أثار موقف ترحيل السلطات السويدية نحو 30 لاجئًا عراقيًّا قسريًّا، صبيحة 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، مخاوف كثير من اللاجئين العراقيين والعرب من ملاقاة المصير نفسه في المستقبل القريب.
ذكر المركز السويدي للمعلومات (SCI) أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2012 التي يتم فيها ترحيل عراقيين بشكل جماعي قسري بطائرة مستأجرة، بعد أن كان العراق يرفض في السابق استقبال الأشخاص المرحلين قسريًّا.
يأتي هذا التطور في وقت دخلت فيه علاقات البلدَين بنوع من التوتر، على خلفية سماح السويد بتكرار حرق القرآن الكريم والعلم العراقي، وفي المقابل اقتحم محتجون السفارة السويدية في بغداد وأضرموا فيها النيران.
أسباب الترحيل
يقول المدير التنفيذي لشركة جنجون العقارية في السويد، عادل جنجون، إن الموقف السويدي من اللاجئين تغيّر في السنوات الأخيرة، خاصة بعد القضاء على “داعش” في العراق وتحسُّن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مناطق العراق، إذ توقفت السويد وباقي دول الاتحاد الأوروبي عن منح الإقامات للعراقيين، وبدأوا برفض طلبات اللجوء لكثير من الحالات.
,يضيف جنجون في حديثه لـ”نون بوست”، أن العراق كان يرفض استلام اللاجئين والمرحّلين قسريًّا، ويفضّلون استلام طلبات العودة الطوعية فقط، حيث جمّدت ستوكهولم طلبات الترحيل لفترة معيّنة.
ويشير إلى أن سياسة السويد تجاه اللاجئين تغيّرت بصورة عامة مع تصاعد وتيرة العنصرية، لزيادة عدد الأجانب واللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان واليمن وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وازدادت أعداد المسلمين وانتشرت عاداتهم وتقاليدهم، ما غيّر المزاج العام وتغيرت السويد بسرعة فائقة بعد أن كانت البلد الأقل عنصرية في أوروبا.
ينوّه جنجون أيضًا أن المنعطف الاجتماعي والثقافي والسياسي أصبح دقيق جدًّا، مع تراجع شعبية الأحزاب اليسارية المؤيدة للهجرة في السويد، وفي المقابل صعدت الأحزاب اليمينية المعادية للهجرة وأغلقت الأبواب أمام المهاجرين.
يؤكد كذلك على أن ما حدث مؤخرًا من سماح السويد بحرق القرآن، وما رافقه من ردة فعل من الجالية العربية والمسلمة بصورة عامة في السويد وفي الخارج، مرتبط بفوز الأحزاب اليمينية وتشكيلهم الحكومة بأغلبية بالتزامن مع ترؤُّس السويد للاتحاد الأوروبي، موضحًا أن السويد أقدمت على فتح المفاوضات مرة أخرى مع العراق وباقي الدول، لتفعيل الاتفاقيات القديمة ومنها ملف إعادة اللاجئين المرفوضة طلباتهم.
تأثيرات ترحيل اللاجئين
من جانبه، يؤكد أسامة المسعود من شركة نورا للاستشارات القانونية في السويد، أنه سيتم ترحيل عشرات العراقيين المحتجزين الآن في السويد، بسبب رفض طلبات لجوئهم 3 مرات.
ويلفت المسعود في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن هؤلاء الأشخاص لم يرتكبوا مخالفات أو جرائم، إنما تم رفض طلباتهم للجوء 3 مرات متتالية، وهذا التطور يعتبر أمرًا خطيرًا، لا سيما أن الحكومة العراقية تعارض الترحيل الإجباري.
يكشف المستشار القانوني أيضًا عن وجود شائعات حول “محادثات ومساومات سرية جارية بين الحكومات المعنية، للموافقة على ترحيل اللاجئين مقابل حصول أصحاب الامتيازات في تلك الحكومات على الشنغن”، لكن لا توجد معلومات مؤكدة حاليًّا حول ذلك.
ويحذّر المسعود من أن نجاح عمليات الترحيل هذه وتحولها إلى واقع، قد يدفع بعض الدول الأوروبية الأخرى إلى اتخاذ الإجراءات نفسها، وهذا يجعل الأمر ذا أهمية كبيرة ويستدعي الانتباه والتحرك من قبل المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي، لضمان احترام حقوق اللاجئين ومناقشة الأوضاع مع الحكومات المعنية.
ويرجّح أن يسهم استمرار ترحيل اللاجئين في تفاقم البطالة في العراق، كما قد يتجه بعض اللاجئين ممّن خسر ماله وبيته وعائلته خلال الهجرة، إلى الانخراط في أعمال غير مشروعة لتأمين قوت يومه.
ويضيف المسعود أن “اللاجئ المرحّل قسرًا سيكون بحالة حقد على حكومته التي هندست اتفاق ترحيله مع الدول الحاضنة للاجئين، وبذلك سيشعر اللاجئ المرحّل بعدم الانتماء إلى وطنه، ويرى أنه بات عالة على الوطن، لأنه لا يملك المقدرة على العيش الكريم، وقد تصل به الحال إلى التفكير بالانتحار”.
ويلفت إلى أن كثيرًا من اللاجئين المرحّلين بشكل قسري يواجهون مخاطر حقيقية في العراق، ويتخوفون من تردي الأوضاع المعيشية وانتشار الحرب والتصفيات الطائفية بين الميليشيات المسلحة، وقد يكونون عرضة للاعتقال من السلطات الأمنية.
وينفي المسعود تقديم الحكومة السويدية أي ضمانات لهؤلاء المرحّلين، لأن القانون السويدي لا يسمح بإعطاء تعويضات مالية إلا للحاصلين على إقامات لجوء ويطلبون الترحيل الطوعي إلى بلادهم.
مصير مجهول
يعزو مراقبون تغير موقف العراق الذي كان يرفض في السابق استقبال الأشخاص المرحلين قسريًّا، إلى وجود محادثات بين البلدَين تجري بهذا الشأن منذ بعض الوقت.
ويقول الناشط المدني جودت الربيعي، إنه “من الواضح أن اتفاقًا ما قد حدث يسمح للسويد بترحيل اللاجئين العراقيين المرفوضين إلى مطار بغداد، مع استقبال السلطات العراقية لهم”.
وينوه الربيعي في حديثه مع “نون بوست”، إلى أن عديدًا من اللاجئين والمحامين يتساءلون عن طبيعة هذا الاتفاق بين السلطات السويدية والعراقية، وعن التنازلات التي اضطرت السويد تقديمها مقابل موافقة العراق على استقبال مواطنيه المرحلين، ويبيّن أن اللاجئين العراقيين هم المجموعة الأكبر بين الأشخاص المطروحة ملفاتهم لتنفيذ الترحيل بحقهم من السويد.
ويعرب عن أسفه لموقف الحكومة العراقية، مؤكدًا أنهم “باعوا أبناء بلدهم كما باعوا مقدرات العراق وشعبه، حيث قام ممثلون عن السفارة العراقية في ستوكهولم بمساومة وتهديد المرحلين بالعودة الطوعية أو الترحيل القسري، بعد تهديدهم بإصدار جوازات لهم أو ما يعرَف بوثيقه السفر، وبالفعل بعد أن رفضوا العودة طواعية أصدروا لهم جوازات مرور، وبسبب ذلك نجحت السلطات السويدية في ترحيلهم”.
ويكشف الناشط العراقي عن “وجود الكثير من اللاجئين من رجال ونساء وعائلات وأطفال وكبار السن محتجزون بحجز ماشتا في ستوكهولم، بانتظار دورهم في الترحيل، حيث إن بعضهم سوف يواجهون مخاطر حقيقية على حياتهم في حال العودة الى العراق، لكن دائرة الهجرة في السويد لا تنظر إلى هذا الجانب الإنساني لهم”.
ويشير الربيعي إلى أن المدعو سلوان موميكا الذي قام بحرق المصحف وعلم العراق، ينتمي إلى حزب “ديمقراطيو السويد (SD)” العنصري ضد اللاجئين، وبعد أن أصبح في الحكومة ازدادت حملته ضد اللاجئين، مضيفًا أن الحكومة في ستوكهولم رفضت ترحيل موميكا إلى العراق، ولهذا قام وزير الخارجية العراقي فؤاد حسن بمعاتبة السويد على ذلك.
وعن مصير الدفعة الأولى من اللاجئين المرحّلين، يؤكد الربيعي أنه بعد نزولهم في مطار بغداد، “تم التحقيق مع 4 من المرحلين، ثم تم استدعاء 2 آخرين ليصبح العدد 6، ولا يعرَف مصيرهم رغم المناشدات والمطالبة بمعرفة أوضاعهم وما يواجهونه من تعذيب أو اضطهاد هناك”.
انتهاك حقوق الإنسان
بدوره، يقول المحامي المقيم في السويد مصعب عبد المجيد، إن “جميع الأشخاص الذين تم ترحيلهم كانوا مجبرين على ذلك، عن طريق تقييدهم من قبل الشرطة السويدية وإرغامهم على ركوب الطائرة والعودة إلى بغداد”.
ويبيّن عبد المجيد في حديثه لـ”نون بوست”، أن المرحّلين أقاموا في السويد مدة لا تقل عن 8 سنوات، وبعضهم كانوا متواجدين في السويد منذ أكثر من 15 سنة، واندمجوا مع المجتمع والحياة فيها.
ويلفت المحامي إلى أن السويد انتهكت حقوق الإنسان بالتعامل مع هؤلاء المرحّلين، كما خالفت عديدًا من الاتفاقيات الدولية التي قامت بتوقيعها سابقًا حول حقوق اللاجئين، فموضوع الترحيل بدأ بالعراقيين لكنه سيشمل كثيرًا من الجنسيات الأخرى لاحقًا.
وينتقد عبد المجيد “المزاجية التي تتعامل فيها دائرة الهجرة السويدية مع اللاجئين، وعدم التزامها بالقوانين التي تشدد على أهمية مراعاة مصلحة الأطفال المندمجين في المجتمع السويدي”.