تتجه الأوضاع في ليبيا إلى مزيد من التعقيد، خاصة مع حرص البرلمان المنعقد في شرق البلاد برئاسة عقيلة صالح على الإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبد الحميد الدبيبة وإصرار الأخير على عدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة مباشرة من الشعب.
يظهر حرص صالح هذه المرة في الإسراع بالمصادقة على القوانين الانتخابية دون الرجوع إلى مجلس الدولة، تمهيدًا لتعيين حكومة جديدة تحل محل حكومة الدبيبة، رغم أن صالح كان من أشد المعارضين لمخرجات لجنة “6+6” الموقعة في مدينة بوزنيقة المغربية.
السؤال المطروح الآن: هل بإمكان صالح الإطاحة بالدبيبة، أم أن خطته ستذهب أدراج الرياح كما ذهبت سابقاتها؟ خاصة أن مجلس الدولة لا يوافق حليف حفتر في هذا التمشي، أسوة بالعديد من العواصم الغربية التي ترفض دخول البلاد في مرحلة انتقالية جديدة.
خطوة برلمان ليبيا نحو الانتخابات
في خطوة مفاجئة، أقر مجلس النواب الليبي – مطلع هذا الأسبوع – قانونَي انتخاب رئيس الدولة وانتخابات مجلس الأمة، اللذين أحالتهما لجنة “6+6″(المكلفة بإعداد القوانين الانتخابية) إلى البرلمان في وقت سابق.
حضر جلسة التصديق أكثر من 100 نائب صوتوا جميعًا لصالح القبول بإقرار تلك القوانين، ووفق اللائحة الداخلية لمجلس النواب فإن الجلسة تفتتح وتكون صحيحة بعدد 85 نائبًا، فيما يحتاج التصديق على القوانين إلى عدد 50 نائبًا + واحد.
يذكر أن لجنة 6+6 مكونة من 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة، ونصّ على تشكيلها التعديل الـ13 للإعلان الدستوري (دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011)، وكُلّفت بإعداد قوانين انتخابية توافقية تجري عبرها انتخابات تحل أزمة صراع على السلطة متواصلة منذ سنوات في ليبيا.
أكد المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا رفضه التام للقوانين الانتخابية الصادرة مؤخرًا من مجلسي النواب
كانت لجنة “6+6” المشكلة من مجلسي النواب والدولة الليبيين، قد أصدرت في 6 يونيو/حزيران الماضي القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المنتظرة، إلا أن بعض البنود فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف، بما فيهم أعضاء في مجلسي النواب والدولة.
من أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها في اجتماعات بوزنيقة المغربية، عدم منع أي شخص من الترشح، حتى من يحملون جنسية أجنبية أو العسكريين، ووفق الاتفاق، يتخلى من يحمل جنسية أخرى عنها حال تمكنه من دخول الجولة الثانية للانتخابات.
كما تم الاتفاق على إجراء جولة انتخابية رئاسية ثانية مهما كانت نتيجة الجولة الأولى، فضلًا عن الاتفاق على رفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى 290، على أن يتكون مجلس الشيوخ من 90 عضوًا، وتنظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن.
مساعي الإطاحة بحكومة الدبيبة
كان على مجلس النواب التواصل أولًا مع مجلس الدولة قبل إقرار قوانين الانتخابات، لكن صالح ارتأى أن يسرّع بالأمر، رغم أنه كان من أشد المعارضين لمخرجات لجنة 6+6، ما يُفهم منه وجود إرادة خفية لصالح من وراء هذا الأمر.
أبرز الاحتمالات تقول إن صالح يريد تسريع الإطاحة بحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتنصيب حكومة جديدة محلها، فمنذ فترة يعمل رئيس مجلس النواب لإقصاء الدبيبة من الحكم، للتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة.
يخشى صالح، من تزايد شعبية الدبيبة في عموم ليبيا، خاصة أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية نسج علاقات قوية مع العديد من الدول التي قررت إعادة فتح سفاراتها لدى طرابلس، أو أعلنت قرب فتحها، وتقرب إلى القيادة الجزائرية واستطاع تحييد الموقف المصري إلى حد ما، بعد أن كانت القاهرة داعمًا قويًا لقوى الشرق.
ويعتقد رئيس مجلس النواب أن شعبية الدبيبة المتزايدة، تهدد مشروعه السياسي، خاصة أنه يستعمل سلاح المال الذي يجيده كرجل أعمال، ويستعمل أيضًا القوة العسكرية التي تحت تصرفه، ما يجعل رغبته في إزاحته من رئاسة الحكومة أولوية لا تقبل التأجيل تحت أي ظرف.
وثائق|| وكالة الانباء الرسمية تنشر القانون رقم 28 لسنة 2023م بشأن انتخاب الرئيس والمنجز من لجنة 6+6 والصادر عن مجلس النواب بعد مصادقة عقيلة صالح عليه. #ليبيا pic.twitter.com/CVKGfRZ3O3
— ليبيا برس (@libyapress2010) October 5, 2023
من المهم التذكير أن أسهم رئيس الحكومة الليبية في ارتفاع متواصل، خاصة بعد استطاعته تحسين الوضع الأمني في البلاد بعد سنوات من انتشار الفوضى وانعدام الاستقرار، وإصلاح البنية التحتية في مناطق عديدة من ليبيا، ووضع حد لمشكلة الكهرباء، والعديد من المشكلات الأخرى التي سبق أن أرقت حياة الليبيين.
سبق أن عيّن مجلسا النواب والدولة فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة في فبراير/شباط 2022، سعيًا منهما لإزاحة الدبيبة، إلا أن مخططهما باء بالفشل، فلم يحظ باشاغا بالاعتراف لا داخليًا ولا خارجيًا، واضطرا في وقت لاحق لإقالته وإحالته للتحقيق، وتكليف وزير المالية في حكومته أسامة حماد بتسيير مهام رئاسة الحكومة.
عقبات أمام مساعي صالح
الواضح أن عقيلة صالح غير مهتم بإجراء الانتخابات من عدمها، لكنه مهتم أكثر بالإطاحة بعبد الحميد الدبيبة، الذي أثبت في الفترة الأخيرة قدرته على حكم ليبيا لولا العراقيل الكثيرة التي وضعت أمامها من قادة الشرق.
طريق صالح للإطاحة بالدبيبة لن يكون معبدًا، فرئيس حكومة الوحدة الوطنية يصرّ على البقاء في منصبه واستمرار حكومته في أداء مهامها إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة دون غيرها.
من العقبات أيضًا أنه في السابق كان رئيس مجلس الدولة السابق خالد المشري يشاركه في الأمر ويسعى مثله للإطاحة برئيس الحكومة، لكن الآن محمد تكالة الذي انتخب على رأس مجلس الدولة في أغسطس/آب الماضي، يرفض هذه الفكرة.
ويعرف عن تكالة قربه من الدبيبة وأيضًا معارضته لتمرير رئاسة مجلس الدولة التعديل الدستوري، وشارك في رفض تشكيل لجنة 6+6 المشتركة بين مجلس الدولة ومجلس النواب ومخرجاتها، وكذلك تمرير مجلس الدولة خريطة الطريق الجديدة الممهدة للانتخابات برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
يطلب عقيلة صالح أشياء يعرف أنها سترفض ومن المستحيل القبول بها، لكنه مع ذلك يطلبها سعيًا منه لإطالة الأزمة
هذا الأمر، يُفسر دعوة تكالة، المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى التقيد بالتعديل الدستوري الثالث عشر (مجموعة قوانين تحدد صلاحيات الرئيس)، والامتناع عن إنفاذ ما قد يحال إليها من تشريعات انتخابية مخالفة، في إشارة للقوانين التي صادق عليها مجلس النواب.
حتى البعثة الأممية للدعم في ليبيا ترفض هذا التمشي، إذ أكدت البعثة ضرورة أن تكون الحلول السياسية “توافقية” وقابلة للتطبيق، لضمان إجراء انتخابات سلسة وتحقيق الاستقرار في البلاد، وذلك عقب تلقيها مذكرة رسمية من مكتب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مرفقًا بها القوانين الانتخابية المعتمدة من المجلس.
بالتزامن مع ذلك، أكد المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا رفضه التام للقوانين الانتخابية الصادرة مؤخرًا من مجلسي النواب، معتبرًا إياها كأن لم تكن، لافتقارها إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية والوطنية، وفق المجلس.
البقاء في السلطة
يعلم صالح يقينًا أن الدبيبة لن يتنازل عن منصبه وأن الذهاب إلى انتخابات بهذه القوانين لن يتم، إلا أنه مصر على خطته، ما يؤكد وجود خطط خلفية له، وبالنظر لماضي الرجل نرى أن هدفه الأساسي عدم الذهاب إلى الانتخابات.
يُتهم عقيلة صالح بإفشال إنجاز الانتخابات السابقة في موعدها، بعدما صاغ قوانين انتخابية مفصلة على مقاس خليفة حفتر، وتجاهل العمل مع المجلس الأعلى للدولة، الذي ينص عليه الاتفاق السياسي المضمن بالإعلان الدستوري، في خرق منه للمادة 23 من اتفاق الصخيرات.
وقتكم كمل .. الى مزبلة التاريخ انت و أي مسؤول كان سبب في حالنا هذا ❌
#يسقط_عقيلة_صالح#يسقط_البرلمان #يسقط_الدبيبة#تسقط_حكومة_الوحدة_الوطنية pic.twitter.com/5BMGPgbNCz
— 1947 (@Tloba47) September 16, 2023
يعلم صالح أنه في حال إنجاز انتخابات سيفقد الامتيازات التي يتمتع بها، خاصة أنه لا يضمن الفوز فيها، بعد تراجع مكانته في الشرق، ورفض مدن الجنوب والغرب له، لذلك يرى أن تعطيل العملية السياسية في البلاد هو الحل الأمثل لمواصلة بقائه في السلطة.
خطط رئيس مجلس النواب لها أن تعيد ليبيا للخلف مجددًا وتسقط كل ما تم إحرازه في سبيل الوصول إلى انتخابات حرة، تقضي على مظاهر الفوضى وانعدام الاستقرار في البلاد وتؤسس لدولة ديمقراطية قوامها القانون والمؤسسات.