ما زالت الإدارة الأمريكية وتحت ذرائع واهية، تقتل العشرات بل المئات من المدنيين خلال حربها على “الإرهاب” في العراق وسوريا واليمن، فبدعوى استهداف قيادي في “القاعدة” أو “داعش”، تُقصف أحياء كاملة وتسوّى بالأرض، لا تغادر بعدها بشرًا ولا حجرًا، حاصدة أرواح مئات المدنيين العزّل من أطفال ونساء وشيوخ لا دعوى ولا ذنب لهم.
آخر هذه الهجمات “العشوائية” أو “الخاطئة” -كما يحلو لوزارة الدفاع الأمريكية تسميتها- كان في الموصل، حيث وقعت مجزرة الخميس في أحد أحياء الموصل الجديدة، وقتلت نحو 500 مدني أعزل، جراء غارات نفذتها طائرات التحالف الدولي. حيث برر الجيش الأميركي أن الموقع الذي تم قصفه في الموصل تم بناءً على طلب عراقي، مؤكدًا في الوقت نفسه -وبكل تبجّح- مسؤوليته عن القصف.
#قناة_الرافدين | رئيسة مجلس قضاء الموصل بسمة بسيم تؤكد مقتل أكثر من 500 مدني في القصف الجوي والمدفعي على حي موصل الجديدة غربي مدينة الموصل pic.twitter.com/3RjhR3pwRA
— قناة الرافدين (@rafidenchannel) March 24, 2017
التحالف الدولي كان قد أعلن أمس السبت أنه فتح تحقيقاً فيما أسماها “تقارير تحدثت عن مجازر جماعية بحق المدنيين في الموصل جراء غارات نفذتها طائراته”. في الوقت الذي دعا رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري القادة الأمنيين لتقديم تقارير عاجلة حول مجزرة الموصل الجديدة، قبل جلسة البرلمان الطارئة، التي ستقام يوم الثلاثاء المقبل.
كالعادة، أعربت الأمم المتحدة عن “قلقها البالغ” إزاء “تقارير تحدثت عن وقوع خسائر بشرية كبيرة في الموصل
المرصد العراقي لحقوق الإنسان، قال من جانبه إن فرق الدفاع المدني والأهالي انتشلوا نحو 500 جثة لمدنيين قتلوا خلال الأيام الماضية بقصف طيران التحالف الدولي. حيث أكد المرصد أن القصف المفرط الذي يعتبره التحالف الدولي حلاً للقضاء على تنظيم “داعش”، كان السبب وراء مقتل المئات من المدنيين العُزل في الموصل.
انتشال جثث المدنيين في الموصل
وفي الأثناء، طالب مجلس قضاء الموصل الجمعة، بإعلان مدينة الموصل “منطقة منكوبة”، داعيًا لفتح تحقيق بالمجازر التي ارتكبت فيها، مؤكدا أن ما تعيشه الموصل مأساة حقيقية. وبعد هذه الدعوات، أعلنت مصادر عسكرية عراقية أمس السبت أن الجيش العراقي وقوات التحالف أوقفت غاراتها على غرب الموصل، وذلك بعد وقوع انتهاكات خطيرة ضد المدنيين هناك لا سيما في المجزرة التي وقعت يوم الخميس.
وكالعادة، أعربت الأمم المتحدة عن “قلقها البالغ” إزاء “تقارير تحدثت عن وقوع خسائر بشرية كبيرة في الموصل”. وأبدت مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة “صدمتها من بيانات حول خسائر فادحة في الأرواح، بعد انتشار معلومات حول انتشال فرق الدفاع المدني العراقي والأهالي جثث 500 مدني قتلوا خلال الأيام الماضية بقصف طيران التحالف الدولي”.
مئات المدنيين في سوريا يقتلون “بالخطأ” أيضًا
وليس ببعيد عن الموصل، قتل خلال الأشهر الماضية، عشرات المدنيين السوريين، في غارات للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على الرقة والطبقة ومناطق تخضع لسيطرة تنظيم الدولة، بدعوى القضاء على التنظيم، حيث قتل قبل نحو أسبوعين 19 شخصًا في غارات لقوات التحالف الدولي استهدفت مناطق تقع على بعد أربعة كيلومترات جنوب مدينة الرقة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، بحسب ما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان.
مجازر بالجملة#الموصل #الرقة #الطبقة
أوامر أمريكا لا خطوط حمراء
لا تعاطف إعلامي ما دام المدنيون في مناطق داعش
مساجد مدارس مخابز كلها مستباحة pic.twitter.com/4V1r5GesfX
— حسين دلي (@hu_dly) March 22, 2017
وقال المرصد إن “ما لا يقل عن 19 شخصاً استشهدوا وقضوا فى ضربات جوية نفذتها طائرات حربية يرجح أنها تابعة للتحالف الدولي، استهدفت أماكن فى منطقة الكسرات التى تتضمن منطقة كسرة الفرج وكسرة الشيخ جمعة والبحوث الزراعية والممتدة من ضفة الفرات الجنوبية وحتى الطريق السريع بين الباب والبوكمال عند منتصف ليل السبت – الأحد”.
مجازر مروعة ترتكبها الطائرات الأميركية بالجملة في دير الزور و الرقة بحق المدنيين هناك، الواقعين بين سندان داعش ومطرقة #قسد والتحالف الدولي!!
— Abdulkareem Laila (@aboferasalhalab) March 24, 2017
حيث تبرر قوة المهام المشتركة في التحالف الدولي -في التقييم الشهري للضحايا المدنيين من عمليات التحالف الأمريكي ضد تنظيم الدولة- أنها لا تزال تتحرى عدة تقارير تفيد بسقوط قتلى “دون قصد” في أربع غارات العام الماضي وغارة واحدة في 2015.
التحالف أكد مؤخرًا أنه تلقى 16 تقريرًا جديدًا باحتمال سقوط قتلى مدنيين في تشرين الثاني الماضي، منها خمسة تقارير تعتبر موثوقة وتشير إلى وفاة 15 مدنيا “دون قصد” في سوريا
وأضافت القوة في بيانها الذي نشر الشهر الماضي: “على الرغم من بذل التحالف جهودًا فوق العادة في قصف الأهداف العسكرية بطريقة تقلل مخاطر سقوط مدنيين، إلا أنه يتعذر تجنب سقوط ضحايا في بعض الحوادث”.
التحالف أكد مؤخرًا أنه تلقى 16 تقريرًا جديدًا باحتمال سقوط قتلى مدنيين في تشرين الثاني الماضي، منها خمسة تقارير تعتبر موثوقة وتشير إلى وفاة 15 مدنيا “دون قصد” في سوريا. وبجانب التقارير الخمسة التي لا تزال قيد التقييم، قال مسؤولون أمريكيون إنهم يحققون في هجوم شن في 29 كانون الأول على عربة تخص مقاتلين من التنظيم -قال مسؤولون في وقت لاحق إنها “كانت في ساحة انتظار سيارات داخل مستشفى”.
مجزرة أخرى في اليمن لا عزاء لها
ولأن الأخطاء العشوائية ليست في سوريا والعراق فقط -حيث تقود الولايات المتحدة تحالفًا عسكريًا وحربًا على تنظيم “داعش” فيها- وقعت مجزرة في الـ29 من يناير الماضي في محافظة البيضاء وسط اليمن، حصدت أرواح 16 طفلًا وامرأة، وذلك في عمليّة انزال جوي، نفذها الجيش الأمريكي بسرية تامة، بدعوى استهداف مواقع لتنظيم القاعدة في اليمن.
أطفال “البيضاء” اليمنية الذين قتلوا في هجوم القوة الأمريكية قبل نحو شهرين
ثماني نساء وثمانية أطفال قتلوا الهجوم الأمريكي الذي استهدف مجموعة منازل وأبنية لتنظيم القاعدة، بطائرات من دون طيار ومروحيات قتالية وإنزال جوي، لم تعرهم الإدارة الأمريكية أي اهتمام، وذلك لأن العملية “قد تمت بنجاح” بعد قتل نحو 14 مسلح من القاعدة فيها.
ذلك الهجوم، كان أول هجوم يستفتح فيه دونالد ترامب فترته الرئاسية للولايات المتحدة، صاحبة القوة الوحيدة التي تمتلك طائرات من دون طيار، والقادرة على ضرب أهداف في اليمن، لا تفرق بين مدني ومسلح، أو بين “إرهابي” وطفل أو امرأة.
البنتاغون يفعل ما يحلو له في عهد ترامب
هذه البجاحة والفظاظة التي باتت تتمتع بها وزارة الدفاع الأمريكية بغطاء من ترامب، باتت واضحة وبشكل فاضح منذ استلام الرئيس الجديد منصبه، لا شيء يوقف عنجهية القوات الأمريكية كثيرة “الأخطاء”، فإزهاق أكثر من 500 روح في الموصل مثلًا أمر قد وقع “بالخطأ”، واعتبار مناطق مدنية “منكوبة” أمر هيّن سيتم تجاوزه، طالما الغاية والهدف هو القضاء على تنظيم داعش أو القاعدة أو غيرها من التنظيمات “الإرهابية”.
ترامب في البنتاغون مع نائبه مايك بينس ووزير الدفاع جيم ماتيس
حيث أكد مؤخرًا مسؤول أميركي في وزارة الدفاع أن أي قتلى إضافيين هم ضحايا المعارك في المناطق المأهولة المكتظة بالسكان مثل الموصل في العراق والمناطق المحيطة بمدينة الرقة، وقال “أدرك أنه لم يحدث تغيير في درجة التسامح مع وقوع ضحايا مدنيين”.
ترامب، لم يسلم مؤخرًا من الانتقادات لنهجه الفاضح هذا، حيث يتساءل مراقبون إن كانت البنتاغون تفتح الطريق أمام تزايد عدد الضحايا المدنيين في حروبها. إلا أنه ما زال مسؤولون عسكريون ينفون ذلك بشدة ويؤكدون على أن “سلامة المدنيين أولوية قصوى عند إقرار أي عملية”.
إيروارز: “لم نعد قادرين على متابعة الغارات الروسية إثر انشغلنا بإحصاء القتلى المدنيين الذين يُعتقد أن قصف طائرات الولايات المتحدة وقوات التحالف تسبب بقتلهم”
منظمة “إيروارز” التي تضم تجمعاً للصحافيين والباحثين وتتخذ من لندن مقراً لها، أفادت مؤخرًا في تقرير لها أنها لم تعد قادرة على متابعة الغارات الروسية إثر انشغالها بإحصاء القتلى المدنيين الذين يُعتقد أن قصف طائرات الولايات المتحدة وقوات التحالف تسبب بقتلهم.
حيث أكد مدير “إيروارز” كريس وودز أن “قرار تعليق تقديراتنا بشأن الغارات الروسية بشكل مؤقت كان غاية في الصعوبة”. مضيفًا أن “موسكو لا تزال تقتل مئات المدنيين في سوريا كل شهر بحسب التقارير، إلا أنه ومع ارتفاع الحصيلة لضحايا التحالف بهذا الشكل الحاد، ومع موارد منظمتنا المحدودة للغاية، نعتقد أن تركيزنا الرئيسي يجب أن يكون حالياً على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.”
هذه الحرية التي باتت تتمتع بها وزارة الدفاع الأميركية في عهد ترامب، لفعل ما يحلو لها، وإدارة حروبها بالطريقة التي تراها مناسبة، دون الرجوع دائماً للإدارة الأمريكية أو حتى الحصول على موافقة البيت الأبيض في المسائل المهمة. حيث تقدر تقارير أن الجيش الأمريكي أصبح يمتلك إدارة ذاتية متزايدة، بات يحذر معارضوها من أنها تزيد من نسبة الضحايا المدنيين، وتعرض حياة الجنود الأميركيين إلى الخطر إذا ما أغرقوا في وحل حروب الشرق الأوسط، وتؤدي أيضًا إلى انعدام الرقابة على النزاعات التي باتت تنخرط فيها الولايات المتحدة الأمريكية.