في مسعاهم للنيل من الثورة التونسية، مهد الربيع العربي الذي يكنّون له كل البغض والعداء، مدّت دولة الإمارات يدها في البداية إلى الباجي قائد السبسي وحزبه، حتى ينفّذ أجندتها وينهي على الثورة وأمال الشعب، فكان أذكى منها، أخذ المال وأدار لها ظهره، لتضع كل ثقلها بعد ذلك على محسن مرزوق وجماعته الذي يروجون لخطاب اقصائي، فما ممارسة الاقصاء إلا هدفهم وغايتهم في البلاد، ليثب لها فيما بعد ضعف حليفهم في الساحة وانكشاف ورقتهم مبكرا، فحولوا الوجهة إلى شخصية جديدة، إلى رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، فهل يكون جمعة بديلا للإمارات في تونس؟
السبسي يدير ظهره للإماراتيين
في مخالفة للقانون المنظم للأحزاب السياسية التونسي الذي ينص في فصله الـ 19 على المنع التام لكل “تمويل مباشر أو غير مباشر نقدي أو عيني صادر عن أية جهة أجنبية”، والذي ينصّ أيضا على: “يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات كل من خالف أحكام الفقرة الأولى والثانية من الفصل 19 أعلاه”، تلقى الباجي قائد السبسي في صيف 2014، أي قبل الموعد الانتخابي بأشهر قليلة، سيارتين مصفحتين من أعلى طراز من دولة الإمارات العربية المتحدة في شكل هدية لحمايته وحماية الفريق الساهر على مرافقته، حسب قول قيادات حزبه نداء تونس، في وقت كانت الصحافة الإماراتية تصف فيه نداء تونس بأنه حزب علماني في مواجهة حزب إسلامي أي النهضة التونسية.
السبسي يلتقي نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة
الإمارات، الدولة الأكثر عداءً للربيع العربي ودعمًا للثورات العربية المضادة، كانت تمني النفس، بأن فوز السبسي وحزبه في الانتخابات سيريحها من حركة النهضة ومن الربيع العربي الذي تسعى جاهدة لإفشاله وإفشال مشاريع الانتقال الدّيمقراطي في دول الرّبيع حتى لا تكون مُحفّزا لباقي الشّعوب، إلاّ أنّ الباجي قائد السبسي كان أذكى منهم وأشدّ دهاء، فأدار لهم ظهره حتى لا تشهد بلاده إعادة إنتاج المشهد المصري، فأختار التوافق مع حركة النهضة عوض اقصائها وزجّ قياداتها في السجون كما تسعى له الإمارات.
مرزوق حليفهم الفاشل
فشل الرهان على الباجي قائد السبسي، حتّم على دولة الإمارات مواصل نهجها في الضغط على تونس اقتصاديا وديبلوماسيا وذلك بمواصلة تجميد عديد المشاريع الاستثمارية الإماراتية التي كان مبرمجا إنجازها في تونس ومواصلة وضع القيود المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول إلى أراضيها بالنسبة إلى حاملي الجنسية التونسية، وتجميد كل أوجه التعاون بين البلدين، إلى أن تجد من ينفّذ أجنداتها هناك.
فكان أن تحالفت مع محسن مرزوق الذي انشق عن نداء تونس وأسس حزب جديد له يحمل اسم “مشروع تونس”، ودخل في تحالف مع أحزاب أخرى تحت راية “جبهة الإنقاذ” في مسعى منه لجمع أكبر عدد من الأنصار ومسك الحكم في الانتخابات القادمة، بعد أن علم أن البقاء مع الباجي قائد السبسي لن يمكنه الحكم.
مرزوق يلتقي بحفتر في ليبيا
أبو ظبي اختارت مرزوق كوكيل لمشروعها في تونس المناهض للثورات العربية، فأغدقت عليه بالمال الوثير للعمل على نجاحه في تسويق صورة الشخصية الجامعة للعلمانيين واليساريين في مواجهة الإسلاميين، ومهّدت له الطريق في ليبيا، بأن جمعته مع حليفها هناك خليفة حفتر في بنغازي وفي مدن أوروبية أخرى لتنسيق العمل بينهما.
تسعى الإمارات لمن يخلفها في تونس بدل مرزوق الذي فشله في تسويق نفسه كشخصية جامعة لخصوم النهضة وبقية الاحزاب المحسوبة على الثورة
ومع تقدّم الوقت، بدأ مرزوق في خسارة موقعه في المعارضة فجبهة الإنقاذ الذي أعلن عن نيته تأسيسها بمعية أحزاب أخرى لم تفلح حتى الأن في الإعلان عن وجودها ولا الداعمين لها، فبات من الواضح أن دولة الإمارات تسعى لمن يخلفها في تونس بدل مرزوق الذي فشله في تسويق نفسه كشخصية جامعة لخصوم النهضة وبقية الاحزاب المحسوبة على الثورة، بل وفشل في الحفاظ على حزبه الذي يشهد عديد الاستقالات في صفوفه.
مهدي جمعة البديل
مباشرة بعد أيام من تولي مهدي جمعة منصب رئاسة الحكومة التونسية، عاد سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى تونس بعد غياب دام أكثر من أربعة أشهر، احتجاجا على تصريحات سابقة للرئيس التونسي، آنذاك، المنصف المرزوقي بشأن ثورة 30 يونيو في مصر والموقف الإماراتي من جماعة الإخوان المسلمين.
عودة السفير الإماراتي إلى تونس، كانت فاتحة علاقات جيدة بين مهدي جمعة وحكام الإمارات، فكان أن بدأ جمعة أول جولة خليجية له منذ تسلم مهامه بزيارة الإمارات لكسب ودّها وودّ القائمين عليها والماسكين بزمام الأمور الذي أطلعهم على “جهود الحكومة التونسية في مكافحة التطرف وترسيخ الأمن والاستقرار في المجتمع التونسي”، بحسب وكالة أنباء الإمارات الرسمية.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
مهدي جمعة في زيارة رسمية للإمارات أثناء توليه منصب رئاسة الحكومة التونسية
بعد هذه الزيارة توطّدت العلاقات بين الطرفين، فسارع جمعة لخدمة حلفائه الجدد وتقديم واجب الولاء لهم بأن أدرج أكثر من 250 شخصية سياسية ليبية بارزة تلعب دورًا فاعلاً في المشهد الليبي على قائمة الممنوعين من الدخول إلى تونس، ومن بين الممنوعين رئيس حزب الوطن عبد الحكيم بلحاج والشيخ علي الصلابي المحسوبين على ثورة فبراير، الأمر الذي أدّى إلى استبعاد تونس من أي دور إقليمي في الأزمة الليبية، على الرغم من أنها الأقرب والأكثر تأثرًا بالتطورات الراهنة في ليبيا.
أشارت تقارير للعلاقة الوثيقة التي تربط بين شقيق مهدي جمعة بحكام الإمارات واللواء المتقاعد في ليبيا خليفة حفتر
مهدي جمعة الذي أعلن أول أمس الاربعاء، عن تأسيس حزب جديد تحت اسم “البديل التونسي“، هدفه استكمال المسار الديمقراطي، حسب قوله، بعد أن أنشأ في صائفة 2016مركزا للدراسات أطلق عليه “تونس البدائل”، تلقى تمويلات كبيرة، هو وصهره، من الإمارات وفقا لعديد التقارير الإعلامية، حتى يؤسّس حزب يكون بديلا لحركتي النهضة ونداء تونس بعد فشل باقي الأحزاب على منافسة هذين الحزبين.
تقارير أخرى، أشارت للعلاقة الوثيقة التي تربط بين شقيق مهدي جمعة بحكام الإمارات واللواء المتقاعد في ليبيا خليفة حفتر، فقد كان شقيق جمعة الوسيط بين هذه الأطراف في عديد المناسبات.
وسبق للأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، أن انتقد مهدي جمعة، قائلا إنه نادم على اختياره مهدي جمعة رئيسا للحكومة نظرا لزلاته التي اكتشفها لاحقا كمحاولة إجهاض الحوار الوطني، وأوضح العباسي أنّه في البداية وقع اختياره على جمعة نظرا لحياده، ولكنه اكتشف بعد ذلك أنه لم يكن أهلا لتلك الثقة و “المباركة“. فـ “جمعة كان يتحين في الفرص للترشح لرئاسة الجمهورية”، حسب العباسي.
ولا يهم دولة الإمارات العربية المتحدة ممن تتقرّب، المهم أن تنجح في إفشال ثورات الربيع العربي ومنع وصولها إليهم مهما كلّفها ذلك، وقد أفلحت في جزء كبير من مسعاها، حيث أفشلت ثورة مصر واليمن وليبيا وهاهي تعمل على إفشال ثورة تونس.