مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في الجزائر المزمع إجراؤها في الرابع من مايو المقبل، بدأت السلطات الجزائرية في إجراءات من شأنها أن تقيد عمل وسائل الإعلام وتحدّ من حرية التعبير بدعوى الحياد وعدم المساس بالأمن العام والدولة.
خطوط حمراء
لضمان حسن سير الانتخابات البرلمانية، كما تروج، وضعت الحكومة الجزائرية خطوطًا حمراء أمام الفضائيات المحلية الخاصة والأجنبية لتغطية هذا الاستحقاق الانتخابي، حيث وجّهت وزارة الإعلام، أمس الثلاثاء، منشورًا إلى صحافيي القنوات التليفزيونية ومسؤوليها ومراسلي وسائل الإعلام الأجنبية، تنبههم إلى “ممنوعات” خلال المتابعة الإعلامية لمجريات حملات الانتخابات التشريعية القادمة.
الميثاق الذي تم توزيعه تحت اسم “ميثاق لتغطية إعلامية أخلاقية منصفة للانتخابات التشريعية”، تضمّن عشر نقاط بشأن ضوابط التغطية الإعلامية للانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع من مايو المقبل، على الصحف والقنوات الالتزام بها خلال تعاملها مع هذا السباق.
حذرت وزارة الإعلام الجزائرية من “البث المباشر لحوارات وتصريحات سياسية من شأنها المساس بالأمن العمومي والدولة”
من بين هذه الخطوط الحمراء التي تضمنها ميثاق السلطات الحاكمة، “حظر كل إهانة أو خطاب فيه إساءة أو شتم أو قذف ضد شخص رئيس الجمهورية (عبد العزيز بوتفليقة) أو الهيئة التي يمثلها رئيس الجمهورية“، في إشارة إلى الهيئة المستقلة العليا لمراقبة الانتخابات التي أنشئت يوم 6 من مارس 2016 بموجب المادة 194 من الدستور الجزائري المعدّل ويترأسها الدبلوماسي السابق عبد الوهاب دربال.
وأوضحت السلطات الرسمية أن استضافة مرشحي الانتخابات أو ممثليهم في الإعلام ينبغي أن تكون مضبوطة وفق خطط توضع مسبقًا لمنع أي تجريح أو مساس أو انتقاد للرئيس بوتفليقة.
كما حذرت وزارة الإعلام الجزائرية من “البث المباشر لحوارات وتصريحات سياسية من شأنها المساس بالأمن العمومي والدولة أو تؤدي إلى انزلاقات منافية للأخلاقيات السياسية والصحفية” أو “العمل على تجريد الانتخابات من مصداقيتها وإعطاء الكلمة لأحزاب تدعو للمقاطعة.”
مخاوف من الحدّ من حرية التعبير بدعوى الحفاظ على الأمن
وجاء في الوثيقة التي وجهت لوسائل الإعلام المحلية أن “تغطية الانتخابات تستدعي من مختلف وسائل الإعلام ضمان خط منصف ومحايد وموضوعي بالإضافة إلى التحلي بروح المسؤولية،” وتحاول السلطات الجزائرية من خلال هذه الوثيقة التحكم في عمل وسائل الإعلام المحلية والسيطرة على محتواها وإجبارها على الامتناع عن إعطاء الفرص لدعاة مقاطعة الانتخابات، والتزم الدعوة إلى التصويت وتوعية الناخبين بشأن ممارسة حقهم في التصويت.
منع 45 قناة من تغطية الانتخابات
إلى جانب ذلك، قرّرت السلطات الجزائرية السماح لخمس قنوات جزائرية محلية مستقلة فقط بتغطية الانتخابات البرلمانية المقبلة بالإضافة إلى التليفزيون الحكومي، فيما منعت 45 قناة أخرى ترفض الاعتراف بوجودها بدعوى أنها تنشط بشكل غير قانوني.
ويتعلق الأمر بكل من قنوات “الشروق” و”النهار” و”دزاير”، و”الجزائرية” و”الهقار”، التي تمتلك تراخيص عمل في الجزائر كقنوات أجنبية منذ عام 2012، قبل صدور قانون السمعي البصري في الجزائر في أبريل 2015، وقبل إنشاء سلطة ضبط السمعي البصري في مايو 2016، والتي لم تصدر بعد دفتر شروط إنشاء القنوات المستقلة، بما سيتيح للقنوات الخمسة وباقي القنوات الأخرى غير المرخص لها بتسوية وضعها القانوني، فيما تتبع القنوات الأخرى والتي يبلغ عددها نحو 45 قناة، وتعمل من دون أي وضع قانوني، مباشرةً للسلطة العمومية التي تتحكم في مصيرها.
أبقت حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على حصرية النقل المباشر لأجواء الحملة الانتخابية للتليفزيون الرسمي
ويسمح لهذه القنوات الخمسة فقط، إلى جانب القناة الحكومية، القيام بتغطيات خاصة بالانتخابات، بداية من الحملة الانتخابية مرورًا بعملية التصويت وانتهاءً بالإعلان عن النتائج، حسب السلطات الجزائرية، وأبقت حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على حصرية النقل المباشر لأجواء الحملة الانتخابية للتليفزيون الرسمي ،وأثار هذا القرار حفيظة العديد من الوسائل الإعلامية التي تساءلت عن المعايير التي اعتمدتها الحكومة في منح الترخيص لبعض هذه القنوات دون الأخرى.
وزير الإعلام حميد قرين
وزير الإعلام الجزائري حميد قرين، هدّد أيضًا، بمعاقبة كل وسيلة إعلامية تقع تحت طائلة الممنوعات التالية: استعمال أي طريقة إشهارية تجارية لغرض الدعاية الانتخابية ونشر وبث سبر الآراء واستطلاع نوايا الناخبين في التصويت وقياس شعبية المرشحين على المستوى الوطني قبل 72 ساعة من تاريخ الاقتراع وخمسة أيام بالنسبة للجالية المقيمة بالخارج.
وتمثّل هذه الانتخابات، حسب مراقبين، مجالاً للسلطات الحاكمة لاختبار مدى التزام القنوات بالخط السياسي العام لها وبتوجهاتها وعدم تجاوز “الخطوط الحمراء” التي ترسمها، وفقًا لمصالحها السياسية، قبل منحها التراخيص النهائية.
492 قائمة انتخابية
في غضون ذلك، تستعد الأحزاب لخوض سباق الانتخابات التشريعية الذي يبدأ مع انطلاق الحملات الانتخابية يوم 9 من أبريل القادم، سواء منفردة أو في إطار تحالفات، وتضم الجزائر حاليًا 71 حزبًا سياسيًا، ومن المنتظر أن تبدأ الحملة الانتخابية مهما كانت وسيلتها وشكلها قبل 25 يومًا من تاريخ الاقتراع وتنتهي قبل ثلاثة أيام من تاريخ الاقتراع.
إلى جانب ذلك، كشف رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات في الجزائر عبد الوهاب دربال، أول أمس الإثنين، عن مشاركة 492 قائمة انتخابية موزعة على أحزاب ومستقلين في داخل وخارج البلاد، من بين 1088 قدّمت ملفاتها إلى وزارة الداخلية.
سبق أن أعلن حزبان فقط مقاطعة هذا الموعد الانتخابي بدعوى عدم وجود ضمانات لنزاهته
ما زالت وزارة الداخلية في الجزائر هي الهيئة المشرفة على تنظيم الانتخابات، رغم إنشاء هيئة مستقلة في هذا الشأن، وهو ما يثير مخاوف قوى المعارضة بشأن عدم شفافية الاستحقاقات الانتخابية وإمكانية تلاعب السلطة بنتائجها، خاصة في ظلّ تصريح لرئيس الهيئة الدستورية لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال، في برنامج بثته الإذاعة الجزائرية، كشف فيه عدم قدرته على ضمان حياد موظفي وأعوان وزارة الداخلية في الانتخابات البرلمانية ، وقال بودربال إن الهيئة لا تضمن حياد موظفي وزارة الداخلية باعتبارها الهيئة المشرفة على الانتخابات، لكنها ستعمل ما في وسعها لضمان نزاهة الانتخابات المقبلة.
وسبق أن أعلن حزبان فقط مقاطعة هذا الموعد الانتخابي بدعوى عدم وجود ضمانات لنزاهته وهما حزب طلائع الحريات (وسط) الذي يقوده علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق (2000-2003)، وحزب جيل جديد (علماني) وهو حزب أسسه عام 2012 جيلالي سفيان القيادي المنشق عن حزب التجديد الجزائري.
ويتنافس المترشحون في هذا السباق الذي أعلنت أغلب الأحزاب المشاركة فيه، على 462 مقعدًا في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) موزعة بين 48 محافظة (كل محافظة تمثل دائرة انتخابية)، كما خصصت 8 مقاعد (من 462 مقعدًا) للجالية في الخارج حيث توجد 4 دوائر انتخابية وهي فرنسا بدائرتين ودائرة تخص المشرق العربي ودائرة تضم باقي أوروبا وأمريكا.
وتعتمد الجزائر نظام القائمة المغلقة في الانتخابات البرلمانية، حيث تمنح المقاعد حسب عدد المصوتين لكل قائمة وترتيبيًا من رأس القائمة إلى نهايتها، وبلغ عدد الناخبين بعد مراجعة استثنائية لسجلاتهم الشهر الماضي 23 مليونًا و276 ألفًا و550 ناخبًا من بين 40 مليونًا هو عدد السكان الإجمالي.