من يقف وراء تمويل الأحزاب السياسية في تونس؟

132

ترجمة وتحرير نون بوست

التزمت أربعة أحزاب فقط من بين 252 حزبا سياسيا تونسيا، تم إنشاؤه سنة 2011، بالقانون الذي ينصّ على الإعلان على مصادر التمويل. في حين أن البقية ينشطون بمصادر تمويل لا تكفي لتضمن لهم مكانة هامة على الساحة السياسية في تونس.

من انتخابات إلى أخرى، يثير المجتمع المدني التونسي قضية مصادر تمويل الأحزاب السياسية. في المقابل، تستميت بعض هذه الأحزاب في عدم البوح بمصادر تمويلها، حيث أنهم يفضلون كتمان ذلك على الرغم من أن بعضهم ملتزم بمبدأ الشفافية. وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات البلدية، المزمع إجراؤها خلال شهر أيلول/سبتمبر سنة 2017، ستعيد فتح هذا الموضوع من جديد.

كما ذكرنا سابقا، فإن أربعة أحزاب فقط من بين 252 التزموا بالقانون الذي ينصّ على الإعلان عن مصادر تمويلها على حزب حركة النهضة، وحزب نداء تونس، وحزب التيار الديمقراطي، وحزب آفاق تونس، حيث أنهم يقدمون تقاريرهم المالية إلى ديوان المحاسبة للبتّ فيها. ومن بين هذه الأحزاب الأربعة، يعدّ حزب حركة النهضة أفضلهم، حيث أنه صرح على الملأ بميزانيته لسنة 2017 التي قُدّرت بحوالي 5.8 مليون دينار، أي ما يعادل 2.4 مليون يورو. وقد شهدت هذه الميزانية ارتفاعا بلغ ستة بالمائة مقارنة بسنة 2016. ويعكس هذا الارتفاع في الميزانية إلى ارتفاع شعبية حزب حركة النهضة ومدى نجاعة نظامه الداخلي.

راهن عدد كبير من رجال الأعمال على أحزاب تكتسي شرعية تاريخية، من بينها الحزب الجمهوري والتكتل، بالإضافة إلى حزب المسار

في هذا الصدد، أكد مجلس الشورى، الذي يدير حزب حركة النهضة، على أن ميزانية الحركة تتغذى أساسا من الهبات والتبرعات من حوالي مليون عضو، يساهمون بين 5 بالمائة إلى 10 بالمائة في عائدات الحزب المالية.

لعبة “روليت”

يجب أن نشير إلى أمر هام، وهو أن حزب حركة النهضة تستثمر جزءا من أموالها في مشاريع تدر عليها أرباحا مالية هامة، لكن لم يصرح أي مسؤول أو عضو عن طبيعة هذه المشاريع الاستثمارية. من جانب آخر، أكد عضو المكتب السياسي لحزب حركة النهضة، علي بوراوي، أن “الحركة لا تتلقى تمويلا خارجيا”، دون أن يخفي حقيقة دخول بعض رجال الأعمال على خط التمويل.

في نفس السياق، ذكر العضو عبد اللطيف المكي، أن مؤتمر حزب حركة النهضة العاشر، الذي نُظّم خلال شهر أيار/مايو سنة 2016 بتكلفة مالية تُقدر بحوالي تسعة مليون دينار، أن “هذا المؤتمر مُوّل عن طريق الهبات التي قدمها الأعضاء”. وفي الواقع، تعدّ تبرعات الأعضاء المصدر الأساسي لتمويل الحزب خلال انتخابات سنة 2011، حيث ذاع صيته خلال هذه السنة مما أدى إلى استقطاب العديد من الناشطين فضلا عن الجهات المانحة الهامة.

والجدير بالذكر أنه خلال نفس السنة، راهن عدد كبير من رجال الأعمال على أحزاب تكتسي شرعية تاريخية، من بينها الحزب الجمهوري والتكتل، بالإضافة إلى حزب المسار. كما راهن رجال الأعمال على هذه الأحزاب كمن يشارك في لعبة “روليت” للقمار، بمعنى أنه لا يمكن ضمان بصفة قطعية فوز الحزب الذي يدعمه.

من جهتهم، عبّر رجال الأعمال على غرار صاحب مؤسسة “غلوبال نت” الناصر شقرون، عن دعمهم للأحزاب التي يحبذونها عشية انتخاب الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. وقد وقف شقرون، في تلك الفترة، إلى جانب المرشح للرئاسة بصفة مؤقتة، المنصف المرزوقي، قائد حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

يشارك بعض رجال الأعمال في تمويل أحزاب لغض الطرف عن ماضيهم. أما البقية، فيدفعون أموالهم استجابة إلى ميولاتهم الإيديولوجية

الاعتماد المالي في مواجهة الوعود

في المقابل، اتّضح خلال سنة 2014، أن نظام التمويل عن طريق المراهنة أضحى نظاما ممنهجا خاصة خلال فترة تنظيم الانتخابات. ولم تعد المراهنة على الطرف الذي سيربح مبنية على الصدفة، بما أن الفصل 89 من دستور سنة 2014 ينص على الآتي: “بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات النهائية، يكلف رئيس الجمهورية المرشح المنتمي إما إلى الحزب أو إلى التحالف السياسي الذي ظفر بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، بتشكيل الحكومة”. بالنسبة للتحالفات السياسية، ففي حالة اتساع رقعة الأحزاب المتحالفة فيما بينها، فإن ذلك سيعزز من حظوظها في التواجد على قائمة الحكومة الجديدة مهما كانت تركيبتها، وسيؤدي إلى الظفر بأكثر عدد من مقاعد البرلمان.

من جانب آخر، يشارك بعض رجال الأعمال في تمويل أحزاب لغض الطرف عن ماضيهم. أما البقية، فيدفعون أموالهم استجابة إلى ميولاتهم الإيديولوجية. وقد نجح بعض رجال الأعمال على غرار، محمد فريخة (حزب حركة النهضة)، ومنصف السلامي ورضا شرف الدين (نداء تونس)، في الفوز بمركز سياسي. لكن لا بد من التنويه بأن رجال الأعمال الآنف ذكرهم، دعموا كلا من حزب حركة النهضة ونداء تونس نظرا لثقلهما السياسي في البلاد.

في الواقع، ترد الأحزاب على التمويلات المقدمة من قبل رجال الأعمال بتقديم وعود. وقد رأينا ذلك، لحظة تركيز مشروع المصالحة الوطنية، الذي اقترحه حزب حركة النهضة، إذ كان مبنيا على شرطيْن إما إرساء تحالف بين بعض الأحزاب السياسة أو محاربة الإسلام السياسي، ما من شأنه أن يوافق تطلعات الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، إبان الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت سنة 2014.

تقرير لمنظمة “أنا يقظ” عن مصادر تمويل بعض الأحزاب

أما بالنسبة للأحزاب الأقل حظا، فإن المانحين عبارة عن حلقة من الأصدقاء تساهم بحوالي 10 بالمائة في دعم هذه الأحزاب. وفي هذا الإطار، علق أحد المقربين من أحمد نجيب الشابي أنه “خلال فترة تنظيم الانتخابات، تتحول الأحزاب السياسية إلى أشبه بحسابات بنكية سياسية، حيث يجمع كل حزب سياسي حوله أكبر عدد من المانحين وينظمون معهم اجتماعات سرية”. وخلافا لذلك، يعتبر الخبراء أن مليون دينار كافية لتنظيم حملة انتخابية “مُحترمة”.

من جانب آخر، صرح حزب نداء تونس، أن ميزانيته تتجاوز مليونيْ دينار سنة 2013، إلا أن مصادر تمويله لم تُصبح معروفة إلا عندما أضحت رقما سياسيا هاما في تونس. ومن جهته، يعدّ رجل الأعمال شفيق جراية ممولا هاما للحزب. بدوره، أقر حزب آفاق تونس سنة 2015، أن ميزانيته تُختزل في مبلغ جملي قدره 495 ألف دينار جمعها من جيوب أعضائه في إطار الدعم والهبة.

كذلك الحال بالنسبة للجبهة الشعبية، وهو صاحب قاعدة جماهيرية لا بأس بها. من جهته، يتغذى حزب الإتحاد الوطني الحر، من ثروة مؤسسه سليم الرياحي في حين تتلقى باقي الأحزاب تمويلا كلّما انظم لها أعضاء جدد، خاصة أولئك الذين انشقوا عن أحزاب لها وزن سياسي في البلاد.

تعتبر التدابير التي اتخذتها المحكمة الإدارية في شأن الأحزاب التي تتكتم عن مصادر تمويلها بالغير فعالة حيث أن هناك تلاعبا في تقديم التقارير المالية. بالإضافة إلى ذلك، تتعمّد هذه الأحزاب تقديم حسابات مالية غير دقيقة معدة لتمويل الحملة الانتخابية

عموما، يتكفل المانحون بالتكاليف المرتبطة بأنشطة الحزب الذي يمولونه، من خلال الدعم اللوجستي وكراء المقرات، بالإضافة إلى حجز قاعات للاجتماع وتوفير تكاليف التنقل، التي تُعتبر أغلبها باهظة الثمن. في المقابل، بإمكان هذا التمويل المباشر أن يؤدّي إلى عدّة انشقاقات داخل الحزب. في شأن ذي صلة، توزّع بعض الأحزاب خلال مؤتمراتها شطائر على ناشطيها وتشركهم في رحلات ترفيهية. 

على الرغم من أن كل حزب يعمل على تعزيز مركزه السياسي عبر استقطاب أكبر عدد من المؤيدين، إلا أن البعض لاحظوا أن نفس الأشخاص يشاركون في مؤتمرات أكثر من حزب. وقد أشار الناشط في الجبهة الشعبية، عزيز بوثور، إلى أن “الخلايا الحزبية الجهوية هي التي تمول الخلايا الحزبية المركزية على عكس ما يعتقده البعض”.

بغض النظر عن فترة الانتخابات، يوجد ضمن كل حزب مركز يدير ميزانيته بما يمليه الناشطون المانحون. وفي بعض الأحيان، يكون لهؤلاء الناشطون الكلمة الفصل أمام قادة الأحزاب التي يغذونها من أموالهم. وفي هذا الإطار، أفاد عزيز بوثور، أن “المانحين يؤمنون بأن لهم نصيب في اتخاذ القرار داخل الحزب الذي يمولونه مما يسبب في أغلب الأحيان، انشقاقات داخلية داخل الحزب الواحد، تفضي إلى استقالة عدة ناشطين للانضمام إلى أحزاب أخرى”. وبالتالي، قد تعيد هذه الظاهرة السياسية خلط الأوراق من جديد خلال الانتخابات البلدية القادمة.

وتعتبر التدابير التي اتخذتها المحكمة الإدارية في شأن الأحزاب التي تتكتم عن مصادر تمويلها بالغير فعالة حيث أن هناك تلاعبا في تقديم التقارير المالية. بالإضافة إلى ذلك، تتعمّد هذه الأحزاب تقديم حسابات مالية غير دقيقة معدة لتمويل الحملة الانتخابية.

ماذا قال المشرعون؟

اتُّهمت قطر بتمويل كل من حملة حزب حركة النهضة الانتخابية وحملة المؤتمر من أجل الجمهورية سنة 2011، لكن لم يصدر البنك المركزي التونسي أي قرار في هذا الشأن​​

ينظم المرسوم التشريعي عدد 87، والمؤرخ في 24 أيلول/سبتمبر سنة 2011، آليات تقديم التبرعات والهبات من الأفراد لصالح الأحزاب السياسية، بشرط أن يختزل المبلغ المقدم بين 1200 و60 ألف دينار سنويا، أي ما يعادل 24600 يورو. وينص المرسوم التشريعي أيضا على أن “كل حزب أن ينشر تقاريره المالية في صحيفة تونسية أو على موقعه الخاص على الانترنت، ويقدمها بعد ذلك إلى ديوان المحاسبة مع حظر أي شكل من أشكال التمويل الأجنبي”.

في المقابل، اتُّهمت قطر بتمويل كل من حملة حزب حركة النهضة الانتخابية وحملة المؤتمر من أجل الجمهورية سنة 2011، لكن لم يصدر البنك المركزي التونسي أي قرار في هذا الشأن. ويعتبر حزب العريضة الشعبية، بقيادة الهاشمي الحامدي، الحزب الوحيد الذي احترم المرسوم التشريعي عدد 87 عندما نشر تقريره المالي سنة 2011.

توجد أحزاب سياسية أخرى تعمل على التهرب من الرقابة التي تفرضها المؤسسات المالية في تونس، مما يسهل تلقيها لدعم مالي خارجي. وخلال الحملة الانتخابية، لا تُخصص المنح الحكومية إلا للأحزاب التي على شفير الهاوية، أي التي تعاني شحا ماليا.

وزوّعت الحكومة، خلال الانتخابات التشريعية سنة 2014، قرابة 12 مليون دينار على 1200 قائمة انتخابية حيث يعتبر هذا المبلغ “بلغة المنافسة السياسية” زهيدا جدا ولا يكفي لتغطية تكاليف عدة أحزاب تريد أن تحقّق مكاسب هامة مع نهاية الانتخابات. وعلى الرغم من أن حزب حركة النهضة لم يصدقه أحد عندما اعترف بإنفاقه لحوالي 400 ألف دينار خلال حملته سنة 2011، إلا أنه لم يتم مطالبته من قبل أي طرف سياسي بالكشف عن حساباته المالية. 

المصدر: جون أفريك