تقف العلاقات التركية الأوروبية عند منعطف خطير بعد تراكم العديد من الخلافات بين الجانبين أخذت تتصاعد بشكل دراماتيكي في الفترة الماضية، وصلت لحرب سياسية بين القادة قد تؤدي في أسوأ الأحوال إلى ابتعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي، وابتعاد أمل تركيا للانضمام للاتحاد، وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية الألماني زيغمار غبرييل بأن “تركيا اليوم أبعد من أن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى”.
وقد صعدت الأزمة بين تركيا وألمانيا بعد اللغة التي استخدمها المسؤولون الألمان باتهام الرئيس التركي بمحاولة الانقلاب الفاشلة كذريعة لحملة الاعتقالات التي شنتها تركيا مؤخرًا، والأزمة مع هولندا التي منعت وزراء أتراك من إلقاء خطابات أمام حشود تركية بمناسبة الاستفتاء على الدستور.
أوراق ضغط تركية على أوروبا
لا تزال تركيا تمتلك أوراق ضغط كثيرة على أوروبا تجبرها للجلوس على طاولة المفاوضات مجددًا ومعالجة نقاط الخلاف البينية بين الطرفين. ومن بين تلك الأوراق، ورقة اللاجئين، ولكن من اللاجئين الأفغان هذه المرة وليس السوريين المتواجدين في تركيا، حيث كشف نائب رئيس الوزراء التركي، ويسي كايناك، يوم الأحد الماضي في لقاء على قناة “سي إن إن ترك” أن تركيا تملك معلومات تفيد نحو 3 مليون لاجئ أفغاني في إيران ينوون التوجه إلى تركيا، وأن إيران تغض الطرف عن نزوح أولئك اللاجئين إلى تركيا، ولفت الوزير أن بلاده تملك معلومات تفيد بأن هؤلاء اللاجئين لا ينوون البقاء في تركيا وإنما العبور إلى أوروبا.
تركيا تملك معلومات تفيد أن نحو 3 مليون لاجئ أفغاني في إيران ينوون التوجه إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا
ومن نقطة العبور إلى أوروبا، استغل كايناك هذه النقطة ليقول لتركيا، بأنها اتفاق اللاجئين معها مجمد وأن الاستفزازات من قبلها لتركيا ومستمرة، لذا فإنه يحق لتركيا إعادة النظر باتفاقية إعادة القبول إذا لم تلتزم بتعهداتها ولايمكن الاستمرار بالاتفاقية بوضعها هذا. وهي رسالة أرسلتها أنقرة إلى بروكسل أن الحديث مع تركيا والتعامل معها يجب أن يكون في مستوى معين ولا يجب تجاوز الحدود؛ كما حصل مؤخرًا في منع الوزراء عن إلقاء خطب في مدن أوروبية، وإلا فإن تركيا ستضطر إلى التخلي عن حماية الحدود الأوروبية من خلال السماح للاجئين بعبور البحر إلى أوروبا.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
وكانت أنقرة تنتظر من الاتحاد الأوروبي إلغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك بحسب اتفاق بين الطرفين، وتسريع الإفراج عن مساعدات مالية سبق أن تعهدت أوروبا بها وتقدر بقيمة 3 مليارات يورو، لتلبية احتياجات اللاجئين في تركيا، واتخاذ قرار بشأن التمويل الإضافي، فضلا عن إعداد قرار بشأن افتتاح ملفات جديدة للتفاوض، بخصوص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، غير أن خلافات بين الجانبين عصفت بهذا الاتفاق وأوقفت تنفيذه.
وخلال الأشهر الأخيرة ارتفعت أعداد الأفغان الذين يصلون إلى تركيا ويتخذونها قاعدة للانطلاق منها إلى أوروبا، وهم يشكلون هاجسًا كبيرًا لأوروبا كون معظمهم من غير المتعلمين وتواجه الحكومات الأوروبية صعوبات كبيرة في دمجهم بالإضافة إلى المخاوف الكبيرة من أن يكون بينهم أشخاص ذوو توجهات إرهابية أو تلقوا تدريبات عسكرية على يد حركة طالبان أو تنظيمي القاعدة والدولة.
وصل أكثر من مليون مهاجر من الشرق الأوسط وإفريقيا وأماكن أخرى إلى ألمانيا منذ بداية 2015
ووصل أكثر من مليون مهاجر من الشرق الأوسط وإفريقيا وأماكن أخرى إلى ألمانيا منذ بداية 2015 وشكل الأفغان ثاني أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في ألمانيا بعد السوريين في 2016 بحسب بيانات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا. ويُذكر أن استقبال ألمانيا للاجئين أثار قلق الأحزاب المعارضة وزاد من شعبية الجماعات المناهضة للمهاجرين بشأن الأمن والاندماج، وهدد حزب ميركل من الاستمرار في الحكومة.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
وبدأت ألمانيا بتشديد سياسات قبول اللاجئين في الفترة الماضية وباتت ترفض طلبات اللجوء من الأفغان وتعيدهم إلى بلادهم، في ظل نبرة حادة من حزب التحالف المسيحي الديمقراطي (حزب ميركل)، توعد بترحيل كل من لم يمنح حق اللجوء في البلاد، حيث أعادت ألمانيا أول دفعة من طالبي اللجوء في ألمانيا إلى كابول بعد رفض طلبات لجوئهم وترحيلهم. وهي أول مجموعة يتم إعادتها إلى أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 2016 بعد اتفاق بين الحكومة الألمانية وكابول. علمًا أن عمليات الترحيل قوبلت باستهجان شديد من المنظمات الحقوقية والجمعيات العاملة في ألمانيا.
اللاجئون الأفغان
إذا كانت مأساة اللاجئين السوريين وليدة العاملين أو الثلاثة أعوام الفائته فإن مأساة اللاجئين الأفغان تمتد إلى الغزو الروسي لأفغانستان عام 1979م، وما تعرضت له البلاد بعد خروج الروس من حرب أهلية بين فصائل المجاهدين والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم، وقد وصل عدد اللاجئين الأفغان في العالم عام 1999 إلى ما يزيد عن 6.3 مليون لاجئ.
عدد اللاجئين الأفغان قبل 11 من سبتمبر 2001 بلغ 4 ملايين لاجئ موجودين في باكستان وإيران
وأشارت بيانات منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن عدد اللاجئين الأفغان قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 بلغ 4 ملايين لاجئ موجودين في باكستان وإيران، في حين أدت الحرب الأمريكية إلي هرب مليونين ونصف المليون من اللاجئين. وفي نهاية 2002 توزع اللاجئون الأفغان في أكثر من 15 دولة على رأسها باكستان وإيران والحدود مع طاجيكستان، وحدود أوزباكستان، وهناك نحو 15 ألفًا في الهند، في حين تحتضن ألمانيا نحو 20 ألفًا آخرين. ويعيش اللاجئين في ظروف سيئة حيث يعيش مليون لاجئ أفغاني في مخيمات مزدحمة في باكستان.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
ولم يتوقف تدفق اللاجئين الهاربين إلى دول الجوار، إيران وباكستان بسبب سوء الأحوال الأمنية في البلاد ومع استمرار تدفقهم اضطرت باكستان وإيران لإغلاق حدودهما لعدم قدرتهما على استيعاب كل الأعداد الراغبة في اللجوء إليهما. وطبقًا للبيانات المتوفرة من مفوضية شؤون اللاجئين في العام 2007 فهناك 2 مليون لاجئ في باكستان، 1.5 مليون لاجئ في إيران، ونحو مليون نازح مشتتين داخل أفغانستان، و1.5 مليون لاجئ أفغاني على الحدود، و 34 ألف لاجئ في عشرين دولة أوروبية.
لابد أن أوروبا سمعت التصريحات التركية فيما يخص اللاجئين الأفغان المتوجهين من إيران إلى تركيا عابرين إلى أوروبا، باهتمام بالغ، ومن المؤكد أن أوروبا لديها أوراق ومغريات لتركيا ستفردها أمام الحكومة التركية لإعادة العمل باتفاقية اللاجئين الموقعة معها لتجنب أي أزمة محتملة وخصوصًا وأن عدة دول أوروبية على باب انتخابات مصيرية كألمانيا وفرنسا تواجه فيها صعود اليمين المتطرف.