في مساء الحادي عشر من أكتوبر 2012 اجتمع ما يقرب من 1200 قاض داخل مقر نادي قضاة مصر بوسط القاهرة بعد دعوة رئيس النادي وقتها المستشار أحمد الزند، وذلك للتنديد بما سمي حينها بـ”التدخل في شؤون القضاة” في أعقاب إقالة الرئيس السابق محمد مرسي للمستشار عبد المجيد محمود من منصبه كنائب عام.
تهديدات القضاة حينها بالتصعيد بنبرات مرتفعة، وصل في بعضها إلى حد الاستقواء بالولايات المتحدة للتدخل لإنقاذ القضاء من تدخلات مؤسسة الرئاسة في شؤونه الداخلية، مؤكدين على ضرورة تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات وعدم تدخل أي مؤسسة أيا كانت في تعيين أو عزل أو اختيار أو ترشيح أي من القيادات القضائية في الدولة.
هذه الوقفة التي مر عليها ما يقرب من أربعة أعوام ونصف تقريبًا، والتي كانت غير مسبوقة، حيث انتفض القضاة خلالها في وجهة السلطة التنفيذية لأول مرة مدفوعين بحسابات سياسية من أجل الدفاع عما أسموه حينها “استقلالية السلطة القضائية”، ورفض أي تدخلات من هنا أو هناك. ها هي مهمة استدعاء ذهني تاريخي في هذه الأيام، وذلك بعد إقرار مجلس النواب أمس لقانون السلطة القضائية بالرغم من اعتراض غالبية القضاة عليه.
تجاهل رأي القضاة في مناقشة قانون السلطة القضائية، وما تبعه من تمرير للقانون عبر موافقة اللجنة التشريعية بمجلس النواب أمس، دون مراعاة لمواقفهم الرافضة له، يضع العديد من علامات الاستفهام حول ما يمكن أن يتمخض عنه من رد فعل للمؤسسات القضائية، فهل تنتفض كما انتفضت في السابق؟ أم أن السلطة التي كشرت عن أنيابها بالأمس تم استئناسها اليوم؟.. ما الذي تغير؟ وما الذي حدث؟
التعديلات المقترحة تتلخص في إسناد سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية الأربعة المذكورة، إلى رئيس الجمهورية
هنا كانت البداية..
البداية تعود إلى الاقتراح الذي قدمه النائب أحمد حلمي الشريف، أحد أعضاء جبهة “دعم مصر” البرلمانية الداعمة لنظام السيسي، بشأن تعديل بعض بنود قانون السلطة القضائية، لاسيما المادة (44)، والخاصة بطريقة تعيين رؤساء الهيئات القضائية الرئيسية، وهي محكمة النقض ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية.
التعديلات المقترحة تتلخص في إسناد سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية الأربعة المذكورة، إلى رئيس الجمهورية الذي يختار رئيس كل هيئة من ضمن 3 قضاة ترشحهم الهيئة من بين أقدم سبعة أسماء موجودة، حيث تقدم الهيئة الأسماء المرشحة قبل 60 يومًا على الأقل من خلو المنصب، وفي حال عدم إرسال الأسماء في هذه الفترة، أو إن كانت غير مطابقة للشروط السالفة، كأن يتم ترشيح اسم واحد فقط أو اسمين، يحق هنا لرئيس الجمهورية أن يختار بنفسه من بين الأسماء السبعة الأقدم بكل هيئة.
هذه التعديلات تتضمن نسفًا لكل ما كان يجري في السابق، حيث كانت الجمعية العمومية للهيئة أو المجلس الأعلى فيها، ترفع اسم أقدم الأعضاء بها إلى رئيس الجمهورية، للتصديق عليها، وبناءً عليه يصدر قرار جمهوري بالتعيين دون تدخل من رئيس الجمهورية بالاختيار أو الاستبعاد.
اللجنة التشريعية بمجلس النواب توافق على تعديلات قانون السلطة القضائية
مخالفة للدستور وإلغاء للأقدمية
القانون بتعديلاته الأخيرة يسمح بتجاوز مبدأ الأقدمية المعمول به منذ قديم الأزل في القضاء المصري، ما يعد سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء المصري، فمن حق الرئيس هنا إذا ما تقدمت أي من الهيئات القضائية الأربع ببعض الأسماء المرشحة أن يتجاوز أقدمهم سنًا ويختار دون معايير واضحة من بين الأسماء الأخرى.
ومن جانب آخر فإن المشروع المقدم يحمل مخالفة واضحة للدستور لاسيما في مادته الـ 185، والتي توجب أخذ رأي المؤسسات القضائية المختلفة حين مناقشة أي من شئونها الداخلية، كما جاء في نص المادة: “تقوم كل جهة، أو هيئة قضائية على شؤونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشؤونها.”
وبعيدًا عن المشروع وتعديلاته وردود الفعل حياله مابين هنا وهناك، إلا أن سرعة تمريره من قبل اللجنة التشريعية تستدعي انتباهًا
المشروع المقدم يحمل مخالفة واضحة للدستور لاسيما في مادته الـ 185، والتي توجب أخذ رأي المؤسسات القضائية المختلفة حين مناقشة أي من شئونها الداخلية
التسرع.. علامة استفهام؟
القانون كان يناقش داخل اللجنة التشريعية أمس في تمام الساعة الواحدة ظهرًا ثم تمت إحالته إلى الجلسة العامة، وفورًا تم الموافقة عليه.. بهذه الكلمات علًق النائب هيثم الحريري، عضو مجلس النواب على تمرير القانون، متسائلا: لماذا التسرع في إصدار هذه القوانين الهامة؟.
الحريري خلال مداخلة تلفزيونية له أشار إلى أن التعديلات التي تضمنها قانون السلطة القضائية لم ترسل للقضاة من الأساس للتناقش حولها والاستعانة برأيهم فيها، بالرغم من إلزام الدستور بذلك، وهو ما يشير إلى أن هناك نية حقيقية لدى البرلمان في إقرار تلك التعديلات بأي صورة كانت، خاصة وأن القضاة قد رفضوا مناقشة القانون في السابق.
النائب البرلماني عبر عن صدمته من هذه السرعة المفرطة في تمرير القانون وبهذه الطريقة، متسائلا: “إزاي نصوت على قانون لم يدرس بشكل حقيقي؟، ولم يرسل للقضاة لأخذ رأيهم فيه؟، ولماذا نتوغل على السلطة القضائية؟، لازم نحافظ على هذه السلطات”.
سحب صلاحيات المؤسسات القضائية ونقلها لرئيس الدولة، ما يترتب عليه تقليل نفوذ السلطة القضائية لصالح سلطات تنفيذية أخرى، هل من الممكن أن يحرك جموع القضاة كما حركهم في السابق.. ماذا فعلوا؟
السلطة القضائية أصبحت مستأنسة
توقع الكثيرون انتفاضة داخل الأوساط القضائية تنديدًا بتمرير المشروع من البرلمان في تجاهل واضح لرأي الجهات القضائية المختلفة، والتي أرسلت في السابق خطابًا رفضت فيه مناقشة قانون السلطة القضائية معتبرة إياه شأن قضائي داخلي لا يحق لأي سلطة التدخل فيه، ومع ذلك لم يأخذ البرلمان بهذا الموقف وتم الموافقة على القانون.
نادي قضاة مصر اكتفى هذه المرة ببيان علًق فيه على ما حدث، معلنًا أنه في حالة انعقاد دائم، وعلى تواصل مع مجلس القضاء الأعلى لحل الأزمة مع مؤسسة الرئاسة، إعمالاً للمادتين ٥ ، ١٢٣ من الدستور.
النادي في بيانه الذي وزعه على وسائل الإعلام المصرية قال إنه “في سبيل استقلال القضاء فإن جميع الخيارات مطروحة بما لا يمس استقرار الوطن، وما زال مجلس إدارة نادي القضاة منعقدًا بمقر النادي حتى الآن؛ لبحث تداعيات أزمة موافقة مجلس لنواب على تعديل قانون السلطة القضائية” دون أن يشير إلى أي من الخيارات التي من الممكن أن يلجأ إليها حال عدم تراجع البرلمان عن المشروع الممرر.
المستشار محمد عبد المحسن، رئيس نادي القضاة أكد أن مشروع قانون تعديلات السلطة القضائية قد سبق وأن رفضه مجلس القضاء الأعلى ونادي قضاة مصر بالإجماع، ومع ذلك تم تمريره بطريقة تهدد استقلال المنظومة القضائية بصورة تهدد عملهم وتؤثر بشكل سلبي على نبراس العدالة في مصر.. فكيف سيكون رد الفعل إذا؟
عبد المحسن في مداخلة هاتفية له على إحدى الفضائيات المصرية أمس قال إنه وبالرغم من أن المشروع مخالف للدستور ويهدد استقلالية القضاء ويتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات، ويسلب حق القضاة في إبداء رأيهم في القوانين التي تنظم شئونهم، إلا أن القضاة لا يريدون الصدام مع مجلس النواب!!.. لماذا؟
اكتفى نادي القضاة هذه المرة ببيان علًق فيه على ما حدث، معلنًا أنه في حالة انعقاد دائم، وعلى تواصل مع مجلس القضاء الأعلى لحل الأزمة مع مؤسسة الرئاسة
الامتيازات مقابل الصمت
الامتيازات التي حصل عليها القضاة في عهد السيسي لم يسبق وأن حصلوا عليها في أي نظام مضى، وهو ما دفع الكثير منهم إلى تقديم فروض الولاء والطاعة بصورة غير مسبوقة، لذا كانوا من أبرز الدعائم الرئيسية لبناء نظام ما بعد الانقلاب العسكري في 2013.
ويكفي للوقوف على ما حصل عليه القضاة من امتيازات أن نتناول هنا أبرزها خلال عام واحد فقط وهو 2015، حين كان أحمد الزند وزيرًا للعدل، في محاولة للإجابة عن التساؤل حول أسباب تراجع رد فعل القضاة على التغول على سلطاتهم ونفوذهم لحساب الرئيس مقارنة بما كانوا عليه في الأنظمة السابقة، سواء كان في عهد مبارك أو مرسي.
27 مايو 2015: اعتماد بدل للعلاج يقدر بما قيمته 3000 جنيه لكل قاضٍ شهريًا، وهو ما كان متوقفًا خلال الأشهر السابقة لولاية الزند، ويذكر أن بدل العلاج يصرف لجميع الهيئات القضائية من ميزانية وزارة العدل بعكس بقية الرواتب التي تصرف من ميزانية المجالس الخاصة بهم.
25 يونيو 2015: زيادة رواتب أعضاء النيابة العامة، والقضاة بمختلف درجاتهم، بنسبة 30% في محاولة للتساوي مع قضاة مجلس الدولة حسب أقر مجلس القضاء الأعلى حينها.
يوليو 2015: صرف منحة العيدين ( الفطر والأضحى) بواقع 10 آلاف جنيه لكل قاضٍ، في كل عيد، من درجة الرئيس بمحاكم الاستئناف ونواب رئيس محكمة النقض و8 آلاف جنيه للدرجات القضائية الأقل من ذلك حتى درجة معاون النيابة، على أن تضاف تلك المنح إلى حساب كل قاضٍ بالبنوك ليتقاضوها مع الراتب الشهري
البعض يرى أن الامتيازات والمكافآت لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون ثمنًا لتوغل السلطة التنفيذية على السلطات القضائية، فهناك العديد من المخاوف التي تساور أنصار هذا الرأي
3 أغسطس 2015: اعتماد مكافأة قدرها 70 مليون جنيه لكل القضاة وأعضاء النيابة العامة، تصرف بقيمة 5 آلاف جنيه لكل قاض؛ تحت مسمى مكافأة جهود إضافية للقضاة، كما أقر مجلس القضاء الأعلى.
3 سبتمبر 2015: إقرار صرف ما سمي بـ”بدل شموخ” لأعضاء أعضاء الهيئات القضائية والنيابة بواقع 5000 جنيه لكل مستشار و3000 جنيه لكل وكيل نيابة وذلك تخفيفًا للأعباء التي يتحملها عضو الهيئة القضائية بحسب رأي وزير العدل.
14 سبتمبر 2015: زيادة مكافأة القضاة، مقابل رئاستهم لجان فض المنازعات، ومقابل العمل بالأمانة العامة للوزارة من 3 آلاف لـ7 آلاف جنيه، بحسب القرار الذي يحمل رقم 5774 الذي أصدره وزير العدل حينها.
أضف إلى ذلك المكافآت التي تمنح للمؤسسات القضائية وفروعها المختلفة، في المناسبات العامة والخاصة، سواء في شهر رمضان، أو الأعياد الوطنية والرسمية، فضلا عن الزيادات المتتالية التي يصدر رئيس الدولة بها قرارات مابين الحين والآخر، كل هذه الامتيازات ربما كانت كفيلة لأن تمثل ضغطًا على القضاة فيما يتعلق بتجاهل التوغل على سلطاتهم أو تهديد نفوذهم.
لكن.. البعض يرى أن الامتيازات والمكافآت لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون ثمنًا لتوغل السلطة التنفيذية على السلطات القضائية، فهناك العديد من المخاوف التي تساور أنصار هذا الرأي.. ما هي؟
أفضل امتيازات للقضاة كانت في فترة ولاية احمد الزند، وزير العدل السابق
الفتنة والانقسام
الفريق الذي يرى أن التعديلات التي تضمنها قانون السلطة القضائية الممرر بالأمس من البرلمان تحمل بين ثناياها العديد من التخوفات التي من شأنها تهديد منظومة القضاء برمتها مستقبلا، محور هذا القلق في عاملين اثنين:
الأول: إثارة الضغينة والفتنة بين القضاة، فبالأمس كان المعمول به في تعيينات رؤساء الهيئات القضائية الأربعة التي شملها التعديل هو الأقدمية، فكان الاسم المرشح لتولي رئيس الهيئة معروفًا للجميع، وكان القاضي المرشح على علم بذلك بحكم الأقدمية، ومن ثم فغيره من القضاة على دراية تامة بمن سيتولى الهيئة قبلها بفترات طويلة.
المحكمة الدستورية نجحت في أعقاب ثورة يناير إجراء تعديل محوري في طريقة تعيين رئيسها، ما جعلها أكثر استقلالية من باقي الهيئات القضائية، ماقد يتسبب في أزمة مع الهيئات الأخرى.
ولكن في التعديل الجديد الأمر لم يعد بالأقدمية، ولم يعد اسم الشخص المرشح لتولي رئاسة أي هيئة معروفًا للجميع كما كان في السابق، إذ أن هناك ثلاث مرشحين قد يصلوا إلى سبعة حال عدم الالتزام بالوقت المحدد لإرسال الأسماء أو إرسال عدد أقل من الثلاثة، وهنا باتت الساحة مفتوحة ومستباحة لكل الطامعين إلى رئاسة الهيئة، سواء كانوا من القدماء أم لا، إذ أن الأمر يخضع لترشيحات واختيار رئيس الدولة، ومن ثم بات الباب مفتوحًا للضغينة والحقد وبث الأقاويل والشائعات في السباق المحموم نحو الوصول إلى الكرسي.
الثاني: الانقسام بين الهيئات القضائية.. من الملاحظ أن التعديلات الخاصة بقانون السلطة القضائية قد تضمنت أربع جهات قضائية فقط هي: محكمة النقض ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية، في الوقت الذي تتمتع فيه المحكمة الدستورية بشبه استقلالية مقارنة بهذه المؤسسات.
المحكمة الدستورية نجحت في أعقاب ثورة يناير إجراء تعديل محوري في طريقة تعيين رئيسها، فبعد أن كان يتم تعيينه عن طريق رئيس الجمهورية بات يعين من بين أقدم 3 قضاة بشرط موافقة الجمعية العامة للمحكمة، ثم يتم إرسالهم للرئيس لاعتماد قرار الترشيح، وهو ما جعلها أكثر استقلالية من باقي الهيئات القضائية ما قد يثير الضغائن والحقد بينها في محاولة للتعامل بالمثل، وهو ما قد يؤثر بشكل أو بآخر في تكامل مؤسسات الدولة القضائية.
وفي ظل هذه التخوفات التي ربما قد يكون بعضها منطقيًا يتساءل البعض: هل ربما يدفع قلق البعض من حدوث انقسام في السلطة القضائية إلى صدام مع الدولة وأجهزتها التنفيذية؟
صراع النفوذ والهيمنة
بعيدًا عن ذهاب البعض إلى أن التراشق الإعلامي ما بين القضاة الرافضين لتعديلات قانون السلطة القضائية والبرلمان الذي مررها دون مراعاة لموقف الهيئات القضائية قد يقوض إلى صدام بين السلطة التشريعية من جانب والقضائية من جانب آخر، فإن المؤشرات بكل تفاصيلها وفي إطار ما تم ذكره سابقًا فإن هذا التوجه مستبعد بصورة كبيرة.
المستشار أحمد مكي، وزير العدل السابق، في تصريحات له أوضح أن التعديلات الأخيرة على مشروع القانون لا يمكن من خلالها القول أن العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية تحولت من الحميمة للصدام، فالأمر هنا متعلق بطموحات السلطة التنفيذية للسيطرة على جميع الهيئات سواء القضائية أو الرقابية، مشيرا إلى ذلك – ساخرًا- أنه لن يبقى إلا تعيين رئيس الجمهورية لأعضاء البرلمان !!
منح رئيس الدولة صلاحية تعيين رؤساء الهيئات القضائية ومحاولة إحكام قبضته على منظومة القضاء هي حلقة واحدة ضمن عدة حلقات سعى من خلالها السيسي ونظامه إلى فرض الهيمنة الكاملة على كافة أجهزة الدولة السيادية، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال بعض الشواهد:
الأول: في يوليو 2015 حين أصدر السيسي قرارا بقانون رقم ٨٩ لسنة ٢٠١٥ يخول له الحق في إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم.
الثاني: في أكتوبر 2016، حين أصدر السيسي قرارًا بإنشاء “مجلس أعلى للاستثمار”، بقيادة رئيس الدولة، تكون قراراته ملزمة لجميع الوزارات والهيئات العامة، بزعم مساعي جذب الاستثمارات.
الثالث: قانون “التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام”، والذي تم إقراره مؤخرًا، تنفيذًا للنص الدستوري الذي طالب بإنشاء هيئات لتنظيم الإعلام: “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”، و”الهيئة الوطنية للصحافة”، و”الهيئة الوطنية للإعلام”، وهي هيئات تحتاج قوانين لإنشائها، ووفقًا لنص القانون النهائي، وبحسب المادة (6) منه، تكون الأغلبية في المجالس الثلاث لغير الصحفيين والإعلاميين، يختارهم رئيس الجمهورية.
منح رئيس الدولة صلاحية تعيين رؤساء الهيئات القضائية حلقة واحدة ضمن عدة حلقات سعى من خلالها السيسي ونظامه إلى فرض الهيمنة الكاملة على كافة أجهزة الدولة السيادية
مما سبق يمكن القول أن منظومة القضاء التي تعد واحدة من أبرز عناصر الدولة العميقة في مصر، والتي كان لها دور محوري في تشريع ما تم في انقلاب الثالث من يوليو، وتكريس مرحلة ما بعد الإخوان، من الصعب الحديث عن صدام مرتقب بينها وبين النظام الحاكم.
ومن ثم يمكن القول أن التراشق والمناوشات بين الجانبين، تأتي في إطار مساعي كل طرف في الحصول على أكبر قدر من المكاسب من خلال اللعب بما لديه من أوراق، فالقضاة يسعون إلى مزيد من الاستقلالية التي تسمح لهم بنفوذ أكبر يمهد المناخ للحصول على مكاسب أكثر، بينما يسعى النظام إلى إحكام قبضته على منظومة القضاء خاصة خلال الفترة القادمة والتي تشهد بعض الاستحقاقات الانتخابية خاصة الرئاسية بما يسمح بالخروج بالنتائج المطلوبة.