في الأونة الأخيرة، حدث اختلاف جوهري في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تحولت المنصات الاجتماعية من وسائل إتصال إلى ساحات عرض تجارية، توجه قواها بشكل كامل نحو التجارة الاجتماعية، وذلك من خلال خلق خصائص وتطوير بعض المزايا التي جعلت هذه المنصات سوق اجتماعي عامر بالمنتجات والسلع. وبما أن الناس يقضون معظم أوقاتهم على الجهاز المحمول، وأن 85% من هذا الوقت يصرفونه في تصفح التطبيقات وذلك وفقاً لموقع جارد شيالد، ساهم هذا التفاعل النشط بمنح فرصة هائلة لهذه الشركات التكنولوجية بتطوير خططها المستقبلية حول تعزيز المبيعات، وأشهر هذه الشركات هي فيسبوك وانستغرام وسناب شات.
تقول إيما رودجرز، المسؤولة عن قسم تسويق المنتجات في شركة فيسبوك “الرسالة الأساسية خلف جميع دراساتنا وتجاربنا على الموقع، أننا نهدف إلى مساعدة المستخدم على إيجاد المنتجات التي يرغب بشرائها، وفي نفس الوقت مساعدة الشركات التجارية على تحقيق مبيعات ربحية مرضية من خلال تكنولوجية الهاتف المحمول”.
لا حاجة للمستهلك للنزول إلى التجمعات أو المحلات التجارية للحصول على ما يحتاجه من السلع. فقد أصبح التسوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أنجح استخدامات الشبكة للشركات والمستهلكين على السواء، إذ أصبح من المستطاع اختيار ما يشاء من السلع والحصول عليها خلال فترة محددة وبالمواصفات المطلوبة. ولا يقتصر التسوق الاجتماعي على عرض بضائع فقط، إنما يمكن أن تتم صفقات تجارية معينة بين شركات مختلفة أو عروض لوجهات سياحية متعددة، وقد تشمل عروض تخفيضات لجمهور هذه المنصة.
لماذا يتجه العالم نحو التسوق الاجتماعي؟
يبدو للكثير أن المزايا واضحة، ويمكن للتطورات السريعة التي يعاصرها الإنسان أن تكون أكثر الأسباب تفسيراً لهذه النقلة النوعية في مجال التجارة والتكنولوجيا. فمن خلال هاتف محمول موصول بالإنترنت يمكن أن تقوم بشراء حذاء أو ربما تعقد صفقة تجارية بينك وبين شركة في الجانب الأخر من العالم.
من أهم ما يجذب المستهلك لهذا النوع من التسوق هو توفر المنتجات بمختلف أشكالها وأنواعها في مكان واحد، وإمكانية معرفة الأسعار لمنتجات مختلفة ومقارنة أسعارها مع منتجات السوق العادي، إضافة إلى سهولة عملية الشراء والاستغناء عن البائعين ومساعدتهم في التسوق.
كيف ساعد نمو عدد المستخدمين للتطبيقات الاجتماعية على خلق هذا النوع من التجارة؟
لا شك أن هناك حرب تنافسية بين شركات التطبيقات التكنولوجية، وأن لكل شركة أهداف مختلفة، لكنها بشكل حتمي مرتبطة بعدد المستخدمين الفاعلين على تطبيقها الخاص. فمثلا أعلن تطبيق انستغرام أن عدد مستخدميه تجاوز نصف مليار مستخدم، وأن أكثر من 300 مليون شخص يستخدمون التطبيق مرة واحد يوميا، وهذا يعد نمواً سريعاً، منذ أن قامت شركة فيسبوك بشراء هذا التطبيق عام 2012 بقيمة بلغت مليار دولار. وتقول الشركة إن متوسط 95 مليون صورة يتم نشرها يوميا، ويعود أحد أسباب هذا التفوق أو النجاح إلى وجود شخصيات مشهورة ونجوم عالمية مستخدمة لهذا التطبيق، كما ذكر كيفين سيستروم شريك مؤسس الشركة.
كلما زاد عدد المتابعين أو المحادثات على صفحة تطبيق معين، كلما أيقنت الشركة بأنها منصة مناسبة لنشر إعلاناتها عليها
في المقابل وصل عدد مستخدمي سناب شات وهو المنافس الأكبر لتطبيق انستغرام، 158 مليون شخص وهو ارتفاع حققه مقارنة مع ما كان عليه قبل عامين، حينما كان عدد مستخدميه يقارب 46 مليون شخص. ووفقا لموقع ميوزكلي، تقول الشركة أن أكثر من 60% من المستخدمين النشطين يوميا يقومون باستخدام سناب شات، وأوضحت الشركة أن عائدات التطبيق الإجمالية بلغت عام 2016 حوالي 404.5 مليون دولار وهي في نمو كبير ومستمر.
إن أعين الشركات التجارية ترى أعداد المتابعين على شاكلة “حزم من الدولار الأخضر” الأمر الذي جعل هذه المنصات أهدافا تسويقية لمنتجاتها ولبناء علامات تجارية معينة، فكلما زاد عدد المتابعين أو المحادثات على صفحة تطبيق معين، كلما أيقنت الشركة بأنها منصة مناسبة لنشر إعلاناتها عليها وكسب المزيد من المشترين لمنتاجاتها.
يتم الأمر بإنشاء الشركة حساب خاص بها على تطبيق معين مثل انستغرام مثلا أو حتى إنشاء قناة على موقع اليوتيوب، وتقوم بتوفير كل الوسائل لجذب أكبر عدد من مستخدمي هذا التطبيق ليكون من ضمن دائرة المستهلكين لسلعها التي تروج لهم بضائع بطرق شبه مثالية. العملية لا تخلو من شركاء أيضا، كأن يقوم أشخاص عاديين من المشترين بعرض سلع علامة تجارية معينة وتكون مهمتهم تسويق هذه المنتجات والحديث مع الناس عن مزاياها و فرادتها.
تقوم المواقع التجارية بجمع المشترين والباعة وتقف بعيدا بانتظار إتمام هذه الصفقة
من بعض هذه المواقع أمازون وإيباي التي تجري عمليات بيع من خلال عرض إعلانات منتجاتها على هذه المنصات، فهي تقوم في الحقيقة بجمع المشترين والباعة وتقف بعيدا بانتظار إتمام هذه الصفقة، و كما هو رائج الأن فإن التوصيات على منتج معين تجري عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر مما تحدث على الموقع نفسه.
لم ينتهي الأمر عند هذا الحد، فإن شركات العلامات التجارية قامت بالعمل مع شركات خدماتية أو استشارية تقدم لها دراسات عن سلوك المستهلك واستراتيجيات حول كيفية جذب أكبر عدد من المستخدمين الذين هم عبارة عن أيدي مستهلكة في المقام الأول. من الأمثلة على هذه الشركات شركة Marketwire التي قامت بتغيير اسمها بعد ذلك إلى Marketwired وبتغير هيلكتها من شركة تعمل على توزيع البيانات الصحفية إلى شركة تعمل على تحليل البيانات والحصول على كافة المعلومات الخاصة بقواعد بيانات مواقع التواصل الاجتماعي، وبالإضافة إلى ذلك، تقوم بأرشفة الملايين من محادثات وتعليقات وتغريدات المستهلكين بشكل يومي حول منتجات مختلفة وتقوم بتزويدها للشركات التجارية وعملاءها على شكل معلومات ونصائح يمكنها اتباعها. مثال على هذه المعلومات المفيدة، أي وقت أو يوم في الأسبوع يعتبر الأفضل لنشر هذه الإعلانات.
مثال آخر الشركة الكندية “سوليوشنز تيرن ستايل” التي تستخدم تقنيات حديثة في التعرف على الإشارات اللاسلكية التي تبث من الجهاز المحمول، ومنها يمكن تتبع مواقع المتابعين مما يساعد الشركات التجارية على تفهم تواجهات متابعينها ونوعية السلع التي يمكن أن يرغبوا بها. ومن خلال توفير هذه البيانات الضخمة والقيام بتحليلها ساعدت على استهداف العملاء والمستخدمين بناء على بيانات تدرس سلوك المستهلك لفهم احتياجاته ومدى أرجحية شراء أي منتج معروض للبيع.
لوجود عدد هائل من الصفحات التجارية التي يمتلكها أفراد أو شركات، لا شك أن الزبون معرض دائماً لمحاولات احتيال أو غش، لذلك قامت عدة مجالس وحكومات بإنشاء جمعيات ومؤسسات تهدف لتوعية المستهلك والدفاع عن حقوقهم.
المستشار: عند التسوق عبر الإنترنت احرص على وجود رمز القفل بجانب عنوان الصفحة بالإضافة إلى أن المواقع الآمنة تبدأ ب (https) بدلا من(http).
— جمعية حماية المستهلك (@cpaksa) March 7, 2017
للحديث عن أهداف التسوق الاجتماعي المستقبلية فإن الشركات المتخصصة من خلال ترجمة الفلسفة الفكرية في جذب المستهلك لشراء أكبر عدد من المنتجات ومن خلال التعاملات العديدة التي تتم معه فإنها تعمل على تطوير طرق الدفع القديمة التي كانت تقوم على استخدام بطاقة الائتمان، وإدخال عدة بيانات عن المستخدم، ما تأمل إليه الشركات التجارية حاليا هو جعل هذه الطريقة أكثر مرونة وسرعة، وأن تم عملية الشراء من خلال بصمة الإصبع مثلا أو الصوت، دون الاضطرار لزيارة صفحة أخرى أو التنقل من التطبيق إلى واجهة مختلفة.
في هذا الخصوص، أعلن موقع الفيسبوك في بيان رسمي العام الماضي، عن إطلاق بداية إتمام عمليات الشراء عبر تطبيق الماسنجر الخاص به، وأضاف أن عملية الشراء والدفع ستتم عبر نقرات معدودة وسهلة، دون الحاجة لمغادرة تطبيق فيسبوك ماسنجر. ويأتي هذا ليؤكد على إمكانية جني الشركات للعائدات المالية من تطبيقها، والذي يستخدمه مليار مستخدم، وذلك عبر تطوير برمجيات أوتوماتيكية “بوت” تدمج مباشرة في التطبيق حتى لا يضطر المستخدمين لإتمام عمليات شراء خارجية وتقليص الجهد عليهم.