بالأمس كنا نتحدّث عن القمة العربية السابعة والعشرين واليوم القمة الثامنة والعشرين، ارتفع العدد لكن المخرجات نفسها أو قلّت، فالقمم العربية التي تحولت إلى مناسبات مجاملة وتبادل ابتسامات صفراء مقنعة، أصبحت تولد ميتة، حتى أنّ التنفس الاصطناعي لم يعد يفلح معها لتفشّي الورم داخلها.
دون التطلعات
“قمتنا التأمت في ظرف عربي صعب، فثمة أزمات تقوض دولا وتقتل مئات الألوف من الشعوب العربية وتشرد الملايين من أبناء أمتنا لاجئين ونازحين ومهجرين، وانتشار غير مسبوق لعصابات إرهابية تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وثمة احتلال وعوز وقهر وتحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تدفع باتجاه تجذير بيئات اليأس المولدة للإحباط والفوضى والتي يستغلها الضلاليون لنشر الجهل ولحرمان الشعوب العربية حقها في الحياة الآمنة الحرة والكريمة المنجزة”.
هذه القرارات إن تم اتخاذها وهذا نادرا ما وقع، فسيكون خارج أسوار الجامعة العربية التي أصبحت ثقلا كبيرا على القادة والشعوب على حدّ السواء
السياق الذي التأمت فيه القمة العربية في عمان الأردنية، حسب بيانها الختامي، سياق عام يظهر خطورة المرحلة وجسامتها، إلاّ أن مخرجاتها لم تكن في حجم هذه التحديات. فلم نسمع عن قرار جديّ بحل تلك الأزمات التي تضرب الدول العربية وتتسبب في الاف الضحايا في ليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا، ولا إدانة لإرهاب الدول والجماعات ولا حلول للتدهور الاجتماعي والاقتصادي الذي تشهده جلّ الدول.
قمّة افتقرت للقرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية الجريئة والمهمة التي تخدم صالح المنطقة وشعوبها، فهذه القرارات إن تم اتخاذها وهذا نادرا ما وقع، فسيكون خارج أسوار الجامعة العربية التي أصبحت ثقلا كبيرا على القادة والشعوب على حدّ السواء، ومع ذلك أكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن القمة العربية “كانت ناجحة وفق كل المعايير“.
حضور استثنائي يقابله قرارات جوفاء
رغم أهمية الحضور الاستثنائي للقادة والزعماء العرب في القمة الحالية، فلم يتم اتخاذ أي خطوات عملية، فقد اكتفى القادة بترديد ما ورد في القمم السابقة عن لمّ الشمل والوحدة ومبادرة السلام العربية في شأن حلّ الصراع العربي – الإسرائيلي، فهي بذلك كانت قمة مجاملات رسمية أكثر من كونها حاملة لهموم الشعوب العربية.
القادة العرب في صورة تذكارية
القادة العرب توافقوا على عدم اظهار الخلافات في قمة البحر الميت، وتجنبوا الغوص فيها، إلا أنهم فشلوا في الخروج بقرارات مصيرية، فكما كان متوقعاً، لم تأت القمة العربية الثامنة والعشرون… بأي جديد، حيث كشف بيانها الختامي عن غياب أي جديد في مواقف الاجتماع السنوي للقادة. اجتماع القمة أصبح آلية شكلية للتعبير عن المواقف الجماعية العربية من القضايا غير المختلف بشأنها، كالقضية الفلسطينية والموقف من “الإرهاب”، دون غيرها من التحديات التي تواجه الدول العربية.
العاهل المغربي يواصل الغياب
عكس ما كان منتظرا، لم يشارك العاهل المغربي محمد السادس في أشغال القمة العربية، بل أنّ المغرب اختارت المشاركة “الصامتة” في القمة، دون أي تعليق أو توضيح لأسباب هذه المشاركة “الصامتة”.
الملك محمد السادس
وبخلاف القمة الـ 27، في جارته موريتانيا، لم يوجه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، كلمة إلى قمة “البحر الميت”، واكتفت الخارجية المغربية بنشر تقرير عن الاجتماع التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، ومساهمة وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، في أعماله، فيما اكتفت الوكالة المغربية الرسمية للأنباء، صباح الأربعاء، بنشر خبر مقتضب يفيد بمشاركة وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار، في أعمال القمة العربية لمناقشة قضايا، بينها القضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية.
وكان المغرب قد قال في بيان لوزارة الخارجية مبرّرا اعتذاره عن عدم استضافة القمة العربية الـ 27، العام الماضي، “أمام غياب قرارات هامة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي”.
سقوط القادة أرضا غطّ عن سقوطهم الأكبر
لم تركّز الشعوب العربية ووسائل الاعلام على مخرجات قمة عمان وفشلها في اتخاذ قرارات تتماشى مع واقع المنطقة، قدر تركيزها على تعثر بعض القادة العرب وسقوطهم أرضا أثناء المشاركة في فعاليات القمة.
فهذه السقطات غطّت عن السقوط الأكبر للقادة والزعماء العرب والمتمثل في فشلهم في حل القضايا المركزية العالقة، وعدم تبني مواقف جدية وآليات عمل من أجل حل قضايا مهمة مثل البطالة والتعليم ووضع الأجيال العربية الناشئة في ظل الحروب الدائرة في المنطقة وتمزق الجسم العربي.
وكانت واقعة السقوط الأولى من نصيب الرئيس اللبناني ميشيل عون، الذي تعثر على ارتفاع طفيف على منحدر وسرعان ما سقط على وجهه في الأرض في حادث محرج، أما الواقعة الثانية فكانت مع وصول محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى المطار وأثناء هبوطه من على سلم الطائرة وقع الأمير وهو على أخر درجات السلم ولكن من حوله حال دون أن يرى الجميع الحادثة بوضوح.
الربيع العربي يهان
من على منبر الجامعة العربية التي كان مفترضا أن تكون معبرا لأمال الشعوب وأحلامها، هاجم أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الربيع العربي وصفا إياه بــ “الوهم”.
الصباح، الذي تولي مقاليد الحُكم قبل 11 عاما بتزكية مجلس الوزراء وبمبايعة أعضاء مجلس الامة الكويتي، قال في كلمته، “لقد أطاح وهم ما يسمى الربيع العربي بأمن واستقرار أشقاء لنا، وعطّل التنمية والبناء لديهم، وامتد بتداعياته السلبية ليشمل أجزاء عدة من وطننا العربي، لتتدهور الأوضاع الأمنية فيها وليعيش شعبها معاناة مريرة وتتضاعف معها جراح أمتنا“.
انطلقت سلسلة احتجاجات شعبية في الإمارة مطلع عام 2011 طالبت بإصلاحات سياسية وأخرى اجتماعية واقتصادية
وأردف “وحتى نتمكن من تجاوز تلك الحقبة المظلمة من واقعنا العربي، فإننا مطالبون باستخلاص العبر مما حصل لنا، وأن نصحح العديد من مسارات عملنا تحصينا لمجتمعاتنا وتماسكا لجبهتنا الداخلية وتحقيقا لتطلعات شعوبنا المشروعة“.
وكانت الكويت، إحدى محطات الربيع العربي، إذ انطلقت سلسلة احتجاجات شعبية في الإمارة مطلع عام 2011 طالبت بإصلاحات سياسية وأخرى اجتماعية واقتصادية، وعلى إثرها قدم رئيس الوزراء آنذاك ناصر المحمد الصباح استقالة حكومته للأمير في نهاية ديسمبر 2011 بعد اتهامات المعارضة لها بالفساد. كما صدر مرسوم أميري بحل البرلمان والدعوى لانتخابات جديدة في فبراير 2012.
السيسي يغادر القمة أثناء كلمة أمير قطر
كانت مغادرة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من قاعة المؤتمرات، بمجرد بدء كلمة الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر، من أبرز المشاهد التي شدّت المتلقي العربي والمتابع للقمة العربية.
ونشرت وسائل الاعلام وناشطون بوسائل التواصل الاجتماعي صورا، ومقاطع فيديو، تظهر خروج السيسي والوفد المصري من القاعة، مارا خلف أمير قطر، وهو يلقي كلمته، بمجرد إعطاء رئيس الجلسة، العاهل الأردني، الملك عبد الله بن الحسين، الكلمة له.
ولَم يصدر أي رد فعل أو توضيح مصري حول ذلك حتى الآن، وما إذا كان ذلك الموقف احتجاجًا على قطر أم أنه يعود لترتيبات للقاء ثنائي بين “السيسي” والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز. وتشهد العلاقات القطرية المصرية توترًا مستمرًا منذ الانقلاب على الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، في أيلول 2013، والذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.