ترجمة وتحرير نون بوست
في ظل تراجع الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، حشدت كل من روسيا وإيران قواهما لمزيد بسط نفوذهما في المنطقة، فضلا عن تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية، والعمليات العسكرية المشتركة بينهما في سوريا. ومن هذا المنطلق، من المزمع أن يؤدي الرئيس الإيراني، حسن روحاني، اليوم زيارة إلى موسكو للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين. ومن المتوقع أن تكون هذه الزيارة أخر جولة رئاسية لروحاني قبل انتهاء فترة ولايته والخوض في غمار الانتخابات في أيار/مايو المقبل.
تعاضدت كل من روسيا وإيران لمحاربة المتمردين في سوريا، فضلا عن إقصاء الولايات المتحدة الأمريكية من مجريات الدبلوماسية الإقليمية في المنطقة
في الواقع، تعاضدت كل من روسيا وإيران لمحاربة المتمردين في سوريا، فضلا عن إقصاء الولايات المتحدة الأمريكية من مجريات الدبلوماسية الإقليمية في المنطقة، كما عملا على تحصين بعضهما البعض من الغرب. وفي اجتماع يوم الثلاثاء، من المقرر أن يجري بوتين وروحاني محدثات رسمية حول مشاريع عدة في مجالات متنوعة على غرار الطاقة، والبنى التحتية، والتكنولوجيا. أما وراء الكواليس، فمن المرجح أن يستحوذ على المداولات بين الطرفين مسألة حيثيات تحالفهما في الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد، قال محسن ميلاني، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدبلوماسية والإستراتيجية في جامعة جنوب فلوريدا، إن “هذه الزيارة تظهر أهمية روسيا في صلب السياسة الخارجية الإيرانية. فضلا عن أن إيران تعتبر أبرز الحلفاء السياسيين بالنسبة لروسيا”. كما أضاف ميلاني، صاحب كتاب “الثورة الإسلامية الإيرانية.. من الملكية إلى الجمهورية الإسلامية”، أن إيران “تلعب دورا رئيسيا في إستراتيجية بوتين، على المدى الطويل، التي يطمح من خلالها إلى أن تصبح روسيا لاعبا رئيسيا في الشرق الاوسط”.
في المقابل، يعتبر كلا البلدين، الذين لطالما تنافسا في أسواق الطاقة العالمية وتنازعا علنا حول صفقات الأسلحة المؤجلة، حلفاء غير تقليديين. فعلى مدى العقود السابقة، ساورت الشكوك كلا الطرفين بشأن نوايا بعضهم البعض، وإلى حد الآن، لايزال قادة البلدين يتعاملون بحذر مع بعضهم البعض في ظل تنامي العلاقات المشتركة. من جانب آخر، أفاد المحللون السياسيون أن مستوى وحجم التعامل بين البلدين قد تَطور بشكل ملحوظ. وخير شاهد على ذلك، استخدام روسيا لقاعدة جوية إيرانية خلال عمليات عسكرية لتحرير مناطق سورية في الخريف المنصرم.
يُعزى تنامي التعاون بين البلدين إلى أهدافهما المشتركة في سوريا، حيث يسعى كلاهما إلى حماية حليفهما، بشار الأسد، الذي هدد المتمردون بالإطاحة بنظامه
وفي الأثناء، يُعزى تنامي التعاون بين البلدين إلى أهدافهما المشتركة في سوريا، حيث يسعى كلاهما إلى حماية حليفهما، بشار الأسد، الذي هدد المتمردون بالإطاحة بنظامه. وفي هذا الشأن، صرح خبير الشؤون السياسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ايلي جيرانمايه، أنه “منذ أن تدخل الروس بشكل أكبر في سوريا شهدت العلاقات بين موسكو وطهران تحولا جذريا ودخلت في مرحلة جديدة”.
عندما انطلقت الثورة السورية في سنة 2011، كانت دمشق تؤوي القاعدة الروسية الوحيدة في الشرق الأوسط. وبالنسبة لإيران، أمنت سوريا ممرًا بريًا مستقرًا، تمكنت من خلاله من إرسال الأسلحة والأموال إلى حزب الله اللبناني. وفي الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما تتطلع لتقديم الدعم للمعارضة السورية، تدخلت كل من إيران وروسيا لدعم النظام من خلال توفير الأسلحة والقوى العاملة. علاوة على ذلك، عملت روسيا على حماية المستشارين العسكريين الإيرانيين والقوات الوكيلة لهم. ونتيجة لهذا التنسيق المحكم، تمكن البلدان من هزيمة المتمردين في حلب، مما مكن إيران وروسيا، جنبا إلى جنب مع تركيا، من إقامة محادثات سلام موازية في ظل غياب الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أفاد جيرانمايه، الذي يهتم بدراسة السياسة الخارجية الإيرانية، “إذا أمعنا النظر في تطور الأوضاع في سوريا، فسنلاحظ أنها أصبحت بوتقة للتعاون بين طهران وموسكو. ودفعت علاقاتهما السياسية إلى مستوى جديد من التعاون العسكري”.
من ناحية أخرى، أورد جيرانمايه أن مختلف فصائل السلطة في إيران قد نادت منذ فترة طويلة إلى ربط علاقات أوثق مع روسيا، بيد أن حكومة روحاني المعتدلة أصرت على اعتماد سياسة خارجية أكثر توازنا. وقد ترتب عن ذلك، في نهاية المطاف، التوصل إلى اتفاق نووي تم بموجبه رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران من قبل الأمم المتحدة.
خلافا لذلك، لم يكن هذا التواصل مع الغرب مثمرا كما كان متوقعا، إذ تعرض روحاني لانتقادات عدة بسبب عجزه عن تحقيق التقدم الاقتصادي المرجو. وفي هذا السياق، أكد ميلاني أنه، وفي الفترة التي تسبق انعقاد الانتخابات “يحاول روحاني تدعيم موقفه وإثبات أنه على الرغم من استعداده للتفاوض مع الغرب والولايات المتحدة، فهو مستعد أيضا لتوطيد العلاقات الإيرانية الروسية”.
تشعر إيران بالقلق أيضا إزاء قيام بوتين بتطبيع العلاقات مع إدارة ترامب، التي تجمعها علاقة صداقة متينة بروسيا
فضلا عن التداعيات المحتملة محليا، تشعر إيران بالقلق أيضا إزاء قيام بوتين بتطبيع العلاقات مع إدارة ترامب، التي تجمعها علاقة صداقة متينة بروسيا. وفيما يتعلق بإيران، اتخذ الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب موقفا أكثر تشددا من سلفه أوباما في تعامله معها، حيث وجه تحذيرا لحكومة طهران منذ أول أسبوعين له في البيت الأبيض. وفي هذا الصدد، أقر الصحفي الروسي، مكسيم سوتشكوف، رئيس تحرير قسم التغطية الروسية في موقع “المونيتور”، أن “إيران متخوفة من أن تستغلها موسكو كوسيلة لمساومة واشنطن بهدف تحسين العلاقات معها في المنطقة”.
وأضاف سوتشكوف، أنه “فيما يتعلق بهذه المسألة، ربما يحتاج روحاني، لبعض الضمانات القوية، وإن تعذر ذلك، فعلى الأقل لا بد أن يتأكد بأن بوتين لن يتخلّى عن إيران”. والجدير بالذكر أن هناك مخاوف مماثلة في صفوف القادة الإيرانيين حول علاقة روسيا مع إسرائيل، التي شنت ضربات على حزب الله والقوات البرية الإيرانية في سوريا. من ناحية أخرى، أفاد سوتشكوف أن روحاني يطمح في أن يقنع بوتين بالامتناع عن مساعدة إسرائيل في مواجهة إيران أو تبادل المعلومات الاستخبارية الحساسة معها التي قد تشكل خطرا على التحركات الإيرانية في سوريا.
على الرغم من أن “إسرائيل” تعد عقبة تقف في وجه توطيد العلاقات بين إيران وروسيا، فإنه من غير المحتمل أن تفكر موسكو “في تهميش إيران في سوريا وخصوصا إذا ما أثبتت أنها شريك فعال على أرض المعركة”
في المقابل، أقر جيرانمايه أنه على الرغم من أن إسرائيل تعد عقبة تقف في وجه توطيد العلاقات بين إيران وروسيا، فإنه من غير المحتمل أن تفكر موسكو “في تهميش إيران في سوريا وخصوصا إذا ما أثبتت أنها شريك فعال على أرض المعركة”. و أردف جيرانمايه، أن “روسيا تعتبر نفسها بمثابة لاعب عالمي محوري، في حين تعد إيران لاعبا إقليميا هاما يجب مراعاته. فضلا عن ذلك، لن تغض إيران الطرف عن أطراف إقليمية مهمة مثل إسرائيل”.
وفي شأن ذي صلة، أورد الخبير الإيراني المقيم في الولايات المتحدة، محسن ميلاني، أن البعض في إدارة ترامب يعتقدون أنه “من الممكن أن تتخذ الولايات المتحدة قرارات أشد صرامة ضد إيران، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا في سوريا. وفي هذا الصدد، صرح ميلاني، أنه “يجب أن تكون موهوبا بشكل استثنائي وأن تحظى بالعناية الإلاهية لتنفيذ مثل هذه المناورة السياسية. علاوة على ذلك، لا ينطوي التعاون بين البلدين على أهداف قصيرة الأمد فقط، أي تحقيق جملة من الانتصارات العسكرية والسياسية في سوريا، بل إن العلاقة بين إيران وروسيا أكثر عمقا وشمولية من مستقبل الأسد أو مستقبل سوريا”.
الصحيفة: واشنطن بوست