كشفت وزارة النفط العراقية عن تحالف يضم “توتال إنرجي” الفرنسية و”قطر للطاقة” وشركة “نفط البصرة”، هدفه إنجاز حزمة مهمة من مشاريع الطاقة الإستراتيجية في العراق، وتمثل الخطوة الأخيرة التي أعلن عنها في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، وكيل وزير النفط ورئيس لجنة الإدارة المشتركة لمشروع توتال الجنوب المتكامل، باسم محمد خضير، نقلة نوعية في مجال صناعة النفط والطاقة بما يعزز إمكانات البلاد النفطية والطاقوية.
الاتفاقية ومشاريع الطاقة
تقول الأكاديمية والباحثة في الاقتصاد الدولي، ماردين محسوم فرج، إنّ الشركة الفرنسية عقدت اتفاقيات رئيسية متعددة الطاقة في العراق من أجل تنفيذ مشروع نمو الغاز المتكامل (GGIP) لمدة عقدين وقابلة للتمديد، وإنّ الهدف الأساسي من هذه الاتفاقية تعزيز تنمية الموارد الطبيعية في العراق لتحسين إمدادات الكهرباء في البلاد بما فيها زيادة إنتاج النفط والغاز.
توضح فرج في حديثها لـ”نون بوست”، أن الاتفاقية نصت على استثمار شركة “توتال إنرجي” وشركائها ما يقرب من 10 مليارات دولار لمدة 20 سنة، يتم خلالها تطوير إنتاج حقل “أرطاوي” النفطي لتعزيز كميات النفط والغاز المنتجة من 85 ألف برميل في اليوم إلى 210 آلاف برميل.
وتشير الباحثة إلى أن الاتفاقية تشمل إنشاء مشروع لمعالجة مياه البحر المركزي المتضمن محطة للمعالجة وأنابيب توصيل للحقول المنتجة لأغراض الحقن والإدامة وتعزيز إنتاج النفط بشكل أساسي، وتحسين إنتاج الغاز المصاحب فضلًا عن محطة لسحب المياه وأنابيب ناقلة للمياه الخام.
وتضيف فرج “سيتم إنشاء محطة تجميع ومعالجة الغاز الطبيعي بسعة (600) مقمق/يوميًا بمرحلتين، ومدّ شبكة أنابيب ناقلة للغاز المصاحب في الحقول النفطية العملاقة، مع تدشين محطة توليد طاقة شمسية بقدرة (1000) ميجا واط لدعم المشاريع، ورفد الشبكة الوطنية بالكهرباء.
وتعهدت الشركة من خلال الاتفاقية – بحسب الأكاديمية – باستخدام أفضل التقنيات وأحدث الموارد لإنتاج النفط لمنع الأضرار البيئية، وحددت التدابير والإجراءات التي تكفل السلامة البيئة والصحية للإنسان، وتتحمل الشركة المساءلة القانونية في حال الإخلال ببنود الاتفاقية.
الفوائد المتوقعة للعراق
يرجح الخبراء أن يسهم هذا التحالف في تحسين واقع الطاقة في العراق، وستكون له انعكاسات إيجابية على مختلف القطاعات الاقتصادية في عموم البلاد.
وتؤكد فرج أن هذه الاتفاقية ستكون لها آثار إيجابية مباشرة على قطاع الطاقة المتمثّل بمشاريع تطوير الإنتاج لا سيما النفط والغاز والكهرباء، فضلًا عن تأثير غير مباشر على باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وتتوقع الباحثة أن يدر المشروع أرباحًا كبيرةً على الدولة العراقية، من خلال استغلال موارد العراق ممثلة بالنفط والغاز وبتكاليف أقل بالنسبة إلى المشاريع المشابهة خصوصًا الثروة الغازية التي يتم هدر ملياري دولار منها كل عام.
وتذكر فرج كثيرًا بالفوائد التي ستحققها المشاريع المرتقبة، منها رفع قدرة العراق الإنتاجية لقطاع الطاقة وتقليل الهدر، ورفع قدرة الاقتصاد واستقلاليته، كما تدعم مخرجات المشروع توسيع أفق صناعة البتروكيماويات والأسمدة، ويساهم في إدخال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في العمليات النفطية والغازية، وتطوير خبرات الكوادر العراقية وتدريبها.
وتقدر الأكاديمية تكلفة المشاريع المدونة داخل العقد بحدود 27 مليار دولار، فيما الأرباح المتوقعة من تطوير حقل “أرطاوي” النفطي، بنحو 81.6 مليار دولار، والأرباح المتوقعة من الاستثمار في حقول الغاز 22.2 مليار دولار، فيما تصل أرباح معالجة المياه إلى أكثر من 125.5 مليار دولار.
وتوضح فرج أن نسبة العوائد التي تحصل عليها الحكومة العراقية من هذه المشاريع تبلغ 85%، بينما تذهب نسبة 15% إلى المستثمر، مشددة على أن مقدار استفادة العراق من هذه الاتفاقية مرهون بمدى الالتزام بتنفيذ بنودها والعمل وفق المواد المذكورة فيها.
أهمية التحالف الثلاثي
يمثّل التحالف الثلاثي بين العراق وفرنسا وقطر فرصة مهمة لتطوير قطاع النفط والطاقة العراقي، وتحقيق فوائد اقتصادية وبيئية مستدامة وتعزيز مكانة العراق على الساحة الدولية كلاعب مهم في صناعة الطاقة.
يقول أستاذ التنمية الاقتصادية، الدكتور نبيل جعفر عبد الرضا، إنّ الحصص توزّعت لتأخذ شركة نفط البصرة 30% والشركة الفرنسية 45%، بينما شركة قطر للطاقة تحصل على 25% من عوائد هذه المشاريع.
يبيّن عبد الرضا في حديثه لموقع “نون بوست”، أنه إضافةً إلى المشاريع التي تم ذكرها سابقًا، فإن هناك مشروعًا واعدًا لمد أنابيب الغاز القطري عبر العراق نحو أوروبا، فالمسافة بين ميناء أم قصر العراقي وميناء حمد القطري نحو 650 كيلومترًا فقط.
ويوضح أنه يمكن إنشاء محطات استقبال الغاز القطري في ميناء أم قصر وتحويلها عبر الأنابيب، وهذا يلبي جزءًا من الحاجة العراقية إلى الغاز، ويمر الباقي إلى أوروبا.
وينوه أستاذ التنمية الاقتصادية أنّ المشروع الجديد لن يضيف كمية كبيرة من النفط إلى الطاقة الإنتاجية في العراق، ويستهدف فقط رفع مستوى الإنتاج بمقدار 125 ألف برميل يوميًا وهي إضافة محدودة.
ويستدرك “لكن من الممكن أن يكون مشروع الغاز المتكامل مدخلًا لتأسيس مشاريع جديدة ثلاثية بين العراق وفرنسا وقطر، لا سيما في تنفيذ بعض مشاريع التكرير، والبتروكيمياويات الأساسية، خاصةً مصفى الفاو الإستراتيجي الذي ستكون طاقته التصديرية 300 ألف برميل يوميًا”.
ويعرب عبد الرضا عن اعتقاده بأن يسهم التعاون الثلاثي في تنفيذ مشروع النبراس وهو أكبر مشروع للبتروكيمياويات في الشرق الأوسط، وبالتالي من الممكن أن تكون هناك بوادر لمشاريع جديدة بين العراق وقطر وفرنسا.
ويؤكد أستاذ التنمية الاقتصادية أن كل ما ينفذه هذا التحالف الثلاثي من مشاريع جديدة في قطاع الطاقة العراقي يؤدي إلى تعزيز موقع العراق في سوق النفط والغاز العالمية، خصوصًا إذا اتجه نحو تطوير الطاقة الإنتاجية لحقول النفط العراقية، حيث يمتلك العراق رابع أكبر احتياطي نفط بالعالم، لكن طاقته الإنتاجية لا تتناسب مع احتياطاته الكبيرة.