يعيش المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا أيامه الأخيرة في جنبات الملف السوري بين وفدي المعارضة والنظام السوري في جنيف وأستانة وعواصم دول عديدة كموسكو وواشنطن وأنقرة والرياض، إذ صار من المؤكد أن ديمستورا لن يتم تمديد تكليفه الذي من المقرر أن ينتهي في منتصف أبريل/نيسان المقبل، وبدأت ترشيحات أشخاص آخرين لخلافة ديمستورا في منصبه.
ديمستورا الحلقة الأضعف
يبدو ديمستورا في وضع لا يُحسد عليه في الجولة الخامسة من مفاوضات جنيف بين وفدي المعارضة والنظام السوري، حيث تشير المصادر أن ديمستورا اجتمع مع الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريس، حيث قام الأخير بالتمديد لنائب المبعوث الدبلوماسي المصري رمزي عز الدين رمزي، لمدة 6 أشهر لكنه لم يمدد لديمستورا، ومن المقرر أن يستمر ديمستورا في أداء مهامه كوسيط حتى يتم التوافق على مبعوث أممي آخر أو يتم تكليف نائبه رمزي رمزي بالقيام بمهامه بعد انتهاء مدة تكليفه في منتصف الشهر المقبل.
إذن، وأخيرًا يبدو أن الملف السوري أزاح الرجل الأممي الثالث على التوالي الذي بدأ بكوفي عنان ومن ثم تم تسليمه للدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، وبعده ديمستورا الذي بدأ بمهامه في يوليو/تموز 2014.
سيستمر ديمستورا في أداء مهامه كوسيط حتى يتم التوافق على مبعوث أممي آخر أو يتم تكليف نائبه رمزي رمزي بالقيام بمهامه بعد انتهاء مدة تكليفه في منتصف الشهر المقبل
أكثر من سنتين حافلة في العمل في أروقة الأمم المتحدة بالملف السوري ملأى بالاجتماعات في مدينة جنيف السويسرية يتذكر فيها وفدي المعارضة والنظام السوري ديمستورا بمحاسنه ومساوئه، أوصل المفاوضات إلى الجولة الخامسة، حيث لا يزال الوفدان مجتمعان في الوقت الحالي في جنيف على أمل التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية. علمًا أنه خلال العامين الماضيين لم يحقق فيها الشيء الكثير سوى نقل المفاوضات من مرحلة إلى أخرى، بسبب التوازنات الإقليمية والعالمية في الملف السوري، وفشلت خطته الاستراتيجية التي جاء بها أول تسلمه مهامه في “تجميد مناطق القتال” بدءًا من حلب.
تشير مصادر أن ديمستورا كان يُمنّي نفسه بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وبعدما آل منصب الأمانة العامة لغوتيريس، بعدها حاول التمديد في تكليفه في المرحلة المقبلة لإدراكه أنه سيُحال إلى التقاعد إن لم يتم التمديد له إذ لم يعد هناك أي مجال لترفيعه في المراتب الدبلوماسية الدولية أكثر من حصوله على الأمانة العامة، خصوصًا لشخص بلغ من العمر 70 عامًا.
خلال العامين الماضيين لاستلام ديمستورا لم يحقق فيها الشيء الكثير بسبب التوازنات الإقليمية والعالمية في الملف السوري
وحسبما نقلت صحفية العربي الجديد عن دبلوماسي عربي أن ديمستورا كان يحاول تمديد ولايته، لأنه كان يأمل الحصول على جائزة نوبل حيث وصلت الأزمة السورية إلى نهايتها وأن الحل يبدو قريبًا، لأن الدول الفاعلة في الأزمة السورية ستضطر للجلوس معًا بعد الانتهاء من قتال داعش لتجنب الحرب المباشرة. وكان ديمستورا تلقى فيتو من النظام السوري، أدى لرفض استقبال النظام لديمستورا في دمشق قبل بدء مفاوضات جنيف 5 والذي نسبه رئيس وفد النظام بشار الجعفري إلى خروج ديمستورا عن التكليف الممنوح إليه.
لذلك وفي نهاية هذه الجولة من المفاوضات سيكون الدبلوماسي السويدي الحامل للجنسية الإيطالية والعضو السابق في الحكومة الإيطالية، أمام التقاعد، بعد تسليم ملف الأزمة السورية لخليفته، ليبدأ من حيث انتهى ديمستورا.. ويفتتح جنيف 6.
البوسني حارث سيلاديتش رئيس سابق لمجلس رئاسة البوسنة والهرسك
وبالعودة إلى جنيف 5 فلا شيء جديد فيما يخص المفاوضات حيث يرى مراقبون أنه لا شيء حقيقي يمكن توقعه من هذه الجولة، ومن غير المتوقع أن يحدث خروقات في المفاوضات الحالية، وذهب البعض لاعتبار هذه الجولة بأنها مضيعة للوقت ومسرحية في ظل غياب الولايات المتحدة عن مسار جنيف. سوى أن ديمستورا قدم خلال الاجتماعات الأيام الماضية أربع وثائق تخص كل واحدة من هذه السلال الأربع التي تم التوافق عليها كأجندة لمحادثات جنيف ممثلة بالانتقال السياسي والانتخابات والدستور ومكافحة الإرهاب، في الوقت الذي ينتظر ديمستورا ردًا مختلفًا من الوفود على تلك الأوراق.
مسار المفاوضات في جنيف مرتبط بوضوع الرؤية الأمريكية في الأزمة السورية ومآلات تدخل الإدارة الأمريكية الجديدة في الملف
الجدير بالذكر أن الرؤية الأمريكية لا تزال غائبة عن الملف السوري، ومسار المفاوضات في جنيف مرتبط بوضوع الرؤية الأمريكية في الأزمة السورية ومآلات تدخل الإدارة الأمريكية الجديدة في الملف، إذ حرصت الإدارة الجديدة على تكريس مكافحة الإرهاب بقتال وداعش في سوريا والعراق، وأجلت أي نقاش سياسي في الأزمة.
من سيخلف ديمستورا؟
طُرح على الطاولة حتى الآن شخصين لخلافة ديمستورا بدون ترجيحات لأحدهم عن الآخر، وأحد المرشحين هو حارث سيلاديتش، رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك سابقًا، وسيغريد كاغ ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان.
أما حارث سيلاديتش فهو سياسي وأكاديمي بوسني مسلم يجيد اللغة العربية، تم انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2006 ممثلا عن البوسنة في رئاسة البوسنة والهرسك، وأصبح وزيرًا للخارجية في الحكومة البوسنية التي قادها الرئيس الراحل، علي عزت بيجوفتش، والتي أعلن برلمانها استقلال الجمهورية عن يوغسلافيا السابقة.
الهولندية سيغريد كاغ ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان
يُذكر أنه درس اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في مدينة البيضاء في فترة الستينات في ليبيا. شغل منصب وزير الخارجية من 1990 إلى 1993 للبوسنة والهرسك في وقت الحرب، ويعتبر من الجناح المعتدل، وله جملة مشهورة في منتدى ستوكهولم الدولي حول المحرقة النازية لليهود، 27 يناير/كانون الثاني 2000 “إذا قتلت شخص واحد، فإنك تحاكم. إذا قتلت عشرة أشخاص أصبحت من المشاهير، وإذا قتلت ربع مليون إنسان، فستتلقي دعوة لحضور مؤتمر السلام”.
أما المرشحة الأخرى فهي ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، الهولندية المسلمة سيغريد كاغ، وهي رئيسة البعثة الدولية المكلفة بتدمير الترسانة الكيميائية في سوريا، وترأست البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة منع انتشار الأسلحة الكيميائية، ويعرف عن سيغريد إتقانها للغة العربية.
وفي النهاية فإن أيًا من سيأتي بعد ديمستورا لن يكون بيده عصى سحرية يحل بها الأزمة السورية، بل سيخضع لآلية مسار المفاوضات بين الوفدين وينخرط في التوازنات الإقليمية والدولية ويحاول ألا يغضب أحدًا منهم وإلا سيتلقى “فيتو” كما حصل مع ديمستورا مؤخرًا، كما سينتظر أن تدخل الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة على خط المفاوضات وتقول كلمتها في الأزمة السورية.