهناك شركة “طيبة القابضة” العاملة في المدينة المنورة في مجال تملك العقارات، والمقاولات المعمارية والكهربائية، والصيانة والتشغيل، والنشاطات الزراعية والصناعية والتعدينية، وتأسست الشركة كشركة مساهمة سعودية للمشاركة في تطوير وتنمية المنطقة المركزية بالمدينة المنورة، والمساهمة بفعالية في النهوض بالمنطقة، ويبلغ رأسمالها 1.5 مليار ريال.