تواصل قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية المساندة لها، استهداف الأحياء السكنية بقذائف المدفعية والصاروخية، بينما يواصل الطيران الروسي قصف المدن والبلدات السورية في مناطق شمال غربي البلاد بالغارات الجوية، لليوم الرابع على التوالي، موقعًا عشرات الضحايا من المدنيين.
خيم الموت على المناطق المستهدفة خلال الأيام الثلاث الماضية في ظل انعدام استقرار، وسط توجس الأهالي من استمرار تصعيد نظام الأسد، ما تسبب في نزوح آلاف العائلات المقيمة في المدن والنازحة على أطرافها، نتيجة اشتداد وتكرار الهجمات الصاروخية والمدفعية.
هجمات متصاعدة
استهدفت قوات نظام الأسد الأحياء السكنية مثل حي الجامعة والسبع بحرات، وسوقًا شعبيًا ومرفقًا صحيًا (مشفى إدلب الوطني) ومرفقًا تعليميًا (مديرية التربية) في منطقة السبع بحرات، ومسجدًا قرب الملعب البلدي، ومخيمًا للنازحين قرب حي الجامعة، في مدينة إدلب شمال غربي سوريا، ما أسفر عن مقتل 3 أطفال وإصابة 5 آخرين.
وذكرت الخوذ البيضاء، أن القصف الصاروخي الذي استهدف مدينة إدلب الأحد 8 أكتوبر/تشرين الأول، تسبب في مقتل 4 أشخاص، طفلان وامرأة، في حين توفيت امرأة بسكتة قلبية في أثناء القصف، بينما أصيب نحو 27 مدنيًا بعضهم بحالة حرجة، من بينهم 10 أطفال و4 نساء، ومتطوعان في الدفاع المدني في أثناء توجههما لأداء واجبهما الإنساني، ضمن حصيلة غير نهائية لهجمات صاروخية من نظام الأسد.
ارتفاع حصيلة قتلى القصف الصاروخي الذي استهدف مدينة إدلب صباح اليوم الأحد 8 تشرين الأول، إلى ثلاثة قتلى، هم طفلان وامرأة، ووفاة امرأة بسكتة قلبية أثناء القصف، وإصابة 27 مدنياً، بعضهم بحالة حرجة، ومن بينهم 10 أطفال و 4 نساء ومتطوعان في الدفاع المدني السوري (المتطوعان أثناء توجههما… pic.twitter.com/WxG8g1SPv8
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) October 8, 2023
كما استهدفت قوات نظام الأسد مع ساعات الصباح الأولى الأحياء السكنية في مدينة سرمين شرقي إدلب بقصف صاروخي، حيث طال القصف مركز صحة النساء والأسرة التابع للدفاع المدني السوري، ما أدى إلى خروجه من الخدمة، دون تسجيل إصابات في صفوف متطوعين ومتطوعات الخوذ البيضاء.
واستهدفت مدفعية نظام الأسد مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي بقذائف صاروخية طالت مسجدًا والأحياء السكنية في المدينة، ما تسبب في ضرر أجزاء واسعة في المسجد، كما استهدف أطراف بلدة المسطومة، بينما شن الطيران الروسي عدة غارات جوية على منطقة الكبينة في ريف اللاذقية، بينما استهدفت مدفعية نظام الأسد بقذائف صاروخية، بلدات وقرى السرمانية ودوير الأكراد والعنكاوي في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي.
وأمس السبت، استهدفت قوات نظام الأسد الأحياء السكنية في مدينة إدلب، ومدن وبلدات وقرى أريحا كفرلاته وإحسم وسرمين وكورين، جنوبي إدلب، فيما استهدف مدينة جسر الشغور وقرية بسنقول غرب إدلب، وترمانين ومعرة مصرين والدانا وشنان شمال إدلب.
وطال قصف إدلب المدينة، منطقة الصناعة وطرقات رئيسية ومطعمًا ومحيط المدينة خلال عدة هجمات بقذائف صاروخية، ما أسفر عن مقتل 3 مدنيين بينهم طفلان وإصابة 4 بينهم طفلة، بينما خلفت الهجمات المتكررة خلال اليوم على مدينة أريحا أضرارًا كبيرةً في منازل وممتلكات المدنيين.
إلى مدن غربي حلب، فقد استهدفت قوات نظام الأسد الأحياء السكنية في مدينتي الأتارب ودارة عزة وقرية التوامة والسحارة، فيما استمر قصف مدينة دارة عزة بقذائف المدفعية والصاروخية حتى ساعات متأخرة من ليل السبت/الأحد، حيث تحتوي على أسلحة محرمة دوليًا (أسلحة عنقودية والنابالم والفسفور).
وتسبب قصف الأحياء السكنية بأسلحة محرمة دوليًا شملت قنابل عنقودية وفوسفورية وحارقة (نابالم)، في اشتعال عدة حرائق في كل من مدينة أريحا وبلدة ترمانين بريف إدلب، ومدينة دارة عزة والتوامة غرب حلب، إذ أظهر مقطع فيديو مصور نشره الدفاع المدني بمدينة أريحا استغاثة مدنيين محاصرين في البناء لإنقاذهم في أثناء اندلاع النيران.
ووثق الدفاع المدني السوري، مقتل 11 شخصًا بينهم 5 أطفال وامرأة، بينما أصيب 26 مدنيًا بينهم 7 أطفال و3 نساء، السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، جراء هجمات ممنهجة شنتها قوات نظام الأسد بقذائف المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، وفي انفجار لمخلفات قصف عنقودية، وغارات جوية من الطائرات الحربية، توزعت الهجمات الجوية والمدفعية والصاروخية على أكثر من 15 مدينة وبلدة وقرية في ريفي إدلب وحلب.
وارتفعت حصيلة القتلى جراء القصف الصاروخي والمدفعي والجوي للمدن والبلدات في مناطق شمال غربي سوريا، إلى 45 قتيلًا في حصيلة غير نهائية في ظل استمرار عمليات الاستهداف المتكررة للأحياء السكنية والمرافق العامة.
وتسببت حملة القصف المتواصلة التي تستهدف مدن وبلدات شمال غربي سوريا في نزوح مئات العائلات من منازلهم، مع توسع رقعتها بشكل تدريجي من جنوبي إدلب إلى شمالها وغربي حلب، ما تسبب في تعطل الحياة اليومية بشكل شبه كامل في عموم المناطق المستهدفة.
وتتوجه العائلات النازحة إلى المناطق الأكثر أمنًا، إلى مناطق عفرين واعزاز شمالي حلب، فيما اضطرت مئات العوائل المتضررة جراء كارثة الزلزال والنازحة في المخيمات المحيطة على أطراف المدن إلى النزوح مجددًا إلى مناطق أخرى بحثًا عن الأمن بعد تعرض عدد من المخيمات للقصف.
أسباب التصعيد
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن “النظام ارتكب بشكل لا يقبل التشكيك خرقًا لقراري مجلس الأمن رقم 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية، كما انتهك قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين؛ ما يؤدي لنشر الذعر بين المدنيين واقتلاعهم من أرضهم وديارهم، ودفعهم نحو التشريد القسري، حيث يقدروا بقرابة 6.5 مليون مواطن سوري”.
وأشارت إلى أن الهجمات المكثفة جاءت ضمن حملة انتقامية، بعد رصد تعليمات وصلت لقواعد قوات نظام الأسد بتكثيف القصف على المنطقة، ردًا على تفجير استهدف الكلية الحربية في مدينة حمص وسط البلاد.
وطالبت الشبكة المجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري وحلفائه لتعويض الضحايا المشردين وترميم المنازل والمراكز الحيوية، ودعم عملية الانتقال السياسي والضغط لإلزام الأطراف بتطبيق الانتقال السياسي ضمن مدة زمنية لا تتجاوز 6 أشهر ،كي يتمكن ملايين المشردين من العودة الآمنة والمستقرة إلى منازلهم.
الصحفي عز الدين زكور، في مدينة إدلب أكد خلال حديثه لـ”نون بوست” أن “نظام الأسد يستهدف الأحياء السكنية ومنازل المدنيين والمخيمات المحيطة بالمدن، كما يستهدف المرافق العامة المساجد والمدارس والمشافي والمراكز الصحية في مدينة إدلب وريفها”.
وأوضح أن حملة التصعيد تأتي كرد انتقامي على انفجار الكلية العسكرية في مدينة حمص، رغم أن المعارضة لم تتبن الاستهداف، لكن التصعيد يتفق مع أهداف روسيا وإيران في حرق المنطقة وإيجاد حالة عدم استقرار في المنطقة رغم الجهود المحلية المبذولة لتوفيرها لأكثر من 5 ملايين مدني شمال غربي سوريا.
بدورها، ردت فصائل المعارضة في شمال غربي سوريا على التصعيد العسكري الذي طال المدن والبلدات من نظام الأسد والميليشيات الإيرانية وروسيا، من خلال استهداف مواقع الأخيرة في أرياف حلب داخل بلدتي نبل والزهراء والسقيلبية وسهل الغاب في ريف حماة وجورين بريف إدلب والقرداحة في اللاذقية، حسب غرفة عمليات “الفتح المبين”، التي تدير العمليات العسكرية في إدلب.
وتداولت وسائل إعلام وحسابات إخبارية وعسكرية موالية لنظام الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات تؤكد أن الهجمات التي تستهدف إدلب هي انتقام للهجوم الذي حصل على الكلية الحربية في مدينة حمص، وأودى بحياة 89 جنديًا من قوات نظام الأسد، وإصابة 277 آخرين، إثر تعرض محيط الكلية لهجوم بطائرة مسيرة الخميس 5 أكتوبر/تشرين الأول خلال حفل تخريج دورة ضباط الكلية.
في المقابل، شكك مراقبون وخبراء عسكريون في رواية نظام الأسد، لا سيما أن الكلية الحربية في حمص تقع على بعد يتجاوز 100 كيلومتر، عن أقرب جبهة مع المعارضة قرب معرة النعمان جنوبي محافظة إدلب، ما يعني صعوبة وصول الطيران المسير إلى المنطقة المستهدفة، إلا أنها أفسحت المجال أمام نظام الأسد لتكثيف قصف المناطق المحررة.
ما السيناريوهات المقبلة؟
يرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، أن تصعيد نظام الأسد ردة فعل ومحاولة لإفراغ غضب الحاضنة الموالية، من خلال توجيه بوصلتها مجددًا تجاه التهديد الخارجي في ظل ما تتعرض له من انشقاقات واهتزازات في الثقة تجاه نظام الأسد.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “سيناريو شن حملة عسكرية على المنطقة موجود، لكنه غير مرجح وضعيف في الوقت الحاليّ، والأرجح أن نظام الأسد يسعى للتعبئة والحشد الداخلي من خلال إفراغ التوترات تجاه عدو خارجي”.
وأضاف “غالبًا ما يسمح التهديد الخارجي بتوحيد بوصلة المؤيدين لنظام الأسد، لذلك وجه الاتهامات نحو إدلب من خلال تكثيف حملة الاستهداف المدفعي، باعتبارها معقل الجماعات الإرهابية المدعومة خارجيًا حسب زعمه”.
ويرجح سالم أن التصعيد سيستمر بهذا الشكل من خلال القصف العشوائي المدفعي والصاروخي لفترة، لكن سوف يهدأ مجددًا، لأنه لن يكون هناك حملة برية وتغير في خطوط التماس والسيطرة في إدلب، نظرًا لوجود تفاهمات دولية، في حين لا يبدو أنه الوقت المناسب لتغييرها.
وتخضع محافظة إدلب لاتفاق خفض التصعيد في مايو/أيار 2017، واتفاق وقف إطلاق النار بين الرئيسين التركي والروسي في 10 مارس/آذار 2020 بعد حملة عسكرية ضخمة شنتها روسيا إلى جانب نظام الأسد سيطرت خلالها على مساحات واسعة من أرياف حماة وحلب وإدلب.
ورغم ذلك، لم تهدأ عمليات القصف الممنهج طيلة الفترة التي أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار، إذ تشهد خطوط التماس والبلدات المحيطة بها في جبل الزاوية وأريحا جنوبي إدلب وريف حلب الغربي، هجمات دورية مماثلة، لا تشبه حملة التصعيد الحاليّة.