جاء د. م. أحمد عبد الحميد (34 سنة) المدير التنفيذي السابق لموقع “ساسة بوست” ضمن قائمة قادة الفكر المئة الأكثر تأثيرًا في العالم العربي، والتي صدرت نهاية 2016، وأعدّها مركز الأبحاث الأقدم في سويسرا عن طريق “الذكاء الجمعي” الذي يقيس وزن قادة الرأي في الخطاب العالمي، وذلك عبر برنامج إلكتروني طوره أحد باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، يقيس مدى محورية بعض الناس، عبر قياس علاقاتهم في ثلاث منصات إلكترونية وهي ويكيبيديا وتويتر والإنترنت (محركات البحث).
في إحدى مقالاته ذكر عبد الحميد أنه قد بدا له في أثناء حضوره معرض شبكة الصحفيين العالميين في برشلونة، وكأن صناعة تكنولوجيا الصحافة يسيطر عليها عدد كبير من الشركات الإسرائيلية الناشئة ابتداءً من شركات خلق وتحرير المحتوى، لممثلي وكالات الأنباء، لشركات تكنولوجيا عرض المحتوى الرقمي، فيما وصف تلك الصناعات بأنها “منقرضة أساسًا في عالمنا العربي.
سيُصبح كل شخص صانعًا وناشرًا للمحتوى المكتوب والمسموع والمرئي وذلك بتكلفة تساوي صفر
تكنولوجيا المحتوى
وصل عدد مستخدمي الإنترنت سنة 2016 لنحو 3.6 مليار شخص حول العالم، أي ما يُعادل تقريبًا 49% من حجم البشرية، منهم 2.7 مليار ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما وصل عدد مُستخدمي التليفون المحمول ما يقارب 4.8 مليار إنسان، ويبلغ حجم المحتوى العربي على الإنترنت نسبة ضئيلة للغاية هي 0.8% من جملة محتوى المواقع الإلكترونية، وتتربع الإنجليزية على عرش المحتوى بما نسبته 52.3%.
هكذا تُنبئنا الأرقام عن أي عصرٍ نعيش فيه! عصر التقنية والبيانات والمعلومات والمحتوى، مما جعل صانع التكنولوجيا الشهير بيل جيتس منذ 1996 يكتب مقالته الشهيرة “المحتوى هو الملك”، والتي ذكر فيها أنه كما أن ثورة التليفزيون ولّدت صناعات مهمة في مُقدمتها المحتوى التليفزيوني، فإن الإنترنت سيخلق دفقًا هائلًا من المحتوى ليس التقني فقط حيث برامج الكمبيوتر، ولكن سيُصبح كل شخص صانعًا وناشرًا للمحتوى المكتوب والمسموع والمرئي وذلك بتكلفة تساوي صفر، مما سيُشكل فرصًا هائلة لمن يحسن استغلالها.
التكنولوجيا مع من؟
إن الفيسبوك وتويتر وسناب شات واليوتيوب وهاتفك الذكي وحاسوبك اللوحي وغيرهم، كُلها أدوات صارت طيّعة في يدك، تنتظر منك أن تكون معك لا ضدك
إذًا سماء مفتوحة للتكنولوجيا والإنترنت يسكنها نصف الكوكب، مما جعل الدول والنظم السياسية التي ظنت يومًا أن المجتمع أصبح في قبضتها تراه اليوم يتفلّت من بين أيديها، ورغم ذلك أغلب مستخدمي الآلة التقنية لا يفهمونها، ولا يستوعبون بعد مقدار قدرتها على الخلق أو التدمير! يقول مارشال ماكلوهان صاحب نظريات وسائل الاتصال الجماهيري: “كل تغيير يصيب المجتمعات في الحقب الزمنية على مر التاريخ يرجع إلى شكل وسيلة الإعلام والاتصال التي تربط أفراد المجتمع بما حولهم”، فما شكل التغيير الذي نعيشه وننتظره؟ لقد طالعتنا صحيفة “الجارديان” عام 2010 بخبر يقول: “رضيعة ماتت من الجوع، بينما كان والداها يقومان بتربية طفلة افتراضية”، فهل ننتظر أن يكتبوا عنّا “أُمة ماتت بالقتل، بينما كانت تندب حظها بالمجتمعات الافتراضية”!
إن الفيسبوك وتويتر وسناب شات واليوتيوب وهاتفك الذكي وحاسوبك اللوحي وغيرها كُلها أدوات صارت طيّعة في يدك، تنتظر منك أن تكون معك لا ضدك، ولكنها لا ترنو للسذج أو قليلي الحيلة، الذين ما فتئوا يُريدون أن يصيروا أبطالًا وشهداءً على الشاشات ليجدوا الإعجابات والتعليقات بالمئات، وهم لم يفعلوا شيئًا! منشغلين بتجاذبات وجدالات يومية بشأن قضايا تافهة أو ثانوية، صنعها إعلام أمني أجاد الوصول لساحاتنا كالبُلهاء!
الحل أن تؤثر
الحل هو أن تتمكن من أدوات حرة ووسائل سهلة توصل بها رسالتك
يبدو الحل سهلًا وبسيطًا وهو أن تخرج من دائرة التأثّر إلى دائرة التأثير، وأن تضع نفسك رقمًا صعبًا في معادلة الوجود التقني والإلكتروني، يقول ماكلوهان: “بمعرفة كيف تُشكل التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها، ونتغلب تمامًا على نفوذها أو قدرتها الحتمية”، لا شك أن هذا يحتاج أفذاذًا في مجالات كالذكاء الاصطناعي والتعلم العميق والبيانات الضخمة وتعليم الآلة وإنترنت الأشياء والإنترنت الفضائي وغيرها، بل والأهم هو دراسة هذه الاتجاهات العلمية والتكنولوجية في ضوء العلوم الإنسانية والاجتماعية (الدراسات السايبيرية وعلم اجتماع الإنترنت واقتصاد المعرفة والدراسات الإعلامية وغيرها)، ولكن دعونا ننطلق من الرجل العادي – أنا وأنت – غير المهتم بأي من العلوم السابقة، الذي يعيش حياته في شاشة هاتفه أو جهازه، يغضب بتعليق ويبكي ويناصر ويعادي بضغطة زر، ويُصبح فعله كل فعله هو تغيير صورة حسابه الشخصي تضامنًا مع الأحداث أو رفضًا للواقع!
الحل هو أن تتمكن من أدوات حرة ووسائل سهلة توصل بها رسالتك، إن نحو مليار ونصف مسلم في العالم قد دخلوا صراعًا مريرًا، يقول أنجل راباسا أحد باحثي مؤسسة “راند” إحدى أهم خلايا التفكير الأمريكية: “ما يجري هو صراع داخل الإسلام لتحديد هويته”، فها قد بدأت الحرب منذ زمن طويل في معركة أشعلوها لـ “كسب العقول والقلوب”، والسبيل هو أن تصنع أنت كلماتك وتبلّغ رسالاتك وتحيي أفكارك وتخطو بعمرانك، إلا أننا في لحظة عصيبة، فالرموز الإسلامية يتساقطون واحدًا تلو الآخر، وكراسي العُلماء والدعاة والوعّاظ صارت شاغرة، ومنابر المفكرين والمُصلحين والقادات باتت خالية، والعالم الإسلامي ينتظر طليعة جديدة وغرس جديد، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ في هذا الدينِ غَرْسًا، يَسْتَعْمِلُهم فيه بطاعتِه إلى يومِ القيامةِ”. (حديث حسن).
من أين نبدأ؟
ما نريده هو أن نفهم فكرة بسيطة، أن الإسلام ملكنا نحن وليس ملكًا لحزب أو جماعة أو تيار، وأنه قضيتنا ورسالتنا
الساحة فُتحت وأطلق التقدم التقني اللسان وها هو متلهف لنور البيان، بيان يربو من بين ضلوع شباب حر، يحمل رسالته في عينه ويلهبه الحماس ولا يستغرقه الوجدان، ويؤسس للأفكار على منهج الفضل والرحمات (منهاج النبوة)، ثم يتحرك، لا سبيل إلا أن نتحرك.
يُذكّرنا ماكلوهان فيقول: “الوسيلة هي الرسالة”، أي أن دعوتك ورسالتك ستؤثر عليها الوسيلة أبلغ الأثر، هذا يجعلنا منتبهين فها نحن نرى مواقع ومنصات وتطبيقات وأدوات تكنولوجية وإلكترونية ننشئها نحن العرب أو ينشئها غيرنا، وهنا أسأل سؤالًا: “دُلني على موقع واحد يُعلّمك كيف تدعو إلى الله؟”، قل لي اسمه.
إن المحتوى الدعوي الإسلامي في 99% منه يقول لك كيف تُصبح مسلمًا صالحًا جيدًا (أنت في نفسك)، ورغم كل هذه الإمكانيات التي تُتيحها التقنية، ليس قادرًا بعد أن يُملّك الناس أدوات ووسائلاً وآليات وطرقًا وحلولًا ليكونوا ترسًا في حركة الإسلام، فرغم أن المحتوى الرقمي غالبًا ما يكون تفاعليًا إلا أن ما نراه من محتوى إسلامي – إن وجد – هزيل وضعيف وتقليدي وقاصر ومشوش وبائس، إذًا هذا هو ميدانك.
ما نريده هو أن نفهم فكرة بسيطة، أن الإسلام ملكنا نحن وليس ملكًا لحزب أو جماعة أو تيار، وأنه قضيتنا ورسالتنا، {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108)، وكي نحقق البصيرة علينا أن نستوعب أدوات العصر وحقيقته، فإن كان سناب شات يُحقق أكثر من 10 مليار مشاهدة يوميًا للفيديوهات عليه والفيس بوك 8 مليار، فنحن أمام لحظة كبرى تقول إن من الواجب أن نحضر برسالتنا وبلاغنا للناس عبر هذه الأدوات، ولا شك أنني لا أقصد حضورًا تقليديًا ولا حماسيًا فارغًا، لذا سنخصص مقالتنا القادمة لنقدّم مقترحًا عمليًا واضحًا مُحددًا، ستكون جملة السر فيه ومُنطلق ثورته الكبرى هي (دعوة مفتوحة المصدر)!