بخبرٍ مفاجئ أعلنت تركيا الأربعاء 29 مارس/آذار 2017 انتهاءَ الحملة العسكرية في شمال سوريا تحت اسم درع الفرات التي مضى عليها قُرابة نصف عام منذ 24 آغسطس /آب الماضي مكللةً العملية بالنجاح بحسب ما جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردغان عقب اجتماعه مع أعضاء مجلس الأمن القومي التركي بنفس اليوم الأبعاء.
حيث قال إن عملية درع الفرات التي جاءت بالتعاون مع فصائل الجيش الحر السوري، انتهت بعدما نجحت في طرد تنظيمي داعش وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري ، مضيفاً أن الحملة العسكرية أزالت خطر التهديدات تُجاه الأمن القومي التركي.
لكن ما جاء على لسان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم يبقى الأهم إذ ترك الأخير الباب مفتوحاً لشن عمليات أخرى داخل سوريا تحت مسميات جديدة في حال عادت التنظيمات التي تعتبرها بلاده إرهابية حزب العمال الكردستاني – تنظيم داعش – إلى تهديد الأمن القومي التركي.
بات واضحاً أن تركيا وصلت لهدفها الأساسي من الحملة العسكرية داخل سوريا بعد الوصول إلى مثلث الأمان من جرابلس واعزاز إلى مدينة الباب
تنبيه يلدريم جاء بكلمة تلفزيونية عبر وسائل الإعلام التركي طرح العديد من التساءلات أهمها عن سبب هذا الإعلان وما الغاية منه وماذا بعد درع الفرات بالنسبة لتركيا وهل فعلاً انتهى الدور التركي في الشمال السوري واننتهى الخطر لتترك المنطقة بمن فيها لأنباء الشعب السوري يعيشون بأمان، وماذا عن دور فصائل الدرع بعد الانتهاء الرسمي من نهاية عملياتها وفك الارتباط بينها وبين السلاح الجو التركي فأين ستكون وجهتها؟
أسباب الإعلان عن توقف حملة درع الفرات
توقيف درع الفرات بهذا الوقت له العديد من الأسباب فقد بات واضحاً أن تركيا وصلت لهدفها الأساسي من الحملة العسكرية داخل سوريا بعد الوصول إلى مثلث الأمان من جرابلس واعزاز إلى مدينة الباب، ومن المعلوم أن هذا المثلث لم يكتمل إلا بعد عرقلة المشروع من قبل الحلفاء مرات عدة، لتتحلحل بعدها الأمور بتجاوز عقبة الباب من خلال بوابة موسكو عبر جملة من المصالح التركية الروسية أهمها الاقتصاد والسياحة بين البلدين وقد حدث على إثر هذا التقارب صفعة حلب مقابل الباب بناءً علي سلم الأولوية التركية بعد محاصرتها بالأخطارمن كل الجهات.
كما كان هناك رضى أمريكي عن التحركات التركية داخل سوريا بخطوط مجهزة مسبقاً مع روسيا شكلت هذه الخطوط فيما بعد صدمة للجانب التركي عندما قرر التوجه لما بعد الباب.
تحرير الباب يعتبر إنجازاً كبيراً لتركيا كونه جاء بعد انتظار خمس سنوات من عمر الثورة السورية، بالإضافة أن هذا الإنجاز كلف تركيا تنازلات كبيرة للأطراف الفاعلة في سوريا بسبب ترددها الكبير طيلة فترات الصراع ، رغبت تركيا بعدها أن تُكمل مسيرةَ النجاح بمتابعة التوجه نحو منبج والرقة في خطوة قد تكون نهائية لنهاية الخطر الكردي إلى الأبد.
من أسباب القرار أيضاً الاهتمام التركي لموضوع الاستفتاء الشعبي على الحكم الرئاسي وضبط الأمور داخل تركيا والاستمرار في مواجهة الموجة الأوربية ضدها
ولكن سرعان ما تدخلت أمريكا عبر التحالف الدولي وأرسلت قوات خاصة أمريكية انتشرت في منبج ومحيطها إضافة إلى دعمها بشكل مباشر لقوات قسد التي عقدت اتفاقاً مع روسيا لإدخال قوات النظام وتسليمه عدة قرى في ريف منبج ما نتج عن هذه التحركات قطع الطريق بشكل كامل أمام قوات درع الفرات.
من أسباب القرار أيضاً الاهتمام التركي لموضوع الاستفتاء الشعبي على الحكم الرئاسي وضبط الأمور داخل تركيا والاستمرار في مواجهة الموجة الأوربية ضدها، إضافةً إلى ترتيب الاهتمام بمدينة جرابلس والباب وتجهيزها إدارياً مع بقاء الفصائل تحت رايتها لتحمي هذه المناطق من أي اعتداء مفاجئ مع إبقاء رفع الجهوزية الكاملة لأي عمل آخر في حال أي حركة غدر من قبل قوات سوريا الديمقراطية المتحركة من خلال داعميها وهذا ما يفسر ترك الباب مفتوح لأي عمل آخر تحت مسميات جديدة.
رسائل سياسية لتركيا أوقفت درع الفرات
سياسياً وصلت الرسالة بشكل صحيح إلى الجانب التركي مفادها أن ترتيباً جديداً دخل حيذ التنفيذ واتضح أن فيتو روسي أمريكي وضع أمام قوات درع الفرات لمنعها من التقدم أكثر من الخط المسموح به، كما تلقت تركيا صفعة أخرى من قبل موسكو بدعمها لقوات قسد وتدريبها في عفرين وربما ينتج عنه إنشاء قاعدة روسية دائمة في عفرين تُضيفها إلى رصيد قواعدها في حميميم وطرطوس في الإشارة هنا إلى إخلال روسيا أوالتفافها عن وعودها التي تم النقاش بها في لقاء القمة الأخير بين أردوغان وبوتين منتصف شهر آذار.
إن التطورات على الأرض تعطي انطباعاً بأن الإدارة الأميركية الجديدة تسير على خطى الإدارة السابقة
ومن مفردات الرسائل التي وصلت لتركيا وكانت سبباً في توقف درع الفرات هو التجاهل الأمريكي للمقترحات التركية الثلاث حول معركة الرقة ، التي قدمها الرئيس أردوغان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب وصوله للبيت الأبيض نهاية عام 2016 وقد كان أحد أهم المقترحات المقدمة فتح ممرمن معبر تل أبيض شمالاً لدخول قوات تركية خاصة لتحريرالرقة إلى جانب فصائل الجيش السور الحر، إلا أن دعم ترامب بشكل علني لقسد أثار استياء كبير لتركيا وزاده استياءً بعدم الوضوح الأمريكي لحسم الأطراف المشاركة في معركة الرقة، ما جعل الأخير التركي يُدرك أن الرسالة وصلت من الجانب الأمريكي تاركاً الباب مفتوح حول أهمية الدورالتركي في محاربة الإرهاب عبر تصريحات تتالت على لسان أردوغان.
وبن علي يلدريم الذي انتقد الإدارة الأمريكية بقوله: إن التطورات على الأرض تعطي انطباعاً بأن الإدارة الأميركية الجديدة تسير على خطى الإدارة السابقة مشدداً بالقول هنا أن أي استبعاد لتركيا في محاربة الإرهاب لن يُحقق الاستقرار في المنطقة.
الترتيبات الجديدة أسقطت خيارات تركيا في الاستمرار بعملياتها داخل سوريا والتوجه إلى منبج ، فهي منذ أن وصل ترامب للبيت الأبيض أصبحت تسير بعملية إرضاء الحلفاء ومسك العصا من الوسط بين روسيا وأمريكا وهذا اتضح جلياً بعودة الملف السوري إلى يد الأمريكان وسحبه من روسيا ناهيك عن التدخل المباشر الأمريكي بقوات أرضية.
إن ما يهم تركيا هنا حول مستقبل الرقة بعد تحريرها من يد داعش والخشية تكمن أن تكون هذه المنطقة تحت حكم الإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية لتُوسع من إقليمها الكردي وصولاً إلى عفرين
تداعيات القرار والنتائج المترتبة على تركيا
لو نظرنا إلى توقيت ظهور البيان لرأينا أنه سبق زيارة وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون إلى العاصمة التركية أنقرا التي من المفترض أن تكون هذه الزيارة للحديث عن ترتيبات عمليات الرقة، فربما جاء القرار التركي ضربةَ استباقية الغاية منها تقديم مبادرة حسن نية تركية أمام الاعب الأمريكي للحصول من الأخيرعلى أمورمستقبلية قد تتعلق بتطمينات أمريكية لتركيا حول مستقبل الرقة بعد تحريرها، والمهم هنا لتركيا ليس مشاركة قوات قسد بمعركة الرقة فبعد الإنزال الأمريكي الأخير في ضفتي الفرات وإرسال امدادت عسكرية لقسد فبات من الواضح أن قسد حُسم أمرها بقرارأمريكي أنها الطرف الأساسي في هذه المعركة.
بيد أن ما يهم تركيا هنا حول مستقبل الرقة بعد تحريرها من يد داعش والخشية تكمن أن تكون هذه المنطقة تحت حكم الإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية لتُوسع من إقليمها الكردي وصولاً إلى عفرين، بالأخص بعد التصريحات التي ظهرت قبل أيام من قبل رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم عندما أعرب عن نيته لضم الرقة لأقليم روج آفا واستعداد قواته التوجه إلى إدلب.
بما أن تركيا قد أخذت العبر من استمرار خذلانها من قبل الحلفاء فمن الطبيعي لها أن تبقي عينها ساهرة على سلوكهم بما ينسجم مع حماية الأمن القومي لها فاكتفت حالياً بما وصلت إليه
اتخاذ القرار من الجانب التركي في ظل هذه الأمور المعقدة في مشهدية الرقة ربما كان قراراً مدروساً يتطلب التريث وانتظاروضوح الموقف الأمريكي لحسم الأطراف المشاركة، وقد تُعول تركيا على الإدارة الأمريكية أن يكون لها دور في المعركة ولو كان ثانوي ومن يدري قد تختارأمريكا في اللحظات الأخيرة أن تكون تركيا مشاركة في الرقة بشكل أساسي جنباً إلى جنب مع قوات قسد لتقليل التكلفة على الإدارة الأمريكية في معركة الرقة والتي من المرجح أنها ستطول على غرار معركة الموصل.
تدخل التداعيات أيصاً في إطار التوازنات الدولية التي تتحكم بطبيعية المصالح المتداخلة بين روسيا وأمريكا وتركيا في سوريا لذا فمن الضرورة هنا لتركيا إبقاء قوات درع الفصائل تحت جناحها لأن ما بعد الرقة لن يكون كما قبلها.
وبما أن تركيا قد أخذت العبر من استمرار خذلانها من قبل الحلفاء فمن الطبيعي لها أن تبقي عينها ساهرة على سلوكهم بما ينسجم مع حماية الأمن القومي لها فاكتفت حالياً بما وصلت إليه وهي بنفس الوقت متأهبة دوماً لتجاوز حتى الفيتو الروسي الأمريكي إن اقتضت الحاجة لذلك ولو كان على حساب أي طرف من الحلفين لها، وعلينا أن نأخذ بعين الاعبتار أن تركيا ماضية بأمرمصيري قد يُغير السياسية التركية بشكل جذري اذا ما كتب لها النجاح في موضوع الاستفتاء وتحويل الحكم إلى رئاسي فيتحتم عليها بهذه الفترة التأني بعدما وضعها اللاعبان الروسي والأمريكي بين فكي كماشة.