على أطراف مدينة أوبوك الجيبوتية الواقعة على أطراف الصحراء، ومباشرة على زاوية القرن الإفريقي، استقر حوالي 1500 لاجئ يمني في مخيم “مركزي”، الذي يديره مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين جنبا إلى جنب مع المكتب الوطني لمساعدة اللاجئين وضحايا الكوارث، هربا من القتال الدائر في بلادهم بين قوات الرئيس عبد ربه هادي منصور بمعاضدة التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والحوثيين.
مخيم “مركزي”، يروي معاناة اللاجئين
خيام مهترئة، يسكنها يمنيون من مختلف أنحاء اليمن ومن كل مشارب ودروب الحياة من صيادي السمك الأغنياء إلى المهنيين الأثرياء والبسطاء الفقراء، لا تقيهم حر شمس جيبوتي الحارقة ولا تمنع عنهم رياح الصيف الحارة والمتربة التي تعرف محلياً باسم الخماسين، حيث ترتفع درجات الحرارة خلال النهار لتصل إلى 40 درجة مئوية، والكثير من اللاجئين يشكون من الحر غير المحتمل.
أطفال صغار، شيب وشباب، نساء ورجال يمنيين، دفعوا المال على قلّته وركبوا البحر رغم خطورته وعبروا مضيق باب المندب ليسكنوا مخيم “مركزي”، مقاومين بصعوبة كبيرة إغراء العودة إلى بلادهم، فلا أفق أمامهم نتيجة الحرب الدائرة هناك، وقد أنشئ المخيم في أواخر مارس 2015 بعد تسارع وتيرة النزاع في اليمن إثر التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، لمواجهة المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
تعتبر جيبوتي واحدة من الدول القليلة التي وافقت على استقبال اللاجئين من اليمن رغم كونها من أكثر الدول فقرا في العالم
ويقع المخيم الذي لا تحدّه أسوار على بعد بضعة كيلومترات من بلدة أوبوك، في الطرف الشمالي من خليج تاجورا، واحتضن المخيم حوالي 20 ألف لاجئ في أكثر أيامه اكتظاظاً، أما اليوم فلا يقيم فيه إلا ما يقارب ال 1500 لاجئ يمني، بعد أن كانت بلادهم تستضيف نازحي القرن الأفريقي كعابرين باتّجاه السعودية، أو كلاجئين في مخيمات اللجوء.
وتعتبر جيبوتي واحدة من الدول القليلة التي وافقت على استقبال اللاجئين من اليمن رغم كونها من أكثر الدول فقرا في العالم. ووفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أجبرت المعارك منذ انطلاقتها 255 ألف شخص على مغادرة اليمن (معظمهم صوماليين)، ووفقا لنفس الإحصائيات فإن عدد اللاجئين المسجلين في جيبوتي تجاوز 18 ألف لاجئ، منهم أكثر من ألفي يمني، والباقي من جنسيات مختلفة منها من الصومال وإثيوبيا وإريتريا. وتقوم المفوضية بالمشاركة مع حكومة جيبوتي بتقديم العون لهؤلاء اللاجئين.
عشرات اللاجئين في مضيق باب المندب قاصدين جيبوتي
وفي ديسمبر الماضي، وصف أيمن غرايبة، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن، الوضع في اليمن بالكارثة الإنسانية، وقال المفوض الأممي واصفا الوضع، “ببساطة، الوضع لا يقل عن كونه كارثة إنسانية.” تدور الأعمال العدائية حاليًا في البلاد التي شهدت أعواماً من الصراعات المتتالية وانعدام الأمن والتنمية على نطاق واسع، لذا فإننا نشهد الآن مزيجاً هائلاً من الضحايا المدنيين والنزوح الجماعي وتفاقم الفقر والتدهور الاقتصادي وسوء الأوضاع وضعف المؤسسات العامة ومحدودية الحصول على الخدمات/ ومن دون توفر المساعدة، فسوف يموت العديد من الأشخاص، لا سيما الأطفال، جراء العنف أو الافتقار إلى الطعام والمياه أو المرض.”
ظروف صعبة، محفوفة بالمخاطر
كما نسي المجتمع الدولي الحرب في اليمن ومعاناة أهلها داخل البلاد، فقد نسي أيضا معاناة لاجئي هذا البلد الذين يعيشون في ظروف صعبة ومحفوفة بالكثير من المخاطر في مآوٍ مكتظة ومؤقتة، دون حماية كافية.
فمخيم “مركزي” يفتقر لأبسط مقومات العيش فضلاً عن انتشار الثعابين السامة والزواحف الخطيرة وهو ما يجعل حياة ساكنيه عرضة للموت، إضافة إلى ذلك فاللاجئين يشكون من نقص المواد الغذائية والمياه والصرف الصحي، والغطاء، حتى أنّ بعضهم يفترش العراء تحت شمس حارقة، وهم يعانون التشرد والجوع والعطش إلى جانب معاناتهم من انتشار الكثير من الأمراض داخله.
يدين عديد اللاجئين المضايقات التي يتعرضون إليها من قبل الشرطة الجيبوتية وحجز جوزات سفر بعض الذين يرغبون في العودة إلى اليمن
وسبق أن أطلقت الجامعة العربية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مناشدة عاجلة للدول العربية والمجتمع الدولي لتقديم المزيد من الدعم الإنساني والإغاثي للاجئين اليمنيين في جيبوتي باعتبارها دولة تستوعب أعدادا كبيرة من اللاجئين منذ سنوات طويلة وتواجه أوضاعا خطيرة.
ولولا بعض الجهود التي تبذلها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والمكتب الوطني الجيبوتي لشؤون اللاجئين والكوارث، لحدثت الكارثة في المخيم “المركزي” الذي يحتضن ضحايا الحرب المنسية في المنطقة المضطربة، ومع ذلك لن تغيّر هذه الجهود الوضع الراهن إلا إذا صدقت منظمة الأمم المتحدة وعديد الدول المانحة خاصة الخليجية منها، وعودها التي أطلقتها لمساعدة اليمن ولاجئيه.
لاجئ يفترش الأرض
إلى جانب ذلك، يدين عديد اللاجئين المضايقات التي يتعرضون إليها من قبل الشرطة الجيبوتية وحجز جوزات سفر بعض الذين يرغبون في العودة إلى اليمن ومماطلتهم في إجراءات المغادرة وعدم تمكينهم من التوجه للعاصمة، كما ويشكي العديد من اليمنيين اللاجئين في جيبوتي من الجبايات، والرسوم الغير قانونية التي يطلبها موظفو سفارة بلادهم مقابل تصديق أي وثائق أو معاملات، حسب بعض المنظمات.
وحذرت الأمم المتحدة، الجمعة الماضي، من أن ثلث محافظات اليمن الـ22 على شفير المجاعة، فيما يعاني 60% من سكان البلد من الجوع، وسط استمرار تدفق النازحين من المناطق التي يحتدم فيها القتال.