في السعودية.. ليبراليون مع وقف التنفيذ

برزت الليبرالية كحركة سياسية خلال عصر التنوير، عندما أصبحت تحظى بشعبية بين الفلاسفة والاقتصاديين في العالم الغربي، كان الظهور الحقيقي لها كمفهوم سياسي واقتصادي متكامل في القرن التاسع عشر، وكنتيجة لمساهمات متفرقة في أوقات مختلفة لعدد من الفلاسفة من أمثال جون لوك وجون ميلتون وجان جاك روسو وآدم سميث وديفيد ريكاردو وإيمانويل كانت وجون ستيوارت ميل، ورفضت الليبرالية المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتياز وراثي ودين دولة وملكية مطلقة والحق الإلهي للملوك.
من أهم مبادئ الليبرالية أن كل إنسان يملك الحق الطبيعي في الحياة والحرية والملكية، وأن الحكومات يجب ألاّ تنتهك هذه الحقوق وذلك بالاستناد إلى العقد الاجتماعي، كما يسعى الليبراليون “الحقيقيون” لاستبدال الحكم الديكتاتوري المطلق في الحكومة بديموقراطية تمثيلية وسيادة القانون، بالإضافة إلى التشديد على مفهوم التسامح وقبول الاختلاف والتنوع وترسيخه كثقافة مناقضة للقمع ومصادرة الحريات وفرض الرقابة والإقصاء والتخوين والهيمنة من طرف ضد أطراف أخرى.
هذا ما قرأناه وشاهدناه مُطبَّقًا في دولٍ عديدة خصوصًا الدول الغربية، أما إذا ما تفحّصت الليبرالية في الدول العربية عمومًا والمملكة العربية السعودية خصوصًا فإنك تجد العجب العجاب في ممارسات وأفكار الذين يدّعون أنهم ليبراليون ويمجّدون مبادئها في كل وقتٍ وحين.
تجدُ مدّعيي الليبرالية في السعودية ضد إشراك المواطن في صناعة القرار ويعارضون منحه حقه في انتخاب من يمثّله في برلمان منتخب، وهم ضد تمكينه من الرقابة والمحاسبة على المال العام، بحجج واهية لا يستوعبها عقل ولا منطق
فمثلًا تجدُ مدّعيي الليبرالية في السعودية، ضد إشراك المواطن في صناعة القرار ويعارضون منحه حقه في انتخاب من يمثّله في برلمان منتخب، وهم ضد تمكينه من الرقابة والمحاسبة على المال العام، بحجج واهية لا يستوعبها عقل ولا منطق، ومنها أن المجتمع قبلي وغير جاهز ولا مؤهل لأن يختار الشخص المناسب الذي يمثله أمام الحكومة، متجاهلين حقيقة أن الانتخابات تجربة ممارسة مستمرة، و”الشعوب الانتخابية” لم تولد متعلمة، بل بممارستها لهذا الحق وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم ورقي.
من التناقضات الفاضحة أيضًا التي وقع بها أفراد هذا التيار هو إقصاء الآخر والتشجيع عليه، فكثيرًا ما تجدهم يحرضون على اعتقال من يخالفهم فيما يطرحونه من آراء، ويدعشنون من يعارض ما يتبنّونه من مواقف، رغم أنه من المفترض أن يكونوا في طليعة المدافعين عمن يُعتَقل بسبب التعبير عن رأيه، حتى ولو كان من أشدّ معارضيهم.
وتجد منهم أيضًا متخصصون في شتم الإسلام تحديدًا، ومحاولة إظهاره كدينٍ رجعيّ إقصائي، ولا يرون حرجًا في أن يعتبروه أساس الإرهاب والبلاء الذي حلّ على العالم، وفي المقابل لا يرون غضاضةً في أن يمتدحوا الديانات الأخرى ويروّجون لها ويلبسونها ثوب الإنسانية والتسامح والرقي، ولم يبق غير جهرهم بدعوة الناس للدخول فيها أفواجًا، رغم أن الليبرالية الحقيقية أساسًا تستبعد كل الأديان، فكيف جمعوا بين النقيضين؟!
وهناك كذلك “الليبرالي المسخ”، وهذا النوع يزعم أنه “قومي عروبي”، لكن شغله الشاغل هو الحط من قدر بني جلدته وإهانة أمته العربية التي لم يترك فرصة إلا ووصفها بالتخلف والجهل والانحطاط ونعتها بالهمجية والبربرية، وفي نفس الوقت تجده يحاول مستميتًا إظهار تفوق العرق الغربي وأنهم أهل الحضارة وما عداهم رعاع عالة على هذا العالم.
حتى الآن لم نصطدم بليبرالي يطبّق مبادئ الليبرالية الحقّة في واقعه، ولم نر أيَّ نقدٍ لهم فيما يخص جرائم طغاة العرب الذين نهبوا ثروات أوطاننا وغيّبوا شعوبهم في بحور الدم والجهل والفقر والتخلّف
هذه الأنواع من الليبراليين هي من اصطدمنا بها في مجتمعنا، وحتى الآن لم نصطدم بليبرالي يطبق مبادئ الليبرالية الحقّة في واقعه، ولم نر أيَّ نقدٍ لهم فيما يخص جرائم طغاة العرب الذين نهبوا ثروات أوطاننا وغيّبوا شعوبهم في بحور الدم والجهل والفقر والتخلّف، لا بل إننا وجدناهم مصفقين لأفعالهم، مبرّرين لجرائمهم، حاضرين دومًا على موائدهم.