ترجمة وتحرير نون بوست
من وجهة نظر العديد من الأطراف اليسارية، لا تعتبر الغارات الروسية على سوريا مدمرة، فضلا عن أنها تساند مواقف بشار الأسد. فقد سعت هذه الأطراف إلى شيطنة أصحاب القبعات البيضاء. وتجدر الإشارة إلى أنه، وخلال الأسبوع الماضي، خلفت الغارات الجوية الأمريكية على مدينة الموصل، معقل تنظيم الدولة في العراق، أكثر من 200 قتيل، في حين صرح رجال الإنقاذ أن الهجمات الأخيرة قد أدت إلى مقتل أكثر من 500 شخص.
أدت الحرب في سوريا إلى تقتيل وتهجير الآلاف من المواطنين. وفي هذا الإطار، نشرت المنظمة البريطانية “إير وورز”، تقريرا سلطت من خلاله الضوء على عدد الضحايا الذي خلفته الغارات الأمريكية والروسية على حد السواء. وفي الأثناء، اشتملت إحصائيات هذه المنظمة البريطانية، على بيانات لعدد الضحايا الذين سقطوا في سوريا جراء الغارات الجوية الروسية وأولئك الذين قتلوا بنيران التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. وفي هذا الإطار، أفادت المنظمة أن البيانات التي تتعلق بالغارات الجوية الروسية تفتقر للدقة نظرا لمحدودية المعلومات التي توثق هذه الهجمات.
لا تكترث هذه المنظمة بمنفذي هذه الغارات أو هوية القتلى، بل تتناول مسألة عمليات القصف في سوريا بكل حياد وموضوعية، حيث تلتزم بنقل الوقائع بغض النظر عن الأطراف التي تقف وراء هذه الهجمات
في الواقع، لا تكترث هذه المنظمة بمنفذي هذه الغارات أو هوية القتلى، بل تتناول مسألة عمليات القصف في سوريا بكل حياد وموضوعية، حيث تلتزم بنقل الوقائع بغض النظر عن الأطراف التي تقف وراء هذه الهجمات. وفي ظل تتواتر الصراعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط ، يتعامل الكثير من الأشخاص مع هذه القضايا وفقا لميولاتهم ومصالحهم السياسية. ومن بين هؤلاء الأشخاص، نجد العديد من الأطراف اليسارية التي تندد بالغارات الجوية الأمريكية في سوريا، في حين أنها لم تتوان عن الترحيب بعمليات القصف التي يقوم بها الجيش الروسي.
جرائم حرب موثقة
خلال الأيام القليلة الماضية، دمرت القوات الأمريكية مسجدا بمدينة حلب إثر صلاة العشاء. وقد خلفت هذه الغارة حوالي 50 قتيلا. عقب هذا القصف، استنكرت العديد من الأطراف اليسارية هذا الهجوم، في حين أنها التزمت الصمت بشأن الغارات الجوية الروسية. والجدير بالذكر أن بعض الشخصيات المحسوبة على اليسار قد أشادت بعملية تحرير مدينة حلب، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي. وفي هذا الإطار، تطرقت العديد من وسائل الإعلام الروسية والإيرانية إلى عملية “تحرير المدينة من قبضة الإرهابيين”، واعتبرتها إنجازا عظيما.
من المثير للاهتمام أن أصحاب القبعات البيضاء يتمتعون بسمعة جيدة في كل أنحاء العالم، حيث عرفوا بأعمالهم البطولية
في أعقاب الهجوم الأمريكي على المسجد، لعبت منظمة “القبعات البيضاء”، وهي منظمة دفاع مدني تتكون من متطوعين، وتحظى بدعم بعض الأطراف الأجنبية، دورا هاما في إنقاذ وإجلاء ضحايا الغارة. علاوة على ذلك، قامت المنظمة بنشر قائمة بأسماء من قتلو في هذا الهجوم وأعلنت عن مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية على هذا القصف الجوي.
ومن المثير للاهتمام أن أصحاب القبعات البيضاء يتمتعون بسمعة جيدة في كل أنحاء العالم، حيث عرفوا بأعمالهم البطولية. وتتويجا لجهودهم الإنسانية، تحصل أصحاب القبعات البيضاء مؤخرا على جائزة “رايت ليفيلهوود”. من جهة أخرى، حظي فيلم “القبعات البيضاء”، وهو فيلم قصير يوثق عمليات الإنقاذ التي يقوم بها المتطوعون في سوريا، بجائزة الأوسكار. في المقابل، تقلق هذه المنظمة راحة بشار الأسد وحلفائه نظرا لأنها ترصد جرائم الحرب التي ما انفكوا يرتكبونها، وتنقلها للعالم أجمع.
كل المزاعم مدحوضة
خلال الأشهر القليلة الماضية، حاول العديد من الصحفيين الذين يعملون لصالح وسائل الإعلام اليسارية، تشويه سمعة منظمة القبعات البيضاء. وذلك من خلال نشر معلومات كاذبة، على غرار الترويج لكون عمليات الإنقاذ ليست إلا مجرد مشاهد مسرحية، واتهام المتطوعين في المنظمة بالانتماء لجبهة النصرة، والعمل على قلب نظام الحكم لصالح جهات إمبريالية.
في واقع الأمر، لا تعتبر هذه الأطراف اليسارية المصدر الوحيد للأكاذيب التي تطال منظمة “القبعات البيضاء”، حيث لم يتوان النظام السوري أيضا عن توجيه العديد من الاتهامات لهذه المنظمة الإنسانية. وفي الوقت الذي حملت فيه المنظمة الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية هذه الغارات، واصل نظام الأسد استهدافها ومهاجمتها بشتى الطرق.
تدحض جهود عمليات الإنقاذ التي يقوم بها المتطوعون في هذه المنظمة كل الإشاعات التي يروج لها النظام السوري ووسائل الإعلام الموالية له. فقد بات جليا أن كل هذه الإدعاءات تتنزل في إطار حملة شرسة لتشويه إنجازات هذه المنظمة
خلافا لذلك، تدحض جهود عمليات الإنقاذ التي يقوم بها المتطوعون في هذه المنظمة كل الإشاعات التي يروج لها النظام السوري ووسائل الإعلام الموالية له. فقد بات جليا أن كل هذه الإدعاءات تتنزل في إطار حملة شرسة لتشويه إنجازات هذه المنظمة، وذلك بهدف سحقها وطمس كل الحقائق التي تنشرها فيما يتعلق بجرائم الحرب التي يرتكبها النظام.
وفي الأثناء، يُعرض المتطوعون في منظمة القبعات البيضاء حياتهم للخطر وذلك في سبيل تقديم يد العون للمواطنين السوريين، على الرغم من الظروف الصعبة التي يعملون في ظلها. فقد خلفت عمليات القصف التي قام بها الجيش الروسي والأمريكي حوالي 166 قتيلا في صفوف أصحاب القبعات البيضاء.
إلقاء اللوم على الضحية بكل وقاحة
يميل الكثير من الأشخاص إلى إلقاء اللوم على الضحية عوض إدانة المجرم، إثر اندلاع أي حرب. فبكل وقاحة، يعمد بعض الأشخاص إلى شتم الآخرين واطلاق أحكام مسبقة في حقهم بشكل عشوائي. ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن الحرب السورية تعتبر “حرب المتغطرسين”. فقد حولت هذه الحرب ديكتاتورا على شاكلة الأسد إلى “طبيب عيون” مسالم، على الرغم من أنه قد أقدم على قتل وتهجير الملايين من أفراد شعبه.
لا ينتمي هؤلاء الضحايا في نظر العديد من الأشخاص الذين ينتمون للتيار اليساري إلى صنف البشر
في المقابل، يُعامل ضحاياه على أنهم إرهابيين وعملاء للناتو. باختصار شديد، لا ينتمي هؤلاء الضحايا في نظر العديد من الأشخاص الذين ينتمون للتيار اليساري إلى صنف البشر. وينبع هذا التصرف الذي يبيح إلقاء اللوم على الضحية بكل وقاحة، من المواقف الانتقائية. وفي الأثناء، تحفز هذه الرؤى الانتقائية الكثير من الأشخاص القاطنين في الدول الغربية على الوقوف في صف نظام الأسد، في حين يتم تهميش المواطنين الذين ثاروا ضد النظام الديكتاتوري.
المصدر: تاغس تسايتونغ