إنها البلد التي يجب عليك أن تغيّر ساعتك البيولوجية فيها بشكل جذري، فحين يكون المرء في زنجبار، يجب عليه أن يكون مدركًا لوجوده قرب خط الاستواء، إلا أن في زنجبار سيكون الوضع مختلفًا بعض الشيء عن غيرها من البلاد التي تقترب من خط الإستواء، ففي زنجبار يبدأ اليوم ومعه التوقيت الزمني مع شروق الشمس، أي أن الساعة السابعة صباحًا بالنسبة إليك، ستكون الساعة الواحدة صباحًا بالنسبة لهم، يمكنك أن تتخيل الوضع برسم خط يفصل الساعة الدائرية التي تعلقها على جدار منزلك، فستكون الساعة الثالثة ظهرًا لك بالتاسعة مساءًا لهم، هل يبدو هذا غريبًا بعض الشيء، إذًا فلتتعرف على غرائب زنجبار منذ التاريخ وحتى يومنا هذا.
تتشابه زنجبار مع كثير من البلاد الإسلامية التي ربما لم يسمع عنها المسلمون من قبل، على الرغم من كون أغلبها عضو في منظمة التعاون الإسلامي، مثل جزر القمر، أو إيريتريا على سبيل المثال، إلا أنها ما تزال مهمشة من قبل أغلبية المسلمين خصوصًا من مسلمي البلاد العربية، فعلى الرغم من أن زنجبار رسميًا تابعة لدولة “تنزانيا” الآن، حيث تقع على بعد 35 كيلومتر من الساحل الشرقي للقارة الإفريقية على هيئة عدة جزر في المحيط الهندي، إلا أنها تتمتع بالاستقلالية التامة في الحكم والسياسة وكذلك الدين.
تاريخ زنجبار مع الإسلام
لا يعتبر تاريخ زنجبار مع الإسلام حديثًا على الإطلاق، حيث مرّ ألف عام على زنجبار وهي دولة ذات غالبية مسلمة، قبل أن تصبح جزءًا تابعًا لتنزانيا في نهايات القرن الماضي بعد نهاية حقبة الانتداب البريطاني فيها، حيث يعود تاريخ الإسلام في زنجبار منذ عهد الدولة الأموية، أي في القرن الثامن بعد أن قام “الحجاج بن يوسف الثقفي” بمحاولة ضم “عُمان” إلى الدولة الأموية، حينما أرسل لذلك جيشًا مهيبًا انطلق بعد السيطرة على سلطنة عمان إلى الجزر بالقرب من الساحل الشرقي لإفريقيا.
يظهر الإسلام بعدها لأول مرة في الجانب الجنوبي من القارة الإفريقية ويتم تشييد أول مسجد في تلك المنطقة المعروفة الآن بجزر زنجبار، بعد أن كانت تحت الحكم البرتغالي (أول قوة أوروبية تحكمها) لمدة قرنين متصلين من الزمن، ولكن تشير بعض الدلائل إلى تواجد الإسلام بين قلة من سكان الجزيرة قبل الفتح العُماني بالفعل وذلك بسبب رحلات التجارة المستمرة من الهند والخليج العربي لإفريقيا.
وقعت زنجبار تحت حكم سلطنة عُمان رسميًا عام 1698، لتعزز بعدها حركات التجارة المتبادلة بين العرب والهنود وجزر زنجبار، التي كانت تعرف حينها بساحل “الزنج”، من تواجد الحكم الإسلامي في تلك المنطقة، فخضوع تلك الجزر للحكم البرتغالي لفترة طويلة من الزمان، ليأتي بعدها الحكم العربي الإسلامي ومعه حركات التجارة النشطة زودت من التنوع الثقافي فيها، بسبب موقعها الجغرافي المتميز في المحيط الهندي الذي اشتهر في تلك الحقبة من الزمان بما يُسمى بالمثلث التجاري بين أوروبا وأمريكا وإفريقيا، وخصوصًا في تجارة الرقيق.
الحكم العربي والعصر الذهبي للاقتصاد في زنجبار
اتسعت رقعة الحكم العربي العُماني لعدة مدن في في الداخل الإفريقي وصلت حتى مقديشيو (عاصمة الصومال حاليًا)، وامتدت لجزر أخرى مثل مدغشقر
قامت سلطنة عمان بتطوير التجارة والاقتصاد في الجزر، ذلك بالمساعدة مع الرحلات التجارية المستمرة بينها وبين الهند والخليج العربي وخصوصًا من العراق و شيراز (إيران)، فأصبحت ما يُسمى بـ “بستان إفريقيا”، وذلك للتطور الضخم في المحاصيل وبالأخص التوابل منها، فكانت مصدر العالم للقرنفل والثوم، كما اشتهرت في ذلك الوقت بصناعة العاج من أنياب الفيلة، كما كانت موقعًا مركزيًا لتجارة الرقيق، فاعتبرت موانئها على الساحل الشرقي موقعًا متميزًا لاستقبال الرقيق من معظم البلاد الإفريقية ونقلهم إلى الشواطىء الأوروبية وكذلك الأمريكية.
صورة للسلطان “البوسعيدي”
اتسعت رقعة الحكم العربي العُماني لعدة مدن في في الداخل الإفريقي وصلت حتى مقديشيو (عاصمة الصومال حاليًا)، وامتدت لجزر أخرى مثل مدغشقر فكانت تلك الحقبة بمثابة تخليص الحكم العربي من الاستعمار الأوروبي لسكان الساحل الإفريقي الشرقي، والنهوض بالعملية الاقتصادية والتجارية، فاشتهر إحدى السلاطين العرب أثناء الحكم العماني لزنجبار وهو السلطان ” سعيد البحري” بمقولة “أنا تاجر قبل أن أكون سلطانًا”، حيث اتسع نطاق التجارة في عهده من السواحل الشرقية لإفريقيا وحتى موانىء فرنسا وبريطانيا.
كانت تجارة الرقيق السبب الأصلي لاضمحلال عهد العرب في تلك المنطقة من القارة الإفريقية
التجارة بداية اضمحلال العصر الذهبي للعرب في زنجبار
صورة لمدينة “الحجر” في زنجبار”
إنقلب السحر على الساحر، وكانت تجارة الرقيق السبب الأصلي لاضمحلال عهد العرب في تلك المنطقة من القارة الإفريقية، فبعد ازدهار الحالة الاقتصادية نتيجة لتعاون السلطان “سعيد البوسعيدي” مع أمريكا وبريطانيا في المجال التجاري (تجارة الرقيق)، قامت بريطانيا بالسيطرة على جزء كبير من اقتصاد زنجبار، وذلك في رغبتها لـ “تحرير العبيد” وإنهاء تجارة الرق، لتبدأ بريطانيا في التدخل في أمور زنجبار سياسيًا.
أعلنت بريطانيا زنجبار مستعمرة بريطانية عام 1890
ذلك حتى رفعت العلم البريطاني على أرض زنجبار في عهد السلطان “البوسعيدي” لتعلن الوصاية الرسمية لجزر زنجبار في نوفمبر عام 1890، لتستمر تلك الوصاية 70 عامًا، تم خلالها تدبير خطة مُحكمة تضمن بها بريطانيا السيطرة التامة على الساحل الشرقي لإفريقيا من الحكم العربي الإسلامي حتى بعد نهاية فترة الوصاية، وتم لها ذلك عن طريق ثورة زنجبار الدموية، أو ما يصفها التاريخ بأقصر حرب في العالم، حيث استمرت 40 دقيقة أدت في النهاية إلى بداية السياسة الاستعمارية لبريطانيا.
ثورة زنجبار الدموية
سميت ثورة 1964 بثورة زنجبار الدموية، حيث سادت الفوضى، واحتدت الخلافات العرقية بين المسلمين من أصول مختلفة
بدأت بريطانيا سياسة (فرق تسد)، كان نتاجها تكوين أحزاب سياسية تدعم فكرة “القومية الإفريقية”، لتفرق بين المسلمين من أصل عربي في زنجبار والمسلمين من أصل إفريقي، ليكون بذلك حجر الأساس لحرب أهلية وعرقية تهدف للإطاحة بالعرب من الساحل الشرقي لإفريقيا إثنيًا.
سميت ثورة 1964 بثورة زنجبار الدموية، حيث سادت الفوضى، واحتدت الخلافات العرقية بين المسلمين من أصول مختلفة، استغل فيها الاستعمار المأجورين والمرتزقة الأفارقة من أجل الهجوم على المسلمين العرب، وعلى الرغم من أنه لم تكن هناك أعداد دقيقة عن الضحايا، إلا أن بعض الدارس يُشيرون أن من قُتل من العرب بزنجبار كان بين خمسة آلاف و11 ألفا، ولم يبق من الخمسين ألف عربي بالجزيرة (سدس السكان) حينها سوى 12 ألفا بسبب التهجير القسري.
على الرغم من أن “مجزرة العرب” في زنجبار مهمشة من قبل العلوم والإعلام العربي الوثائقي، إلا أننا سنجدها في بعض الوثائقيات القليلة، وبعض الكتب التاريخية المختصة في علم “الجنوسايد” أو عمليات الإبادة الجماعية، مثل “فظائع بلا عنوان في القرن العشرين” حرره آدم هيربرت.
أصبحت زنجبار الآن جزءًا من تنزانيا، إلا أنها مازلت تتمتع بالاستقلالية السياسية وكذلك الدينية
زنجبار الآن
أصبحت زنجبار الآن جزءًا من تنزانيا، إلا أنها مازلت تتمتع بالاستقلالية السياسية وكذلك الدينية بغالبية مسلمة، ولازلت تشتهر بإنتاج التوابل، حيث تُسمي بـ “جزيرة التوابل”، ولكن ما لا يعرفه السائح العربي عن زنجبار أنها من أجمل الجزر الإفريقية المتميزة بالسياحة البحرية، لما تتميز به من سواحل رائعة الجمال على المحيط الهندي، إلا أنه يجب عليك التعود على التنقل بسرعة شديدة بين الجزر، حيث الطائرات والسفن وسائل التنقل السريعة بين تنزانيا وزنجبار، إلا أن عليك التعود على سرعة القارب الفائقة لتنقلك بأقل وقت وبسعر ضئيل.
يجب عليك أن تتعود إن قررت أن تذهب للسياحة هناك، أن الجميع حولك سيلتفت إليك لإلقاء التحية، فإلقاء التحية على الغرباء أمر طبيعي جدًا في زنجبار، لا سيما للسائحين العرب، حيث من الممكن أن يتحدث إليك أحد السكان بعربية سليمة إذ أنها لغة محلية معترف بها بجانب اللغة الرسمية (السواحيلية)، ليلقي عليك التحية ويسألك عن يومك بشكل اعتيادي كما يفعل الأغلبية هناك.
اعتاد الحياة البطيئة في زنجبار، فإذا قمت بطلب وجبة من والوجبات البحرية بجوار الساحل، لن يقل انتظارك لها عن الساعة، إلا أن هذا سيمنحك وقت كاف لاستكشاف ما حولك، لا سيما أن “اليونسكو” أعلنت على مدار العقود الماضية عدة أماكن تاريخية يعود عمرها لـ 2000 عام في جزر زنجبار، مثل “مدينة الحجر”.
لا يمكنك أن تترك زنجبار بدون أن تجرب الشاي الخاص بها وحدها، مع مزيج من البهارات الرائعة التي تصدرها الجزر للقارة بأكملها، مثل القرنفل والزنجبيل ليطلقوا عليه اسم “الشاي الحار”، يمكنك أن تستمع به أثناء إقامتك للرحلات البرية، ولا تخف، فليس هناك أسود أو فيلة، بل الحياة البرية بالنسبة لزنجبار هو كل ما يكون تحت سطح الماء.