حضرت حكومة العراق مؤتمر القمة العربية المنعقد في مركز الملك الحسين عند شاطئ البحر الميت، برئاسة العبادي وهي بحال مختلف عن الحال الذي كانت عليه في أثناء مؤتمر قمة نواكشوط، فالعبادي ووزير خارجيته يتباهان اليوم بإحرازهم لانتصارات على الإرهاب، ويتطلعان إلى المال الخليجي ليعمرا به ما دمرته تلك الحروب التي لم تنقطع منذ 2003.
بل إنهما ذهبا لأبعد من ذلك من خلال اقتراحاتهما بالتعاون الأمني، ويزايدان على الآخرين بإصرارهما على دعوة النظام السوري للانضمام لمؤتمر القمة هذا، فجعلها النقطة الخلافية الأكبر التي اعترضت اجتماع وزراء الخارجية العرب، قبل انعقاد القمة في اليوم الذي تلاه.
استماتة وإصرار أبداه العراق ومعه الأردن ومصر والجزائر للسماح بمشاركة النظام السوري بالقمة العربية، قابلتها رفض قاطع من السعودية وقطر وباقي الدول الخليجية
استماتة وإصرار أبداه العراق ومعه الأردن ومصر والجزائر للسماح بمشاركة النظام السوري بالقمة العربية، قابلتها رفض قاطع من السعودية وقطر وباقي الدول الخليجية، مما حدا بالناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، أن يلطف الأجواء ويغازل النظام السوري بقول ناعم ويعلن أن الدولة السورية حاضرة برموزها المتمثلين بعلمها وكرسيها الشاغر.
ذهب العبادي للقمة العربية ليقصي فؤاد معصوم “الكردي” عن حضور قمة العرب، ويبرر الجعفري له ذلك، قائلًا إن العبادي هو القائد العام للقوات المسلحة وقد التقى بشخصيات كثيرة في العالم، ويرى أن مشاركته مهمة للغاية وفيها إثراء للقمة العربية، وعلى ما يبدو أن معصوم غير مهتم بمثل هذه القمم، في الوقت الذي يبشر رئيس إقليمه الكردي بين الحين والآخر، بدولة كردية تنتظرهم في القريب العاجل.
جاء العبادي للقمة مطالبًا زعماء العرب دفع فواتير إعمار ما دمرته إيران في العراق من خلال تحريضها ودعمها للحرب الطائفية التي تدور فيه، يريد مساعدات تستلمها الحكومة العراقية بنفسها من خلال صندوق لإعمار العراق قد فتح، وأن مؤتمرًا للمانحين سيعقد في الكويت.
وكان حريًا بزعماء العرب أن يسألوا العبادي عن الأموال التي جُمعت للعراق بمؤتمر المانحين في باريس بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ألم يكن نفس النظام السياسي هو الذي يحكم العراق؟ ذهبت تلك الأموال وتبخرت بجيوب المفسدين.
يرى محللون بأن أحد أهم أهداف المؤتمر “القمة” هذا، هو الاتفاق والتنسيق على الخطط الأمريكية التي ترسمها الإدارة الأمريكية لمستقبل المنطقة
ويرى محللون بأن أحد أهم أهداف المؤتمر هذا، هو الاتفاق والتنسيق على الخطط الأمريكية التي ترسمها الإدارة الأمريكية لمستقبل المنطقة، منها ما يتعلق بالعراق ومنها ما يتعلق بموضوع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وفي الوقت الذي تريد الولايات المتحدة أن تزيد من عدد قواتها في العراق وتوسعة قواعدها العسكرية الموجودة أصلًا فيه، يخرج علينا وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لينفي وجود أي قواعد أجنبية أو أمريكية في العراق، كأنه يريد أن يغطي الشمس بغربال كما في المثل العربي المشهور، ويستمر هذا الرجل في حالة الانفصام التي يعيشها ليقول في الاجتماع الوزاري إن العراق اليوم يشهد تظاهرة وطنية، ولا خلاف ولا حروب ولا أي شيء بين أبناء الشعب العراقي، مشيرًا إلى أنها حرب واحدة بين الوطنية العراقـية والوحشية الداعشية.
يحاول العراق الانضمام مجددًا للمنظومة العربية، وهو حاملًا هذه المرة الأجندة الإيرانية على كفة، عكس ما كان عليه حال العراق قبل أن تدنسه تلك المسوخ
يحاول العراق الانضمام مجددًا للمنظومة العربية، وهو حاملًا هذه المرة الأجندة الإيرانية على كفة، عكس ما كان عليه حال العراق قبل أن تدنسه تلك المسوخ، فقد كان المنادي الأعلى صوتًا بموضوع التحالف العربي والدفاع عن العروبة.
الدول العربية التي تنشد وتبحث الآن عمن يخلصها من الهجمة الإيرانية على بلدانها، ساهمت عمليًا في تحطيم البلد الوحيد الذي كان يقف بوجه أطماعها، ومهما كان رأينا بالنظام السابق، لكنه كان أفضل ألف مرة للدول العربية من بلد يحكمه الآن عناصر قد ربتهم إيران، واحتضنتهم طيلة عشرات السنين، وحصدت أخيرًا ما عملت وخططت، وأصبح العراق بكل مقدراته تابعًا لها.
أما العرب فقد تخلوا عن العراق في الماضي حينما لم يشملوا برعايتهم أحد من العراقيين، لكي يساهم بإصلاح النظام السياسي وقت النظام السابق، ولم يدعموا اليوم أي سياسي أو مقاومٍ للاحتلال الإيراني، ويرجون الخير من محاولتهم بتقريب أو ترويض حكام العراق اليوم، وهم يعلمون تمام العلم أن التلميذ يبقى مخلصًا لمعلمه، والعبد يبقى وفيًا لولي نعمته.
فعملكم يا زعماء العرب، كمن يبني قصورًا في الهواء، وجاءكم اليوم تلامذة الخامنئي ليعلموكم كيف يكون التوافق العربي، من خلال دعوة النظام السوري ليجتمع معكم، وغدًا سوف يجاهرون بدعوة المخلوع صالح.
نجح العبادي في دق إسفين بين العرب وتركيا، حينما انتزع منهم قرار إدانة في بيانهم الختامي لمؤتمر القمة، أدان العرب تركيا، بسبب وجود عدد محدود من قواتها في شمال العراق
نجح العبادي في دق إسفين بين العرب وتركيا، حينما انتزع منهم قرار إدانة في بيانهم الختامي لمؤتمر القمة، أدان العرب تركيا، بسبب وجود عدد محدود من قواتها في شمال العراق، وطالب الزعماء العرب بسحب تركيا لقواتها فورًا دون قيد أو شرط، ووصفوا وجود تلك القوات بأنه اعتداء على السيادة العراقية، وتهديد للأمن القومي العربي، ونسوا أن تركيا قد آوت ورعت شعوبكم المهجرة قصريًا من قبل إيران وأتباعها لسنين، ودفعت الثمن من سياستها وأمنها، بسبب تبنيها لقضايا الشعوب العربية.
والغريب في الأمر أن المؤتمرين لم يشيروا إلى الوجود الإيراني في العراق، ولم يصفوه بخرق للسيادة العراقية أو تهديد للأمن القومي العربي، إن إدانة تركيا وحدها كافية بجعل إيران تحتفل بفعل غلمانها الموجودين بالقمة العربية، وستشهد القمم العربية اللاحقة، المزيد من الغلمان المحسوبين عليها من زعماء لحكومات سورية ولبنانية، وربما حتى بحرينية، سوف يسوق ويوجه أولئك الغلمان، دفة سفينة العرب في قضاياهم المصيرية، وكما تهوى إيران، ثم يعود زعماء العرب ويسألون أنفسهم، لماذا أمريكا ودول العالم الكبرى تتحالف مع إيران ولا تتحالف معنا؟ ذلك لأنكم غدرتم بشعوبكم ووقفتم ضد تطلعاتهم واحتفلتم بحرق ربيعهم، فقط لكي تبقوا حكّامًا على العرب، حتى لو تجاوزت أعماركم الثمانين، وبدأتم تتعثرون وتسقطون كما سقط حبيبكم ميشال عون.
نجحت إيران من خلال ممثليها بمؤتمر القمة في الحصول على إقرار من العرب جميعًا بتأكيد سيادة سوريا بنظامها الحالي وأن الحل الوحيد الممكن للأزمة السورية يتمثل في الحل السياسي القائم
نجحت إيران من خلال ممثليها بمؤتمر القمة في الحصول على إقرار من العرب جميعًا بتأكيد سيادة سوريا بنظامها الحالي وأن الحل الوحيد الممكن للأزمة السورية يتمثل في الحل السياسي القائم على مشاركة جميع الأطراف السورية، بمعنى أن النظام السوري هو أحد تلك الأطراف، ولا يجب إزاحته مثلما كانت تردد الدول العربية سابقًا.
جعل هذا الأمر صوت الدول التي كانت تؤيد النظام السوري مسموعًا أكثر من ذي قبل، وعلى الرغم من حيائها بحضرة الأموال السعودية، لكن صوتها المطالب بضرورة قبول النظام السوري صار أكثر وضوحًا، هل هو إقرار من الدول العربية بأنها قد هُزمت أمام المحور الذي تقوده إيران بالمنطقة؟ فكما قد قبِلوا بالنظام العراقي الذي هو قلبًا وقالبًا مع إيران، فإنهم اليوم يريدون القبول بالنظام السوري وهم صاغرون.
وربما تلك الدول قد وصلت لحقيقة عجزها عن مواجهة إيران، بسبب عدم ثقتها بالولايات المتحدة التي يقودها رئيس متذبذب، كل يوم له توجه مختلف عن الذي سبقه، بل إنهم يشكون أنه ربما يتفق مع إيران على حساب العرب.
وإذا كان هذا هو واقع الحال، فمن الحكمة الإقرار بالهزيمة أمام إيران، وتنفيذ بعض ما تريد، عسى أن تكف أذاها عنهم، فتراهم يضمنون بيانهم الختامي، بالطلب من إيران الكف عن تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، وإدانة التدخل الإيراني في الشؤون العربية، وإيران تعلم أن تلك الإدانات لا تقدم ولا تؤخر ولا تؤثر عليها، فكم من مرة أدان العرب بها إسرائيل لاحتلالها الأراضي الفلسطينية، وإسرائيل ماضية بقضم تلك الأراضي على مرأى ومسمع العرب المجتمعين بالقرب منها، في البحر الميت، بل إنهم يريدون أن يحيوا المبادرة العربية ليعترفوا من خلالها بحقها بالوجود، وإسرائيل تريد المزيد والمزيد من التنازلات.
جاء العبادي وفي جعبته جملة من المقترحات ليعرضها على العرب، من ضمنها أنه يريد طرح مشروع عراقي للتنسيق الأمني ضد الإرهاب بين الدول العربية، ليحل محل اتفاقية الدفاع المشترك، إلى جانب طرح مشروع الاستثمار الاقتصادي العربي في الداخل العراقي.
يريد العبادي أن يُعمر بلده بأموال العرب، فإيران التي خربت العراق ليس لها استعداد لتساعده في إعماره، فهي مشغولة جدًا بتشكيل جيوشها المليشياوية
وهو بذلك يريد أن يضرب الدفاع العربي المشترك، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية الدفاعية لم تفعَّل منذ إقرارها من الزعماء العرب ولحد الآن سوى لضرب العراق في التسعينيات، فإن غلمان إيران في العراق يريدون قبر هذه الاتفاقية للجم السعودية من تدخلها في البحرين، وتريد أن تجعل محلها تعاونًا أمنيًا واستخباراتيًا ضد الشعوب العربية بحجة الإرهاب، تلك الحجة التي استطاعت إيران أن تسقط أربعة دول عربية في حبائلها.
ومن ثم بعد ذلك يريد العبادي أن يُعمر بلده بأموال العرب، فإيران التي خربت العراق ليس لها استعداد لتساعده في إعماره، فهي مشغولة جدًا بتشكيل جيوشها المليشياوية لغزو العالم العربي والإسلامي.
وعلى ما يبدو أن مكان انعقاد المؤتمر لم يكن اعتباطيًا، فهو عقد في أسفل منطقة بالعالم وأكثرها لعنةً، ويحمل اسمها الموت، وقرارات مؤتمر القمة العربية على ما يبدو ولدت ميتة، إلا إذا أعاد لها الحياة الرئيس الأمريكي ترامب، عندما سيسلمه إياها الملك عبد الله في زيارته العاجلة بعد أيام.