تُقبل أسواق المنطقة العربية وشركاتها على مستقبل مختلف يحمل الكثير من الفرص وبنفس الوقت التحديات لكثير من الشركات على اختلاف تخصصاتها، فقد تصبح المحال التجارية شيء من الماضي لصالح التسوق الإلكتروني الذي يزداد حجمه يومًا بعد آخر، وبدل أن يخرج الشخص للتسوق ما عليه سوى الجلوس أمام شاشة الحاسب واختيار المنتج الذي يريد من بين الكثير من الخيارات الموجودة أمامه، ولن تقتصر هذه الخدمة على فئة الأغنياء دون غيرها بل ستستفيد منها كل الطبقات في المجتمع. ومن غير المستبعد في الأعوام القادمة أن يصبح التحدي الرئيسي أمام الشركات هو خاصية التسوق الإلكتروني، وكيفية التأقلم مع شكل التجارة الجديد.
التسوق الإلكتروني في العالم العربي
لم ينتشر التسوق الإلكتروني في العالم العربي سوى في العقد الماضي، فدبي اعتمدت قانون التجارة الإلكترونية في العام 2002، وتم افتتاح أكبر شركة، “سوق.كوم” لبيع المنتجات بالتجزئة إلكترونيًا في العالم العربي منذ العام 2011 (العام الذي أطلق فيه قسم البيع بالتجزئة).
وشاع التسوق الإلكتروني في العديد من الأقطار العربية سواءًا في الدفع الإلكتروني أو في الدفع عند الاستلام، حيث شهدت الدول العربية نموًا على صعيد التجارة الإلكترونية بمبيعات بلغت ما يقارب 15 مليار دولار سنويًا، استحوذت تذاكر السفر والأجهزة الكهربائية على 40% من حجم تلك التجارة عربيًا، بحسب التقرير السنوي لشركة “بيفورت” عن حالة المدفوعات في العام 2016 الذي يرصد قطاع التجارة الإلكترونية والمدفوعات في العالم العربي.
تشهد الدول العربية نموًا على صعيد التجارة الإلكترونية بمبيعات بلغت ما يقارب 15 مليار دولار سنويًا
وعلى الرغم من ازدهار التجارة الإلكترونية على نطاق واسع في العالم العربي إلا أن نسب استخدام بطاقات الائتمان للتسوق بقيت متواضعة حيث اعتمد نحو 80% من المتسوقين في العام 2015 على الدفع نقدًا عند التسليم، ومن أبرز وأكبرالمواقع التي ازدهرت في الفترة الماضية هي “سوق” souq و”نمشي” namshi و”ممز وورلد” mumzwold ومواقع أخرى، إلا أن أكبرها وأوسعها انتشارًا هو موقع “سوق.كوم”؛ إذ عُد أكبر منصة للتسوق الإلكتروني في منطقة الشرق الأوسط.
وما كانت شركة أمازون فكرت في الزحف إلى المنطقة العربية، لولا الدراسات التي تؤكد نمو التجارة الإلكترونية في العالم العربي وبروز منافسين لها في هذا المجال، مع استمرار تطور وسائل الدفع الإلكتروني في المنطقة، وانتشار الهواتف الذكية على نطاق واسع وخدمة الانترنت وغيرها. ففي خطوة كبيرة قامت بها الشركة الأمريكية أمازون المدرجة في البورصة الأمريكية تحت رمز (AMZN) استحوذت من خلالها على شركة “سوق.كوم” الإماراتية، لتنضم شركة “سوق.كوم” إلى عائلة شركة أمازون، مع نهاية العام 2017 كما هو مخطط بعد إتمام عملية الاستحواذ.
استحوذت تذاكر السفر والأجهزة الكهربائية على 40% من حجم التجارة الإلكترونية عربيًا
لم تكن خطوة شراء أمازون لـ”سوق.كوم” مستهجنة فـ”سوق.كوم” عدت أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في العالم العربي وتعرض أكثر من 8.4 مليون منتج ضمن 31 فئة من المنتجات مثل الإلكترونيات والأزياء والعناية بالصحة والسلع المنزلية ولوازم الأطفال وأشياء أخرى يمكن الإطلاع عليها على الموقع الرسمي للشركة.
وحسب البيانات الموجودة في الموقع نفسه، فإن المتجر استقطب أكثر من 45 مليون زائر شهريًا وتتم إدارة العمليات محليًا في السعودية والإمارات ومصر، ولديها مخازن في هذه البلدان وبلدان أخرى، ويقدم خدمات الدفع عبر الإنترنت أو الدفع عند الاستلام، هذه الأرقام بالإضافة إلى الأرقام التي أشارت إلى حجم نمو التجارة الإلكترونية في العالم العربي جذبت شركة أمازون للدخول على خط المنافسة لشراء شركة “سوق.كوم”.
فأمازون تعد أكبر شركة للبيع على الإنترنت في العالم بأسره، حيث توصل منتجاتها إلى كل أنحاء العالم تقريبًا، ولها باع كبير في هذه الخدمة حيث تأسست في العام 1994 وأطلقت على الإنترنت في العام 1995 وتم إدراج أسهم الشركة في البورصة لأول مرة في مايو/أيار 1997 في سوق ناسداك المالي بسعر 18 دولار للسهم بينما يبلغ سعر السهم اليوم 856 دولار للسهم الواحد.
سوق.كوم” تعد أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في العالم العربي حيث تعرض أكثر من 8.4 مليون منتج
ويُذكر أن تطور الشركة يعود إلى طموح مؤسسها “جيف بيزوس” الذي قرأ تقرير في يونيو 2000 حول مستقبل الإنترنت؛ والذي بحسبه توقع أن نمو التجارة الإلكترونية سترتفع بمعدل نسبة 2300%، وتقدم أمازون كافة المنتجات من “الألف إلى الياء” وهو ما يشير إليه شعارها على شكل سهم يشبه شكل الابتسامة.
أما من حيث تغلبها على عرض شركة “إعمار مولز” الإماراتية التي قدمت عرض لشراء “سوق.كوم” بمبلغ قدره 800 مليون دولار، ففي الوقت الذي لم تفصح كلا الشركتين عن قيمة الصفقة حتى الآن، فالمرجح حدوث تدخل من قبل حكومة دبي في إتمام الصفقة لصالح أمازون، حيث يطمح حاكمها محمد بن راشد آل مكتوم أن “تصبح إمارة دبي مركز إقليمي وعالمي لأكبر وأفضل الشركات الدولية وبيئة حيوية حاضنة لأفضل العقول والمواهب وأصحاب الأفكار المبتكرة والمستثمرين ورواد الأعمال حول العالم”، ومقارنة شركة “إعمار مولز” مع شركة أمازون يكفي لمعرفة لماذا فازت أمازون في الاستحواز على “سوق.كوم”.
لماذا اهتمت أمازون بسوق.كوم؟
في البداية، لا داعي لذكر أن “سوق.كوم” مهتمة بشكل أو بآخر للانضمام إلى عائلة أمازون لما لذلك إضافة كبيرة لها، من حيث فرص النمو، وعرض عدد أكبر من المنتجات، إضافة إلى الانطلاق إلى العالمية.
ومن الناحية المالية يرى مراقبون أن قيمة الصفقة تقارب المليار دولار، وهو مبلغ يعبر عن القيمة المالية التي تقارب من القيمة التي حددتها الشركة سابقًا بمليار وربع المليار دولار تقريبًا، وفق آخر تمويل حصلت عليه الشركة بقيمة 275 مليون دولار. فيما من الناحية الإدارية الاستحواذ لن يؤثر على الهيكلية الإدارية لـ”سوق.كوم” إذ لن تستغني أمازون عن طاقم العمل والرئيس التنفيذي.
أما اهتمام شركة أمازون بـ”سوق.كوم” فهو يثير الفضول فعلًا!. يمكن تصنيف اهتمام شركة أمازون بالشركة إلى أسباب مباشرة وأسباب غير مباشرة. الأسباب المباشرة تتعلق بحجم سوق التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية والذي يقدر حوالي بـ30 مليار دولار وحوالي 50 مليون مشتري وبنمو سنوي يفوق الـ23%، ويضاف إليها الضغط الناعم (إن صح) الذي طبقته حكومة دبي لنجاح عملية استحواذ أمازون على “سوق.كوم”. ولو تسائلنا لماذا لم تدخل أمازون إلى الأسواق العربية وتنافس المتاجر الإلكترونية بشكل أكبر؟! الجواب على هذا التساؤل يضعنا أمام الأسباب الغير مباشرة التي استدعت أمازون للاستحواذ على “سوق.كوم”.
فأمازون لا ينقصها الخبرة والابتكار والتجديد والالتزام بالتميز والتخطيط الطويل الأمد؛ وهي ميزات شركة أمازون والتي بسببها تربعت في مرتبة أكبر متجر إلكتروني في العالم، متغلبة على منافستها شركة “ستابلز” بما يقرب من 3 أضعاف عائدات المبيعات بين الشركتين. ولم يكن ينقص أمازون أيضًا الاسم (البراند) فاسمها معروف في المنطقة العربية أيضًا وتتمتع بدرجة عالية من الموثوقية ومنتجاتها تصل إلى معظم الدول ولكن تواجه صعوبات في بعضها.
ستكتسب أمازون أهمية كبيرة في السوق العربية بعد استحواذها على “سوق.كوم”
الواقع أن أمازون اشترت قاعدة بيانات شركة “سوق.كوم” بالدرجة الأولى فقاعدة البيانات التي تشمل البطاقة التعريفية لكل مشتري في السوق وتحمل تفاصيل الزبون كالاسم والعنوان والإيميل وحسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالزبون والهاتف وحسابات بطاقات الائتمان، وأشياء أخرى) وهذا ما حدد قيمة الشركة المالية بالنهاية، وما يحدد قيمة أي شركة في الوقت الحالي مع الأخذ بالاعتبار أنها “سوق.كوم” استقطبت أكثر من 45 مليون زائر شهريًا، وهو رقم كبير لا يمكن الاستهانة به.
واعتبارًا من بداية العام المقبل – بعد إتمام عملية الاستحواذ- ستكتسب أمازون أهمية كبيرة في السوق العربية، فجميع المخازن الموجودة لدى “سوق.كوم” ستسخر في خدمة الشركة الأم (أمازون) وهذا سيسمح بنفاذ منتجات أمازون بشكل أكبر في الأسواق العربية، وإزالة العوائق التي كانت تواجهها أثناء عملية تحويل المنتجات بفضل مخازن “سوق.كوم” التي تمتلكها في المنطقة، فضلا عن خفض التكاليف وتوسيع قاعدة زبائنها في المنطقة العربية، وبالمحصلة زيادة عوائدها المالية والتي تقترب من 100 مليار دولار سنويًا.
حجم سوق التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية يقدر حوالي بـ30 مليار دولار وحوالي 50 مليون مشتري وبنمو سنوي يفوق الـ23%
ومن جهة أخرى، فإن ما يحصل في سوق الاستحواذات في فترة السنوات الماضية، يعبر عن فكرة أن الشركات الكبرى المعروفة في العالم لا تريد منافس لها في أي مكان، بمعنى إعدامها من السوق.
فما إن تخرج شركة ناشئة وتبدأ بالنمو وتهدد الشركة الكبرى تسعى الأخيرة لشرائها إما لتطوير محتواها وعمل قيمة مضافة على قاعدة البيانات الخاصة بها، أو لتجنب وجود منافس لها في السوق. وفيما لو رفضت الشركة الصغيرة عرض الشراء ستمارس الشركة الكبرى ضغوط كثيرة عليها بغرض تحجيمها في السوق، وما يحصل اليوم بين شركتي سناب شات وفيس بوك خير دليل على ذلك.
ما آثار هذا الاندماج على السوق العربية؟
زحف شركة أمازون على المنطقة العربية يضيف تحدي للمتاجر الإلكترونية من جهة، والمتاجر التقليدية من جهة أخرى. فمن جهة المتاجر الإلكترونية العربية، بات لزامًا عليها أن تنافس تقنية وخدمة شركة أمازون الضخمة وذات الباع الطويل. ويُذكر هنا المنافس الجديد لأمازون الذي ينتظر أن يوجد في الشهور المقبلة؛ منصة التجارة الإلكترونية الجديدة المسماة “نون” والتي يقف ورائها رجل الأعمال الإماراتي محمد العبّار -المدير التنفيذي لشركة إعمار- وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
منصة تجارة إلكترونية عربية ستنطلق قريبًا
حيث تصل الإستثمارات في “نون” إلى مليار دولار وتقول أنها ستبدأ مع تشكيلة منتجات عددها 20 مليون منتج، وستباشر أعمالها من السعودية والإمارات، وتطمح إلى تشكيل نقله نوعية في التجارة الالكترونية بالمنطقة من خلال الإمكانيات التقنية العالية ونظام دفع الكتروني متطور وانتشار الفروع في عدة دول عربية.
أما من جهة المتاجر التقليدية، فعليها من الآن فصاعدًأ أن تتكيف على الشكل الجديد للتجارة والذي يعتمد كليًا على التقنية والتسوق الإلكتروني والدفع بطرقه المختلفة، وأن توجِد بوابات أخرى لتسويق منتجاتها بالاعتماد على الأسواق الإلكترونية الموجودة أو خلق بوابة إلكترونية خاصة بها. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تغيير معالم التسوق الاعتيادية في المنطقة العربية في المستقبل.