تركيا وقيادتها للتحالفات الأمنية مع دول الخليج

ترجمة حفصة جودة

في السنوات الأخيرة، عززت دول مجلس التعاون الخليجي -السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعُمان- روابطها العسكرية مع تركيا، وقد ازدادت قوة التحالف القطري التركي على وجه الخصوص خلال العقد الماضي، حيث تتوجه معاهدة الدفاع لعام 2014 ونشر القوات التركية في الدوحة أثناء أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2017، ثم افتتاح مقر قيادة مشتركة في معسكر خالد بن الوليد العسكري عام 2019.

وبينما كانت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي تعيد تقييم شراكاتها الدفاعية، كانت تركيا في طليعة هذا التغيير سعيًا نحو ترسيخ وضعها كقوة إقليمية، هذه الديناميات المتطورة بين تركيا ودول الخليح ترمز إلى لعبة شطرنج جغرافية سياسية أكبر.

ومع معاناة الشرق الأوسط من فراغ في القوى وتغيُّر التحالفات، تسعى بعض الدول إلى خلق تحالفات جديدة وتعزيز التحالفات الحالية.

ظهرت تركيا -بموقعها الاستراتيجي وقوتها العسكرية- كشريك مرغوب به للعديد من دول الخليج، أثناء إبحارها في مياه السياسة الإقليمية المضطربة.

كانت استراتيجية القواعد العسكرية لتركيا جزءًا حيويًّا من جهودها للتصدي للتهديدات الأمنية المتصاعدة، وتوسيع نفوذها عبر المنطقة خاصة بعد الربيع العربي، وقد استضافت قطر قاعدة عسكرية لتركيا في الخليج، لكن ربما سيأتي المزيد.

كانت أنقرة منفتحة بشأن نواياها لتوسيع شراكاتها العسكرية في الخليج، ففي عام 2017 عندما فرضت الدول المجاورة لقطر حصارًا عليها، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن اقتراحه تأسيس قاعدة عسكرية تركية على الأراضي السعودية عام 2015.

تسبّب الربيع العربي في اضطراب العلاقات التركية السعودية، إلا أنها عادت بقوة منذ عام 2021 كجزء من محاولات الحد من التصعيد في الشرق الأوسط.

في الحقيقة، كانت السعودية تستكشف خيارها الأمني التركي في مقابل التهديد الإيراني لفترة من الوقت.

علاقات معززة

وفقًا لوثائق سرّية كُشف عن بعض أجزائها، والتي تتعلق بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، فإن السعودية كانت تفكر بالفعل في الخيار التركي كضامن أمني منذ وقت مبكّر عام 2011.

كانت الرياض تسعى لما هو أبعد من واشنطن للضمانات الأمنية، خاصة مع الوضع غير المستقر بعد الربيع العربي وغياب القوات الأمريكية الهامة في السعودية بعد حرب العراق عام 2003، واستعادة أمريكا علاقتها الدبلوماسية مع إيران أثناء حكم إدارة أوباما.

وبينما تسبّب الربيع العربي في اضطراب العلاقات التركية السعودية، إلا أنها عادت بقوة منذ عام 2021، كجزء من محاولات الحد من التصعيد في الشرق الأوسط، وقد تُوّج ذلك باستعادة العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية.

ومع اعتراف الدول بفوائد التعاون الإقليمي المتزايد، ظهرت تركيا كشريك له قيمة خاصة، في أغسطس/ آب الماضي وفي يوم الاحتفال بالذكرى 101 ليوم النصر التركي، سلطت السفيرة التركية في الكويت، توبا سونميز، الضوء على العلاقات العسكرية والأمنية المزدهرة بين تركيا والكويت، وقد قالت إن تركيا مستعدة لتأسيس قاعدة عسكرية في الكويت إذا أعربت الكويت عن رغبتها في ذلك.

لكن هذا الإجراء لن يكون غير مسبوق، فقد أرسلت تركيا مستشارين عسكريين إلى الكويت من قبل في أوقات الأزمات، بما في ذلك ثمانينيات القرن الماضي، وسط جهود لاحتواء آثار الثورة الإيرانية، ومواجهة المحاولات السوفيتية للوصول إلى الخليج بعد غزو أفغانستان.

أثناء أزمة مجلس التعاون الخليجي، لعبت تركيا والكويت دورًا محوريًّا في تجنُّب الصراع العسكري، وقد تسبّبت الاضطرابات الجغرافية السياسية في ذلك الوقت في تساؤل الدول الصغيرة حول جدوى الاعتماد على أمريكا كضامن أمني.

وقّعت الكويت وتركيا اتفاقية دفاع مشتركة شاملة في أواخر عام 2018، لتؤكد على التزامهما بالمصالح الأمنية المشتركة.

انتشرت الشائعات عام 2017 حول احتمالية موافقة الكويت على تواجد عسكري تركي في أراضيها، وهي الخطوة التي تُرجمت في ذلك الوقت كخطوة لموازنة التوترات المتصاعدة في الخليج.

في عام 2017 قال مسؤول كويتي مطّلع على الأمر: “إن الكويت لا تستطيع أن تتحدى السعودية مثلما تفعل دول خليجية أخرى، ولا يمكنها أيضًا تحديد سياستها مع إيران الآن، لكن تعزيز العلاقات مع تركيا سيساعدنا، إن هذه الشكوك بين جيراننا أمر مخيف، ولهذا يجب أن نستعد لعواقب غير مرغوبة”.

لكن وسط مخاوف من تسبُّب تلك الخطوة في معاداة الرياض، فإن الكويت تبحث في كل مكان عن طبقة ثانية من الحماية، حيث تشير تقارير عام 2018 إلى احتمالية تأسيس قاعدة بحرية بريطانية في المستقبل.

وبينما يقلل المسؤولون في الكويت من شأن تلك التطورات، استأنفت الدولتان التدريب العسكري المشترك عام 2022، ومع ذلك وقّعت الكويت وتركيا اتفاقية دفاع مشتركة شاملة في أواخر عام 2018، لتؤكد على التزامهما بالمصالح الأمنية المشتركة.

استقلال استراتيجي

في كل مكان في المنطقة، يؤثر الصراع الداخلي في مجلس التعاون الخليجي والتصعيد الأمريكي الإيراني، ففي عام 2020 ظهرت شائعات بأن عُمان -والتي كانت واحدة من أكبر المستوردين للمعدّات العسكرية التركية في ذلك الوقت- قد تستضيف قاعدة بحرية تركية، لكن لم تؤكد أيًّا من الدولتَين ذلك.

في الحقيقة، وأثناء أزمة الخليج، سعت عُمان -مثل الكويت- نحو زيادة التواجد العسكري البريطاني، بدلًا من استدعاء قوات تركية.

بعد حل أزمة مجلس التعاون الخليجي من خلال اتفاقية العلا عام 2021، تعززت العلاقات الدفاعية التركية مع الكويت، وقد سلط تدريب عسكري مشترك في العام نفسه الضوء على أهدافهما الاستراتيجية المشتركة.

أكدت أحداث مثل الهجوم الإيراني عام 2019 على منشآت النفط السعودية، على حاجة دول الخليج إلى تنويع تحالفاتها الدفاعية بدلًا من الاعتماد على القوى الغربية وحدها.

في العام نفسه حدث إنجاز آخر، فقد انضمت الكويت إلى صفوف الدول الحاصلة على طائرات الدرونز العسكرية التركية المطورة الشهيرة “بيرقدار”، والتي انتشرت في الصراعات الكثيرة من أفريقيا وحتى أوكرانيا، وقد كان للسفيرة التركية في الكويت دورًا في تعزيز تلك الروابط الدفاعية.

ورغم التحركات الأخيرة نحو الحد من التصعيد الإقليمي، ما زالت إيران عاملًا محوريًّا في الحسابات الأمنية، ففي عام 2015 حاكمت الكويت أكثر من 20 شخصًا بتهمة التجسس لصالح جمهورية إيران الإسلامية و”حزب الله”، من أجل تنفيذ أعمال عدائية ضد دولة الكويت.

وفي العام الذي يليه وسط الصراع بين السعودية وإيران بشأن إعدام رجل الدين الشيعي، خفضت الكويت من علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، لكنها استأنفتها مرة أخرى بعد 6 سنوات.

وبينما يعتقد بعض خبراء الكويت أن التواجد الأمريكي في تلك الدولة الصغيرة الغنية بالنفط كافيًا لردع أي هجوم أجنبي محتمل، إلا أن آخرين يرون أن هذا الاعتماد يجعل الكويت عرضة للخطر.

وقد أكدت أحداث مثل الهجوم الإيراني عام 2019 على منشآت النفط السعودية، على حاجة دول الخليج إلى تنويع تحالفاتها الدفاعية بدلًا من الاعتماد على القوى الغربية وحدها.

توجّهت السعودية والإمارات إلى روسيا والصين في هذا الشأن، مع الاستثمار أيضًا في قدراتهما العسكرية الصناعية، كجزء من أهدافهما طويلة المدى لتأسيس استقلال استراتيجي.

هنا، تظهر تركيا -بسجلّها الحافل ودفاعاتها القوية- كاقتراح مقنع، وقد كشفت تجارب العقد الماضي -في سوريا وليبيا وناغورني كاراباخ وقطر والصومال وإثيوبيا وغيرها- عن التزام تركيا بحماية حلفائها وأصدقائها وقت الحاجة، وأن دعمها أو تدخُّلها يساعد في تغيير الوضع.

المصدر: ميدل إيست آي