ترجمة وتحرير نون بوست
تتزامن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى أنقرة، مع الأجواء المتوترة التي تشهدها تركيا قُبيل التصويت على التعديلات الدستورية. في الواقع، تُعتبر المحادثات التي ستجمع تيلرسون بالقادة الأتراك، هذا الأسبوع، التي تتعلق بالأساس بسبل القضاء على تنظيم الدولة، فرصة هامة لتعزيز العلاقات بين الطرفين، خاصة وأن تركيا تعد شريكا رئيسيا لواشنطن في المنطقة.
خلافا لذلك، تشوب اللقاءات، التي من المزمع انعقادها اليوم 30 من آذار/مارس، بين ريكس تيلرسون، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى مسؤولين أتراك آخرين، العديد من التصدّعات والمواضيع الشائكة التي لا بد من التطرق لها ومعالجتها. وتعد مسألة الاستفتاء القادم حول إعادة صياغة الدستور التركي، الذي سيمكّن أردوغان من التمتع بصلاحيات أوسع، من بين أبرز محاور النقاش بين الطرفين.
من جهة أخرى، تقف مخاوف أنقرة من المقاتلين الأكراد، بالإضافة إلى المداولات بين مختلف الأطراف الدولية حول “المناطق الآمنة” من أجل اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا، حاجزا أمام الجهود المبذولة للقضاء على تنظيم الدولة. علاوة على ذلك، يشعر المسؤولون الأتراك بالقلق إزاء رجل الدّين المقيم في الولايات المتحدة، الذي وجهت له أصابع الاتهام فيما يتعلق بمحاولة الانقلاب الفاشلة السنة الماضية.
وفي هذا الصدد، أجرت صحيفة “ميدل إيست آي”، حوارا مع مبعوث واشنطن السابق في تركيا، روبرت بيرسون، بالإضافة إلى باحثين، ومسؤولين تابعين لإدارة ترامب، حول التوقّعات المرتبطة بزيارة تيلرسون إلى أنقرة.
1- الإستفتاء الذي سيوسّع من نطاق صلاحيات أردوغان
سيكون ريكس تيلرسون حذرا للغاية إزاء تأييده للمسار الديمقراطي، بيد أنه لن يصادق على كل التطورات التي شهدتها تركيا منذ محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو الماضي
تشهد تركيا موجة من المشاعر المشحونة، في ظل اقتراب الاستفتاء، الذي سيُقام في 16 من نيسان/أبريل المقبل في تركيا، والذي من شأنه أن يدعم من صلاحيات الرئيس التركي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحدث قد ترتب عنه صدام بين أنقرة وعدة بلدان أوروبية على غرار ألمانيا وهولندا، في أعقاب منع هاتين الدولتين المغتربين الأتراك المقيمين في أوروبا، من إقامة اجتماعات على أراضيها.
نتيجة لذلك، أقدم الرئيس التركي على وصف هاتين الدولتين، التابعتين لحلف الناتو، “بالنازية” “والفاشية” كرد فعل على ما بدر منهما. وفي الأثناء، يبدو ريكس تيلرسون “مدركا تماما” للحساسيات السياسية التي تسبق الاستفتاء التركي، وفقا لما صرّح به مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية. ومن جهته، رجّح روبرت بيرسون، سفير واشنطن لدى تركيا، في الفترة ما بين سنة 2000 و2003، أن تيلرسون سيتجنّب الدخول في صدامات مع الحكومة التركية وسيسعى لتأكيد دعمه للديمقراطية في بلد أصبح يغلب عليه الاستبداد وإقصاء المعارضة، وفق مزاعم الجماعات الحقوقية.
وفي هذا السياق، أشار بيرسون إلى أن “المشكل الرئيسي يتمثل في أن أردوغان قد استمد من مبادئ الديمقراطية المتجذرة في تركيا الدعم الكافي لخدمة مصالحه بغية الحصول على صلاحيات رئاسية غير محدودة”. وأضاف السفير السابق أن “ريكس تيلرسون سيكون حذرا للغاية إزاء تأييده للمسار الديمقراطي، بيد أنه لن يصادق على كل التطورات التي شهدتها تركيا منذ محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو الماضي”. وقد أكدّ العالم بمعهد السياسة الدولية، جوناثان كريستول، هذه النظرية.
وفي السياق ذاته، صرح كريستول لصحيفة “ميدل إيست آي”، أن “الاستفتاء يمثل محور انتقاد من قبل أطراف عدة، إلا أنني أستبعد أن يتطّرق تيلرسون لهذا الموضوع لسببين أساسيين. ففي المقام الأول، تحتاج الولايات المتحدة إلى الدعم التركي في سوريا، وأما السبب الثاني فيرتبط بتوجّهات إدارة ترامب وتيلرسون، التي لا تولي أية أهمية تذكر للحقوق الإنسانية والسياسية”.
2- مطالبة تركيا بتسليم فتح الله غولن
على الرغم من أن احتمال إبرام تيلرسون لاتفاق سياسي فيما يتعلق بهذه المسألة أمر بعيد المنال، إلا أنه غير مستبعد
على العموم، يتلهّف المسؤولون الأتراك لإحكام قبضتهم على رجل الدين التركي المقيم في بنسلفانيا، فتح الله غولن، الذي تتهمّه أنقرة بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/يوليو الماضي. والجدير بالذكر أن إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما قد رفضت تسليم غولن، مخالفة بذلك رغبة الأتراك.
في المقابل، كشف مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، جيمس وولسي، مؤخرا، أن الجنرال المتقاعد، مايكل فلين، ومستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب، قد أجرى محادثات مع مسؤولين أتراك، خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، حول “التخلص من غولن” في “كنف السرية التامة”.
من ناحية أخرى، أوضح مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي اشترط عدم الكشف عن هويّته، خلال تصريح للصحافة، أن “وزارة العدل تدرس في الوقت الراهن”، المطلب التركي بتسليم غولن، كما أنريكس تيلرسون “مستعدّ للردّ” على استفسارات نظرائه الأتراك حول هذه المسألة. ووفقا لما أفاد به روبرت بيرسون، فمن المحتمل أن يمارس الأتراك ضغوطا على تيلرسون من أجل تسليم غولن، فضلا عن تسليط الضوء على هذه المسألة خلال التطرق لزيارة تيلرسون على شاشة التلفزيون.
في المقابل، أشار بيرسون إلى أنه “وعلى الرغم من أن احتمال إبرام تيلرسون لاتفاق سياسي فيما يتعلق بهذه المسألة أمر بعيد المنال، إلا أنه غير مستبعد”. علاوة على ذلك، أفاد الباحث في “مؤسسة أمريكا الجديدة”، باراك بارفي، أن فريق ترامب قد يجرؤ على تجاوز القضاء الأمريكي، واستخدام فتح الله غولن كأداة لمساومة أنقرة وذلك بغية كسب دعمها. هذه الخطوة ستساعد إدارة ترامب على تحقيق الهدف الرئيسي على رأس أجندتها السياسية، ألا وهو سحق تنظيم الدولة.
في هذا الإطار، صرّح بارفي، الذي أدى العديد من الزيارات لتركيا، أن “ترامب مستعدّ لتسليم أي شخص، إن كان ذلك سيمكّنه من كسب أردوغان في صفّه”. كما أضاف بارفي، أن “إدارة ترامب لا تعترف بالفصل بين الصلاحيات، كما أنها لا تلتزم بقواعد اللعبة السياسية”.
3- لا لاستخدام القوات الجوية ولا للمناطق الآمنة
إن المناطق الآمنة لا تزال تمثّل مسألة شائكة في نظر واشنطن، نظرا لأنها قد تتطلب تمركز جنود أمريكيين على الأراضي السورية لحمايتها
لطالما ناقشت الولايات المتحدة، وقوى أخرى، مسألة إنشاء “مناطق يُحظر فيها الطيران الجوي” فضلا عن “مناطق مدنية آمنة”، وذلك إبان اندلاع الانتفاضة السورية ضد الرئيس بشار الأسد، قبل ست سنوات، إلا أن هذه المداولات لم تحرز أي تقدم ملحوظ. وخلال الشهر الحالي، جمعت المحادثات التي أقيمت في واشنطن، 68 دولة تحالفت في سبيل التصدي لتنظيم الدولة. وفي هذا الإطار، أثار ريكس تيلرسون فكرة “مناطق الاستقرار المؤقتة”، وذلك بهدف مساعدة اللاجئين على العودة إلى منازلهم، أثناء المرحلة المقبلة التي ستتسم بحرب ضروس ضد التنظيم في كل من سوريا والعراق.
في واقع الأمر، طالبت تركيا، منذ فترة طويلة، بإنشاء مناطق آمنة في سوريا، ولا سيما على حدودها، التي يبلغ طولها 911 كيلومتر. وفي هذا الصدد، أفاد مسؤول آخر في وزارة الخارجية الأمريكية أن تحقيق الاستقرار على حدود “حلفائنا الحساسين” سيكون “محورا مركزيا لمحادثاتنا في أنقرة”.
أما بالنسبة للباحث، باراك بارفي، فإن المناطق الآمنة لا تزال تمثّل مسألة شائكة في نظر واشنطن، نظرا لأنها قد تتطلب تمركز جنود أمريكيين على الأراضي السورية لحمايتها. كما أشار بارفي إلى أن “تلك المناطق ستكون في حاجة ملحة إلى إقامة دوريات أمنية لحمايتها، ما يعني أن الجنود الأمريكيين سيضطلعون بمهمّة محدّدة، علما وأن هذه الخطوة تفتقر إلى خطة خروج”.
4- السباق إلى الرقّة
تعتبر تركيا بمثابة حليف هام لإدارة ترامب، وبالتالي، لن يمارس ريكس تيلرسون الكثير من الضغوط عليها. فضلا عن ذلك، تفتقر الإدارة الأمريكية حاليا لخطة متكاملة من أجل القضاء على تنظيم الدولة، خاصة وأن مسار اللعبة لم يتضح بعد
من المنتظر أن تتمحور المحادثات في أنقرة حول الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة على معاقل تنظيم الدولة في سوريا، وفق ما أفاد به مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية. والجدير بالذكر أن التنظيم قد خسر العديد من مواقعه في العراق وسوريا، بفضل جهود ثلاث قوات منفصلة تدعمها كل من الولايات المتحدة، وتركيا، وروسيا، التي تتقدم في الوقت الراهن باتجاه الرقة، عاصمة التنظيم.
من جهة أخرى، يعاني مقاتلو التنظيم من نقص حاد في عدد المقاتلين فضلا عن تراجع مخزون الأسلحة. ومن هذا المنطلق، من المتوقع أن يتم دحرهم من مدينة الموصل، والرقة، ومعاقل أخرى في الأشهر القليلة المقبلة. وفي الأثناء، لجأ مقاتلو التنظيم إلى استخدام السيارات المفخخة وغيرها من التكتيكات القتالية بهدف صد الهجمات المتتالية من قبل الحلفاء، يأتي ذلك بالتزامن مع انكماش ما يسمّونه “بدولة الخلافة”.
وفي شأن ذي صلة، بيّن باراك بارفي أن ما يجعل الديبلوماسية بين مختلف الأطراف مسألة شائكة ومعقدة هي الرؤى المتنافسة التي تحملها كل من واشنطن، وأنقرة، وطهران، وموسكو حول ما ستبدو عليه سوريا بعد انتهاء الحرب، وإن كان سيُسمح للأسد بالبقاء في دفة الحكم. وأورد بارفي، أن “تركيا تعتبر بمثابة حليف هام لإدارة ترامب، وبالتالي، لن يمارس ريكس تيلرسون الكثير من الضغوط عليها. فضلا عن ذلك، تفتقر الإدارة الأمريكية حاليا لخطة متكاملة من أجل القضاء على تنظيم الدولة، خاصة وأن مسار اللعبة لم يتضح بعد”.
5- قضيّة الأكراد
ترى أنقرة في القومية الكردية تهديدا عظيما لها. أما واشنطن، فتعتبر المقاتلين الأكراد إحدى القوى الأكثر فاعلية في محاربة تنظيم الدولة، في الكفاح من أجل استعادة الرقة
تمثل وحدات حماية الشعب الكردية، والمدعومة من قبل واشنطن، نقطة الخلاف الرئيسية بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث تعتبرها أنقرة فرعا من حزب العمال الكردستاني الذي ما فتئت تركيا تحارب متمرّديه لثلاثة عقود متواصلة. على العموم، ترى أنقرة في القومية الكردية تهديدا عظيما لها. أما واشنطن، فتعتبر المقاتلين الأكراد إحدى القوى الأكثر فاعلية في محاربة تنظيم الدولة، في الكفاح من أجل استعادة الرقة، وذلك جنبا إلى جنب مع مقاتلي، “قوات سوريا الديمقراطية” العرب والمدعومين أيضا من قبل الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار، أكد روبرت بيرسون أن “هناك حلا بديلا يمكن أن تلجأ إليه كل من أنقرة وواشنطن، إلا أن الأطراف لم تصل إلى تلك النقطة بعد”. علاوة على ذلك، قال الدبلوماسي السابق، والباحث في “معهد الشرق الأوسط” إن واشنطن قادرة على تخفيف حدة المخاوف الأمنية التي تعتري أنقرة وذلك من خلال عقد اتفاقيات ومنحها “دورا مهما فضلا عن اضطلاعها بالمسائل الاستشارية فيما يتعلق بالمناطق، ما بعد تنظيم الدولة” في شمال العراق وشمال شرق سوريا.
المصدر: ميدل إيست آي