يبدو أن الحرب المفتوحة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دخلت ميدان جديد في المواجهة أكثر قسوة وشراسة وتحقيقاً للنتائج من أي معركة أخرى، لكن دون أن تسمع فيه أي أصوات للرصاص والقنابل ولا حتى الضجيج المرعب للصواريخ والطائرات.
الحرب الدائرة بين المقاومة و”إسرائيل” مستمرة منذ سنوات لكن اشتدت عضدها بعد انتهاء الحرب على غزة صيف 2014، تدعى “حرب الأدمغة” أو “صراع العقول”، وتركز في أساسها على جميع المعلومات الأمنية والسرية والاستفادة منها في الحروب العسكرية.
المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، حققت نصراً نوعياً وهاماً في “حرب الأدمغة” مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وهذا باعتراف الاحتلال وقادة جيشه، لكن هذه المرة انتقلت تلك المعارك لميدان جديد يشكل أكبر خطر على وجود الاحتلال وهي “حرب العملاء المزدوجين”.
لماذا تخشى إسرائيل العملاء المزوجين؟
يتخوف الشاباك من استغلال “حماس” للمسافرين العاديين، واستخدامهم لبث الأكاذيب والإشاعات في الضفة والقدس ودولة الكيان، لذلك قرر تقليص عدد التصاريح للمسافرين من غزة، وتحديداً التجار
وفي هذا الإطار سلط موقع “واللا” العبري المقرب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، الضوء على جزء بسيط من هذا الحرب، مشيراً إلى أن إسرائيل لديها تخوفات أمنية من سيطرة أجهزة أمن المقاومة على العملاء واستغلالهم كـ “عملاء مزدوجين” لصالحها في جمع المعلومات الأمنية والسرية الخطيرة.
وذكر الموقع العبري، أن التخوفات دفعت جهاز “الشاباك” الإسرائيلي، لتقليص عدد تصاريح خروج العملاء من غزة، لأنهم سيخضعون للتحقيق لدى أجهزة الأمن وأمن المقاومة، وسوف يقدمون لهم معلومات أمنية هامة.
وكشف عن دراسة طاقم خاص” بالشاباك” لطريقة تعامل “حماس” مع العملاء، وبين أن حماس ستحاول تجنيد عدد من العملاء للعمل لصالحها، ويعمل الطاقم على دراسة قوة “حماس”، وطريقة عملها، ووضع حلول لتعطيل قدراتها في هذا المجال.
من ناحية أخرى يتخوف الشاباك من استغلال “حماس” للمسافرين العاديين، واستخدامهم لبث الأكاذيب والإشاعات في الضفة والقدس ودولة الكيان، لذلك قرر تقليص عدد التصاريح للمسافرين من غزة، وتحديداً التجار، على حد زعم الموقع العبري.
وتناول الموقع كذلك تصريحات لرئيس “الشابك” الإسرائيلي، نداف أرجمان الأسبوع الماضي قال فيها إن:” حماس ليس لديها نية لمواجهة إسرائيل في الوقت الحالي، لكن المنظومة الأمنية تقدر أن حماس تسعى لزيادة قوتها العسكرية، وعند الانتهاء من ذلك ستقوم بتحدي إسرائيل واستفزاز الجيش”.
وهنا علق مصدر أمني رفيع المستوى في كتائب القسام الجناح المسلح لحركة “حماس”، على تصريحات وتخوفات الاحتلال من قضية “العميل المزدوج”، قائلاُ:”لا شك أن تصريحات العدو تأتي ضمن الدعاية التي يقدمها حول قطاع غزة، مؤكداً أن العمل الأمني ضد العدو على أشده، وأن الخوف لدى ضباط الشاباك ليس جديداً”.
ولفت إلى أن المقاومة وجهت خلال السنوات الماضية وخلال الفترة الأخيرة ضربات أمنية موجعة جداً دفعت العدو للتخبط واستخدام جميع الوسائل الممكنة لتحسين صورته بعد هذه الضربات.
ستستخدم حماس العميل المزدوج كطعم للاحتلال، وستقوم بتسهيل وتقديم بعض المعلومات الأمنية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ليحصل على الثقة
وذكر أن حركة “حماس” والمقاومة الفلسطينية فرضت معادلتها على أرض الواقع، وأصبحت تتعامل مع الكيان نداً بند، وكانت ولا زالت تسعى تطوير قدراتها الأمنية والعسكرية وتفوقت في أكثر من موقع، وهو ما اعترف به الاحتلال مؤخراً.
صراع الأدمغة الورقة الرابحة
وهنا يؤكد المختصّ بالشؤون الإسرائيلية، عمر عامر، أن “حركة حماس تريد أن يكون لها عين داخل جهاز “الشاباك” الإسرائيلي، وفي حال نجحت في هذا الهدف ستكون كافة أجهزة استخبارات الاحتلال بكل أنواعها كأنها كتاب مفتوح بالنسبة إليها“.
وقال خليل،: “زرع عميل مزدوج داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بطريقة سرية يعد من أهم المشاريع التي تسعى لها المقاومة الفلسطينية منذ سنوات، ووصول حركة حماس إلى هذا الأمر يعتبره الاحتلال من أشد الأمور خطورة على وجوده وسرية معلوماته“.
وأضاف: “حماس ستستخدم العميل المزدوج كطعم للاحتلال، وستقوم بتسهيل وتقديم بعض المعلومات الأمنية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ليحصل على الثقة، ولكن في المقابل تحصل على معلومات أكثر أهمية وتأثيراً، مع أخذ التدابير اللازمة لما قدمته للاحتلال من خلال عميلها“.
هنا يمكن القول، أن معلومة واحدة أحيانا؛ قد تغير مجرى أكثر الحروب والصراعات، شدة وقوة؛ ولذلك تعتبر المعلومات التي يحوزها أي طرف من أطراف الصراع والحرب؛ هامة جدا، وتعادل النصر في حالة استثمارها جيدا
ولفت المختص بالشأن الإسرائيلي إلى أن “الاحتلال يعتبر حرب الأدمغة والعملاء التي تقودها حماس في غزة هي الأكثر خطورة على بنك معلوماته ومخططاته ضد الفلسطينيين والمقاومة، سواء كانت في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وهذا إنجاز كبير يُحسب لحركة حماس، “التي حققت انتصارات كبيرة فيها، بحسب اعترافات الاحتلال“.
ويعتقد الباحث المتخصص في شؤون الأمن القومي المقدم د. إبراهيم حبيب، أن المقاومة الفلسطينية تخطو خطوات جيدة على صعيد “صراع الأدمغة” مع الاحتلال، متوقعاً أن يكون الصراع خلال الفترة المقبلة في صالحها كون أنها تُسيطر بشكل أساسي على غزة وأدوات الاحتلال وتعمل بشكل حثيث على تجفيف منابع التخابر.
ويشاركه الرأي الكاتب في الشئون الأمنية من قطاع غزة، حسام الدجني حين قال إن:” هناك صراع خفي بين المقاومة ومخابرات الاحتلال، وربما من يرصد الإعلام العبري يجد معالم هذا الصراع، والنجاحات التي تحققها المقاومة”.
وأضاف الدجني: “طالما وجد الاحتلال فإن صراع الأدمغة سيستمر ومحاولات كل طرف لاختراق الطرف الآخر ستشتد”، لافتاً إلى أن ما تقوم به الداخلية من دور مميز في حملات محاربة التخابر قد ساهم في توجيه ضربة لقدرات “الشاباك” في التجنيد والحصول على المعلومات.
وهنا يمكن القول، أن معلومة واحدة أحيانا؛ قد تغير مجرى أكثر الحروب والصراعات، شدة وقوة؛ ولذلك تعتبر المعلومات التي يحوزها أي طرف من أطراف الصراع والحرب؛ هامة جدا، وتعادل النصر في حالة استثمارها جيدا، وتم التعامل معها بشكل علمي دقيق.
وليست القوة العسكرية هي من تحسم الحروب على أهميتها؛ فكم من الحضارات والدول كانت تحوز على قوى عسكرية لا يشق لها غبار؛ ولكنها انهارت من داخلها، أو من خلال قوى خارجية دخلت من خلال نقاط ضعفها، فالاحتلال أتقن هزيمة العرب سابقا من خلال استغلال نقاط ضعفهم؛ وحان الدور عليه، فالأيام دول، والقوي لا تدوم قوته للأبد.