في عُزلة شبه تامة عن بقيّة العالم، يعيشُ مواطِنو كوريا الشماليّة تحتَ نيْر نظامٍ سياسي شمولّي يدّعي زورًا إرساء دولة اشتراكية تعتمدُ على نفسها. ثقبٌ أسود غامضْ إبتلعَ سُكّانه إلى الانزواء والخضوعِ لنظامِ الحزب الواحد أو الجبهة الموّحدة.
تقعُ “جمهورية كوريا الديمقراطيّة الشعبية” شرقَ آسيا، في الجزء الشماليّ من شبه الجزيرة الكوريّة، محل النزاع بين الكوريتيّن، حكومتانِ في حربٍ تُعيد ولادة نفسها بإستمرار منذ الحربِ الباردة، صراعُ قُطبين عملاقين حبسَ أنفاس العالم لفترة ورمى بظلاله على شبه الجزيرة الكوريّة لتندلع حربٌ أهلية بين أبناء الشعب الواحد في 1950 وتؤول إلى تقسيم رسميّ بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي. حَربٌ منسيّة دارتْ في صمت بينما العالمُ يتخبطُ في تبعاتِ الحرب العالمية الثانية ومن ثمّة حربُ فيتنام، غضّ العالمُ بصرهُ عن شبه الجزيرة الكوريّة طوال القرن العشرين الدامي، ليعود الصراعُ إلى الواجهة ويُصبح محوريّا مع فجر القرن الواحد والعشرين.
ملامح الدولة – السر
حققت كوريا الجنوبية على مدى أربع عقود نموّا مذهلا : في 1960، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد الأقّل، مقارنة مع أسوأ المستويات في البلدان الأكثر فقرا في أفريقيا وآسيا . في عام 2004، أصبحت كوريا الجنوبية في المرتبة ال12 كأكبر اقتصاد في العالم.
يعد الحصول على معلومات حول الاقتصاد بكوريا الشمالية أمرا شبه مستحيل وإن وجدت مُعطيات فهي شحيحة للغاية، حيث إن السلطات في البلاد لا تصدر بيانات مالية أو إحصائية عن الأوضاع الحقيقيّة في البلاد
أمّا كوريا الشمالية، فهي واحدة من أكثر الدوّل التي تواجه مشاكل اقتصادية مزمنة نتيجة لسنوات من نقص الاستثمارات. كرست كوريا الشمالية كل طاقتها لتنمية اقتصاد مغلق في ظل نظام عسكري، فجوة تزدادُ اتساعا بين الجارتين حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية نحو 40 مليار دولار، بينما وصل في الجنوبية إلى 1622 مليار دولار، ويبلغ معدل النمو الحقيقي المقدر في كوريا الشمالية 0.8 في المائة، بينما وصل في الجنوبية إلى 2.7 في المائة. وتعادل ثروة الملياردير الأميركي بيل غيتس خمس مرات الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية. رغم أن كوريا الشمالية تعد من أكثر الدول تكتّما على اقتصادها الداخلي، إلاّ أنها توجد ضمن قائمة أكثر البلدان فسادًا في القطاع العام، وفقا لمؤشر الفساد العالمي السنوي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، جنبًا إلى جنب مع الصومال.
تستهلك صناعة الأسلحة 34٪ من الدخل القومي لكوريا الشمالية كما أن لديها قوة عسكرية هائلة تُقدر 1.2 مليون جندي، ترسانة عسكرية عُظمى لكنّ القلق الأكبر هو الأسلحة النووية
يعد الحصول على معلومات حول الاقتصاد بكوريا الشمالية أمرا شبه مستحيل وإن وجدت مُعطيات فهي شحيحة للغاية، حيث إن السلطات في البلاد لا تصدر بيانات مالية أو إحصائية عن الأوضاع الحقيقيّة في البلاد.
خيارٌ إنعازليّ أنتج أزمات دوريّة وإقتصادًا هشّا وركود إقتصاديّ نتجت عنه أزمات غذائية. فقد توفي بين 300 و800 ألف مواطن كوري شمالي نتيجة المجاعة التي بلغت ذروتها سنة 1997.
تستهلك صناعة الأسلحة 34٪ من الدخل القومي لكوريا الشمالية كما أن لديها قوة عسكرية هائلة تُقدر 1.2 مليون جندي، ترسانة عسكرية عُظمى لكنّ القلق الأكبر هو الأسلحة النووية، فكوريا الشمالية اختبرت أسلحة نووية في 2006 و2009 و2013 ولديها عدد غير معلوم من هذه الأسلحة كما تطور قدرتها على تصغير الأسلحة النووية.
في الواقع أجرت الحكومة تجربتين نوويتين، مؤخرا لتزيد من التوتر السائد بين كوريا الشمالية والمجتمع الدولي. فزادت الأمم المتحدة من عقوباتها الاقتصادية على كوريا الشمالية نتيجة لذلك، ما أثار مخاوف داخل البلاد ولدى خبراء أجانب من تفاقم أزمة الغذاء، ومن تدهور إضافي لمستويات المعيشة، تقنية قد تكون مدمرة لأنها ستمكن النظام من وضع رؤوس نووية على الصواريخ، لكن كوريا الشمالية مفلسة على أرض الواقع دون مساعدة من دول خارجية وحلفاء استراتيجيين، وقد ستنهارُ بعد أيام قليلة إن قررّت شنّ أية حرب.
عالمٌ منفردٌ لا تهدأ فيه الرقابة الحكومية والتلاعبُ بالجماهير
درجة عالية من الرقابة تقيّد المواطنين بحكم الأمر الواقع على حرية الصحافة، فكوريا الشمالية تقبع في أسفل تصنيف المؤشر العالمي لحرية الصحافة. جميع وسائل الإعلام تملكها وتسيطر عليها حكومة كوريا الشمالية بشكل صارم. جميعها تحصل على الأخبار من وكالة الأنباء المركزية الكورية، كما تخصص جزء كبير من مواردها للترويج السياسي لشخصية الزعيم، بعد إعلان وفاة والده كيم جونغ إل في 19 ديسمبر 2011، تم إعلان خبر توريث رئاسة كوريا الشمالية لكيم جونغ “الوريث العظيم”. شخصيّة غامضة ومثيرة للجدل، منذ توليه شؤون البلاد تحت حكم المطلق، بدأ الزعيم الكوري الشمالي في سياسة الإعدام حيث أعدم في سنة 2015 وحدها ما لا يقل عن 15 مسؤولا، لأسباب مختلفة من بينها الشك في الولاء، كما قام بإعدام مهندس إحدى المطارات حيث لم يعجب بتصميمه، وإعدامه لوزير دفاعه هيون يونغ شول، وإعدامه لزوج عمته ومستشاره السياسي بتهم مختلفة، ثم قام بتعزية عمته بعد إعدام زوجها!
إلى جانب منع الإنترنت والأفلام والكُتب “الغير ملتزمة”، تتخذّ الدولة عدّة تدابير غريبة، فكوريا الشمالية لها حزام زمني خاص بها ولا تعترفُ إطلاقٌا بالتوقيت العالميّ
لا وجود لإعلام مستقل ولا تعددّ حزبي، تعد ” دولة الراهب” أكثر الدول قمعا لحرية الرأي والتعبير. تتواصل معاناة الكوريين الشماليين من الانتهاكات لمعظم جوانب حقوق الإنسان. واعتقل مواطنون كوريون شماليون وأجانب تعسفاً، وأُدينوا إثر محاكمات جائرة “بجرائم” جنائية لا يعترف القانون الدولي بها. واستمر تشديد القيود على الحق في حرية التعبير. وأرسلت السلطات آلاف الكوريين الشماليين للعمل خارج البلاد، وغالباً في ظروف قاسية.
كثيرٌ من الصحفيين لا يزالون محتجزين في السجون أو في معسكرات في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد.على الرغم من مراقبة الجواسيس لأنشطة الصحافيين ومصادرة حرية الفكر والتعبير والنشر والصحافة، إلا أن صحافة موازية تزدهر في سرية ا، مواطنون يتحملون مخاطر كبيرة للقيام بتقارير، ويواجهون خطر الحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة أو الإعدام أو “إعادة التعليم”. ولا سيما محطة راديو “كوريا الشمالية الحرة” وراديو تشوسون الحرة والمفتوحة لكوريا الشمالية التي تستخدم الموجات القصيرة غير القانونية.
أمّا عن الفاكهة المحرمة كوريا الشمالية تعد أسوأ ثقب أسود في عالم الإنترنت حيث أن الاتصال بالإنترنت ممنوع تماما في كوريا الشمالية ،سوى عدد قليل جدا من المسؤولين الأغنياء الذين يتمكنون من الدخول إلى شبكة الإنترنت من خلال اتصال سري باهظ الثمن مستأجر من الصين.من جملة مليون حاسوب (مصرّح) في البلاد، ألف حاسوبٍ فقط متصل بالانترنت في بلد يعدّ سكانه 25 مليون نسمة.
تويتر، انستغرام، يوتيوب كلها مواقع يضعها النظام على اللائحة السوداء ويمنعها منعا باتّا. كوريا الشمالية لها شبكة خاصة بها تستعمل للدراسة والمعلومات الحكومية، ولا يستخدمها سوى 10% من السكّان. غالبًا ما تلقى الدولة السرية اهتماما إعلاميا كبيرا بسبب برامجها العسكرية، لكن الحياة اليومية في هذه الدولة مجهولة تماما.
في غياب أي إنتاج فنّي، واي إرسال تلفزي خارجي، قد يضطر المُواطنُ لشراء الأفلام المقرصنة المهربة من الصين
إلى جانب منع الإنترنت والأفلام والكُتب “الغير ملتزمة”، تتخذّ الدولة عدّة تدابير غريبة، فكوريا الشمالية لها حزام زمني خاص بها ولا تعترفُ إطلاقٌا بالتوقيت العالميّ. إضافة للتضييق على حريّة الإجتماع، فإن الدولة لا تسمحُ لمواطنيها بالسفر إلّا نادرا. مما يدفعُ بعضهم للهجرة سرّا للصين في تجارة سرية تسمّى “تهريب البشر” ويبلغ سعر الرحلة إلى الصين قرابة 8 آلاف دولار.
أمّا بالنسبة للمظهر الخارجي للمواطنين فإن المواطن الكوري الشمالي العادي يعد قصيرا مقارنة مع مواطني الشعوب الأخرى، وذلك نتيجة للأزمات الغذائية المتتالية. وتسمح الحكومة الكورية تسمح الحكومة الكورية الشمالية بـ 28 تسريحة شعر فقط، منها 14 تسريحة للنساء.
ملمحٌ المدن كئيب ومتشابه، ففنّ العمارة لا يحملُ ايّ طابع خاص، ونسبة ضئيلة جدا من الطرق معبدة. وكأن المدن قد رسمها الروائي جورج أورويل، مُظلمة وكئيبة وباردة، كوصفه لمقاطعة إيرستريب تماما.
وفي غياب أي إنتاج فنّي، واي إرسال تلفزي خارجي، قد يضطر المُواطنُ لشراء الأفلام المقرصنة المهربة من الصين، الأمر الذي يعدّ غير قانونيّا، أمّا إذا كان الفيلم إباحيّا فعقاب ذلك الاعدامُ رميا بالرصاص.
تتشابَهُ ملامح أكثر دولة سرية في العالم، بملامح رواية 1984 لجورج أورويل، نظام ديكتاتوريّ يُصادر الحرّيات ويؤلّهُ “الأخ الأكبر” دون وجه حقّ
ومنذ توقف تدفق البترول من الاتحاد السوفيتي في منتصف التسعينات دخلت كوريا الشمالية في الظلام حيث تشعل الأنوار في مناطق محدودة جداً من العاصمة عند المساء وفي الوقت الذي يستهلك فيه الكوري الجنوبي حوالي 10.162 كيلو واط في السنة يستهلك الكوري الشمالي 739 كيلو واط سنوياً فقط لتستمرّ مُعاناة المواطنين الذين يبتلعهم الظلامُ كلّ ليلة حيث أن الكهرباء سلعةٌ نادرة، فتغرقُ أغلب المدن في السواد ليلاً.
تتشابَهُ ملامح أكثر دولة سرية في العالم، بملامح رواية 1984 لجورج أورويل، نظام ديكتاتوريّ يُصادر الحرّيات ويؤلّهُ “الأخ الأكبر” دون وجه حقّ، ويسعى لقولبة الفكر وإنتاج نُسخ مطيعة للدولة الشيوعيّة المُثلى، وتكادُ تفاصيلُ الرواية تنطبقُ حرفيّا على أحوال سُكّان كوريا الشمالية الذين يُحاكم الشجعانُ منهم بتهمِ جرائم الفكر والتمرد على الدولة.